أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - جُؤَارُ















المزيد.....

جُؤَارُ


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7526 - 2023 / 2 / 18 - 10:17
المحور: الادب والفن
    


لستُ أدري عندما أصادف لوحة (الصرخة) أو أعاينها أو أتأملها، تتعالى في حناياي بحات صيحة العربي باطمة الأنطولوجية:(ياااا صاااااح راني وسط الحملة)(١)لما لها من آمتداد لا يخفت إلا ليخلد في خلود خالد..إنها صيحة وجودية ميتافيزيقية تذكرنا ترانيم حيرة آلحنين في الوقوف على الأطلال عند الشعراء البدو الرحل آلحائرين...
رَسَمَ إدْفَارْدْ مُونْشْ Edvard Munch النرويجي الذي عاش بين 1863-1941، لوحته الزيتية:"الصرخة"عام ١٨٩٣(٢) وهي تعتبر لوحة تعبيرية آنفعالية تجسد تيمة القلق النفسي والروحي الذي يعيشه الإنسان الأوروبي في رؤاه الوجودية آتجاه أوجاع الغربة والضياع أمام حتمية مصير الموت وآلحياة..اللوحة تمثل رَجُلا تعتري وجهه مشاعر رعب وفزع يبدو أنها آنبجست على حين غرة إثر مثير ما خارجي عايشه الرجل الواقف على جسر فاغرا فاه يمسك رأسه بيديْه مُطْلِقا صرخةً مُدويةً تراها أعين آلرائين قبل تتبع عثراتها أسماع آلآفاق التي على خلفية اللوحة المتكونة من أشكال مُتماوجة وتدرجات للون شفق أحمر صارخ..لا بد إنه يتألم أو يتوجع أو هو مصدوم لمعاينة مَشهد ما..هذا أكيد..لكن صُراخَه وإنْ وُجِّهَتْ نبراتُهُ إلى الخارج، فإنه سرعان ما يَرْتَدُّ إلى الداخل في آنتكاسةٍ لا تسمح في إيصال صدَى إحساس نبرات آلبحات المرهف إلى أبعد مدى، إنها صرخة مغلقة محاصَرة مطوَّقة تكتفي باللوعةِ وتَجَرُّعِ سُمِّ سياط حريق وجود أرعن لا يرحم ..
يقول بدرشاكر السياب متشوفا متشوقا إلى بلدته جيكور بالعراق وقد أبعدته عنه ظروف الاستشفاء العصيبة:

(لأنّي غريب
لأنّ العراق الحبيب
بعيد و أني هنا في اشتياق
إليه إليها أنادي : عراق)

لاحظوا هذا النداء من بعيد إلى حبيب ناءٍ تجسده صائتات مديدة تحاول سعيها الى إيصال صوت صياحها إلى أبعد مدى:
(ري_بي_را_عي_نا_ني_ها...)؛لكن دون جدوى، فرَجْعُ الصياح الآمل في بلاسم اللقاء والوصال كان مجرد صدى نحيب لا يجيب النداء الذي يظل معلقا في لهاة حَنجرة متشظية يقتاتها هلاك لا يؤمن بالأحلام أو شغف آلأمنيات:

(فيرجع لي من ندائي نحيب
تفجر عنه الصدى
أحسّ بأني عبرت المدى
إلى عالم من ردى لا يجيب
ندائي)(٣)

اَلْجُؤَارُ:لُغَةً الصخب والعنف..أَنْ تَجْأَرَ..أَنْ تصْدحَ بما يُخَالجُكَ به الضميرُ والشّعورُ والإحساس، ولعلَّ هذه إحدى أهم التيمات التي يمكن ملاحظتها في بعض أهم الإشارات الفنية والأدبية الإنسانية في القرن الماضي:موسيقى الجاز صراخ معاناة زنوج جنوب أمريكا، موسيقى "الهاردروك" الصاخبة، رنات"البلوز" الزنجية الحادة الصارخة، إيقاعات الغيتار الكهرائي في يد الأرعن"جيمي هندريكس"وهو يُلَوِّحُ به الى الجمهور مهشِما محرِقا وحارقا مُكَسِّرا جميع الأعراف الاحتفالية..مجموعة "بينك فلويد" الإنجليزية وهي تُحَطِّمُ جـِدَارَ الوهم الذي بناهُ التوجُّسُ والخوفُ لدى الإنسان المعاصر في أوروبا وأمريكا بعد الحربين العالميتين..مجموعة"ناس الغيوان"في المغرب التي عَمَدتْ الى النهج نفسه بصرخات حادّة مُسْتَمَّدَةٍ من جذور التراث الشعبي المغربي الأصيل بألوانه المختلفة ومن نبرات الزنوج الأفارقة بإيقاعات"غْنَاوَى Gnawa" -نسبة الى غانا- التي لعبتْ دورا كبيرا في مَسار الجؤار لدى هذه الفرقة السبعينية بشكل يذكرنا بالبلُوز الزنجي الأمريكي..هذا الجُـؤار المغربي آستغرق فترتيْ السبعينيات والثمانينيات، محاولا أن يعبر عن واقع القمع والقهر السياسييْن اللذين بَلَغَا أوجهما في الضغط على الفئات المسحوقة في البلد، فكثُرَتْ المنافي والسجون والشطط في آستعمال السُّلَطِ المختلفة..بيد أن آلواقع ووقائعه فيما يبدو ظل سَدا منيعا في وجه هذه الصرخات التي رغم عمقها وصدقها وآمتدادها وآنتشارها وتأثيرها ظلّ صداها مَحدودا في أجواء قمع لا تأبه بردود فعل الصيحات مهما كانت بصمتها وأبعادها نظرا لعدة عوامل تاريخية قاهرة..الشيء الذي جعل مثل هذه الصيحات محاولات قاصرةً تُرواحُ زمنا ساكنا ومكانا تابثا أشبهَ بثورة في فنجان...
والآن رغم آنصرام كل هذا العُمر، مازال الذئب الصامت يترك العَنان لعُوائه يصدحُ من جديد بما تأمره به لواعجه الثكلى بحُب حَياة تفرُّ من بين ثناياه كل لحظة، أو على حد تعبير شاعرنا الضليل:

ووادٍ كجوف العير قفر قطعته
به الذئب يَـعْـوي كالخليع المُعَيَّلِ
فقلت له لما عَـوى إن شأننا
قليل الغنى ان كنت لمَّا تُمَولِ
كلاناإذا مانال شيئا أفاته
ومَنْ يحترثْ حرثي وحرثكَ يهزلِ(٤)

تاريخ الأدب والفن عندنا أوعند غيرنا تاريخ مُحاولات مواجهة ومقاومة آغتيال هذا الصراخ الموجود بالقوة وبالفعل فينا، شئنا ذلك أم أبيناه؛ ما علينا إلا أنْ نحاولَ تسليط الأضواء على الجانب المظلم من القمر في دواخلنا كَيْ نَجْـأَرَ به عَلَنَـا ونُنِيرَ سُبُلَ حياة كريمة في مهامه متقرحة بآلاف القروح والكلوم والجروح..ومن أجل تفادي العثرات والهنات ومصادفات الصياح، يجبُ أن يكون جُؤارُنَا فعلا لا رد فعل، يجب أن يكون مُنَظَّما رَصينا عَقلانيا يتجنب الإفراط في العواطف والحماسة المبالغ فيها ويحسب للأحداث وظروفها وعواملها ألف حساب لينبس بالصوت المناسب في الوقت والمكان المناسبيْن وبالطريقة المناسبة كي لا تَمُرَّ فصولنا الجميلة ونحن عنها لاهون، فيصحُّ فينا قول الآية الكريمة:(لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ) (٥)

☆إشارات:
١_يقول موال الأغنية الجائر في بدايتها:
(يا صاح راني وسط الحملة
ورخيت الشملة وما فات الحملة
وإلى تفاجى الضباب الضاير بنا يا أهلي
وصلاح الوقت
وُسَارْ عْلاَمْنَا وَاقْفْ
عَلْى دْرْبْنَا يَا أَهْلِي
يُومْ نْصْبغُوا دَارْنَا بْ لَبْيْضْ
يا صاح راني وسط الحملة)

٢_The Scream /The Cry / le cri

٢_تتمة القصيدة:
و إمّا هززت الغصون
فما يتساقط غير الردى
حجار
حجار و ما من ثمار
و حتى العيون
حجار و حتى الهواء الرطيب
حجار يندّيه بعض الدم
حجار ندائي و صخر فمي
و رجلاي ريح تجوب القفار

_بيروت، ١٥ / ٤ / ١٩٦٢/ديوان(المعبد الغريق)

٣_من معلقة آمرئ القيس

٤_سورة(المؤمنون:65)



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وَجَيبُ آلكَلاكِل
- لَكَمْ تمنيتُ لو أنكَ هنا
- الوعي الديستوبي
- لَيْسَ لَنَا مِنْ كُلِّ مَا عَلمْنا سِوَى كَلِمَاااات
- رَيْبُ آلْمَكَان
- تَجَاعيدُ البَيْضَاءِ، بخصوص فيلم:(كَازَبْلَانْكَا)
- دُوسْتِي
- دُون كِيشوت
- مُتَرَددٌ خَائِبٌ أبَدًا
- الرموز في قصيدة آلرؤيا
- جُو كْلِيكْ آلْكُولِيكْ
- حَيَارَى نَحْنُ..؟؟..لا..!!..
- اَلْمُتَمَرِّدُ
- عَسَاهَا يَوْمًا
- عُيُونُ آلذِّئَابِ تُومِضُ كآلنُّجُوم
- خُ يَ لَ ا ءُ آ لْ عَ دَ م
- مُتَلازِمة تشيخوف
- حُلْمٌ كَفِيف
- اِكْتِفَاء
- جُلَّنَارُ


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - جُؤَارُ