أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - مُتَرَددٌ خَائِبٌ أبَدًا















المزيد.....

مُتَرَددٌ خَائِبٌ أبَدًا


عبد الله خطوري

الحوار المتمدن-العدد: 7515 - 2023 / 2 / 7 - 14:58
المحور: الادب والفن
    


عُرِفَتْ روايات دوستويفسكي بمُقاربات لافتة في وصف مظاهر تتعالق بها شخوص مَقهورة تحاول عبثا تغيير محيطها بوسائل محدودة مما يؤدي بها إلى نتائج وخيمة.. مثل هذه المقاربات رصدها الناقد الروسي"ميخائيل باختين"ضمن مفهوم سماه: "المنيبية"حيث يغدو فضاء العَتبات السِّمَةَ المُهَيْمِنَةَ على الشخوص، ولعل أمكنة من قبيل الأقبية وآلدهاليز وآلردهات الضيقة وآلسجون(١) والمحطات والمرافيء والحانات والطرق الهامشية والأقبية المعتمة والغرف الضيقة التي توجد في السطوح ذات الأبواب المُوصدة والمفتوحة في الآن نفسه كتلك التي دأب"راسكولينكوف" العيشَ فيها بمساحتها الكاتمة للأنفاس وأثاثها القديم القليل ومحتوياتها غير المرتبة، لَـفَـضَاءَاتٌ رمادية تختارها النفوس طوعا أو كرها لتعيشَ فيها أزماتها التي لا تنتهي الا لتبتدئ من جديد..إنها غُرف مُغلقة مُنفتحة في آن واحد، تجد فيها ما يشبه نافذة في مكان ما بالكاد يدخلُ من خَصاصها بَصيصٌ من شيء مَوجود في الخارج آسمه..الحياة..
إن المكان هنا مَعْروض بشكل شاعري رامز يجعلنا أمام ثنائيات مُفْعَمَة بالإيحاء: الداخل والخارج اللذان يتعالقان يتداخلان في بُؤرة ضيقة، والفيصل بينهما كُوة صغيرة في أعلى أحد الجدران تماما كما في السجون الانفرادية..إن المواضيع لتتخذ ذريعة ودعامة لهذه المأساة في مثل هذه الفضاءات الرمادية بإحساس حاد بالقلق والتوتر والانشطار مثل:الصراعات الداخلية لدى المُصاب بالفصام في "القرين"وجريمة صُداع الرأس الذي يريد إعادة أمجاد جَبروت القُوة على حساب الكائنات"الطفيلية" المُنَـِغـصَة للحياة.. حياة الأذكياء ذَوُو آلحساسية المرهفة الذين تعرقلُ مصائرهم عَثراتُ طريق يجب التخلص من وعثائها..و"قديس" مُرْغَمٌ على القداسة طاهر صوفي مثالي يوضع في تضاد مع مجتمع فاسد في رواية(الأبله)، وتباغض بين أب وأبنائه في(الاخوة كرامزوف)، ومُقامرٌ تخدعه قريحته، وشاب وسيم شفاف الرؤى يُدْعَى:"اليوشا"يصعدُ الى السماء ناسكا زاهدا ينشدُ سبيلَ خلاص في طريق الأب"زوسيما"، و"إيفان"الحائر في حواره الميتافيزيقي الوجودي مع الشيطان والأرعن"ديمتي ألكسندروفيتش"الهابط دون أسف الى دياجير جحيم دنى نزوات لا تبقي ولا تذر غير آبه بالأعراف ولا المُعتقدات يُغْرِقُ روحا له ثكلى في مهامه حانات معتمة ودور بغاء ملنبسة وأوكار لصوص طائشة وعربدة حفلات تهتكية شهوانية تُقَامُ هنا هناك عَلَنا أو سراً على هامش حياة تشبه الحياة...(٢)
الزمن نفسه يغدو معضلة وجودية لا قِبَل للشخوص الإشكالية به(بمفهوم لوسيان غولدمان في كتابه"الإله آلخفي")..إنهم يتحملون وطأته مرغمين على الخضوع لتبعاته آلمرهِقة لذات سريعة الانكسار يزداد تفاقم هشاشتها كلما تراكم رقم أعمارها قُدُما الى"أمام"يحصي أنفاسا مرتبكة تحتضر على مهل...(٣)
دوستويفسكي لم يحترمْ خصائص البطل الملحمي النبيل القوي الوسيم المتزن العاقل الرصين المتحدي للمكان وآلزمان ومصائر آلأقدار، الخارق في كل شيء. لقد اغتالَ صورة"عوليس"معلنا ولادة حيوات آدمية عادية من لحم ودم ونفس وفكرة تأكل الطعام وتستهتر مَرَحا وجُؤارا في الأسواق والردهات..إنه يصور حالات النفس الانسانية الأكثر شذوذا والقريبة من حافة الجنون..مختلف حالات الجنون..من هوس وفصام وآستغراقٍ تام في الكوابيس والأحلام والسير في المنام ونوبات الصرع والنزوات والأهواء ومحاولات الانتحار والمغامرات غير المحسوبة العواقب والجرائم التي تتحقق والتي تظل فكرة ومشاريع في رؤوس أصحابها المترددين الخائبين أبدا...

☆إشارات:
١_مما جاء في رواية(منزل آلأموات):(وفي تلك الفترة،تشتد الجلبة،يكثر الصراخ، ترتفع الضحكات، تتعالى الأيمان المغلظة،يتراشق القوم باللعنات والسباب، ترن أصوات السلاسل والأغلال،ترتفع ذوائب الدخان،تنبعث الروائح الكريهة، وتبدو الرؤوس غير الحليقة والوجوه التي أرهقتها المذلة،والثياب المهلهلة والأسمال المهملة، وكل ما هو ملوث مهين، وكل ما هو دنس قميئ، باد للعيان مثير لمزيد من الاشمئزاز.. أي شيء ترى المرء يعجز عن آحتماله..إن الانسان لمخلوق سريع الإيلاف لكل شيء، وأحسب هذا الوصف أحسن تعريف له...

_منزل الأموات/الفصل الاول/صفحة23
دوستويفسكي/ترجمة..عباس حافظ

٢_جاء في كتاب(تاريخ الرواية الحديثة ل"ر.م.ألبير يس"ما يلي:(هذه"الرواية المفجعة"وُلِدَتْ مع دوستويفسكي من حيث غزارة الشخصيات والاحداث وسهولة التفصيل والتحرك البشري..ان الحوار والتعابير والحركات"مبالغ"فيها دائما. وهذه المبالغة نفسها توحي على نحو غير مرئي بأنَّ هذا الفيض الخارجي واللامنطقية والمخالفة للمألوف هي العلامة والاشارة والتعبير العاجز عن نوع من المأساة الخفية..ان المواضيع لتتخذ ذريعةً ودعامةً لهذه المأساة وحسب رغم انها مختارة باحساس حاد بالقلق:جريمة كاملة تهدمها حتمية الندم اللامنطقية في(الجريمة والعقاب)و"قديس"مرغم على القداسة"طاهر"يوضع في تضاد مع مجتمع فاسد في رواية(الأبله) ومؤامرة في مدينة من مدن الأقاليم في رواية(المحسوسون) وتباغض بين أب وأبنائه في رواية(الاخوة كرامزوف)..ان الحمية واللامنطقية والسكر والعُنف والجريمة والتمزق والسذاجة والغضب والمزاج تجعلنا نشعر بأكثر مما يستطيع الانسان أنْ يقوله أو يفعله كتلك الصرخـة التي يطلقها "رازُوميخين"في(الجريمة والعقاب):"كلا، ماذا تظنون، هل تظنون أنني أحقد عليهم لأنهم يقولون أشياء غير معقولة ! كلا.انني أحب هذا أحب أنْ يخطئ الا نسان...ان هذا هو امتياز الانسان الوحيد على سائر الاحياء.بهذه الطريقة يصل الناس الى الحقيقة ! انني انسان لأنني أخطئ..بيد أننا لا نعرف كيف نخطئ بطريقة شخصية، ولعل الخطأ الأصيل خير من حقيقة تافهة.ان الحقيقة تُستعادُ دائما بينما يمكن أنْ تدفن الحياة الى الأبد..فهل أنا على صواب كلا..هل أنا على صواب ".

_المرجع:كتاب(تاريخ الرواية الحديثة)/ر.م. ألبير يس/الفصل14الذي يحمل عنوان:( مدرسة دوستويفسكي الروائية)/ص 285_286/ترجمة(جورج سالم)/الطبعة الثانية/عام 1982/
منشورات:بحر المتوسط بيروت باريس
ومنشورات:عويدات بيروت باريس

٣_نقرأ في(الليالي البيضاء):"وبعد حين من آلدهر ستسأل نفسك،أين ضاعت أحلامي؟ ستقوم بهز رأسك تهمهم:ما أسرعَ مرور الوقت، وتعيد آلسؤال مرة أُخرى، ما الذي قُمتَ بفعله فى فترة حياتك؟ وأين دفنتَ أفضل سنوات عُمرك؟ أَكُنت على قيد الحياة أم وهْمِها؟وسوف تغمغم أُنظر كيف أصبحت الأيام باردة كئيبة، وستَمُر سنوات أخرى من عُمرك، تعقُبها سنوات عُزلة كئيبة، وستأتى فترة الشيخوخة غير المُستقرة، تليها فترة يأس وكآبة تامة، وينهار عالمك الرائع، وأحلامك سوف تذبل وتموت، وسوف تُنْثَر آنئذ مثل فتات أوراق شجرأصفرفى فصل خريف حزين"

_رواية(الليالي البيضاء)دوستويفسكي



#عبد_الله_خطوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرموز في قصيدة آلرؤيا
- جُو كْلِيكْ آلْكُولِيكْ
- حَيَارَى نَحْنُ..؟؟..لا..!!..
- اَلْمُتَمَرِّدُ
- عَسَاهَا يَوْمًا
- عُيُونُ آلذِّئَابِ تُومِضُ كآلنُّجُوم
- خُ يَ لَ ا ءُ آ لْ عَ دَ م
- مُتَلازِمة تشيخوف
- حُلْمٌ كَفِيف
- اِكْتِفَاء
- جُلَّنَارُ
- آلِهَةٌ أَمْ شَيَاطِين
- حَريقُ آلِارْتِقَاء
- أَنْهِيدُونْيَا
- الهايْبُوثَلامُوس
- فَرَادِيسُ مَفْقُودَة
- مُتْ قَاعِدًا
- هَاااا..هُوووو..هِيييي
- شِيَمُ آلشُّعَراء..قراءة في بائيةٍ للمتنبي..
- عِيشَا قَنْدِشَا آيَتْ وَرَايَنْ


المزيد.....




- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله خطوري - مُتَرَددٌ خَائِبٌ أبَدًا