أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - # تحولات الفضاء السردي من واقعية المحكي إلى إيقاع التخييل #















المزيد.....

# تحولات الفضاء السردي من واقعية المحكي إلى إيقاع التخييل #


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 7063 - 2021 / 10 / 31 - 20:46
المحور: الادب والفن
    


دراسة تحليلية عميقة مطوله للناقد الدكتور (محمد صابر عبيد) عن قصتي (الواقعة) ضمن مجموعتي (كائنات صغيرة)
نشرت في مجلة (ألف باء) 22 / 4 / 1998

بنية العنوان في قصة (الواقعة) للقاص صلاح زنگنه تنطوي على أكثر من حالة، منها دينية- قرآنية، ومنها استنطاق للموروث الشعبي والحكائي العربي في شكل معين من أشكاله، وهي بهذه الحالات تقدم للمتن مستوى احتفالياً أكثر منهُ وظيفياً.
المتن السردي مؤلف من جزأين، كل جزء يمثل نصـاً كامـلاً يحتوي كامل المكونات المطلوبة للنص السردي، وكل جزء له مكانه الخاص وزمنه الخاص، كما أن لكل جزء استهلاله الخاص الذي يتطابق تماماً مع المسرود ويؤسس لمشهده.
فالاستهلال الأول (في هـدأة الليل، حـين راحت الصراصير تصفر والضفادع تنق والكلاب تنبح والنـاس تغط في النوم، تناهى الى سمعه أصـوات غـريبـة هي خليط من المـوسيقى والأهازيج والزغاريد والدبكات، ثمة طبـل ومزمـار يحدثـان أنغاماً وايقاعات راقصة وصاخبـة ومبهجة)
يقتـرح الهدوء والسكينة، ويعمل على تثبيت حدود المشهد في دائرة صـورية ضيقة. إلا إن الاستئناف السردي الذي بشرع السرد بافتتاحه بعد الاستهلال (نهض سعيد من فراشه وهو منتش بالموسيقى الـرائعةْ وراح يـرقص) ينسف مقتـرح الهـدوء، ويبـدأ بتأسيس نظام حركي ضاج بالحيوية والايقاع والنشاط.
على حين يقدم الجزء الثاني صورة معاكسة تماماً، إذ يبدأ استهلاله (مع اشراقة الشمس أيقظ أبـو سعيد سعيـدا ابنه ليرعى الغنم، لكنه أبى أن يغادر فراشه مادام هذا النهار هو نهار زواجه الأول) اعتبر العجـوز (غمغمة سعيـد نوعـا من المزاح والتهكم) باقتراح الحركة والنشاط، في الوقت الذي يعمل فيه الاستئناف السردي على قلب المقترح واستلاب مضمونه.
تتمظهر شخصية سعيد ، ـ الشخصية المركزية في النص - عبر عدة طبقات، تتداخل فيما بينها لتؤلف المستوى التركيبي فيها. الطبقة الاولى الطبقـة هي السردية السطحيـة المباشرة (الراعي) والطبقة الثانية الحلمية (الجني المتزوج) والطبقة الثالثة الميتا حلمية (المجنون) ويتماهى سعيد في هذه الطبقة مـع (خلفون) ويتم في الطبقتين الثانيـة والثالثـة تـوظيف الخرافة الشعبية، بالشكل الذي يعمق روح السرد في النص.
وتتداخل أيضاً شخصية (مندوز) عبر ايحائها بمستـوى أسطوري، من خلال التـوافق الصوتي والبصري مـع الاسم الأسطوري (ميدوزا) بشخصية (مريم) عبر ايحائها بمستوى ديني- قرآني، وهي تشتغل حكائياً بثلاثة مستويات، زوجـة (سلطان) وزوجة (سعيد) وشخصية (خلفون) بوصفهـا حلم القص المتخيل وظيفياً.
ويسري هذا التثليث بوصفه سمة تركيبية واضحة على فضـاءات القص أيضاً، إذ ينشطـر الى ثلاثـة فضاءات، الأول, الفضاء الواقعي للمحكي (سعيد وأبوه والقرية وحكاية رعي الاغنـام) والثـاني, الفضـاء الحلمي للمحكي عـالم الجن وتوظيف الموروث الشعبي، والفضـاء الثالث هـو الفضاء الواقعي المتحول للمحكي التماهي مع المتخيل.
تمثل حكاية عالم الجن بؤرة التمركز السردي، وتتغذى من مصدرين، الأول المشهد الصوري الواقعي للحكاية وهي تمثل سبباً، والثاني التحولات الفضائية للشخصية المركزية وهي تمثل نتيجة، في الوقت الذي تمثل فيه حالة الجنون نقطة تداخل فضاءين.
شخصية الأم الكبيرة بهذا الوصف الاحتفالي الباذخ (اطمان سعيد لمندوز, واخذته الى الأم الكبيرة، تلك الجنية العملاقة ذات النهدين الهائلين، فارشة فخديها الكبيرين على الأرض، تراقب قـدراً ضخمة عـلى نار مشتعلـة تفوح منهـا رائحـة الحنطـة المطبوخة) تمثل رمزاً مولداً لحياة جديدة، أو الانتقال الى حياة أخرى، إذ تعمل وحدة التحول السردية الفاعلة (هيه لقد صار سعيد جنياً مثلنا) على اقصاء فضاء واحلال فضاء آخر.
ولا تقنع شخصية الشيخ سلطان، بدور ثانـوي، إذ أنها تتدخل لتحتل مكانا في بؤرة التمركز السردي، من خلال انطوائها على مرجعية أخلاقية، فهي الآخر النقيض - المستلِب ـ بكسر اللام, في مقابل مسلسل المستلبين على يده خلفون، وسعيد والخ ، بدلالة صفة (الشيخ) وما يتصل بها (زوجته الخامسة) ويخلق العدد هنا (الخامسة) توجيهاً دلالياً ملتبساً، يفضي الى اقامة احتمال كونها تفتقر الى الشرعيـة مثلا، فضلا عن دلالة البذخ والاحتفالية فيها.
شخصية (الشيخ سلطان) هي العتبة، التي تتحـول فيها الشخصيـات المستلبة من فضـاء واقع الحكـاية، الى فضـاء تخييلها وتجريدها من مقومات الـوجود وضروراتـه في واقع الحكاية.
إن التلبث في الحلم والعمل على تعميق حدوده وتوسيعها، بوصفه وسيلة خلاص من الاخفاق والمصادرة في واقع الحكاية، يقود ـ بمضاعفة العمل وتكثيفه ـ الى الحلول في هذا الفضاء واستشعاره، وقلب المعادلة الحيوية بإخضاع واقع الحكاية لحلمهـا، وصولاً الى النتيجـة التي تتطلبها فلسفـة الخطاب السردي هنا (هيه، لقد صار سعيد جنيا مثلنا) بما تتمخض عنه من تحول حكائي دلالي.
ولعل الوحدة السردية الحادة (أن من يتجـاسر ويقتحم عالمنـا لابـد أن يـمـوت) تفسر استقـلاليـة الفضاءات التي يقدمها النص، ففي الوقت الذي يكون فيه واقع الحكاية فضاء مباحاً لا يفرض اشتراكات معينة للانتماء اليه، فأن الفضاء التخيلي للحكاية فضاء صاد مغلق له اشتراطات قاسية، فأما الانتماء حد التماثل والتماهي، أو الموت الذي يعني مـغـادرة الفضاءين، وبالتالي مغـادرة واقع الحكـاية نهـائياً واقصاء الذات اقصاءً تاماً . ‏
تتكرر أسماء الشخصيات في مساحة الواقع الحكائي للنص، بشكل يلفت نظر القراء الى معطى تأويـلي معين، فشخصيـة سعيد تتكرر 13 مرة في الجزء الاول من النص، و 12 مرة في الجزء الثاني، وتتكرر شخصية مندوز في عموم النص 10 مـرات, وبتمظهرهـا الاسمي الثاني مـريم, مرتين، ويتكرر خلفون تسع مرات، على حين لا يتكرر الشيخ سلطان وهو يمثل فضاءً واحداً سوى أربع مرات.
يمثل هذا التكرار تكريس مستوى الحضور الكتابي وعلاقته بالمستوى السردي، إذ أن انتشار الشخصية على أوسع مساحة كتابية يولد ترددات ايقاعية مهيمنة، تجعل الاسم حاضـرا في السرد حضوراً استثنائياً، يبرر اشتغاله المزدوج في فضاءين متناقضين .
ويلاحظ أن حضور التخييل يمثل اضعاف حضور البعـد الواقعي الحكائي، ويحقق خلفون، حضوراً واسعاً يعمل في فضاءين متقاطعين (الفضاء الحلمي والفضاء الواقعي) وهو يمارس دوراً استثنائياً من خلال جملة سعيد « خلفون وحده يعرف أين هي مندوز » ، بما تنطوي عليه من وحدة فضاء تبرر هذه المعرفة، فصورة مندوز تتمكن من تأكيد حضورها في العين الرائيـة لتستقر في الـذهن، وهو يتفاعل معها على أساس هذه الصورة، بالرغم من وجود صورة أخرى (مريم) تشتغل في المستوى الواقعي للحكاية .
ايقاع فضاء تخييل الحكاية ايقاع مولد، مستقبل، ينطوي على قدر عال من الاستدعاء والاغراء والتوريط :
1- تناهت الى سمعه أصوات غريبـة هي خليط من الموسيقى والاهازيج والزغاريد والدبكات ، ثمة طبـل ومزمـار يحدثـان انغاماً وايقاعات راقصة وصاخبة ومبهجة .
2- نهض سعيد وهو منتش بالموسيقى الرائعة.
3- مشى متجهـاً شطر الأضـواء والموسيقى مجتـازاً الحقول الخضر.
4 ـ صوت الطبل والمزمار يطر يغريه بالرقص حد الاغماء.
5- شاركوه الغناء والرقص على ايقاع الطبل والمزمار.
ومرجعيته دائمـاً مرجعيـة تتصل بـالمـوروث الشعبي، وتستمد ايقاعها السردي من معطياته ومخرجاته وموحياته .
تختم افعال السرد خطابها بتدخل مستوى التخيل في احراج واقعية المحكي، وحسم افعالها السردية باتجاه اداء ايهـامي (هنا لم يعد الشيخ سلطان يسمع شيئاً مما يسرده سعيد، فقد بدأ الفأر يلعب في عبه وفار الدم في عروقـه، وهو عـلى يقين ان زوجته الخامسة مريم لم تكن في بيت أبيها ليلة أمس كما ادعت، انتبـه على صـوت سعيد, يتـوسـل أهـل القريـة (اسألـوهـا .. اسألوها, لم يدع أحداً ليسألها إذ أنه في تلك اللحظة اخـرج مسدسه, وافرغ في رأس كل منهما اطلاقة واحدة فقط)
تقصي الخاتمة هذه الفضاءات جميعاً، وتعود بالحكاية الى نسقها السردي الأصل التي يطالب واقعها الميداني بإحلال منطق تختتم به عناصرهـا . فالسرد الاختتـامي سرد منطقي معقلن، يستجيب لضرورات المكان ومواضعاته الاجتماعية والقيمية، وينقذ الحكايـة من تشتت الفضاءات وتـداخلها، اخـلاصاً لجماليات العناصر التقليدية في القص .
ويبقى ايقاع الفضاء المتخيل المتمثل بـ صوت سعيد يتوسل أهل القرية (اسالوها، اسألوها) ضعيفاً متهـالكاً، مـا يلبث أن يتوقف بتـوقف اللغة المحكية لفظياً ودلاليا (اخرج مسدسه وافرغ في رأس كل منهما اطلاقة واحدة فقط) إذن الفضاء المقصي يبقى بالرغم من كل محـاولات الابعاد والعزل حاضراً، حتى آخر وحدة سردية تغلق دائرة الحكاية، وتنتهي من وضع لمساتها الأخيرة على المشهد.
*المقال في الأصل محاضرة القيت على طلبة الدراسات العليا في كلية التربية للبنات/جامعة تكريت, في مادة « تحليل نصوص أدبية » للعام الدراسي 1997 - 1998



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الرحمن منيف .. كاتب وقضية
- دوستويفسكي عاشقا مغرما
- حالات حاتم حسن الغاضبة
- # قاب قوسين من المرأة #
- # من أرشيفي القديم # 12
- في الشأن الثقافي 3
- # من أرشيفي القديم # 11
- # من أرشيفي القديم # 10
- # من أرشيفي القديم # 9
- # من أرشيفي القديم # 8
- # من أرشيفي القديم # 7
- # من أرشيفي القديم # 6
- # من أرشيفي القديم # 4
- # من أرشيفي القديم # 5
- في الشأن الثقافي 2
- # من أرشيقي القديم # 3
- # من أرشيفي القديم # 2
- # من أرشيفي القديم # 1
- تغريدات ساخنة 5
- هؤلاء علموني


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - # تحولات الفضاء السردي من واقعية المحكي إلى إيقاع التخييل #