أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين بوغانمي - حركة النهضة في أيامها الأخيرة















المزيد.....

حركة النهضة في أيامها الأخيرة


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 18:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لماذا فشل الإسلاميون في الحكم في كلّ مكان؟ ولماذا وصلت حركة النهضة إلى آخر الطّريق؟

الإسلاميون سيفشلون في الحكم دائِمًا لأنّهم يعيشون على التذكّر، إذ يستبطنون "دولة مستحيلة"، لا تشبه الدولة الحديثة، ولا علاقة لها بمعاييرها الكونية، ولا بطبيعة الفرد الذي هو منتوج قرن ونصف من التحديث، والولاء لهذه الدولة الجديدة التي وُلد في ظلّها.

وهنا، يجب التأكيد على أنّ التوانسة في هذا العالم المترابط، وفي ظلّ النّظام الدولي الصارم، ليس لهم بديل عن هذه الدولة. وربما كانت مهمتهم الأولى بعد الثورة، العمل على منع انهيارها. وثانيا، تحريرها من الاستبداد، وعقلنتها وجعلها أكثر تعبيراً عن الإرادة الشعبية، وأكثر قدرة على الاستجابة لاحتياجات الناس، وأكثر استعدادا على العيش مع العالم، باعتبار هذه الدولة التي تتكلم لغة العصر، هي الخليّة الأساسية في التكوين القانوني للنظام الدولي، وأساس العلاقات بين الشعوب.

قبل الثورة كان النظام تسلّطيًا سافرا بلا أي محتوى إيديولوجي، يحكم من خلال سيطرة الحزب الواحد، مع تعددية مظهرية. ويتستمد استقرار سيطرته من شبكة تضامنات عائلية ومافيوزية داخلية، مرتكزة على منافع وارتباطات اقتصادية بالدول الغربية المهيمنة على المسرح العالمي.

كان المطلوب أولا، إحداث قطيعة حاسمة لا مهادنة فيها مع التسلّط، حتى لا ينجح نظام الاستبداد في إعادة توليد نفسه. وذلك بتفكيك شبكات الفساد على نحو لا رحمة فيه. وبإصلاح الإدارة بشكل جذريّ. وبتقليص حجم مصاريف بيروقراطية الدولة. وبحشد الموارد حتى تصبح الدولة هي المستثمر الرئيسي، وقادرة على وضع مخطط لمحاربة الفقر، والحد من البطالة عن طريق بعث المشاريع التنموية الكبرى، وإصلاح البنية التحتية والصحة والتعليم والتكوين والسكن ...
وثانيا، تحقيق مصالحة وطنية شاملة، قائمة على إنفاذ عدالة انتقالية حقيقية، تُضمّدُ الجراح، تُجبر الخواطر، تردّ الحقوق لأصحابها، وتطوي صفحة الماضي.
وثالثا، تحرير المجتمع وتعزيز العمل المدني، وتمكينه من قدرات تفاوضية في تعامله مع مؤسسة الدولة، لإعادة بناء شراكة مجتمعية سِمتها الحوار والتعاون على بناء ركائز النظام الديمقراطي والدولة العادلة القوية المتصالحة مع شعبها، السّاهرة على خدمته.

بدل كلّ هذه الواجبات الوطنية الأخلاقية، ماذا فعل الإسلاميون؟

• قسّموا الشعب وزرعوا الفتنة بين شباب الثورة.
• وضعوا الدولة والمجتمع في مأزق تناقض جوهري بين بنية الدولة ومواريثها في التشريع والتعليم والأحوال الشخصية وعادات الناس وتديّنهم ونمط عيشهم وحميميتهم وحرياتهم الخاصة، وبين تصوّرهم الخاص كجماعة لمفهوم دولة الشريعة المتخيَّلة. ولقد ترتّب على ذلك تمزّق اجتماعي وثقافي وإداري ونزاع مرير بين محاولة أسلمة الدولة وتوليد نموذج قروسطي لاستبداد يرتكز إلى شرعية دينية، تمثلها الجماعة المصطفاة. وبين مجتمع يكافح من أجل المحافظة على نفسه من خلال تشبّثه بالحدّ الأدنى من المكاسب المدنية.
وفي سياق هذا النّزاع جنح الإسلاميون لفرض الإذعان على الكل بالاستعانة بأذرع عنيفة من خارج الدولة. وهذا أدّى إلى تمدّد الإرهاب في ظرف قياسيّ بحيث تمكّن من تأسيس "بلاطفورم" مادية وبشرية. وأصبح يصول ويجول، ويمرح فوق أعصاب الدولة، وفي وضح النهار. ووصلنا إلى الاغتيالات السياسية وذبح الأمنيين ... وحدث ما حدث، وصارت تونس أوّل مُصدّر للإرهاب. وانتقلت من علامة كونية مضيئة بثورة الحرية، إلى بؤرة مخيفة يستحيل فيها العيش، فما بالك الاستثمار. وتوقفت عجلة الاقتصاد، وبدأ الانهيار.

• باتت قضية السيطرة على مفاصل الدولة وتطويعها هي القضية المركزية الأولى لحركة النهضة. وفيما كان الفقر يعمّ والبطالة تتوسّع والأسعار تزداد التهابا، وخزائن الدولة تفرغ، والمديونية تتضاعف، كان الإسلاميون يحتجزون أصحاب الثروات، ويُساومونهم داخل سجونهم وخارجها، ويبتزّونهم لنهب ما طالته أياديهم دون اكتراث لأوضاع البلد وللشعب الذي يستغيث. ولم يبنوا ولو حجرًا واحدًا في هذا البلد على امتداد عشرة سنوات. وحتى الخيّرين من بين الإسلاميين الذين ارتفعت أصواتهم احتجاجًا على سياسات الخراب، مطالبين بوقف النّزيف، لم تتطلّب عمليّة التخلّص منهم جُهدًا يُذكر، إذ تمّ طردهم، وانتهى الأمر.

• إلى يوم الناس هذا. حتى بعد أن انفجر الشعب في وُجوههم. ولأنّهم لا يملكون أيّ حلّ، مازالوا في حالة إنكار سخيفة لمسؤوليتهم عمّا آلت إليه الأوضاع، بما يشير إلى أنهم مُمْعِنون في هدم البلاد. فهم يتصرّفون كلصوص على مدار السّنة. وما أن تتحرّك الجماهير حتى يعودون جريًا للتصوّر البدائي لأهل السنّة والجماعة حول الحكم. فالنهضة بهذا المعنى، هي مستودع الحق ومصدره، وليس الغالبية الشعبية الثّائرة ولا الدستور والقوانين. بل ما تراه هي حقاً فهو حق. وما تراه باطِلًا فقد بَطُلَ. لأنها (حسب زعم قادتها) على نهج النبي، ووريثته.

ماذا كانت نتيجة حكم الإسلاميين وفق هذه المنهجية الكارثية، التي ستطيح بهم، بعد أن اقتنع الشعب، بالتجربة والدليل أنّهم لا يملكون مشروعًا لحكم دولة ؟

١/ لقراءة النتيجة، أكتفي ببعض المؤشرات البسيطة:
تونس اليوم، بالأرقام، وبكلّ الحسابات، لو تُحقّق 4% نموّ كلّ عام، لكي نصل إلى مستوى إقتصاد دولة محترمة، سنحتاج إلى وقت طويل، وسلم اجتماعية حقيقية، تقوم أوّلا على تأمين حقوق الأُجراء.
وهذا يعني أنّ مستوى معيشة الفرد، تتطلّب جهود الدولة وجهود المجتمع في كل الاتجاهات لِما لِزمن.

٢/ صارت عندنا أشياء غريبة عجيبة، مثلا، بقدر ما يكون الشّاب في تونس متفوّق وذكيّ ومختص وصاحب شهادات عليا، بقدر ما تتناقص حظوظه في الحصول على شغل. وهذا ما يفسّر الأعداد المفزعة لكفاءات البلاد المعطلة عن العمل في جميع الاختصاصات. وما يفسّر كارثة هجرة الأدمغة، وإفراغ البلاد من العقول.

٣/ كلّ عام عندنا مئة ألف طفل ينقطع عن الدراسة. وهذا مؤشر اقتصادي خطير جدا. لأن هؤلاء المنقطعين عن الدراسة اليوم، هم الطبقة العاملة وعماد الاقتصاد بعد عشرة سنوات. ومن المعلوم أن مستوى التعليم يدخل ضمن العوامل المحدِّدة للنّمو في أيّ بلد. بمعنى بإمكاننا أن نكون على يقين من الآن، أن تونس بانقطاع مئة ألف طفل عن الدراسة هذه السنة، سوف لن تحقق نموّا أكثر من 1% سنة 2030. وهذه، بالمناسبة، أكبر جريمة تُرتكب في حق البلد، لأن الجيل الذي تخرج من المدرسة العمومية، والذي تقف تونس على أكتافه اليوم، سوف لن يكون موجودًا بعد عشرة سنوات.

٤/ عندنا نصف مليون شاب مُدمن. يعني 10% من السكان في غيبوبة. وهذا أيضا مؤشر اقتصادي، له علاقة بتجارة المخدّرات، بالسّوق السّوداء والاقتصاد الموازي الذي بلغ نِسبة مُخجلة من الاقتصاد الوطني تقوم دليلا قاطعًا على أنّ الدولة فاشلة بكل المقاييس. ومن الواضح أن بلوغها هذه النسبة هو مؤشر على أن الفساد يتحكم في الإدارة بشكل كامل.
ثمّ 2/3 الشبان المستهلكين عاطلين عن العمل. وهذ يعني أنّ باب الانحراف والجريمة والارهاب مفتوح على مصراعيه.

٥/ غلاء المعيشة والتراجع من الفقر المعمّم إلى حالة الجوع المتوحّش.
٦/ خراب النسبج الاقتصادي بسبب غزو البضائع الأجنبية للسوق المحلية.
٧/ التعقيدات البيروقراطية، بحيث فتح شركة يتطلب ضعف مرتّب شهري وجهد يفوق معدل ستة أشهر جريًا بين الإدارات. علاوة على ظاهرة الرشوة. وهذا فيه قتل للمبادرة الخاصة.

مع هذه الأمور التي لا يحصيها مجلّد، ثمة سياسة الكذب والمراوغة وغياب الشفافية وتضخيم الأرقام لغايات سياسية. فمثلا في اقتصاد كهذا يقولون لنا "المؤسسة البنكية الفلانية تحقق 30% أرباح" ! وهذا يعني بكل بساطة أن السُّلطات تُغالط شعبها وتستبلهه.

وأخيرًا، ومن أغرب عجائب الدّهر، أن نجد كلّ الذين يتمّ تعيينهم في مراكز القرار، إمّا سياسيين بلا كفاءة. أو كفاءات بخلفية لصوص. وحين يستعينون بالكفاءات الوطنية الحقيقية من حين إلى آخر، إنما الغاية من ذلك إيجات حلول مؤقتة للسياسيين الفاشلين وليس للبلاد. وهذا ما يفسر العبث وغياب الخطط والسياسات العشوائية الكارثية.
انجر على ذلك حزن عام، فالشعب التونسي عام 2012، كان ترتيبه 98 في مؤشر السعادة عالميا. اليوم تراجع إلى المرتبة 124، أي قبل العراق بنقطة واحدة، يعني شعب يعيش حزنًا يُضاهي مخلّفات أربعين سنة من الحروب.
وين ماشين؟

الجواب: هذا هو معنى هدم المجتمع الذي قصده السيد قطب في مبادئ الفلسفة الإخوانية القائمة على:
1/ الجاهلية في القرن العشرين .
2/ الحاكمية أصل من أصول الدين.
3/ لا بدّ من طائفة تُقاتل وعُصبة من المؤمنين لفرض الشّوكة.
4/ لابدّ من هدم المجتمع.
5/ الجماعة هي الأمة.

لهذه الأسباب نحن ضدّهم. وليس لأيّ شيء آخر. وإلى اليوم، لسنا مع استئصالهم. لأننا نؤمن أنّ الديمقراطية لا تقوم على الإقصاء. وخرافة "دفاعهم عن الإسلام" هي أكبر كذبة. وليسوا أكثر منّا إسلامًا، ولا أقرب منّا للّه.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحليل السياسي والفكري يجب أن يتمّ بعيدًا عن العواطف والموا ...
- صوت يأتي من بعيد
- الإمبريالية وتمويل المجتمع المدني في دول الجنوب العالمي
- بين الثورة والإصلاح
- حول القاضي والمُتّهم
- تهرم سكاني في تونس وانفجار ديمغرافي إفريقي: قراءة استراتيجية ...
- جذور المركزية الأروبية ومآلاتها البربرية
- العوامل التي تمنع إقدام الغرب على تنظيم سيناريو الإطاحة بقيس ...
- لماذا تعود الشعوب والأمم لقراءة تراثها وتفتيشه وبحثه وتمحيصه ...
- حوار مع صديق لا يستقرّ على رأي
- في منزلق سؤال الوزير السابق، السيد عبد اللطيف المكي عن -احتر ...
- دواعي تسريب المكالمة الهاتفية بين عبد الناصر ومعمر القذافي ف ...
- شعبي الذي خذله اللّصوص
- النفاق السياسي والانتهازية كأسباب لأزمة الثقة السياسية في تو ...
- بين الاستبداد والفاشية: خديعة المصطلح
- حدث 25 جويلية، صراع الإرادات: بين استئناف المسار الثوري، وإع ...
- العلم والسلطة: تفكيك العروبة الحضارية في شمال إفريقيا والشرق ...
- القانون الدولي بين مبدأ عدم التدخل، ومسؤولية الحماية: آليات ...
- إضاءات حول المعتزلة
- آثار الدّعاية -الإسرائيلية- في الخطاب اليومي


المزيد.....




- الهجوم على المتحف اليهودي في واشنطن.. عندما تحول الاحتفال إل ...
- مستعمرون ينصبون خيمة ويضعون -كرفانا- على أراضي بروقين غرب سل ...
- الإفراج عن رجل دين إيراني اتهم السعودية بتحويل مكة لـ-مكان ل ...
- استقبل حالا.. تردد قناة طيور الجنة 2025 نايل سات وعربسات
- السيد الحوثي: أنظمة عربية وإسلامية تسيّر سفنًا للاحتلال عبر ...
- مستوطنون يجددون اقتحاماتهم لباحات المسجد الأقصى
- السعودية تفرج عن رجل دين إيراني (صورة)
- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
- إسرائيل تعلن عزمها بناء 22 مستوطنة يهودية جديدة في الضفة الغ ...
- السعودية تفرج عن عالم دين إيراني اعتقل على خلفية انتقادات وج ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين بوغانمي - حركة النهضة في أيامها الأخيرة