أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - ما لم يقلهُ النقاد في (ما لم يقلهُ الرواة)















المزيد.....

ما لم يقلهُ النقاد في (ما لم يقلهُ الرواة)


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 7087 - 2021 / 11 / 25 - 17:40
المحور: الادب والفن
    


مما لا شك فيه أن القاصـة العراقية المتألقة لطفية الدليمي, تعـد واحدة من أبرع القاصات والقـاصين العرب, بما أنجزته مـن نـتـاج ثـر يسـتحق المزيـد مـن الاهتمـام والمتابعة والدراسة، وما أود قولـه في هذه العجالة لا يتعدى أكثر مـن وجهة نظر قاص في جانب من جوانب قصص هذه القاصة المبدعة، التـي أكن لها كل الحب والتقديـر، وأنظـر بإعجـاب لمثابرتـها واخلاصـها لشغلها الذي كرست له منذ ثلاثيـن عاما ونيف, استطاعت خلالـها أن تحقـق نجاحا بـاهرا, وتنفـرد بأسـلوبها الخاص وبصمتها المميزة.

بدءا تمتاز لغة لطفيـة الدليمـي بالرصانـة والشـفافية، رصانـة الجملـة القصصيـة ومتانتـها، وشفافية الصياغة والتعبير واضفـاء الطابع الشعري عليهما، ويبدو لـي من خلال متـابعتي الشخصية أن افتتانها باللغة وانثيالاتها, قد أوقعـها بقصد أو بدون قصـد فـي شـرك (الشعرياتية) أو ( التشـاعرية ) أي اقحام النفس الشعري على الأسلوب السردي, وضـخ عشـرات الـدوال المتوالدة والمترادفة لتفضي الـى مدلول واحد، وهذا ما جعل حسـب اعتقادي نصوص (مـا لـم يقلـه الـرواة) أن تنحـرف عـن جنسـها السردي, وتتخذ مسارا خطابيا هـو خليط من الشعر والقصة، أو قـص شعري، هذا النمـط الكتـابي ذي البناء السردي والتشفير الشـعري، حيث غيـاب الحـدث والشـخصية والحبكة وهلامية الزمان والمكـان، وطغيان الدفق اللغوي والإنشائي والتهويمات الشعرية حد الاستغراق في التزويق اللفظي, ليقـترب ويقترن الى حد ما بالخاطرة التـي عرفـها الجرجـانـي فـي كتابـه (التعريفات) بأنها (ما يرد على القلب من الخطاب) وهي (الخاطرة) كما يحيل لسـان العرب الى (ما يخطر على القلب مـن تدبير أو أمر, وهـو الـهاجس) وما تبثه قصص هذه المجموعة من هواجس ولواعج ومناجاة يؤكد مـا ذهبنا اليه، ولنستل هذا المقطع من قصة "شفرة العاصفة" كأنموذج وحسب.

(مسافة الحب بارعة بفيـض النجوم والموسيقى, وضحكات الغيوم مسافته موغلة في النهار والضـوء والكتب والطيوب والحمائم والعشـب والأزاهير والنخيل, وهما يعبران بابا وربما نهرا اليها. ربما أقاليم مـن هضاب وصخور ومكتبـات ومدنـا وشعابا وربما هو باب، محض باب يعبران العتبة تحت قـوس معقـود بأضواء راجفة، ويطـآن أول أرض في مملكة الحب)

ولاحـظ الافتتـان والانجـرار اللفظي في هذه الجملة من قصـة "رغوة الغرف الذابلة" (الحـزن الحار الحنون الحفار الحرون يحرق يداعب يحار) ص 76 و (أنا وحـدي مع الغيم والغيلان والغبار والغبـاء) ص 77 وتزخـر تـوصيفاتها السردية, بمفردات (الماس والبلـور واللؤلؤ والرخام والنحاس والفضة والذهـب والحديد والبروق والبحر والمـوج والأقمـار والشـموس والحجـر والحـالوب وأزهـار الحمضيـات والقرنفـل والأس والسـراخس واللبـلاب والصبـار والأرجـوان, والاركاديـا والارانيـا واللانثانـا !!! وأشـجار السـرو والسـدر والبرتقال والعنب والليمون الـهندي والعطور والشذا والأريج والمسـك والعنـبر والصنـدل والزعفـران والنـادرين والحيوانـات والطيـور والحمامات والفراشـات والأسـماك) وووكل ما يستوعبه الفضـاء الشعري ويسـتهلكه مـن رمـوز وايقونات ويؤطر تشكيله الفضفاض اللامتناهي, دون أن تشـغل حـيزا قصصيا أو تخدم الفعـل القصصـي.

وفـي قصـة (شـفرات العصـر الشمعي) تحشر مقطعا أرادت لـه أن يكـون شـعرا خالصا, وبرسـم شــعري مقصود (ضحى القيامة المطرية أقضم كلماتي وأحتسي تاريخ الحجر, لعلني أغـدو بصلابة الكاربون فأمـا احـترق أو اتبلور ماسة باردة) ص 27
ولو رفعنـا عـشـرات الجمـل والعبارات الفائضـة مـن بعـض القصص, لما اختل توازنها بـل قـد يزيدها تماسكاً, ولو جردنا قصص أخرى مـن زخرفتـها وانثيالاتـها اللغوية لبدت مجرد هياكل شاحبة لا تمت للقصة بصلة كما في قصـة (الريح) وقد لجأت القاصة بعـد أن أعيتها الحيلـة القصصيـة في قصتيـن الـى التقطيـع ووضـع عنوانات فرعية، ففي قصة (جيـاد في الليل) قسمت القصة الى ثلاثـة مقاطع ۱- صهـيل الجيـاد ۲- موسـيقى وشاشـات ۳- قـهوة بيضاء, ويكاد كل مقطع يمثل نصـا منفـردا بحـد ذاتـه، وفـي قصة "شفرات العصـر الشمســي" هناك ثلاثة مقـاطع أيضـا, شـفرة النسيان وشفرة حبة الخردل وشفرة الخسران, ولو الغيت هذه العنوانـات والتقطيع لما تغير أيما شـيء فـي بنية القصة, في حين أسهمت قصـة تالية لهـذه القـصـة مـباشرة بـ (شفرة العاصفة) ولو ضممناهـا الى الشفرات الثلاث لما بات هنـاك افتراق واختلاف لوقوعـهـا تـحـت سـطوة الانـهمار الشعري دون الاكتراث بمتطلبات السرد القصصـي.

والمرأة هي الشخصية المحوريـة والرئيسـة فـي جميـع قصـص المجموعة بيد أنها امرأة ممسـوخة مجـردة مـن كيانـها الإنســاني ومشاغلها الحياتية، وهـي ليسـت أكثر من أنثى جامحة مموهـة بين طيات الكلمات بلا ملامح بلا اسـم بلا مهنة وبلا عائلـة, وهـي عـادة متزوجـة بـلا زوج, مـهجورة مستوحشة وأحيانا هــي أرملـة، تلاشى زوجها في دخان الحـرب أو مسافر في الغـروب الكبـير ص 10

والرجل أيضا مجرد رجل ذكر غـائب تنـعته بـ (الرجل) فقـط مثلمـا تنعت نساءها بـ "المـرأة" (المرأة وحدهـا, المـرأة الشاشات, ترتجف يد المـرأة, المـرأة تعد القـهوة، تسـدل المـرأة خوفـها) مـن قصـة (جيـاد فـي الليل)

وتفتتح قصصها هكذا (يتكشـف عالم المرأة) قصـة "حمـامـة فـي الـظهيرة" و (تشحذ المرأة ذاكرتـها) قصة "شفرات" وبالمقابل تفتح قصـة (ما لم يقله الرواة) بطلـها رجـل شغوف بشـهرزاد بـ (مشـاغل الرجل الآسرة) .. أي أنهم وأنهن بلا أسماء .. فقط ثمة (المرأة) ووثمة (الرجل) دون ملامح ومعالم وسحنات.

ومما يلفت النظـر حقا أن جميـع القصـص مكتوبـة بضمير الغائب, باستثناء قصة (أخف من الملائكة) التـي كتبـت بضمـير الحاضر المتكلم, والتي خلت من التزويقـات والتـهويمات, بل حفلـت بديناميكيـة سردية عالية, لتخلق بالتالي قصـة رائعة, تمتاز بكل مقومـات الجـودة والبراعة والاتقان، وجاءت قصـة (ما لم يقله الرواة) بذات المستوى من الجودة والجمال والادهاش, إلا إن قصة (رغـوة الغـرف الذابلة) تعد حسب قنـاعتي الشخصية, مـن أجمل وأروع القصص التي تنـاولت اشكالية (الرغبة - الجسد) بحـس إنساني مرهف, وتقنية فنية عاليـة, لتقف بمصـاف روائـع القصـص العالمية.

واتسمت معظـم القصـص برؤى فنطازية لتهشم صلابة الواقع, ولتمازج بينه وبين مديات المخيلـة, ولتنسج لنـا حكاياتـها الخلابـة الآسرة.

وأخيرا أتمنى أن لا يفـهـم مـن ملاحظاتي آنفة الذكر, إنني أحـاول أن اقلل من أهمية هذه المجموعـة القصصية, بقدر مـا أحـاول أن أشخص الجانب الزخرفي الإنشـائي فيها, والذي رهل بعض النصـوص، دون أن يضيئها، وهـذا مـا لـم يشخصه النقاد (الذكوريون الكذابون المتملقون) أبدا, بل عدوه فتحا مبينـا, وقد أكون مخطئا وغير دقيق في ما رحت اليـه، وللكاتبـة لطفيـة الدليمي تحياتي متمنياً لها مزيداً ًمن النجاح والديمومة في الإبداع.
...
جريدة الثورة 29 / 12 / 1999



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محطات الطفولة والكهولة في (هي والبحر)
- المتنطعون
- ثقافة الطفل
- الإسلام وثقافة العوام
- موظفون ثقافيون
- من أرشيفي القديم 15
- سماحيات 24
- مسؤولية الكتابة
- اللغة المتعالية
- مسؤولية المثقف
- الفدرالية وازمة المصطلح
- بنية الحكاية في (تيمور الحزين)
- # الأدب و الفعل الإنساني # حين تتوقف الكتابة أمام اللغز الأب ...
- # شاعر وقصيدة # دع أمريكا تكن أمريكا
- الأدب والحياة
- # من أرشيفي القديم # 14
- هواة الأدب مهلا
- المبدع ومعادلة السعادة والألم
- مرثية الذات في الظل الأنيق
- النقد والإنصاف النقدي


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - ما لم يقلهُ النقاد في (ما لم يقلهُ الرواة)