أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - الأدب والحياة














المزيد.....

الأدب والحياة


صلاح زنكنه

الحوار المتمدن-العدد: 7077 - 2021 / 11 / 14 - 15:49
المحور: الادب والفن
    


بيسر شديد أعتقد أن الحياة، هي ذخيرة الأدب، وأجزم بأن الأديب الذي لا يتوفر على تجربة حياتية غنية بمفرداتها وخواصها، لا يمكن أن يكون أديباً مهما فاعلا، أو يكتب أدباً ذا أهمية، ذلك أن الحياة، بكل تفاصيلها ودقائقها هي الخلفية الحقيقية والمدى اللا متناهي, بل المرجع الأصيل للأدب, وبهذا الصدد يكتب الناقد "جي ولسون نايت" قائلا (إن المسرحية الشكسبيرية حقاً سر غامض، أنها ليست الحياة، لكنها شديدة الشبه بالحياة) وهذا هو سر بقاء وديمومة أعمال شكسبير بلا مواربة.

لكن الخطأ الفادح, يكمن في الخلط الساذج بين الأدب والحياة، فالروائي "ديفيد لوج" يرى في روايته "تبادل الأمكنة" (إن الحياة شفافة والأدب معتم، والحياة نظام مفتوح والأدب نظام مغلق) فيما يعتقد ميشيل فوكو في كتابه "الأشياء والكلمات" إن (الحياة متكونة من أشياء والأدب من كلمات، وإذا كانت الكلمات في العصور الوسطى هي الأشياء والأشياء هي الكلمات، إلا إنها منذ بداية القرن التاسع عشر، مرحلة الفكر التاريخي المحض أخذت بالانفصال) وما عادت الكلمات تماثل العلامات وتطابقها, وإنما راحت تتبلور وتتبرعم وتتناسل, عبر شبكة من الدلالات الجديدة, المرتبطة بروح العصر ومنطقه وآلياته.

إن اللغة كائن حي, لا يتوقف عن النمو والتطور, لذا نرى في كل حقبة من الزمن سباقاً مغايراً ومختلفا للتشكيل اللغوي عما سبقها، يتجذر ويتساوق مع الكلام أداته التعبيرية الكبرى. والكلام هو أصل السلطة، سلطة الإنسان على الأشياء والموجودات, وعبره ومن خلال ثنائية اللغة، تتشكل المعارف والعلوم والآداب والحقائق.

وإن كل معرفة تنطوي على سلطة, حسبما يؤكد "ميشل فوكو" بل الحقيقة نفسها هي سلطة, وسلطة النص - الأدب, تترسخ عبر خطابه الإنساني المتجذر في أفق الواقع والعصر والحياة، ومدى تفاعل وتواشج النص مع رموز الحياة، واستيعابه لتجلياتها, هكذا تمفصلت سلامة النص المقدس الديني وسلطة الأساطير والحكايات والخرافات, ومن ثم سلطة النص الأدبي التي أسهمت كلها متضافرة بتكوين وجدان وثقافة وحضارة الشعوب عبر التاريخ.

وبما أن الأدب شكل من أشكال البحث عن الحقيقة، بل هو( الشكل الأكمل والأعمق للتعرف على المصير الإنساني) حسب "ارنستو ساباتو" فهو من هذا المنطلق يرتبط ارتباطاً وثيقا بالحياة، وببطلها المحوري الإنسان، والأديب الذي لا يلم بتفاصيل ودقائق واقعه ومحيطه وبيئته بكل تشعباتها ومخاضاتها وتناقضاتها ولا يخوض غمار عصره، يقف عاجزاً أمام تموجات الحاضر، وتتشوش رؤيته للـ (مستقبل) فيرجع القهقري الى (الماضي) ليلتقط رموزا ومسميات ويسقطها قسراً على (الآن - الحاضر) ليبث خطاباً بارداً جافاً (تهويميا) غارقاً في الفذلكة والتزويق والتلفيق.

قليلون هم الذين يفلتون من إسار السلفية، ومثالنا الشاعر العظيم "كافافي" الذي أنف الواقع (الحاضر) وأعتزل الحياة واعتمد بشكل شبه كلي على الإرث اليوناني في كتابة قصائده، لكنه استطاع أن يخلق موازنة شديدة الأهمية في خطابه الشعري، فهو بالرغم من انشداده وانبهاره بالمجد اليوناني العريق, حيث استمد من أساطيره وآلهته وأبطاله جل موضوعاته الاثيرة إلا إن همه كان الإنسان وارهاصاته, وبهذا كان شاعـراً معاصـراً وقصيدته "في انتظار البرابرة" مازالت حاضرة شاخصة بيننا بامتياز.

وبالمقابل أن الأديب ليس مؤرخا ولا ناسخا للـ (الواقع) بل هو خالق وراءٍ ومفكر، يستنطق الواقع ويسائله ويشاكله, وبالتالي ينتج واقعا آخر أكثر طراوة، واقعا ًحلمياً شفافا يصلح للمعيشة، وما الأساطير والحكايات والأغاني والأشعار والأسفار والرقى, سوى نتاج المخيال الشعبي الجمعي لتكون الحياة أكثر احتمالاً.

ويعطي الناقد "جان فاري جويو" في كتابه "مسائل فلسفة الفن المعاصرة" أهمية قصوى لدور الفكر والمعرفة في عملية الخلق الفني, ويقسم الشعراء الى فريقين (فريق يحس احساساً قوياً ويفكر تفكيراً ضعيفاً فيرى الحقيقة برؤية خاطئة، هؤلاء هم شعراء الطبقة الثانية، وفريق يحس احساساً قوياً ويفكر تفكيراً قوياً فيرى الحقيقة برؤية صحيحة, هؤلاء هم شعراء الطبقة الأولى)

ذلك لأن الشاعر الحقيقي والكاتب الفذ, هو مثقف فاعل, وبالرغم من أن صوت المثقف (وحيد لكنهُ يسمع رناناً) كما يقول إدوارد سعيد, كونه صوت الضمير والوجدان الإنسانيين وهو يشيد مملكة الحب والحرية والجمال عبر التزامه بقضية الإنسان, كل الأدباء الكبار هم مناضلون كبار, وإنسانيون بلا حدود, ولو لا هاجسهم الإنساني لما كانوا.
...
جريدة الثورة 25 / 7 / 1999
جريدة الصباح 25 / 4 / 2004



#صلاح_زنكنه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- # من أرشيفي القديم # 14
- هواة الأدب مهلا
- المبدع ومعادلة السعادة والألم
- مرثية الذات في الظل الأنيق
- النقد والإنصاف النقدي
- # من أرشيفي القديم # 13
- العولمة وأفق الثقافة
- وحشة منزل الأم
- النقد التهويمي
- نهاد التكرلي .. بقلم سامي مهدي
- سياسة الجعجعة .. وثقافة الطحين
- هؤلاء في إبداع صلاح زنكنه
- ثقافة كاتم الصوت
- القصة القصيرة والصحافة
- عرض حال بصيغة سؤال
- الثقافة وشرط المثقف
- أدب الداخل .. أدب الخارج
- # أدباء المحافظات # 2
- الطريق الى بغداد .. طريق الى الإبداع
- الموت في وطن آخر


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح زنكنه - الأدب والحياة