أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - صَرْعَةُ قَتْلِ آلْأَبِ















المزيد.....

صَرْعَةُ قَتْلِ آلْأَبِ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7763 - 2023 / 10 / 13 - 21:43
المحور: الادب والفن
    


إن الأبناء الثلاتة في رواية "الإخوة كرامزوف" لم يقتلوا أباهم في نهاية المطاف .. لكن الابنَ الرابعَ فَعَلَها .. هكذا تُفْهِمُنا معطيات السرد ومسار الحكاية في الرواية .. لقد بُرِّئَتْ ساحةُ "ديمتري" و"إيفان" .. أما المتصوف الصغير "إيليوشا" فغارقٌ في سِحْرِ مَلَكُوتِ الخالق بمَعِيَّةِ أبٍ آخرَ رُوحي اسمه: "الأب زوسيما" تاركا عالمَ الواقع للمُتصارعين يتصارعون فيه كيفما شاؤوا .. ورغم تبرئة "ديمتري"، فإنه ظلَّ في أعين الكثيرين _ والقضاء من بينهم _ قاتلا؛ لكن ما عَسانا نفعْلُ مع شيء آسمه : الدليل .. لا دليلَ على تورطه في الجريمة رغم إرادته المُلِحَّة في أَنْ يَفْعَلَهَا ويقتله .. لقد هَمَّ بالقتل دون أنْ يقتل .. يقول : (سواء أكان إنسان ما قد شفع لي بدموعه أمْ أنَّ أمي ابتهلت الى الله أمْ أنَّ مَلَكا كريما قبلني في تلك اللحظة فهذا ما لا أستطيعُ أنْ أجزمَ فيه، ولكن الشيطانَ غُلِبَ على أمره في تلك اللحظة...) (١) .. لتسلط الاضواء على متهم جديد لطالما كان يعيش في العتمات .. عتمات الأب الذي أنكرَ نسبه إليه تماما كطريقة ذاك العربيِّ القَبَلي مع آبن زنجي آسمه : (عنترة) لا يَصْلُحُ الا للحلب والصَّرِّ، أما الكر والفر فله بزاته من الأحرار الفرسان .. لقد أُرِيدَ لنا أنْ نعتقدَ _رغم كل الملابسات_ بأن المدعو (سميردياكوف) هو الذي أنجز فعل قتل الأب، بتبرير ساحة الأبناء "الرسميين" .. وتظل الصورة _ رغم ذلك _ غير متغيرة في شكلها ولا في مضمونها .. إننا أمام ابن يقتل أباه .. لا مَفَرَّ من هذه (الحقيقة) التي تُشَكِّلُ هاجسا في الكتاب .. فمن هو (سميردياكوف ) ..؟؟.. إنه آبن (فيدور الكسندروفيتش) والد الثلاتة .. أو قل .. والد الأربعة .. وان اعْتُبِرَ النجل الرابع غيرَ شرعي، فهو ابن بالقوة (جينيا بيولوجيا، وإن آنتفت لديه البنوة الاجتماعية) .. فالابنُ يظل ابنا على أية حال .. هناك تَوَجُّهٌ في فضاء وأحداث الرواية إلى نسب الجريمة الى غير الابن، فنكون بالتالي أمام أي جريمة الا جريمة قتل الابن لأبيه .. لكن ما العمل مع هذا النكرة غير الشرعي؟ أليس ابنا ؟؟ ..آه.. انه مشكوكٌ في نسبه..!!.. ومن خلال هذه الفجوة الصغيرة من الشك تنبت إرادةُ عدم نسبة الجريمة الى السُّلالة التي من صلب (فيدور الأب) .. فَــ"سمير" وإنْ فَعَلَهَا فهو ليس بالابن الذي يقتل أباه، لكن مجرد خادم لقيـط يقتلُ سيدَه .. ممم.. إذن، نحن أمام ضغينة طبقية اجتماعية لا غير لا علاقة لها بالضغينة البيولوجية السُّلالية .. لنبتعد عن الصورة الدرامية التي يمكن أَنْ تثيرَ فينا تساؤلات ملتبسة .. بل وأَثارَتْها .. أقصدُ : صورة أو صرعـة قتل الأب : "كيف تقول أنك ستقتل والدنا ..؟؟..".. ينتفظ "اليوشا" في وجه "ديمتري" مستنكرا عندما صارحه بالفكرة .. انه جنون القتل الذي يسيطر على الشخصيات بدرجات نفسية متفاوتة، حتى صاحبنا "راسكولينكوف" في "الجريمة والعقاب" فعلَها في حق امرأة بمثابة والدة له وظلت الفكرة التي أخرجها الى الواقع تطارده طيلة الرواية حتى شكلت بؤرة مركزية تحوم بهواجسها لتتعالق طباقا وتضادا مع "العقاب" الذي لا يمكن أنْ يَنْجُوَ منه كلُّ قاتل لوالده .. وأشد أنواع هذا العقاب عقاب الذات لنفسها رغم تبرئة القانون والمجتمع لها .. ان شخص "راسكولينكوف" يتجلى رجلا يعيش وحيدا في غرفة منعزلة بعيدا عن أمه وأخته .. أما أبوه البيولوجي..؟؟.. فلا نعرفُ عنه شيئا .. أتراهُ مات ؟ وهذا الموت أو الغياب عن عوالم الشاب المتوجس دائما أ أثرَ فيه سلبا أم ايجابا أم أن حضوره أو غيابه سيان ؟؟ ألا يمكن هنا آعتبار هذا التغييب من عوالم السرد والحكي لصورة الأب بمثابة إغتيالٍ لحضوره واقصاء وإبعاد له عن مجالات الابن الحيوية وغير الحيوية ؟؟لقد أوْدَى الجنونُ بـ"ايفان" في نهاية المطاف بعد أن خابَتْ مساعيه في المحكمة بجعل "سميردياكوف" الخادم قاتلا لسيده .. لقد انتحرَ الابن الرابع في نهاية المطاف، ويظل الأحياء الثلاثة كل ما تبقى من تركة الأب العرقيَّة العريقَة .. فكيف السبيل للخلاص من هذه الصبغة الوراثية المشؤومة ؟؟ انها لعنة القتل ستظل حية في أمشاج الأخلاف طيلة مُكوثهم على هذه البسيطة ... الراوي في كثير من روايات دوستويفسكي لا يتدخل الا اذا كان مُمَثّلا في الحكي، أي عبارة عن شخصية من الشخصيات وهو هنا يتدخل رغم كونه خارجا عن الحكي ضمنيا أحيانا وصراحة أخرى من أجل مَحْوِ صورة : قتل الأب .. انه يرفضها .. لكنها موجودة بقوة العقل والعاطفة والغريزة .. لقد فعلَها في رواية أخرى اسمها : (منزل الاموات) أين تَدَخّلَ الراوي مُعترضا نافيا مبديا ملاحظاته بخصوص سجين قتل أباه طمعا في الإرث وسارَ يلهُو ويمرح ماجنا بالنقود التي سرقها وكأننا أمام "ديمتري الكسندروفيتش" آخر في مواجهة أبيه .. هناك تشابه بين الصورتين .. الابنان يُبَرَّآنِ من التهمة لتلصق بكائن ما كانَ .. المهم اننا لن نكون أمام جريمة اسمها : قتل الأب .. أليس كذلك ؟؟
القتل هو القتل ..!!.. جميع الإخوة بآختلاف عقلياتهم ونفوسهم ونزوعاتهم .. كل الأبناء تحضر عندهم الفكرة .. وكل بطريقته .. لقد انتهت مسألة فكرة القتل .. انتهت بالنسبة للأرعن النزق المتمرد "ديمتري" .. يقول:(أخشى أن يبدو منفراعلى حين غرة .. اني أكره نقرة ذقنه وأنفه وعينيه وابتسامته المخزية.اني أشعر بنفور شخصي منه) .. لقد أنهى المسألة وصارح بها نفسه وغيره سيان الأمر عنده، المهم أن يختفي هذا المدعو أبا .. و"ايفان" قد مارَسَ الفكرةَ عقلا عندما أنْكَرَ كل رمز للأبوة في المعتقدات المسيحية، فالله فكرة ميتافيزيقية واهية لا يمكن أن توجد الا في عقول الواهمين .. والشيطان نفسه غير موجود لأن الاعتراف به سيقود حتما الى الاعتراف بفكرة الله/الأب (تماشيا والمعتقد المسيحي) .. وحتى إذا وُجِدَ هذا الأب، فعلينا قتله بالعقل والعلم، وليس المجال هنا لأي تفسير صوفي ميتافيزيقي متعالي عن الواقع كما يحلُو لـِ "اليوشا" أن يفعلَ متأثرا بأب آخر من صنف آخر، روحي هذه المرة آسمه زوسيما .. وهااا ..!!.. فكرة ولغة الاب تحضر مرة أخرى .. إن الأب الحقيقي بالنسبة للفتى الزاهد قد ماتَ ويستحق كل تقدير أما هذا الأب الواقعي الذي ينتمي إلى دمه وعرقه وسلالته البيولوجية، فإنه قد قتله من حياته وأخرجه منها ليبقى "الأب/الاله" حيا لا يموتُ يرعَى المؤمنين المخلصين .. كلهم ارتحوا عند سماع النبا وكلهم شعروا بنوع من الانعتاق والانبعاث بالتحرر من هذا الأب الموروث .. وهاهو "ديمتري" الذي آعتاد التصريح بعواطفه يقولها دون مُواربة في حديث مع أخيه "اليوشا": (لقد تحولت الى انسان جديد .. لقد انبعث مني انسان جديد كان مختبئا في داخلي.ولم يكن ليكشف عن نفسه لولا هذه الضربة التي حلت من السماء) (٢) .. لقد اعتبر موتَه حلا سماويا أرضاه وأرضى الجميع .. هو يصرح بها، لكن الآخرين لا يستطيعون ذلك نظرا لعدم قدرتهم التخلص من الفكرة الموروثة بخصوص صورة الاب التي تستوجبُ الاحترام والتقديس التي ألفها الناس آعتادوا عليها ولا يستطيعون منها فكاكا، وكل شيء يُعتادُ عليه في نهاية المطاف، كما يقول حكيمنا دوستويفسكي، حتى القذارة يُعتادُ عليها ويألفها الناسُ ولاضَيْرَ عندهم العيش بها ومعها .. فكرة وصورة الأب الموروثة عبر السلالات المتناسلة عادة من العادات التي حاولت الرواية مناقشتها والخوض في غمارها، فنحن لسنا أمام رواية بوليسية نبحث فيها عن القاتل الحقيقي، بل أمام أفكار ونفوس بشرية تتعالق مع بعضها في صراع أبدي بين القيم الموروثة والقيم التي يروم الكاتب السير على هُداها في المستقبل .. أوَ ليس الأب هنا دلالة لعهد "نيقولا البالكا" في روسيا القيصرية ؟؟ هذا النظام الذي حَكَمَ على الكاتب بالإعدام الذي نجا منه بأعجوبة .. ألاَ يغدو قتله بهذا المعنى واجبا للتخلص من الوصاية الظالمة لهذا الذي وَضَعَ نفسَه مسؤولا عن الناس دون مشاورتهم .. أليس هذا ما يحدث حاليا معنا في دُولنا ومجتمعاتنا المتخلفة التي ألفت شعوبُها العيشَ تحت رعاية الوهم ووصاية أبوة من ورق سَمَّتْ نفسها : راعية للأمَّة وحارسة لها ؟؟ ألا نسمع بعضنا يتشدق بآسم الزعيم الفلاني والرئيس العلاني قائلا "أبونا و والدنا" .. ألا يكون هذا التماهي بالمُتسلط الحاكم نفْخا في صورة أبٍ مِنْ هواءٍ وقتل لأب حقيقي بيولوجي وروحي ؟؟ مادام السيدُ الرئيسُ وسعادةُ القائدُ المُلْهَمُ هو الأب الأول للمواطنين الرعايا يختزل في أبوته جميع دلالات الرعاية الأبوية ؟؟ أليسَ ما يحدث الآن هنا في أراضينا وأوطاننا من "ثوراتٍ" مُحاولاتٌ لقتل هؤلاء الآباء الزائفين ؟؟ .. إذن، هي دعوة للصدع بفكرة : "لاااا" في وجه أب مفروض على الإرادات والرغبات دون آستشارة من يهمه الأمر ممن يفرض عليهم جبروت هذه الرعاية المتسلطة .. إذن، على هذا الأب الزائف أن يُخْلِيَ الساحة لساعة الحقيقة ويلبي رغبات الأبناء برحيله دون أوبة؛ والا سيعمدُ هؤلاء الممارس عليهم تلك الأبوة من الأغلبية الصامتة إلى فكرة القتل كما قام بها الإخوة كرامازوف .. أليس كذلك يا فيدور ...


☆إشارات :
١_الجزء الثاني من رواية (الأخوة كرامازوف) صفحة 162
٢_الجزء الثاني صفحة 350



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إِغْوَاء
- آوِيدْ آمَانْ آوِيدْ آمَانْ أَدَسْوَغْ
- الْبَارَحْ كُنْتِي سَارَحْ وَالْيُومْ رَاكْ مَسْرُوحْ
- حتى لا نَنْسَى حتى لا نُنْسَى
- لَمَّنْ نَشْكِي حَالِي
- سَالَّاسْ Sallas
- نَتَمَلْمَلُ بِلَا مَعْنَى
- فِينْ غَادِي بِيَا خُويَا
- مَا هَمُّونِي غِيرْ الرجالْ إِلى ضَاعُو
- وَأُخْرَيَااااتٌ مَازِلْنَ عَلَى بَالِي
- لَا فَااااائِدَة
- عَبْرَ مَعَارِجِ آلْغُيُومِ يَحْلُمُ بِآلطَّيَرَان
- أقْطَعُ بيَدي دابرَ كُلَّ مَنْ يُبْكِي الأمَّهاااات
- باركاااا...
- اَلْمَوْتُ لَيْسَ حَلًّا وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ
- حِنَّاءُ آلْمَوْتَى
- خَاطِرَة عَشْرِينْ
- لَقَدْ كَانَتْ سَعِيييييدَة
- مُنَاجَاة
- لَا لِقَاءَ بَيْنَ آلْمُتَوَازِيَات


المزيد.....




- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...
- بدر بن عبد المحسن.. الأمير الشاعر
- “مين هي شيكا” تردد قناة وناسة الجديد 2024 عبر القمر الصناعي ...
- -النشيد الأوروبي-.. الاحتفال بمرور 200 عام على إطلاق السيمفو ...
- بأكبر مشاركة دولية في تاريخه.. انطلاق معرض الدوحة للكتاب بدو ...
- فرصة -تاريخية- لخريجي اللغة العربية في السنغال
- الشريط الإعلاني لجهاز -آيباد برو- يثير سخط الفنانين
- التضحية بالمريض والمعالج لأجل الحبكة.. كيف خذلت السينما الطب ...
- السويد.. سفينة -حنظلة- ترسو في مالمو عشية الاحتجاج على مشارك ...
- تابعها من بيتك بالمجان.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - صَرْعَةُ قَتْلِ آلْأَبِ