أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - المبدع ومعادلة السعادة والألم














المزيد.....

المبدع ومعادلة السعادة والألم


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 7075 - 2021 / 11 / 12 - 15:58
المحور: الادب والفن
    


هل الفنان كاتباً وشاعراً ومفكراً، كائن سعيد ؟ أم إنه كائن تعيس ؟ لا شك في أن المسألة نسبية، والحدود الفاصلة بين مفهومي السعادة والتعاسة نسبية هي الأخرى، لكننا نستطيع أن نشير مع أرسطو بأنهم (يبدون جميعا ذوي مزاج حزين) وإذا كان القلق حالة منفردة للإنسان، كما يؤكد "مارجوري جرين" فأنه حالة ملازمة للفنان، وهو غير قلق الشخص العادي، بل قلق وجودي خلاق ومحفز, ضروري للإبداع والمبدعين، وأحياناً يأخذ هذا القلق منحى مرضياً في حالة اشتداده وتفاقمه، نتيجة تصادم المبدع وضغوطات المجتمع، قد توصله ـ دون أن يدري ـ الى هاوية الجنون، وهو كثيرا ما ينعت بالجنون لخرقه التابوات المجتمعية والثوابت الأخلاقية.

يميز فرويد الفرق بين الفن والجنون في أن (الفنان يمتلك أخيلته وأحلامه, والمجنون تتملكه أخيلته وأحلامه وتتحكمان فيه) والمبدع يمتاز عادة بمخيلة خصبة وينتج بواسطة هذه المخيلة ويخلق عبر نتاجه واقعا اكثر شفافية وعدالة وإنسانية، ويجزم فرويد بأن (الشخص السعيد لا يتخيل أبداً، وأن الذي يتخيل هو الشخص غير المقتنع فحسب) والمبدع غير مقتنع بالمرة لأن القناعة بسكونيتها تتنافر مع حساسيته المفرطة ومسؤوليته العالية وسعة ثقافته ومعرفته, تلك المعرفة التي قال عنها بايرون (المعرفة حزن وأولئك الذين يعرفون الكثير عليهم ان ينتحبوا كثيراً) أجل هذا هو قدر الفنان، الحزن والمعاناة والألم، ففي مسرحية (المتوحشة) لـ "جان أنوي" يعترف الموسيقي فلورانت بـأن (التألم هو أيضا امتياز لم يعط لجميع البشر) وإنما للبشر المتفردين في العزلة والاغتراب والاستلاب, كون (الحس المأساوي هو المعيار الحقيقي لكل موهبة) على حد تعبير جبرا ابراهيم جبرا.

إن هذا الحزن الفائق بسموه، قد يقود بعضا منهم الى متاهة العزلة والكآبة، وفي هذا الصدد يقول الروائي ابراهيم الكوني (الكآبة قرين ملازم لعشاق العزلة، الحزن تاج الحكماء، والفرح دمية البلهاء، وأهل الغفلة)

وبمراجعة سريعة للسير الحياتية لكبار الكتاب والشعراء والمفكرين والفنانين، نجد أن معظمهم عانى الفقر وضربهم بثقل عبوديته (أنه البؤس الذي هو نوع من الانعكاس القاتم للجحيم) كما صرح الشاعر الفرنسي "بيار بفردي" والكثير منهم شرد وسجن ونفي ( باسترناك، وناظم حكمت ) ولاقى ويلات الحرب (مالرو، وريماك ) ومنهم من اغتيل (المتنبي، ولوركا) ومنهم من انتهى بالجنون كما حدث لـ (شبنهاور،و نيتشة، وفان كوخ) وبعضهم مات في سن الشباب مثل (رامبو, وكيتس, وبايرون, والسياب وأبو القاسم الشابي) وختم بعضهم حياته بالانتحار كما فعل (همنغواي، ومايكوفسكي، وخليل حاوي) بعد أن نخرهم اليأس، كون اليأس شكل من أشكال الاحتجاج.

يؤدي اليأس علميا إلى انخفاض الكورتيزون في الدم, وهذا يفضي إلى فقدان الرغبة في الحياة، وفقدان الرغبة هذا بحد ذاته يوازي الموت الفيزيائي، وقد كان الانتحار قبل المسيحية يعد سلوكاً نبيلاً لأنه يمثل أقصى درجات التجرد عن الذات، ولولا الخشية من العقاب الإلهي لكان الصوفيون سباقين في هذا المضمار.

نستنتج من كل هذا, أن هذه الشريحة التي تعد عصب البنية الفوقية للمجتمع، هم قوم خياليون، حالمون، ملولون، حزانى، وهم سعيدون بالرغم من كل التعاسة التي تحيط بهم، لأنهم يشيدون صرح الحضارة الإنسانية بالكلمة، ويدونون ضمير ووجدان أمتهم بالكتابة، حتى أن (الأمم الخرساء بدأت تتكلم بواسطة الكتابة) كما يقول "تودوروف" وهي (محاولة كشف جانب مجهول من الوجود الإنساني) كما يقول "كونديرا" وديدنهم في كل هذا هو أن ينتصروا للإنسان في كل مكان وزمان، كون الإنسان مقياس كل شيء.
...
جريدة الثورة 2 / 12 / 1998



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرثية الذات في الظل الأنيق
- النقد والإنصاف النقدي
- # من أرشيفي القديم # 13
- العولمة وأفق الثقافة
- وحشة منزل الأم
- النقد التهويمي
- نهاد التكرلي .. بقلم سامي مهدي
- سياسة الجعجعة .. وثقافة الطحين
- هؤلاء في إبداع صلاح زنكنه
- ثقافة كاتم الصوت
- القصة القصيرة والصحافة
- عرض حال بصيغة سؤال
- الثقافة وشرط المثقف
- أدب الداخل .. أدب الخارج
- # أدباء المحافظات # 2
- الطريق الى بغداد .. طريق الى الإبداع
- الموت في وطن آخر
- الأمة العراقية
- # تحولات الفضاء السردي من واقعية المحكي إلى إيقاع التخييل #
- عبد الرحمن منيف .. كاتب وقضية


المزيد.....




- معرض النيابة العامة الدولي للكتائب بطرابلس يناقش الثقافة كجس ...
- شاهد.. فيلم نادر عن -أبو البرنامج الصاروخي الإيراني-
- تمثال من الخبز طوله متران.. فنان يحوّل ظاهرةً على الإنترنت إ ...
- مسك الختام.. أناقة المشاهير في حفل اختتام مهرجان الجونة السي ...
- ايران تحرز ميداليتين ذهبيتين في الفنون القتالية ببطولة آسيا ...
- فلسفة الذكاء الاصطناعي.. الوعي بين الفكرة والآلة
- أحمد مالك أول مصري يفوز بجائزة أفضل ممثل في -الجونة السينمائ ...
- حيدر التميمي عن الاستشراق والترجمة في فهم الفكر العقدي الإسل ...
- توقف عن التسويف فورا.. 12 كتابا تكشف علاقة الانضباط بالنجاح ...
- فيلم -ضع يدك على روحك وامشِ- يفوز بجائزة في ختام الدورة الـ8 ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - المبدع ومعادلة السعادة والألم