أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - نافذة على الخريف














المزيد.....

نافذة على الخريف


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7982 - 2024 / 5 / 19 - 11:25
المحور: الادب والفن
    


حدث هذا الأمر حينما أصبت بالإنفلونزا في تشرين هذا العام. غالبًا ما أصاب بها في مثل هذا الوقت. من قبل، لم أعرف السبب، وبعد أن عرفته، لم يتغير شيء، لا زلت في بداية كل خريف أصاب بها.
حرارتي لا تزال مرتفعة، انتابتني غيبوبة هذيان، أخذَ جسدي يرتجف تحت الأغطية الثقيلة التي بللها العرق المتصبب مني بغزارة.
الكوابيس التي رأيتها سببت لي شعورًا بالضيق .. حالةٌ اكتئاب تلبستني، جعلتني أشعر برغبة شديدة في البكاء، لم أستطع إبعاد هذا الإحساس حتى بعد تأكدي من أنها ليست سوى كوابيس المرض.
تركني زوجي في الغرفة وحيدة كما يفعل دائمًا، يشعرني بتصرفه هذا كأني علبة دواء انتهت صلاحيتها.
أغمضت عينيّ أحاول النوم والتخلص من هذه المشاعر المؤلمة والأحاسيس الغريبة، وبدلاً من ذلك ورغم البرد والمرض نهضت من فراشي، وبخطوات بطيئة، سرّت نحو النافذة.
توقفُ المطر عن السقوط وهجرةُ الغيوم الرمادية من وجه الشمس، جعلا الحديقة تبدو كأنها ساحة معركة. أوراق الأشجار الذهبية الساقطة على الأرض تحت سيول المطر، بدت كأنها جيوش منهكة. فجأة .. عمَّ الهدوء إلا من صوت واحد قادم من خلف أسوارٍ عالية، أصغيتُ بكل جوارحي. كان صوت ورقة شجرة اللوز معلقة بالغصن اليابس الذي بدا ممسكًا بالخيط الرفيع الرابط بينهما، خيّب ظنها حين لاذَ بالصمت وتركها وحيدة تواجهُ مصيرها.
بصعوبة رفعت جسدها النحيل، بدأت تدور كالمجنونة حول الشجرة، مرة لليمين وأخرى للشمال، هوت على الأرض بعد أن نال منها التعب واليأس، بخشوع وصوت ذليل مرتجف قالت:
أمي، كيف تمكنتِ من فعلِ ذلك بيّ؟! كيف انصعتِ لأوامر هذا الخريف القاسي الذي تلاعب بكِ وجردكِ من كل شيء ليترك أغصانكِ عارية ويابسة؟! هجرتكِ الطيور،لا شيء يصد الريح عنكِ، هاهي تتلاعب بيّ دون أن تأبه لكِ. ما الذي تغير؟! أليس القمر في السماء هو نفسه؟! أليست النجوم هي ذاتها التي أراها كل ليلة؟! عهدتكِ رحيمة عطوفة!
اقتربت الورقة أكثر حتى التصقتْ بالجذع، فسالت دموعها عليه وهي تقول:
دعيني أذكّركِ يا أمي كيف كنت أتكئ على أكتافكِ والعالم كله أسفل مني. الآن أهرب خوفًا من أن تطأني أقدام البشر. رؤيتي مشوشة وطريقي ضيق، سنين حياتي لا تتحمل هذا الألم، مَنْ يقدر على وصف أحزان قلب طرد من جنتهِ؟!
أرجوكِ أجيبيني، كيف استطعتِ أن تتنزعيني منكِ؟!
هل نسيتي كيفَ كنا نتمايل معًا في الربيع الذي ظننا أنه لن يخذلنا أبدًا، والآن بعد أن جفّ الماء في أوصالي وتيبست عروقي وأصبح لوني كلون الصدأ، تتخلينَ عني! لماذا تبتسمين؟! ماذا في الأفق البعيد تنظرين إليهِ؟ أيُّ سلام يسكنكِ؟! ما السر الذي تخفينهٌ عني؟!
ابتسمت الشجرة الأم وكأنها تنظر لشيء بعيد وبصوت ثابت ردّت:
- صغيرتي، لا تخافي. تعود الأشياء حيث انبثقت أول مرة. ارقدي بسلام!
- أمي أرجوكِ! تجمدت أحشائي بردًا وخوفًا!
كلماتها الأخيرة كانت بأنفاس بطيئة متقطعة.
ناديتُ بصوت مبحوح لأمنع طفلتي من أن تدوس على الورقة المحتضرة وتحولها إلى أجزاء متناثرة، لكنّني تأخرت!



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مداهمة قلب
- موت الوهم
- لمن الصورة؟
- ليلة الحفل
- حوارية بين فوز حمزة والشاعر عبد السادة البصري
- للظلام أجنحة
- في انتظار نون
- فنجان شاي
- غفوة
- عاشق الروح
- شدو اللآلئ
- ستون ثانية وثانية
- رسالة إلى الله
- رصاصة في الذاكرة
- حينما يكون للصمت لغة
- ذكرى في خزائن القلب
- حب من الرشفة الأولى
- حطام امرأة
- ثلاثة إلى اليمين
- جاري الاشتياق


المزيد.....




- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - نافذة على الخريف