سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 8348 - 2025 / 5 / 20 - 22:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المقال 11: خمس حقائق مُزعجة تُدحض الوحي الكتابي
بقلم الدكتور دافيد ماديسون
أُلغيت جائزة جيمس راندي الشهيرة، البالغة مليون دولار، عام 2015، بعد أن ظلت مجهولة لمدة خمسين عامًا. كانت الجائزة متاحة لأي شخص يُظهر، في ظل ظروف مُحكمة، قوى خارقة للطبيعة أو ما وراء الطبيعة. لو كان لديّ رصيد كهذا، لعرضتُ جائزة مماثلة، خاصةً للإيمان بالله. بعد قرون من ادعاءات المؤمنين، تتساءل العقول المُتسائلة: كيف يُمكننا تحديدًا معرفة الله؟ يُمكن صياغة هذا التحدي بدقة: "ستحصل على المليون دولار عندما تُرينا أين يُمكننا العثور على بيانات موثوقة وقابلة للتحقق عن الله، ويجب أن يُوافق جميع المُؤمنين على أن هذه البيانات موجودة هنا".
احتجّ أحدُ المُدافعين عن الله على اختلافِ المُؤمنين حولَ الكثير، مُغفلاً عن إدراكِ المُفارقة. لكنّه أخطأَ الهدف. نحن لا نطلبُ من جميعِ المُؤمنين أن يتفقوا على تفسيرِ بياناتِ الله - وهم بالتأكيد لا يتفقون حولَ ما يعتبرونه بيانات - نحنُ نسألُ أين يُمكننا العثورُ على هذه البيانات. ليسَ من الضروريِّ لهم حتى أن يُظهروها لنا. فقط أخبرونا أين يُمكننا العثورُ على بياناتٍ موثوقةٍ وقابلةٍ للتحققِ عن الله، وسنبدأُ من هناك.
المصادر المُشتبه بها عادةً، وفقًا للمؤمنين بالله - مصادر معرفة الله - تشمل الصلاة، والتأمل، والرؤى، والكشف الشخصي، و"الشعور بالله في القلب". يخرج مليارات المؤمنين إلى العالم يوميًا مُسلحين بيقينهم بالله، استنادًا إلى هذه القنوات الإلهية. وهنا تحديدًا أصاب المدافعون: إنهم لا يتفقون. لا يتفق أكثر اليهود والمسيحيين (بآلاف المذاهب المختلفة) والمسلمين والمورمون تدينًا على ماهية الله، أو ما يريده، أو كيف يُفضل أن يُعبد. لهذا السبب تُعتبر صلواتهم ورؤاهم و"مشاعرهم في القلب" موضع شك كبير: فهي تفشل في اختبار الموثوقية والقابلية للتحقق. لا يُمكن الوثوق بما يدور في عقولهم.
لقد لفت Thomas Paine توماس باين الانتباه إلى هذه المشكلة منذ زمن بعيد في كتابه The Age of Reason "عصر العقل": "عند تطبيق الوحي على الدين، فإنه يعني شيئًا مُنْقَلًا مباشرةً من الله إلى الإنسان. إنه وحيٌّ للشخص الأول فقط، وسماعٌ لكل شخص آخر، وبالتالي، فهم غير مُلزمين بتصديقه. إن وصف أي شيء بأنه وحي يأتي إلينا من مصدرٍ ثانوي، سواءً شفهيًا أو كتابيًا، يُعد تناقضًا في المصطلحات والأفكار. فالوحي يقتصر بالضرورة على أول اتصال".
لسنا مُلزمين بتصديق ما يعتقده شخص ما عن الله، مهما بلغ تدينه.
ولكن، كما ترى، لدينا هذا الكتاب.
من الواضح أنه يمكن دحض حجة أن الأمر كله في رأسك إذا جاءت بيانات الله على شكل قطعة أثرية ملموسة في العالم الخارجي. يبحث الإنجيليون دائمًا في فلسطين عن قطع أثرية لإثبات قصة يسوع، لكنهم متأكدون تمامًا من أن لديهم واحدة بالفعل. ماذا تريد أكثر من كتاب من ألف صفحة؟ لم يتردد المسيحيون يومًا في تأكيد صحة هذه الوثيقة. يدّعي The Gideons الجدعونيون أنهم ملتزمون "بجعل كلمة الله متاحة للجميع". لا تتردد جمعية الكتاب المقدس الأمريكية The American Bible Society في تسمية منتجها "كلمة الله". لماذا يكذبون؟ وراء هذا الموقف حملة علاقات عامة استمرت لقرون، مدفوعة، بالطبع، بذلك النص الشهير 2 تيموثاوس 3: 16-17 " إِنَّ الْكِتَابَ بِكُلِّ مَا فِيهِ، قَدْ أَوْحَى بِهِ اللهُ؛ وَهُوَ مُفِيدٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ وَالتَّقْوِيمِ وَتَهْذِيبِ الإِنْسَانِ فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَجْعَلَ إِنْسَانَ اللهِ مُؤَهَّلاً تَأَهُّلاً كَامِلاً، وَمُجَهَّزاً لِكُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ."
في هذا النص، تُترجم عبارة "ملهم به من الله" إلى "موحى به من الله". لذا، فإن "كلمة الله" ليست بعيدة عن الصواب من حيث تحديد المفهوم بدقة. يفترض العديد من المسيحيين أن الأمر قد حُسم. ماذا تريد أكثر من ذلك؟ يخبرنا الكتاب المقدس نفسه أنه موحى به. فهل استُجيب إذن لطلب بيانات موثوقة وقابلة للتحقق عن الله؟
عذرًا، 2 تيموثاوس 3: 16-17 لا تجدي نفعاً
بالطبع، لهذا النصّ مرجعيةٌ لمن يؤمنون بالكتاب المقدس. لكن لمن لا يؤمنون به، ما أهميته؟ ولماذا يحمل أيّ وزنٍ أصلًا؟ لا يُمكن استخدام الإيمان لإثباته. هناك اعتقادٌ موازٍ يُوضّح هذه النقطة.
هل الكنيسة الكاثوليكية الرومانية مُحقة في أن البابا معصوم؟ نشأتُ في بلدة صغيرة بولاية إنديانا على الجانب البروتستانتي من الانقسام الكاثوليكي البروتستانتي. كنا نستهزئ بالكاثوليك لسببين رئيسيين: وجود كل تلك "الأصنام" في كنيستهم (فكنائسنا المتشددة لم يكن بها أي تماثيل على الإطلاق)، وادعاءهم أن البابا معصوم. أنا متأكد تمامًا أننا لم نكن ندرك تمامًا معنى ذلك. كانت فكرتنا صورة كاريكاتورية للعقيدة - لم نكن نعرف تاريخها، ولا دوافعها السياسية، ولا القيود التي تُطبق عليها.
لكن هذه هي النقطة. إذا توسل إلينا كاثوليكي قائلًا: "هذا صحيح لأن الكنيسة تقوله صحيحًا"، كان ردنا: "يا للعجب! نعتقد أن الكنيسة الكاثوليكية مخطئة في كل شيء تقريبًا، إنها مسيحية زائفة!" لم يكن يهم ما قالته تلك الكنيسة. وكما قالت غليندا الساحرة الطيبة للساحرة الشريرة في فيلم the Wizard of Oz ساحر أوز: "ليس لديكِ أي سلطة هنا! انصرفي!" وبالمثل، فإن حجة الكتاب المقدس الموحى به المستندة إلى الكتاب المقدس نفسه لا سلطة لها. فسلطة الكتاب المقدس ليست مُثبتة خارج دائرة المؤمنين به بالفعل. وكما ذكر بيتر برانكازيو:
"لا داعي للقول إن الادعاء بأن الكتاب المقدس موحى به من الله لأنه يقول ذلك في الكتاب المقدس هو تطبيق صارخ للمنطق الخاطئ."(هامش 1)
شبهات أخرى حول رسالة تيموثاوس الثانية
ربما كانت هذه الرسالة مزورة؛ فقليل من علماء العهد الجديد السائدين يعتقدون أنها إحدى رسائل الرسول بولس الأصلية. ولكن سواء كُتبت من قِبل بولس أو أحد أتباعه، فهذا لا يهم حقًا. لماذا نثق بمن كتب عبارة "كل الكتاب مُوحى به من الله"؟ كيف سيعرف ذلك؟ إنها مقولة شائعة، مناسبة للتطريز وبطاقات المعايدة الدينية، ولكن هل تصمد أمام التدقيق؟ إنها واحدة من آلاف الادعاءات الدينية التي لا يمكن التحقق منها.
كتب هذا المؤلف قبل زمن طويل من وجود العهد الجديد، فهل ينطبق ادعاؤه بشأن الكتاب المقدس على الشريعة المسيحية الجديدة؟ قد يدّعي المدافعون أن هذا النص ينطبق على المفهوم، وبالتالي يستحق العهد الجديد الإدراج. ولكن هل هم على استعداد لتوسيع نطاق المجاملة ليشمل القرآن وكتاب مورمون؟ - ففي النهاية، الصياغة هي "كل الكتاب المقدس"، والمسلمون والمورمون ينتمون إلى تراث الإيمان الإبراهيمي. لماذا لا يُربطون كتبهم المقدسة بالعهدين القديم والجديد في الكتاب المقدس على مذبح الكنيسة؟ أظن أن معظم المسيحيين سيرفضون ذلك.
بالطبع، لم يكن لدى كاتب رسالة تيموثاوس الثانية، أياً كان، أدنى فكرة أن رسالته ستُدرج في الكتاب المقدس. ماذا كان سيكون رد فعله لو قيل له: "مهلاً، هذه الرسالة التي تكتبها ستُعتبر يوماً ما كتاباً مقدساً أيضاً؟" لتقديره الكبير للكتاب المقدس، ربما كان سيقول: "كيف يُمكن أن يحدث هذا؟" نحن نعلم، بالطبع، أن الكثير من الأمور في الكتاب المقدس لا ينبغي أن تكون موجودة فيه - مما يُساعد على استبعاده من كونه كلمة الله، وهذا ما سننظر فيه قريباً.
لذا، للأسف، علينا أن نتخلى عن رسالة تيموثاوس الثانية.
لكن هذا لا يُعيق جدعون وجمعية الكتاب المقدس الأمريكية عن الترويج لمنتجهم. بل يُعززون مكانتهم. قال Randal Helms راندال هيلمز إن الكتاب المقدس "تحفة ذاتية التدمير".(هامش 2) وعندما يُقرأ دون حضور الكهنة والمدافعين، فإنه ليس القراءة الأكثر إقناعًا في العالم. هناك سبب وجيه لحثّ أهل الكنيسة على تجربة خطة "فصل يومي" لإنجازه، لأن أكثر من ذلك يصعب تقبّله. فالإفراط في القراءة لن يكون أمرًا جيدًا.
تزوير ادعاء المعجزة: خمس حقائق مزعجة
الحقيقة المزعجة رقم واحد:
ما لم تُقدَّم لنا طريقة موثوقة وقابلة للتحقق للتمييز بين آيات الكتاب المقدس الصادرة عن إله وتلك الصادرة عن عقل الكاتب، فلن نستطيع إثبات معجزة الوحي الإلهي.
في تصوير رامبرانت لإلهام القديس متى، يهمس ملاك بالإنجيل في أذنه اليمنى. في العالم الواقعي الخالي من المخلوقات الأسطورية، سنكتفي بالروح القدس يهمس في دماغه. أعتقد أن هذه هي الطريقة التي يُتخيل بها الإلهام؛ إذ يتلقى المؤلف الرسالة الإلهية - بطريقة ما - ويكتبها على الورق.
لكن الأمر ليس بهذه الوضوح. في كل يوم، تتدفق آلاف الأفكار في رؤوسنا. الدماغ هو مركز الأفكار والعواطف والتخيلات والأحلام، وأحيانًا الهلوسة؛ كل ذلك موجود، مع أن أحدًا لا يملك فهمًا كاملًا لعلم الوعي بعد. يطلب منا رجال الدين أن نصدق أن الوحي جزء من تركيب الدماغ، مثل استجابات الدعوات و"معرفة يسوع" في قلوبهم، وفي حالات نادرة في الماضي البعيد، رسائل تحولت إلى نصوص مقدسة.
لكن الآن، بدأت علامات الاستفهام تلوح. هل صحيحٌ حقًا أن الكلمات في بعض العقول قد ألهمتها الروح القدس؟ لننظر إلى السيناريو المقترح: كاتبٌ تقيٌّ كتب فقراتٍ تُبجّل الآن كنصوصٍ مقدسة؛ يمكننا أن نتخيله، ريشةً وورقةً في يده، يُخطّ الجمل. ما الذي كان يتدفق تحديدًا من دماغه إلى الأصابع التي تُحرّك الريشة؟ هل كانت الكلمات قادمةً من دماغه أم عبر دماغه من مصدرٍ أعلى مُفترض؟ هل كان حقًا وحيًا حقيقيًا... أم، بدلًا من ذلك، كانت كلماته نتاج خياله أو حتى هلوسة؟ نعلم أن الرسول بولس كان مقتنعًا بهلوساته عن يسوع؛ [نفس المثال ينطبق على الوحي الذي نزل على محمد في غار حراء، كيف نعرف أن كل رؤاه لجبريل لم تكن سوى هلوسات؟] فهل يجب أن نكون كذلك؟ يُقرّ المؤمنون غير الأصوليين بوجود ثلاث احتمالات. ما لم تتمكن من اقتراح طريقةٍ للتمييز بين الوحي والخيال والهلوسة، فلا تتوقع أن يأخذك المتشككون على محمل الجد. نحن نشك في أنها مجرد خدعة.
هذا هو التحدي الذي يواجه المسيحيين "المؤمنين بالكتاب المقدس": يجب أن تخبرونا كيف تعرفون أن أي آية أو فصل من الكتاب المقدس مصدره الله، وليس من عقل المؤلف. ليس من الحكمة منح صفة "كلمة الله" لأشياء خرجت من خيال أحدهم؛ فهذا من شأنه أن يُدخل المشروع اللاهوتي بأكمله في ارتباك هائل. وهذا ما حدث بالضبط. يوضح اللاهوتي المسيحي Jack Nelson–Pallmeyer جاك نيلسون-بالماير المشكلة بوضوح:
"[[الكتاب المقدس]] كتابٌ خطيرٌ أيضًا لأننا غالبًا ما ننسب التحريفات البشرية الكثيرة التي يحتويها إلى الإرادة الإلهية. نُقوّض قدسية الكتاب المقدس ونُفاقم مخاطره كلما فشلنا في تمييز الفرق بين التحريفات والوحي، وكلما منحنا كلماته وكتّابه سلطةً مفرطةً، أو كلما تخلّينا عن فحص محتويات صفحاته بشكلٍ نقدي أو فشلنا في ذلك. ببساطة، يُمكن للكتاب المقدس أن يُثري تجربتنا الدينية، لكنه غالبًا ما يكون مُخطئًا بشأن الله."(هامش 3)
هذا النوع من الصراحة مُنعش، ويأتي في أعقاب قرنين من الدراسات النقدية للكتاب المقدس. ليس مُستغربًا في هذا. ولكن، ليس مُستغربًا أيضًا، أن يفشل نيلسون-بالماير في اتخاذ الخطوة التالية وإخبارنا بكيفية تمييز الفرق بين التحريف والكشف.
بالطبع، كلٌّ منا يُصدر أحكامه القيمية الخاصة؛ فنميل إلى القول: "أجل، هذه كلمة الله" عندما نصادف آياتٍ أفضل في الكتاب المقدس. نحن نُرشد أنفسنا بمشاعرنا وبوصلتنا الأخلاقية. وهكذا يُمكننا أن نُدرك معنى ميخا 6: 8: "لَقَدْ أَوْضَحَ لَكَ الرَّبُّ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ. وَمَاذَا يَبْتَغِي مِنْكَ سِوَى أَنْ تَتَوَخَّى الْعَدْلَ، وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعاً مَعَ إِلَهِكَ؟" هذا في الواقع رائعٌ جدًا؛ فهو يُخبرنا بالضبط ما يطلبه الرب منا. لكن الرسول بولس زعم أنه كان لديه تحديثٌ عمّا يتوقعه الله: "أَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِيَسُوعَ رَبّاً، وَآمَنْتَ فِي قَلْبِكَ بِأَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، نِلْتَ الْخَلاصَ."(رومية 10: 9)
إذًا، كانت لدى ميخا فكرة، وكان لدى بولس فكرة. هل كان أيٌّ من هذين القولين من الله، أم كانا مجرد آراء مؤلفيهما؟ ربما كتب اللاهوتيون آلاف الصفحات محاولين الجمع بين وجهتي النظر هاتين، لأنهم لا يستطيعون التخلي عن فكرة أن كلا النصين موحى بهما. حتى الآن، فشل اللاهوتيون في توفير المعايير التي يجب أن نمتلكها لأخذ قوليهما على محمل الجد: كيف يُمكننا التمييز بين ما جاء من الله وما لم يأتِ؟ لا سبيل إلى ذلك. إنه تحيز لاهوتي وتخمين.
قبل سنوات عديدة، قال لي صديق معالج نفسي: "الواقع هو ما يحدث خارج عقل المريض". يتبادر إلى ذهني هذا عندما نُدرك أن جميع الكتب المقدسة، والوحي، والدعوات المُستجابة، والرؤى تبدأ رحلتها إلى العالم الخارجي في الدماغ البشري. يدّعي المؤمنون أن الله يُؤثر في مادة الدماغ، لكنهم يفشلون في تقديم حجة مُقنعة.
ذات مرة، عندما زار أحد المتشككين Lourdes لورد [مكان اعتقد الناس أن مريم العذراء تجلّت فيه]، أُريَت له مغارةٌ فيها مئات العكازات التي تخلص منها أناسٌ شُفِوا. طلب رؤية الغرفة بأرجلها الخشبية المهملة. كان وجود طرفٍ واحدٍ فقط، أُعيد نموه بأعجوبة، أكثر إقناعًا - نعم، معجزةٌ بالفعل – أفضل من مئة عكاز. هذا هو نوع الوضوح الذي ننشده عندما يُقال لنا: "آه، هذه بالتأكيد آيةٌ أو فصلٌ جاء بالفعل من الروح القدس". وإذا لم يكن ذلك صحيحًا، فإننا نشك في أننا نُخدع.
بالمناسبة، هناك أداة مفيدة جدًا تُرشد الراغبين في التعمق في قراءة الكتاب المقدس آيةً بآية لاختبار جودته. قام Steve Wells ستيف ويلز بهذه المهمة، وأصدر كتاب The Skeptic’s Annotated Bible "الكتاب المقدس المُشروح للمتشكك". صنّف آيات الكتاب المقدس إلى عدة فئات رئيسية، وبيّن عدد الآيات في كل فئة. في قسم "التعارض مع العلم والتاريخ"، وضع 428 خطأً. من المعتقدات الشائعة أن الله لا يخطئ، لكن الكتاب المقدس نفسه يُقدم دليلاً على عكس ذلك.
الحقيقة المزعجة رقم اثنين:
يستحق الله علامة "ف" [درجة رسوب] كمؤلف. يتمتع اللاهوتيون المسيحيون بمهارة كبيرة في مهمة صقل الأفكار السيئة حقًا في الكتاب المقدس، لكنهم تبنوا مهمة مستحيلة.
يجب أن تُرفق جميع كتب اللاهوت - سواءً التي كتبها متخصصون في اللاهوت الشعبي أو أساتذة في المعاهد اللاهوتية - بتنصيص، ربما ملصق على الغلاف: "ينبغي أن يدرك القراء أنهم لن يتعلموا شيئًا عن الله بقراءة هذا الكتاب، بل سيتعرفون على آراء المؤلف عنه". كما سيتعرفون على رأي المؤلف في آراء علماء لاهوت آخرين. لكن جميع هذه الكتب لا تُقدم أي دليل على "الحقيقة المطلقة" المزعومة وراء هذه التكهنات التي لا تنتهي. وقد أصاب سام هاريس حين قال: "اللاهوت الآن ليس إلا فرعًا من فروع الجهل البشري. بل هو جهلٌ ذو أجنحة".(هامش 4) لا يفي علم اللاهوت بما يعد به، بل يقدم بدلاً من ذلك نقاشًا لا نهاية له حول ما ادعاه أتباع الله واللاهوتيون.
لقد بذل علماء اللاهوت المسيحيون جهدًا كبيرًا لتعديل الأوصاف القديمة لإلههم؛ مدفوعين بتنافر معرفي، تخصصوا في تنقيح الكتاب المقدس. معظمهم، على دراية تامة بالعالم الذي يكشفه العلم، لديهم حدسٌ حول كيفية سلوك إله صالح وأخلاقي. إنهم يعلمون أن الإله الموصوف في الكتاب المقدس مستحيل الوجود. لا يمكن استخدام أيٍّ مما يُسمى حجج وجود الله للدفاع عنه. ومع ذلك، يُعد الكتاب المقدس أحد ركائزهم الأساسية. يسخر Neil Carter, نيل كارتر، مؤلف مدونة the Godless-in-Dixie blog "الملحدون في ديكسي"، من المدافعين عن الكتاب المقدس: "... يحب العديد من اللاهوتيين اللقاء في الحانات. إنهم بحاجة إلى الكحول لتثبيط مهارات التفكير النقدي لديهم، حتى يتمكنوا من نسيان كل القلق الذي يعيشونه كلاهوتيين محترفين".(هامش 5)
أولئك الذين نشأوا مسيحيين - ممن اجتازوا كامل مراحل مدرسة الأحد أو التعليم المسيحي، وسنوات من عبادة الأحد - لا يلاحظون عادةً العيوب. عادةً لأن اللاهوت السيء قد تم تلطيفه. على سبيل المثال، ما الذي لا يُعجبك في يوحنا 3: 16؟ لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. تبدو أفضل بكثير من [لو كان النص يقول:] "الله يطلب تضحية بشرية..."
وتلك التضحية البشرية التي يُمجّدها العهد الجديد هي ذروة سلسلة طويلة من الأفكار الخاطئة، ليس أقلها أن التضحية بالحيوانات كانت وسيلةً للتصالح مع الله - مع أوصافٍ مُفصّلةٍ مُروّعةٍ محفوظةٍ في النص المقدس. ويستحق الله علامةَ "ف" [علامة رسوب] أيضًا لأنه "ألهم" المؤلفين لابتكار مفهومي "الشعب المختار" و"الأرض الموعودة"، وهما هذيانٌ عدائيٌّ لقبيلةٍ قديمةٍ حُفظَت تراثها الشعبي في العهد القديم. كان على هذه الغطرسة اللاهوتية أن تُثير خيالاتٍ أكثر جنونًا عندما أصبح التنافر المعرفي مؤلمًا للغاية. بعد أن هُزم الشعب المختار لقرون على يد إمبراطورية غازية تلو الأخرى، وسُلِّمت أرضهم الموعودة للآخرين بلا نهاية، برزت فكرةٌ سيئةٌ أخرى: سيكون هناك بطل، خارق سوبرمان - ربما يُصنّف حتى كابن الله - يتدخل لاستعادة مكانتهم كشعب مختار.[وهي تشبه تماما فكرة المسيح المخلّص والمهدي المنتظر]
أشار Richard Carrier ريتشارد كارير إلى أن "فلسطين شهدت في القرن الأول الميلادي موجةً من المسيحانية". وأضاف: "كان هناك تدافعٌ واضحٌ من الطوائف والأفراد للإعلان عن عثورهم على المسيح. لذلك، ليس من المستغرب أو المصادفة أن تكون هذه هي اللحظة التي ظهرت فيها المسيحية. لقد كانت مجرد طائفةٍ أخرى من أتباع المسيح في خضمّ رواجٍ لمثل هذه الطوائف".(هامش 6)
في النسخة المسيحية من المسيحانية، كان الله يسعى للانتقام. عندما جاء ابنه بملكوت الله إلى الأرض، سيُهلك معظم البشرية؛ قال يسوع إن سابقة هذا كانت طوفان نوح، الذي جرف خلاله تم إغراق الخطاة. ويُحسب له، على ما أعتقد، أن الرسول بولس قلل من شأن مكانة اليهود كأمة أولى بالرعاية، لكنه ارتقى بالتفكير السحري إلى آفاق جديدة. كان هاجسه قيامة يسوع، وكل ما يهم للخلاص هو الإيمان بحدوثها. سينزل يسوع قريبًا عبر السحاب ليُرحب بالبقية - أولئك الذين آمنوا بالقيامة - بمن فيهم أولئك الذين سيخرجون من قبورهم ليحافظوا على الموعد. وبالمناسبة، هذا ليس تصويرًا ساخرًا لعقيدة شعب الله المختار/أرض الميعاد/المسيح على شفا الهاوية/التضحية البشرية. بل هو مُقدَّم بوضوح في النص المقدس، مُضافًا إليه زخارف من التراث الشعبي، وأدب الخيال، والقصص الخيالية.
لا يمكن لأيٍّ من الأمثال الجذابة والأقوال المأثورة العاطفية أن تُخفي الأساس الكامن وراء اللاهوت الفاسد. صحيحٌ أن نصوصًا مثل أمثال السامري الصالح والابن الضال تلقى صدىً لدى الناس المحترمين، إلا أن العديد من أمثال يسوع تُمثل تلميحاتٍ غامضة إلى ملكوت الله الوشيك الذي كان على وشك الحدوث، لكنه لم يتحقق. ونعم، إن مبدأ "أحب قريبك كنفسك" مبدأٌ جيدٌ يُنصح باتباعه، ولكنه ليس من أصول الكتاب المقدس.
من المغري القول إنه "لا يمكن لأحد عاقل" أن يُصدق اللاهوت المُختل الموجود في الكتاب المقدس، لكن هذا غير صحيح إطلاقًا. ملايين من الناس عاقلين - يُحسنون التصرف في العالم الواقعي - يُوافقون على اللاهوت المُبتذل الذي ابتكره الرائون القدماء. لقد أجاد اللاهوتيون المسيحيون عملهم؛ فقد أخفوا اللاهوت الفاسد - على الأقل صرفوا الانتباه عنه.
لقد أتقنوا Novocain نوفوكايين للعقل [تعبير ساخر بمعنى جعلوا المخدّر مناسبا للعقل]. وإلا فكيف نفسر سهولة قبول العامة للطقوس البربرية الحمقاء؟ نشأتُ في ميثوديةٍ ذات كنائسَ متواضعةٍ في قلب أمريكا - وهي بالتأكيد آخر مكانٍ تجد فيه شعائر طقوسيةً بدائية. ومع ذلك، بطريقةٍ ما - كيف خُدِّرت عقولنا؟ - كنا نتظاهر في أيام التناول بأكل لحمٍ بشريٍّ وشرب دمٍ بشريٍّ. كيف أصبح ذلك جزءًا من العبادة الكريمة؟ لماذا لم يكن هناك من يتقدم ويسأل: "ما الذي تعبثون به بحق الجحيم؟" في هذه الأثناء، استسلم الكاثوليك في الجانب الآخر من المدينة لأسطورةٍ أغرب من ذلك، وهي أن ما يؤكل ويُشرب [في القدّاس الكاثوليكي] في الحقيقة هو دمٌ ولحم. كل هذا مستمد، على ما أظن، من اللاهوت الفاسد، الدليل أ في العهد الجديد، يوحنا 6: 54-57:
"مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي، فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ، لأَنَّ جَسَدِي هُوَ الطَّعَامُ الْحَقِيقِيُّ، وَدَمِي هُوَ الشَّرَابُ الْحَقِيقِيُّ. وَكُلُّ مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي، يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. وَكَمَا أَنِّي أَحْيَا بِالآبِ الْحَيِّ الَّذِي أَرْسَلَنِي، فَكَذلِكَ يَحْيَا بِي مَنْ يَأْكُلُنِي."
هذا هو الواقع. صارخ، مكشوف، وسافر. كيف يُمكن لشيءٍ مُريعٍ كهذا أن يكون مُوحىً به من الله؟ ولكن عندما يرأس كاهنٌ مراسمه، ويُقيمها بالموسيقى والأزياء والإيماءات والبخور - وهي زينةٌ دراميةٌ تُناسب عالم الاستعراض - أليست هذه هي الطريقة المُتبعة منذ الأزل؟ إنها تنجح لأن الكهنة حوّلوها إلى مسرح.
من السهل التهرب من الأساطير وإخفاء الأخطاء عندما تتقن قيم الإنتاج الرائعة.
حتى بعد أن نقل مارتن لوثر السلطة من البابوية إلى الكتاب المقدس - وتمت ترجمته أخيرًا إلى اللغة العامية - لم تكن هناك قدرة أو ميل لقراءة الكتاب المقدس بشكل نقدي. لقد كان كتابًا مقدسًا، وأثرًا يُبجَّل، وكان من الممكن الوثوق بالمدافعين عنه في اكتشاف "الحقيقة الروحية" الكامنة وراء أبشع أجزاء الكتاب المقدس. ولكن الحساب جاء أخيرًا. وفي النهاية، خطر ببال المفكرين الجادين أن الكتاب المقدس لا ينبغي أن يكون معفيًا من التدقيق النقدي. فعلى مدار قرنين تقريبًا، ناقش العلماء ودرسوا كل آية فيه، وفي الواقع، مُحيت مكانته كـ "كلمة الله".
بالنسبة للقراء الذين يخرجون عن هالة القداسة التي تحمي الكتاب المقدس - برؤيته على مذبح الكنيسة كل يوم أحد، على سبيل المثال - فإن التنكر لا يجدي نفعًا.
عندما يُحرم من صفة "التحفة المقدسة"، تتجلى أهواله بوضوح، ويضطر المدافعون إلى الدعاء بكل قوتهم كي لا يدرس عامة الناس الكتاب المقدس دون إشراف. وإلا، فستظهر سيناريوهات كارثية:
يقول Andrew Seidel أندرو سيدل: "الطريق إلى الإلحاد مليء بالكتب المقدسة التي تمت قراءتها من الغلاف إلى الغلاف."
يقول Isaac Asimov إسحاق أسيموف: "إذا قرأنا الكتاب المقدس بشكل صحيح، فإنه يُعد أقوى قوة للإلحاد على الإطلاق."
ويقول Penn Jillette بين جيليت: "قراءة الكتاب المقدس هي الطريق السريع للإلحاد".
نعم، الأمر سيء للغاية. قد يُعتبر قول "الله يستحق علامة راسب" تافهًا جدًا، ولا يليق بمناقشة جادة. مع أن Valerie Tarico فاليري تاريكو تُصرّح بصراحة، إلا أنها ربما تكون أقل حدة. في مقالها "لماذا كُتب الكتاب المقدس بشكل سيء؟"، تقول:
"يعتقد ملايين الإنجيليين وغيرهم من الأصوليين المسيحيين أن الكتاب المقدس قد أُملي من الله أساسًا على أناسٍ تصرفوا كوسطاء بشريين. تُعتبر كل عبارة فيه مثالية لدرجة أنها تستحق تحليلًا لغويًا دقيقًا لتحديد معناه الدقيق. لو كان الأمر كذلك، لاستنتج المرء أن الله كاتبٌ سيء. على الرغم من أن بعض نصوص الكتاب المقدس غنائية وجذابة، إلا أن العديد منها سيُقابل بالرفض من أي محرر أو أستاذ كتابة كفؤ - بحبر أحمر."(هامش 7)
قد يحتجّ العديد من البروتستانت التقليديين، الذين ينأون بأنفسهم عن الإنجيليين والأصوليين، بأنني أهاجم رجلاً من القش. فهم لا يتبنون هذه النظرة الجامدة للوحي الكتابي، وبالتالي لديهم مجال أوسع للنظر إلى الكتاب المقدس كوثيقة "بشرية". ولكن حتى بين الأساقفة في الكنائس العليا، أشك في أن الكتاب ذي الغلاف الغني على المذبح سيُحفظ في خزانة قريبًا: "أوه، الآن نرى أنه لا يمكن أن يكون كلمة الله".
الحقيقة المزعجة، رقم ثلاثة
كيف لنا أن نتأكد من معنى "كلام الله"؟ حتى لو استطعنا تجاوز جميع النصوص الفاسدة واللاهوت الفاسد، والتركيز على الجوانب الإيجابية، فإننا ما زلنا في حيرة: أي تفسيرات نثق بها؟
سيستغرق الأمر أعمارًا عديدة وجحافل من العلماء لإحصاء التفسيرات المختلفة. أيها صحيح؟ لقد اتضح أن معجزة الوحي الإلهي معجزة معيبة، مجرد جزء من معجزة - لا تستحق كل هذا العناء. ألقى الله هذه الوثيقة الضخمة على العالم القديم وهو يهز كتفيه: "الآن، اكتشفها - وحظًا سعيدًا في ذلك." ألم يكن الله على علم بهذه المشكلة؟
لقد بذل العلماء جهدًا كبيرًا لقرون في تعداد التفسيرات، بل وفي صياغتها أيضًا، "مكتسبين رؤى جديدة" حول مشيئة الله. الهدف، كما يُفترض، هو فهم ما قصده المؤلفون الأصليون، على أمل الاقتراب من قصد الله. كيف تم ذلك؟
دراسة حالة: رسائل بولس
حتى في مراهقتي، كنتُ شغوفًا بالكتاب المقدس. كنتُ أشعر بالفضول حيال كيفية نشأة الكتاب المقدس، وشعرتُ أن فهمه يتطلب دراسةً طويلة. لم أُدرك حينها أن هذا يُقوّض مفهوم اختيار الله لكتابٍ قديمٍ كأداةٍ تعليميةٍ للجميع. أحيانًا أجدُ تأكيدًا على ذلك في أماكنَ غير متوقعة. لقد وزّعت جماعةُ جدعون وجمعية الكتاب المقدس الأمريكية ملياراتِ النسخِ حول العالم؛ ويبدو أنهم يفترضون أن رسالته ليست صعبةَ الفهم. فلماذا يُفرضونها على من يقبلها؟ ومن هنا يأتي اعترافٌ مذهلٌ من الباحث المسيحي المحافظ، Ben Witherington بن ويذيرينغتون، في تحليله الذي استغرق 400 صفحةٍ لرسالة بولس إلى أهل رومية؛ إذ يذكر في الصفحة الأولى: "... إن هدف فهم هذا الخطاب العظيم لم يُتَحَقَّق إلا بعد فترةٍ زمنيةٍ طويلة."(هامش 8) يشعر ويذيرينغتون بالألم: "الآن، هل فهمتَ الأمر - ونتمنى لك التوفيق؟" ألا ينبغي لنا أن نفتح الكتاب المقدس، ونفهمه على الفور؟
"يا لها من قراءة ممتعة!"، هذا ما لم يقله أي مسيحي بعد قراءة رسائل بولس. لكن "المتعة" ليست هي الهدف، بالطبع. هل يمكننا استيعاب فكر الله ونحن نواصل قراءة هذه الصفحات الكثيفة؟ هذا هو الجدار العازل، مجرد جانب واحد من الحقيقة الثالثة المزعجة: النص القديم نفسه وثيقة ميتة جامدة - معجزة عديمة الفائدة، في الواقع - استُخدمت كمنصة لعدد لا يحصى من المفكرين اللاهوتيين - باباوات وقساوسة وكهنة ووعاظ - للادعاء بأنه يعني ما يريدونه. أولئك الذين يشككون في "معجزة الوحي" يحق لهم أن يسألوا: "من يقرر ما قصده الله؟"
وقد وصف أحد العلماء المرموقين، اليسوعي Joseph A. Fitzmyer جوزيف أ. فيتزماير، هذه المشكلة بطريقة حذرة وبسيطة (أضفت إليها الحروف المائلة):
"أكد Rudolph Bultmann رودولف بولتمان، الباحث الألماني الكبير في العهد الجديد في أوائل هذا القرن، على عدم وجود تفسير للكتاب المقدس دون افتراضات مسبقة. فكل مفسر يُظهر، بطريقة ما، موقفه الديني في تفسير نص كتابي. ومع ذلك، يوجد أيضًا جهد تفسيري جماعي ينخرط فيه مفسرون من خلفيات مختلفة، سواء كانوا يهودًا أو بروتستانتًا أو كاثوليك. يميل هذا الجهد الجماعي إلى إنتاج نهج أقل ذاتية، على مدى فترة زمنية، تجاه نص كتابي معين، كما يُسلّط الضوء على الافتراضات المسبقة التي غالبًا ما تكون غير واعية لدى المفسر الفرد. ومن هذه الافتراضات المسبقة، لا ينجو أحد تمامًا."(هامش 9)
هذه إحدى طرق القول بإمكانية تحقيق الإجماع، ولكن هذا عادةً ما يكون على أسس طائفية. وعندما ينحرف المرء إلى تقاليد توحيدية أخرى، كاليهودية والإسلامية مثلاً، فسيكون الإجماع بعيد المنال - خاصةً فيما يتعلق برسائل بولس، الذي استسلم للتفكير السحري حول قيامة يسوع. في الواقع، سيكون من الصعب ذكر أي جزء من الكتاب المقدس يوضح بشكل أفضل مشكلة ما قصده الله. ربما اختير بولس لكتابة جزء من الكتاب المقدس بسبب حماسته - لكن الله أهمل أن يسأل: "ما هي نقاط ضعفك؟"
كتب الباحث الكلاسيكي Michael Grant مايكل غرانت بصراحة عن مشكلة فهم بولس. وقد شرح ما نواجهه؛ وهذه المقتطفات من كتابه الصادر عام 2000 بعنوان "القديس بولس".(هامش 10) وقد وضعتُ الكلمات التي توضح الحقيقة المزعجة الثالثة بخط مائل.
الرسائل متنوعة وحيوية بشكل واضح، لكنها غير متكاملة وغير مرتبة ومشوشة، ولا تُثبت أفكارها بأي إجراء منظم، بل بسلسلة من التناقضات والتناقضات اللاذعة. بولس مُندفع ومتحمس للغاية لدرجة أنه لم يُوحد مصطلحاته أو يُرتب مادته. "غالبًا ما يكون غامضًا" - بنتائج ترددت أصداؤها على مر القرون. ويرتكب تناقضات صارخة، تسببت لأوغسطينوس، من بين كثيرين غيره، في أعمق قلق.
إن طرائقه الفريدة في التفكير والتعبير عن نفسه تجعل فهمه أمرًا شاقًا. ومزجه بين الفكر اليهودي والتعبير اليوناني - وهو مزيج قسري بين ثقافتين غريبتين - يزيد الأمر صعوبة. ونتيجةً لذلك، كان من الممكن دائمًا تبني آراء متباينة حول ما كان ينوي قوله.
يشعر المرء بالتعاطف مع مَن تناولوا الطعام في منزل جون كوليت، عميد كنيسة القديس بولس، في أوائل القرن السادس عشر. فبينما كان الضيوف يتناولون الطعام، كان أحد الخدم يقرأ بصوت واضح وواضح فصلاً من رسائل بولس أو أمثال سليمان، ثم اعتاد مضيفهم أن يسألهم عن اعتقادهم بأهمية المقطع المعني. حتى مارتن لوثر كان سيجد هذا مأزقًا محرجًا، لأنه لم يكن متأكدًا دائمًا مما يعنيه بولس حقًا، مع أنه كان "متعطشًا بشدة لمعرفة ذلك".
يُعد نقد غرانت ضربة قاضية لمصداقية معجزة الإلهام. قد تكون رسائل بولس أكثر الأعمال التي كُتب عنها في التاريخ الغربي - ربما باستثناء الأناجيل. يتضمن كتاب ويذرينغتون عن رسالة رومية قائمةً ببليوغرافية من 18 صفحة، ويشير إلى أن "هذه القائمة قد تطول لأميال..."(هامش 11) لقد خضع كل مقطع لفظي كتبه بولس - كل كلمة وعبارة وجملة - للتحليل، تحليلًا مُفرطًا إضافيا، وتحليلًا مُفرطًا مضاعفا. وبما أن العلماء المتدينين على يقين من أن الله ألهم بولس، فإنهم لا يريدون إغفال أي شيء. لكن هذا يُخلّف لبسًا كبيرًا.
على سبيل المثال، في بداية رسالة بولس إلى أهل روما، يقول عن يسوع المسيح ربنا (الآية 1: 5): " الَّذِي بِهِ وَلأَجْلِ اسْمِهِ نِلْنَا نِعْمَةً وَرِسَالَةً لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ بَيْنَ جَمِيعِ الأُمَمِ،" لا يبدو هذا مُرهِقًا للغاية، أليس كذلك؟ يُشير ويذيرينغتون، مع ذلك، إلى: "من المؤكد أن إحدى أكثر العبارات إثارةً للجدل في وثيقةٍ مليئةٍ بالنقاط المثيرة للجدل هي "طاعة الإيمان".(هامش 12) من كان ليعلم؟ ملايين القراء لم يُفكّروا في الأمر مليًا. يستشهد ويذيرينغتون بعمل C. E. B. Cranfield سي. إي. بي. كرانفيلد، الذي يُعدد سبعة معانٍ محتملة لـ "طاعة الإيمان". لا شك أن هذا تفكير مُفرط في هذيانات بولس المُتواضعة، نتيجةً لتخلي الله عن الكتاب القديم وهروبه: "الآن، افهم الأمر - وحظًا سعيدًا في ذلك".
تلت هذه النشوة من التنافس في التفسير الإصلاح البروتستانتي، على وجه الخصوص، والذي دافع عن "كهنوت جميع المؤمنين". يصف Stephen Prothero ستيفن بروثيرو الفوضى الناتجة: "في غياب محكمة عليا روحية (أو بابوية) للفصل في التفسيرات المتنافسة للكتاب المقدس، كان جميع المؤمنين أحرارًا في تفسير الكتاب المقدس بأنفسهم. لم تُفضِ هذه الحرية المسيحية الجديدة - كما توقع الكاثوليك - إلى الوحدة، بل إلى شبه فوضى، وانقسام لا نهاية له للبروتستانتية إلى بلبلة [كلمة مشتقة من اسم بابل في الكتاب العبري رغم أن اسم بابل كان يعني باب الإله] من المعتقدات والممارسات المتنافسة".(هامش 13)
ومن هنا الافتراض السائد بأن أي شخص يستطيع قراءة الكتاب المقدس وفهم معناه: "الروح القدس يُخبرني بالحق". وهذا يُشبه التباهي الشائع في مجالات أخرى من الحياة، "لي الحق في رأيي" - دون عناء التحقق من كونه رأيًا مُستنيرًا. وهذا يعني أننا ضللنا الطريق في محاولة تحديد بيانات موثوقة وقابلة للتحقق عن الله.
لقد تفاقمت المشكلة ألف مرة مع تجاوز فهمنا للعالم للخرافات القديمة. كلا: لا تحدث ولادتها من عذراء، ولا تحويل الماء إلى خمر، ولا القيامة. لذا، يُكافح المسيحيون المُستنيرون، الذين يُدركون الخطر، لإنقاذ "معنى الله". يبدو الأمر كما لو أن الله لم ير التنوير أو الثورة العلمية قادمة؛ وأن هناك يومًا ما أناسًا يُدركون ضرورة التخلي عن التفكير السحري المُشبع للأناجيل. يصف Paul Tobin بول توبين، في مقال ضمن مختارات لوفتوس أخرى، المعضلة، وعدم الارتياح اللذين يُعاني منهما اللاهوتيون الذين يُريدون أن يكون يسوعهم، وليس يسوع نفسه، مُثقلًا بالتفكير السحري:
"من الواضح أنه منذ أواخر القرن التاسع عشر، كفّ هؤلاء اللاهوتيون [الليبراليون] عن الاعتقاد بأن الأحداث الرئيسية في الأناجيل تاريخية، وخاصةً ميلاد العذراء، وقصص الميلاد المرتبطة به، والمعجزات، وقيامة يسوع الجسدية. يُحاول الليبراليون جاهدين تجنب قول الحقيقة: إذا لم تكن قيامة يسوع الجسدية تاريخية، فإن المسيحية التقليدية، بأي شكل من الأشكال، لم تعد صالحة. هذا هو موقف المتشككين، بالطبع. لكن الليبراليين أضافوا أن القيامة يجب أن تُفهم بمعنى مختلف، ولكن المعنى الدقيق ليس واضحًا. تحتوي كتاباتهم على الكثير من الكلام المشوه لدرجة يصعب معها حتى معرفة ما إذا كانوا يتفقون مع بعضهم البعض."(هامش 14)
نادرًا ما يتطابق كلام طائفة من اللاهوتيين المشوه مع كلام غيرهم المشوه. إنهم ينطلقون في تخميناتهم بلا نهاية. لكن النص القديم نفسه تائه وعاجز، مجرد جزء واهٍ من معجزة. سراب.
الحقيقة المزعجة رقم 4:
إن الضرر الذي ألحقه الكتاب المقدس يُسقط الادعاء بأن الله قد خطط له ليكون دليلنا للعصور. فكثير مما أُدرج في الكتاب المقدس لم يصمد أمام اختبار الزمن، وكثيرٌ مما أُهمل. ولولا إله كفؤ لما أخطأ إلى هذا الحد.
الكتب المقدسة شائعة لأنها تحمل وعد اليقين: فالكتاب المقدس هو المكان الذي "نبحث فيه" لنعرف ما يريده الله ويتوقعه منا. لكن مفهوم "Canon" [النص المقبول كنسيّا] يُشتت الانتباه؛ فهو يَصرف الناس عن إدراك وجود مصادر أخرى للحكمة. كما أن هذا المفهوم خطير، لأن هذا الكتاب يُعتبر مُلزمًا بطريقة لا تُعتبر بها الكتب الأخرى، وهناك من يتولون دور المُنفِّذ. في عام 1993، قتل مُتعصب [مسيحي] مُناهض للإجهاض طبيبًا، لأنه "أراد منه أن يتوقف عن فعل ما يقول الكتاب المقدس إنه خطأ، وأن يبدأ بفعل ما يقول الكتاب المقدس إنه صواب".(هامش 15] وقد علّق الأسقف John Shelby Spong جون شيلبي سبونغ على التاريخ الطويل لهذا الدافع القاتل:
"إن فهمي ومعرفتي لتاريخ الأنظمة الدينية يقنعني بأنه كلما بدأت مجموعة من المتدينين في الاعتقاد بأنهم يمتلكون حقيقة الله، فإنهم يصبحون حتمًا من أولئك الذين، باسم نسختهم من تلك الحقيقة، يضطهدون، ويطردون، ويطهرون، ويحرقون على الخازوق، أو يبررون حروبًا دينية قاسية ضد أي شخص لا يحترم تقاليدهم أو يعترف بصوابهم في الأمور الدينية."(هامش 16)
إذا غُرست هذه الحماسة في عقول البشر - فنحن نتوق إلى اليقينيات ونُقدّر المطلقات - فإن الطريق مُهيأ لعواقب وخيمة. ألم يكن بإمكان الإله الذي وهبنا هذا الكتاب المؤلف من ألف صفحة أن يتنبأ بالعواقب؟
كما أشار العديد من النقاد، هناك خمسة بنود على الأقل كان ينبغي أن تكون في الكتاب المقدس، ولكنها غائبة: محظورات واضحة، لا لبس فيها، وسهلة الفهم. مع غياب هذه المحظورات، ومع حجم البؤس البشري الذي نتج عنها، يصعب أخذ الكتاب المقدس على محمل الجد كأفضل ما يمكن أن ينبثق من العقل الإلهي. لماذا أغفل الله هذه الوصايا؟
• لا تخوض حربًا. وإن فعلت، فلا تطلب مني العزاء أو الدعم أو النصر. لا تفترض أنني في صفك.
• لا تستعبد بشرًا آخرين، أبدًا. نقطة رأس السطر.
• لا تحتقر أو تميز على أساس لون البشرة أو مكان الميلاد، أبدًا. نقطة رأس السطر.
• لا يجوز التمييز ضد النساء. أبدًا. نقطة رأس السطر. بأي شكل من الأشكال.
• لا يجوز التمييز ضد المثليين. أنا من خلقهم هكذا، لذا تجاوز الأمر.
لا يكتفي الكتاب المقدس بتجاهل هذه المحظورات، بل هناك آيات كثيرة تُشجّع على ارتكاب كل هذه الخطايا التي كان ينبغي إدانتها. لقد أضاع الله فرصته لتوجيهنا نحو الأفضل، ودفعت البشرية الثمن.
لقد ذكرت في وقت سابق ميخا 6: 8: " لَقَدْ أَوْضَحَ لَكَ الرَّبُّ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ. وَمَاذَا يَبْتَغِي مِنْكَ سِوَى أَنْ تَتَوَخَّى الْعَدْلَ، وَتُحِبَّ الرَّحْمَةَ، وَتَسْلُكَ مُتَوَاضِعاً مَعَ إِلَهِكَ؟" كان من الممكن أن تساهم الوصايا الخمس المفقودة بشكل كبير في تحديد كيفية "إحقاق العدل وحب الرحمة". بالإضافة إلى هذه الإغفالات، يواجه المؤمنون نصوص الكتاب المقدس - ومجموعات النصوص - التي ألحقت ضررًا جسيمًا. بدلًا من سرد سلسلة الحروب والاضطهادات المعتادة التي أثارها إيمانهم الجازم بالكتاب المقدس، يمكننا التركيز على ثلاثة فقط من هواجس يسوع التي ليست مدحا له.
أضرار لا تُحصى: يسوع أخطأ في مسألة الطلاق
بحسب مرقس 10: 6-12، قال يسوع هذا: "وَلكِنْ مُنْذُ بَدْءِ الْخَلِيقَةِ جَعَلَ اللهُ الإِنْسَانَ ذَكَراً وَأُنْثَى. لِذَلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَتَّحِدُ بِزَوْجَتِهِ، فَيَصِيرُ الاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً. فَلا يَكُونَانِ بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَداً وَاحِداً. فَمَا جَمَعَهُ اللهُ لَا يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ». وَفِي الْبَيْتِ، عَادَ تَلامِيذُهُ فَسَأَلُوهُ عَنِ الأَمْرِ. فَقَالَ لَهُمْ: «أَيُّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى، يَرْتَكِبُ مَعَهَا الزِّنَى. وَإِنْ طَلَّقَتِ الزَّوْجَةُ زَوْجَهَا وَتَزَوَّجَتْ مِنْ آخَرَ، تَرْتَكِبُ الزِّنَى!»
لا أحد يستطيع أن يلوم يسوع - أو أي مؤمن آخر - على افتراض أن الله دبّر اجتماع الرجال والنساء: لقد أذن الله بهذا "الاجتماع". لكن القول بأن الله أراد أن "يصبح الرجال والنساء جسدًا واحدًا" شيء، والادعاء بأن الله كان له يد في ربط جميع الأزواج شيء آخر تمامًا. إنه استنتاجٌ خاطئٌ تمامًا أن الله دبّر كل زواجٍ على الإطلاق، وهذا ما يلمح إليه يسوع: " فَمَا جَمَعَهُ اللهُ..." نقطة: كان يسوع مخطئًا في هذا الأمر (أو مرقس، الذي كتب هذا السيناريو). فكّر في كل الزيجات الفاشلة التي حدثت في تاريخ العالم، عبر كل القرون وفي كل الثقافات. فكّر في كل الأسباب السيئة التي دفعت الناس إلى الزواج. ولكن لا بأس، هل دبّر الله كل ذلك؟ مع الأخذ في الاعتبار يسوع (أو مرقس)، يمكن الحكم على هذا النص على خلفية أحكام العهد القديم المتعلقة بالطلاق، والتي كانت تستند إلى وضع المرأة في الملكية - ونزوة الزوج. (انظر تثنية 24: 1-4). إنه لمن التقدم أن ننظر إلى الزواج على أنه اتحاد "مقدس" - أمر به الله - لا ينبغي إلغاؤه بسهولة.[وهذا موجود بوضوح في الفقه الشيعي والسّنّي أيضا]
لكن اللجوء إلى الاستبداد ليس تقدمًا، بل هو انحدارٌ إلى حدّ السخافة. فمهما كان من الممكن إنقاذ سعادة الإنسان بإنهاء زيجات فاشلة، فلا يُمكن السماح بذلك، لأن الله هو من تولى "الجمع" في كل حالة. ويزيد يسوع الأمر سوءًا بإضافة أن من يتزوج مرة أخرى يرتكب الزنا بفعله هذا. لقد سلّم هذا النص حياة الكثيرين إلى بؤسٍ لا نهاية له.
أضرار لا تُحصى: انتظار الله ويسوع لإنقاذ العالم
الأناجيل بعيدة كل البعد عن الموثوقية، لدرجة أننا لا نستطيع معرفة ما علّمه يسوع بالفعل. لكن الأناجيل الثلاثة الأولى روّجت لفكرة أن "ملكوت الله" على وشك أن يتحقق على الأرض، وأن يسوع، بصفته "ابن الإنسان"، يلعب الدور القيادي.(هامش 17) كان هذا الملكوت الجديد وشيكًا، أي "قبل أن ينقضي هذا الجيل". لكن الرسول بولس يستحق اللوم الأكبر على فكرة اقتراب النهاية التي ترسخت في الفكر المسيحي. كان مهووسًا بفكرة أن نزول يسوع عبر السحاب، ليُحسّن كل شيء، لن يكون إلا بعد أشهر - أو بضع سنوات على الأكثر. كان يتوقع تمامًا أن يكون حيًا ليشهد ذلك.
بسبب هذه النصوص، أضاع الكثير من المسيحيين الكثير من الوقت والجهد في تأجيج الاعتقاد بأن يسوع "لن يتأخر كثيرًا". لا يكفّ المسيحيون المتدينون من بعض المذاهب عن التطلع إلى السحاب بحثًا عن يسوع وتحذير بقيتنا بأن "نستعد" - والويل لمن لا ينتبه. والأسوأ من ذلك، أن بعض الإنجيليين يهتفون للاضطراب المذكور في مرقس 13: 7-8، تمهيدًا لمجيء يسوع: " وَلكِنْ، عِنْدَمَا تَسْمَعُونَ بِالْحُرُوبِ وَأَخْبَارِ الْحُرُوبِ لَا تَرْتَعِبُوا؛ فَإِنَّ ذلِكَ لابُدَّ أَنْ يَحْدُثَ، وَلكِنْ لَيْسَتِ النِّهَايَةُ بَعْدُ. 8 فَسَوْفَ تَنْقَلِبُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ، وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَحْدُثُ زَلازِلُ فِي عِدَّةِ أَمَاكِنَ، كَمَا تَحْدُثُ مَجَاعَاتٌ وَلكِنَّ هَذَا أَوَّلُ الْمَخَاضِ." لقد حدثت مثل هذه الكوارث منذ آلاف السنين، لذا لا بد أن يسوع على وشك الظهور - لذا هيا بنا... أو هكذا يأمل المبشرون.
علاوة على ذلك، قد تُقوّض هذه العقلية الالتزام بجعل العالم مكانًا أفضل. الأمر كله خارج عن إرادتنا - فالجهد البشري لا قيمة له، بل عقيم - إذا استطعنا الاعتماد على يسوع/الله لتحسين الأمور. لهذا الوهم تأثيرٌ حقيقيٌّ على العالم. في عام 2017، قال عضو الكونغرس الجمهوري Tim Walberg تيم والبيرغ في اجتماعٍ عام:
" أؤمن بوجود تغير مناخي. أؤمن بوجود تغير مناخي منذ فجر التاريخ. هل أعتقد أن للإنسان تأثيرًا ما؟ أجل، بالطبع. هل يستطيع الإنسان تغيير الكون بأكمله؟ لا. لماذا أؤمن بذلك؟ حسنًا، كمسيحي، أؤمن بوجود خالق في الله أعظم منا بكثير. وأنا واثق أنه إذا كانت هناك مشكلة حقيقية، فهو قادر على حلها."(هامش 18)
إذا كان هناك عدد كافٍ من هؤلاء المفكرين ذوي القدرات المحدودة في مواقع السلطة، فيمكننا إضافة الكارثة المناخية إلى قائمة الآلام المذكورة في مرقس 13 - ومع ذلك لن يظهر يسوع.
أضرار لا تُحصى: يجب إيقاف الشياطين والعفاريت [والجن]
يُعلن يسوع القائم من بين الأموات، في مرقس 16: 17، أن المسيحيين المُعمَّدين لديهم القدرة على طرد الشياطين. ونظرًا للانشغال بالشياطين في هذا الإنجيل الأول، فليس من المُستغرب أن تتضمن النهاية المُزيَّفة للإنجيل (16: 9-20) هذا "الاقتباس". من الواضح أن علم الشياطين كان جزءًا من العقلية منذ البداية. فلا عجب أن الإيمان بالأرواح الشريرة لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا بين مُؤمني الكتاب المقدس؛ فالفاتيكان لديه فريق من طاردي الأرواح الشريرة.
إن فشل البشر في فهم العلاقة السببية، حتى العصور الحديثة من التاريخ، قد أعاق فهمنا لكيفية عمل العالم. فحتى مع قيام علماء الزلازل بقياس البراكين وتدفقات الحمم البركانية، هناك من يقدمون الهدايا لآلهة البراكين. إلا أن الإيمان بالشياطين كان له عواقب وخيمة. ففي معظم قوائم المعاناة البشرية - الأوبئة، وملايين الوفيات البطيئة بسبب السرطان سنويًا، والأمراض الوراثية، والكوارث الطبيعية، والمجاعات - نادرًا ما أرى "علاجًا للمجانين". فالأمراض العقلية الشديدة غير مفهومة إلى حد كبير؛ لذا فليس من المستغرب أن تُعزى الهذيان والسلوكيات الغريبة إلى الشياطين. وهذا التفسير الخاطئ الهائل للألم البشري مُبرَّر بالأناجيل تحديدًا. فبأي معجزة سُمح بدخول قصص يسوع وهو يُساوم الشياطين إلى الكتاب المقدس؟ [وكذلك إيمان مئات الملايين من المسلمين بالجن ودور الجن في تدمير العلاقات الاجتماعية وارتكاب الجرائم]
علاوة على ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الله قد أساء فهم نفسه بهذه القصص. يُضعف التوحيد الاعتقاد بأن العالم الروحي يشمل كائنات عديدة أدنى من الله، لكنها تشترك في قدرات متأصلة في المكانة. في مرقس 6: 7، نقرأ أن يسوع أعطى تلاميذه "سُلْطَةً عَلَى الأَرْوَاحِ النَّجِسَةِ،" وهذا يطرح السؤال: لماذا لم يمارس الله سلطانه للتخلص منهم نهائيًا؟ كيف يُعقل "معجزة الوحي" إذا كانت القصة غير منطقية؟ هذا التقسيم الشهير للعمل الروحي - الآب والابن والروح القدس - يُصبح إحراجًا بسيطًا.
الحقيقة المزعجة رقم خمسة:
لم يعد الكتاب المقدس الأصلي موجودًا؛ فقد اختفى بكامله. واستعادته تعني أننا نمتلك كلمة الله المُعالَجة بدقة. أما معجزة الوحي - كما كان الحال مع فهم معناها - فقد وقعت تحت رحمة المنافقين الذين لديهم مصلحة شخصية في تحسين صورة الكتاب المقدس. فهم يتلاعبون بالمعجزة كما يرونه مناسبًا.
منذ البداية، أفسد الله العمل. لم يُعنَ بالوثائق الأصلية كما ينبغي، ولم يضمن نسخها بدقة متناهية. في أعقاب هذا الخطأ، قارن العلماء بدقة آلاف المخطوطات القديمة لمعرفة الصياغة الأكثر ترجيحًا للنصوص الأصلية المفقودة. بُذل كل هذا الجهد لإيصال "الكتاب المقدس الصحيح" إلى أيدي المؤمنين؛ لكنهم لا يشكّون في أن "كلمة الله" التي يتحدثون عنها مُعالَجة بدقة. أدلى آلاف العلماء واللاهوتيين بآرائهم فيما نراه على الصفحات المطبوعة من كل نسخة من الكتاب المقدس. ولكن هل هذه حالة من "كثرة الأيدي تُسهّل العمل" أم "كثرة الطباخين تُفسد الطبخة"؟
لقد اعتدنا على تقسيم النص إلى فصول وآيات؛ ونأخذ علامات الترقيم كأمر مسلم به. في بعض نسخ الكتاب المقدس، أُضيفت عناوين رئيسية وعناوين؛ ففي الأناجيل، على سبيل المثال، "... بحسب متى"، "بحسب مرقس"، إلخ - كتبت هكذا مع أننا لا نعرف من كتبها. في بعض النسخ، كُتبت كلمات يسوع باللون الأحمر.(هامش 19) أُضيفت الأبيات الشعرية وعلامات الترقيم والعناوين والحبر الأحمر لاحقًا، بعد "معجزة" الوحي بوقت طويل. ثم، بالطبع، جاء دور المترجمين. فبمجرد تحديد "أفضل" مخطوطات العهد الجديد، تستعين مختلف العلامات التجارية المسيحية بمترجمين لجعل النص متاحًا للقراء العاديين. وبينما فضّل البروتستانت بأغلبية ساحقة نسخة الملك جيمس الصادرة عام 1611، فإن الإنجليزية الإليزابيثية تُعدّ أداةً غير كاملة إذا كنت تحاول توضيح المعنى اليوم. وهكذا، أصبحت ترجمة الكتاب المقدس صناعةً قائمة؛ ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من المترجمين هم من أصحاب الإيمان، وهذا يؤثر على كيفية ترجمة النصوص.
إنهم يعملون كخبراء تجميل، يبذلون قصارى جهدهم لإخفاء العيوب والتفاهات التي تُلقي بظلال الشك على أصل معجزة. يُحذّرنا أحد مترجمي العهد الجديد المستقلين، David Bentley Hart ديفيد بنتلي هارت (الذي نشرت دار نشر جامعة ييل عمله عام 2017)، من مهنة الترجمة:
" على مر السنين، خاب أملي في معظم الترجمات القياسية المتاحة، وخاصةً النسخ الحديثة التي أنتجتها لجانٌ كبيرة من العلماء، والذين يبدو لي أن كثيرًا منهم قد ورثوا عاداتٍ لاهوتيةً لرؤية أشياء في النص غير موجودة، وتجاهل أشياء أخرى موجودة بالتأكيد. اللجان أعمالٌ باهتة، وتميل إلى تعزيز توقعاتنا؛ لكن عالم العصور القديمة المتأخرة بعيدٌ جدًا عن عالمنا، لدرجة أنه يكاد يكون مختلفًا تمامًا عما نتوقعه."(هامش 20)
يسترشد المترجمون باللاهوت، فيرون أمورًا غير موجودة، ويتجاهلون ما هو موجود. لنعد إلى ذلك النص الشهير الذي يُثير اشمئزاز معظم المسيحيين، لوقا 14: 26؛ إليكم أربع ترجمات، أول ترجمتين منها تُترجمان الكلمة اليونانية "miseo" (كراهية) بصدق.
• نسخة الملك جيمس: “If any man come to me, and hate not his father, and mother, and wife, and children, and brethren, and sisters, yea, and his own life also, he cannot be my disciple.” "إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته، حتى نفسه أيضًا، فلا يقدر أن يكون لي تلميذًا."
• النسخة القياسية المنقحة الجديدة New Revised Standard Version: “Whoever comes to me and does not hate father and mother, wife and children, brothers and sisters, yes, and even life itself, cannot be my disciple.” "من يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته، بل حتى حياته نفسها، فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً."
• ولكن بعد ذلك، هناك نسختان أخريان من أكثر النسخ مبيعًا - من بين العديد من النسخ المدرجة على موقع biblegateway.com - تُعيدان صياغة النص إلى لغة إنجليزية معاصرة مُريحة:
• نسخة رسالة الكتاب المقدس The Message Bible : “Anyone who comes to me but refuses to let go of father, mother, spouse, children, brothers, sisters—yes, even one’s own self!—can’t be my disciple. Anyone who won’t shoulder his own cross and follow behind me can’t be my disciple.” من يأتي إليّ ويرفض التخلي عن أبيه وأمه وزوجه وأولاده وإخوته وأخواته - بل حتى عن نفسه! - لا يمكنه أن يكون تلميذي. من لا يحمل صليبه ويتبعني لا يمكنه أن يكون تلميذي.
• نسخة الكتاب المقدس عن الآلام The Passion Bible : “When you follow me as my disciple, you must put aside your father, your mother, your wife, your sisters, your brothers—yes, you will even seem as though you hate your own life. This is the price you’ll pay to be considered one of my followers.” عندما تتبعني تلميذًا لي، عليك أن تتخلى عن والدك وأمك وزوجتك وأخواتك وإخوتك - نعم، ستبدو حتى وكأنك تكره حياتك. هذا هو الثمن الذي ستدفعه لتكون من أتباعي.
يُفترض أن الله/لوقا/يسوع استخدم كلمة "miseo" لسببٍ ما، لذا فإن مترجمي الكلمتين الأخيرتين يكذبون. فكلمة Hate "يكره" تُرجمت إلى “refuses to let go of” "يرفض التخلي" و “must put aside.” "يجب أن يُهمل". في حاشية، يقول كتاب "إنجيل الآلام" إن كلمة "يكره" استعارة، مضيفًا: "في هذه الحالة، لا يقصد يسوع، ملك المحبة، أن نكره، بل أن نضع كل علاقة أخرى جانبًا".(هامش 21) يعاني هؤلاء المترجمون من حالة مرضية سابقة وهي تلف الدماغ الإيماني.(هامش 22) يسوع المثالي لديهم هو ملك المحبة، لكن في الواقع، لوقا 14: 26 يُثبت أن يسوع لم يكن ملك المحبة. كأم تُهدئ طفلها الصغير، يُريد المترجمون تحسين كل شيء. لكن هل كل شيء أفضل إلى هذه الدرجة؟ هل يُضعون كل علاقة أخرى في مرتبة ثانوية بعد يسوع؟(هامش 23) توماس بنتلي هارت لا يثق بلجان الترجمة الباهتة - وهو محق في ذلك - ولكن العبارات المعاد صياغتها الأكثر مبيعًا غير نزيهة بشكل صارخ.
هل يفهم القراء العاديون عادةً أن "أفضل" ترجمة ليست تلك التي تُثير إعجابهم؟ بالطبع، لا يجيد معظم المسيحيين اللغة اليونانية للعهد الجديد، ولا يدركون تحديات ترجمة المعنى الصحيح للنص عند الترجمة من لغة إلى أخرى. لكن يجب أن يفهموا أن ترجمة اليونانية إلى الإنجليزية تعني أن كلمة الله قد خضعت للمعالجة مرة أخرى، بالإضافة إلى قرون عديدة من نسخ المخطوطات وتعديلها والتلاعب بها. كان توقيت الله خاطئًا، إذا كان يقصد كتابًا مناسبًا للعصور؛ وقد حدد ديفيد بنتلي هارت المشكلة: عالم العصور القديمة المتأخرة بعيد جدًا عن عالمنا. لذا، نرى تاريخًا مضطربًا للغاية: كيف انتقلت وثائق العهد الجديد من مؤلفيها الأصليين في العصور القديمة المتأخرة إلى رفوف كتب الجميع اليوم. في كل خطوة على طول الطريق، فُقد شيء ما، وتحول، وتشوه.
لقد حاول المترجمون المتدينون مرارًا وتكرارًا تصحيح الأمر.(هامش 24) لماذا لا يُنقذهم الرب من بؤسهم؟ يستطيع الله أن يُبقي المعجزة حيةً بإنشاء ترجمات مثالية للكتاب المقدس، وإيداع نسخ مُحدثة كل 25 عامًا في قبو بنك الفاتيكان. فليحتفل البابا، ببذخٍ واحتفالٍ كبير، بالمعجزة المتكررة. باستثناء أن معجزة الإلهام الأصلية نفسها هي خدعة بالطبع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ هوامــــــــــــــــــــــــش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Peter Brancazio, The Bible from Cover to Cover, p. 484.
Peter Brancazio, The Bible from Cover to Cover, p. 484.
Jack Nelson-Pallmeyer, Jesus Against Christianity: Reclaiming the Missing Jesus, p. 140.
Sam Harris, The End of Faith , p. 173.
Neil Carter, 6 November 2016, http://www.patheos.com/blogs/godlessindixie/2016/11/06/paul-the-true-founder-ofchristianity/
Richard Carrier, On the Historicity of Jesus, p. 67.
Valerie Tarico, “Why Is the Bible So Badly Written?” https://valerietarico.com/2018/01/28/why-is-the-bible-sobadly-written/
Ben Witherington III, Paul’s Letter to the Romans: A Socio-Rhetorical Commentary, p. 1.
Joseph A. Fitzmyer, Romans: A New Translation with Introduction and Commentary (The Anchor Bible), p. xiv.
Michael Grant, St. Paul, pp. 6, 8-9, and 34.
Ibid., p. xvii.
Ibid., p. 34.
Prothero, S. R. (2006). American Jesus how the Son of God became a national icon . New York: Farrar, Straus and Giroux.
P. 172, The God Delusion: Why Faith Fails , John W. Loftus, editor.
Anthony Lewis column, The New York Times , 12 March 1993.
John Shelby Spong, Rescuing the Bible From Fundamentalism, p. 170.
أنظر: Bart Ehrman’s 2001 book, Jesus: Apocalyptic Prophet of the New Millennium , and John Loftus’ article, “At Best Jesus was a Failed Apocalyptic Prophet,” in The Christian Delusion: Why Faith Fails .
http://time.com/4800000/tim-walberg-god-climate-change/
لقد ارتكب بعض المحررين أخطاءً فادحة، على سبيل المثال، طباعة مرقس 13: 14 باللون الأحمر، "ليفهم القارئ"، وهو ما لم يكن من الممكن أن يكون قد نطق به يسوع؛ وأجزاء من 1 كورنثوس 11: 23-26، حيث يقتبس بولس كلام يسوع كما سمعه في هلوساته.
www.Aeon.com, 8 January 2018.
https://www.biblegateway.com/passage/?search=Luke+14%3A26&version=TPT
أُنتجت نسخة The Message Bible "رسالة الكتاب المقدس" من قِبل Eugene H. Peterson يوجين هـ. بيترسون، الذي خدم لمدة 29 عامًا كقسيس لكنيسة أسسها في ماريلاند؛ أما نسخة The Passion Bible "كتاب الآلام المقدس" فقد كتبها Brian Simmons برايان سيمونز، الذي وصفه موقع BibleGateway "بوابة الكتاب المقدس" بأنه "مُحبٌّ شغوفٌ لله".
أنظر: Hector Avalos, The Bad Jesus: the Ethics of New Testament (2015), في تحليله الذي استغرق 39 صفحة لإنجيل لوقا 14: 26، يزعم أن كلمة miseo في هذه الآية تعني بالضبط ما يبدو أنها تعنيه.
أنظر إلى الخيارات على موقع https://www.biblegateway.com.
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟