أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - ثلاثة إلى اليمين














المزيد.....

ثلاثة إلى اليمين


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 7972 - 2024 / 5 / 9 - 11:31
المحور: الادب والفن
    


لم تكنْ الرحلة من صوفيا إلى إسطنبول هي التي جعلتني سعيدة ذلك اليوم، بل تفكيري في الساعات التي سأقضيها وأنا أقرأ لأجاثا كريستي هي التي بثت الحماس داخلي، فساعات عملي الطويلة المضنية كانت تَحوْل دون ممارسة الهواية التي أعشقها.
لا أدري لِمَ اخترت السفرَ ليلاً على غير عادتي؟!
كان عليّ التواجد في المحطة عند العاشرة والنصف مساءً حيث موعد انطلاق " الباص" وبينما وجدت نفسي أتهيأ للصعود، شعرت بيد امتدت إلى كتفي...
التفتُ، مرتْ لحظات .. كنت قد عرفته، زوج واحدة كانت من صديقاتي، رجل في الثلاثينات من عمره، يصغرها ببضعة أعوام.
اغتنم فرصة انشغال زوجته بتقبيلي، فأخذ يحدق بيّ، لم يترك جزءاً مني إلا والتهمه بنظراته. ثمة ما أوجسني خيفة حين مد يده لمصافحتي وقد ترك أثرًا لضغطة شعرت بها قوية شيئًا ما، فسارعت لسحبِ يدي.
فرحت لأن رقم مقعدي بعيدًا عنهم، ذلك لم يمنعه من البحث عن عذر ليلتفت صوبي كلما سنحت له الفرصة، لم ينقذني منه إلا سطور الرواية، فقد أبعدتْ التفكير عني ولو قليلاً بضيف الليلة الثقيل ثم انطلق الباص.
كيف غفوت ومتى، لا أدري؟!
ربما إحساس دفعني إلى ذلك لأبعد شبح الموت عن بطلتي، فاخترت بنومي منحها ساعات أخرى من الحياة، لكن الفزع الذي سيطر عليّ حين صحوت لأرى زوج الصديقة وهو يحاول إيقاظي، أنساني كل شيء طالبًا مني بضع الترجل من "الباص" لأننا أدركنا الحدود البلغارية التركية.
وضعت جواز مروري داخل حقيبتي الصغيرة بعد حصولي على تأشيرة المرور وأسرعتُ الخطا في دخول الاستراحة ألوذ بها من البرد والصقيع.
احتضنت فنجان القهوة الساخن وكأنني احتضن ماسةً ثمينةً، أما السيجارة فكانت فتيل الأمان الذي انتزع مني كل توتر حين لمحت الصديقة وزوجها قد خرجا مسرعين من باب الاستراحة دون أن يلحظاني.
أشتد قلقي على بطلتي من ذلك الزوج الذي كان يخطط لقتلها طمعًا في ثروتها ثم يتزوج من صديقتها التي كان مرتبطاً بعلاقة حب معها.
قلبي تزداد دقاته، جبيني يتفصد عرقًا،ها هي يد المجرم تمسك بمقبضِ الباب لينهي حياة تلك المسكينة و...
ـ سيدتي، لقد غادر الجميع !
كلمات النادل بثت الفزع بيّ، أجبرتني على ترك بطلتي تواجه مصيرها لوحدها مع زوجها الخائن!
صفير الريح وظلام الليل تعاونا على إثارة هلعي. غادر الجميع دون الانتباه لغيابي، المكان فارغ إلا من ظل شخصين كانا يصرخان بأعلى صوتهما وهما يحاولان اللحاق بالباص دون أمل.
كيف للمشاعر التبدل بهذه السرعة، فيتحول من كنت تبغضه إلى ونيس وحبيب؟!
لا أقدر على وصف فرحتي برؤيتهما مقبلين نحوي ليزفا الخبر السعيد إليّ، لقد أصبحنا ثلاثة منسيين. توزع الخوف على ثلاثة، لم أعد أشعر به، حلّ القلق بدلاً عنه.
دموع صديقتي جراء الرعب الذي حل بها، جعلاني أتولى مهام القيادة واتخاذ القرار، فطلبت منهما قطع الغابة باتجاه اليمين حتى نصل إلى الحدود التركية، لكن إصرارهما على أن الباص اتجه شمالاً جعلني امتثل لهما خشية تعريض نفسي للملامة بعد ذلك.
لم أدرك أن لليل وحشة وأن للصمت لغة لا يفهمها إلا من فقدَ القدرة على الكلام. خرجتْ كل جنيات الأرض اللواتي قرأت عنهن، تآمرت الأشجار وهي تُخبَّئ الأشباح خلفها، عواء الذئاب كان إيذانًا لموت محتم بعد تحولنا إلى أشلاء ممزقة، لم أكن قبل هذه المرة قد سمعت صوتَ الخفافيش، أشياء كانت تنذر بوقوع شيء ما!
المسافة الطويلة التي قطعناها منحت الصديقة عذرًا لطلب الأستراحة. ثوانٍ وبدد شخيرها سكون الغابة، لكن انعكاس ضوء القمر بين الأشجار، منح زوجها الوقت الكافي ليطيل النظر إليّ.
بحثتُ عن كلماتٍ تنسيني الخوف الذي كاد أن يقتلني وأنا أرى يده تمتد ببطء إلى جيبِ معطفه البني ليخرج شيء ما، عيناه توزعان النظر بيني وبين الزوجة المسكينة التي حلت نهايتها، قدرها أن تموت هنا، لم أعد اشعر بساقيّ، غرقت في عرقي رغم الصقيع، لم أعد أشعر إلا بصدري يعلو ويهبط .
عواء ذئب جعل الزوجة تفيق فزعة لتلتصق بزوجها فمنحه ذلك الوقت ليعيد يده ثانية في جيبهِ.
شعرت كأنني ريشةُ يراقصها النسيم، الحب الذي ولد فيّ تلك اللحظة لصديقتي جعل ضحكاتي مثار استغرابهما فاكتفوا بالصمت والنظر إليّ مستغربين!
حثثتُ الخطا وابتعدت عنهما حين لاح لي ضوء منبعث من بناية بعيدة، اتبعت النور لأحفظ لبطلتي أقصد لصديقتي حياتها ..
لعلي لم أكن أريد التصديق أو لعلي لم أسمع جيدًا، طلبت من الموظف أن يعيد عليّ كلامه، أنه يتكلم البلغارية، هذا يعني أننا في الأراضي البلغارية، ساعات من السير بالاتجاه المعاكس.
التفتُ لأزف الخبر لهما، كانا ملتصقين ببعضهما يتحاشيان النظر إليّ.
المفاجأة أسكتت الصديقة، أما زوجها فمد يده في جيب معطفه البني وأخرج منديلاً ليمسح جبينه ••



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جاري الاشتياق
- تراك
- فن الحوار
- آية في الحلم
- بقايا سطور
- امرأة في الهاتف
- أوان الندم
- امرأة عاشقة
- الهروب
- السيجارة الأخيرة
- الفيلم سخيف
- أغنية المطر
- أغنية الموت والحياة
- بعد الحياة
- صورة للنسيان
- المشهد الأخير
- أنين
- بيت العنكبوت
- للحب بقية
- من رحم الحب


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - ثلاثة إلى اليمين