أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول التطور الحضاري والمجتمع العبودي و- عصر دويلات المدن - العبودية في الشرق الاوسط 1-7















المزيد.....



من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول التطور الحضاري والمجتمع العبودي و- عصر دويلات المدن - العبودية في الشرق الاوسط 1-7


عبدالله اوجلان

الحوار المتمدن-العدد: 1462 - 2006 / 2 / 15 - 07:11
المحور: القضية الكردية
    


إن دخول الأنظمة العبودية السومرية والمصرية مرحلة التوسع مثل بقية الأنظمة الاجتماعية المتفوقة بعد تمأسسها وإثبات ديمومتها هو ضرورة لطبيعتها. لقد واجهت المجتمعات القبلية التي لها علاقة مع هذه الأنظمة، وأصبحت تحت تأثيرها، والتي كانت تؤمن لقمة عيشها من الزراعة والماشية، تقلصاً في حياتها الحرة القديمة والذي ازداد مع مرور الزمن. فالقبائل الزراعية والرعوية والتي تكونت منذ الألفية العاشرة قبل الميلاد، تطور رد الفعل عندما أجبرت على اختيار أحد الخيارين تجاه التأثير: لقد سكنت الفئة التي تزداد فقراً في ضواحي المدن السومرية والمصرية كمصدر لقوة عاملة بدائية لكلا الحضارتين، وفي الحقيقة، إن الوثائق أيضاً تثبت بأنه عاشت مرحلة كهذا، ويفهم بكل سهولة من التوراة وعدة كتابات بابلية بأن المجموعات العبرية من أصل سامي في مصر، والقسيتية الآرية في سومر قد عاشت كقوة عاملة فقيرة بظروف شبه حرة تماماً مثل اليد العاملة ذات الجذور القروية والفقيرة وشبه الحرة التي تتوجه إلى المدن الكبرى في حاضرنا. أما المجموعات المتبقية التي كانت على الأغلب من القطاعات العليا والمتمايزة للقبائل، كانت تتكاثف في ساحات السيادة المحلية والتمدن كحلقات أساسية للقوتين المركزيتين وتعمل من أجل الرد على ذاك التأثير. وعندما تلعب هذه المجموعات في البداية دوراً مثل التجار الكومبرادوريين التابعين للمراكز الإمبريالية العبودية، فإنها تتابع الموديل المركزي مع مرور الزمن وتدخل إلى وضع دويلات المدن الصغيرة.
من المؤكد أن هذه المرحلة عاشت في جغرافية الشرق الاوسط بوتيرة عالية مع مرور الزمن، وذلك ابتداءً من الألفية الثانية قبل الميلاد. لقد كانت بيبلوس واوغاريت في السواحل الشرقية للبحر الأبيض وقارقاميش وسامسات وإبيلا وأورفا وحران وماري في شمال سوريا في ميزوبوتاميا الوسطى، وهتوشا وقانس في الأناضول الداخلية وعيلام في زاغروس الشرقية هي الساحات السكنية التي ظهرت في موجة التوسع الأولى للنظام.
لم تستطع المناطق السكنية في العصر النيوليثي تجاوز مرحلة القرية، لأنها كانت تستهدف الزراعة على الأغلب. بينما المناطق السكنية ذات الموديل الجديد تتحول بسرعة إلى بلدات ومن ثم إلى مراكز تدار بالحكم، كونها تعمل في الساحات التجارية على الأغلب وفي الصناعة بشكل جزئي في مناطق مرور استراتيجية. ومن أهم المواد التي بحثت عنها التجارة كثيراً، هي خشب الأرز الموجودة في جبال لبنان وطوروس، والخامات المعدنية. إلى جانب ذلك، فقد كان يتم إنتاج الصحون الفخارية والنسيج والكثير من المنتجات المهنية، بهدف التجارة الخارجية، وقد دخل النقد على الخط كوسيلة للتسوق والتبادل. وتأسس النظام الكتابي الذي وصل إلى درجة الرسائل التجارية وخاصة في المدن الفينيقية واكتسب طبيعة بسيطة ومستعملة، وإن قوة الكتابة والنقد والسوق للحضارة تزداد. وتطور عصر طبقة التجار البارزين، بمعنى أن الطبقة الوسطى كانت في حالة تكوينية في التاريخ كبنية للمجتمع الطبقي.
عندما نقيّم الملك والكاهن والبيروقراطية الموجودة في المراكز الإدارية والإدارة، والطبقة الرفيعة المستوى في القبائل التابعة لهم معاً بالطبقة الأساسية العليا، فإنه يمكننا القول أن طبقة التجار والحرفيين " الطبقة الوسطى" التي تحقق استقلاليتها مع مرور الزمن حتى ولو كان بشكل ضعيف، وطبقة العبيد الواسعة التي بدأت تفقد روابطها القبلية، تميزان بنية المجتمع الطبقي في تلك المرحلة. ومما لاشك فيه أن هذا الفرز الطبقي الجديد ليس نقياً بشكل واضح. لكن ظهور أرضية اجتماعية مادية تعكس المصالح الطبقية في تكوين العمليات التاريخية، هو أمر مؤكد.
هناك قضية تاريخية أساسية أخرى في هذه المرحلة تتطلب التحليل بعناية، وهي ظاهرة الكونفدرالية القبلية للبربرية العليا والتي يمكننا بمعنى آخر تقييمها كمرحلة أولية لدولة المدينة. وقبل التحضر، نرى بأن هذه المرحلة ظهرت عند المجموعات القبلية ذات صلة قرابة متطورة. ونرى أنه هناك سببان لعبا الدور في ذلك: أولهما لإزالة النزاعات الداخلية كما في الدويلات، حيث يتم فض الخلافات والصراعات بين القبائل، وثانيهما وهو الأهم لأجل التصدي للقوات الحضارية المعتدية والدفاع عن النفس وتحقيق مكاسب أكثر توازناً، شعرت هذه القبائل بحاجتها إلى الاتحاد. نستطيع تسمية ذلك بالمرحلة البدائية للتحول إلى دولة، وهي حالة عابرة حيث مازال يوجد عدم تمركز الجيش في مركز المدينة ولم تتأسس معابدها وبيروقراطيتها ولم تستطع خلق الطبقة الوسطى. ويمكن أن تتعرض للتشتت والانهيار في مواجهة أي تهديد خارجي أو داخلي في أي لحظة. وثمة تسمية أخرى لهذه المرحلة التاريخية وهي عصر البطولات، حيث عاش هذا العصر قبيل تكون الدولة المركزية العبودية، لدى السومريون والمصريون خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد، وفي مرحلة بلوغ نضوج النظام العبودي لدى كل من الهوريون والحثيون الذين ينحدرون من أصل آري فيما بين 2500ـ 2000ق.م، والعموريون والكنعانيون ذوي الأصل السامي فيما بين 2000ـ1000 ق.م. وكذلك عاشوه كل من الإغريق ـ الرومان والهند والصين كمرحلة أولية للنظام العبودي فيما بين 1500ـ 100ق.م تحت الأشكال القوية والمؤثر لتلك المرحلة.
تتطلب مرحلة الفيدرالية القبلية فهماً عميقاً. فالعشائرية والقبلية التي مازالت قوية في هذه الجغرافيا "الشرق الأوسط" تستمد قوتها من هذا التاريخ. لقد مرت لمئات بل لآلاف السنين عبر هذه التشكيلات، وأظهرت بطولات كبيرة. إن هذه المرحلة هي في الأصل تاريخ العشائر وبمعنى آخر تاريخ "البنى الأثنية".
إن تاريخ الأقوام يأتي قبل تاريخ الدين والطبقة والسلالة بكثير. وتحتاج مشكلة تاريخ البنى الأثنية إلى الحل من أجل الوصول إلى مفهوم تاريخي صحيح، لقد منحت العصور الأولى والوسطى والقريبة لنفسها مشروعية كعصور السلالة والدين والقبيلة. إن المفاهيم التاريخية التي أصبحت رسمية في العصور الأولى، المستندة إلى السلالة والعصور الوسطى، المستندة إلى الدين والعصور القريبة المستندة إلى القومية، بعيدة عن عكس تاريخ المجتمعات المضطربة بشكل ملموس. بهذه المعنى، فإنه تم تحريف التاريخ إلى درجة أصبح فيها من الصعب وضع ثقل السلالة والدين والقبائل في مكانها. وبات إعادة تدوين تاريخ التاريخ من جديد أمر لابد منه. وإن كان لفرز التحريفات التي جرت على كافة الآراء إبتداءً من التضخيم وإلغاء الآخر والأنبياء وكتابة التاريخ بشكل خاطئ عن قصد……. الخ، من معنى (حكمة) فإنه دون إظهار تاريخ كهذا إلى الوجود، بات من غير الممكن إعطاء الحقائق حقها.
يظهر "التاريخ الأثني" وكأنه يمتلك دوراً ذو أمدٍ أطول وأكثر واقعية من تاريخ الأديان والسلالات والقبائل حتى وإن لم نشاهد إلا القليل من الأسس المكتوبة بصدده. لقد شهد البناء الذاتي والموضوعي للبنى الأثنية "الأنظمة العشائرية والقبلية" أكبر تطوراته في العصر النيوليثي بالاعتماد على الزراعة والماشية غالباً. ونرى أن عدد المجموعات البدائية " Klan" والتي تعتبر المركز الأم والوحدة الأساسية لمرحلة المجتمع المتوحش، لم يتجاوز عددها المئات في أي وقت من الأوقات. وكانت حياة الترحال والإقامة في الكهوف سائدة، وعندما يكون المناخ والفصول قاسية، فكان عيشهم يعتمد على صيد الحيوانات وجمع النباتات، وكانت هذه المجموعات البشرية والتي بنيتها "الكلان" عاشت حتى نهاية العصر الجليدي الأخير عشرين ألف سنة قبل الميلاد تشبه بعضها، وكانت في مرحلة نظام صوتي محدود ولغة بدائية التي يغلب عليها جانب الإشارة. وكانت هذه المجموعات تمتلك مفاهيم دينية وذهنية طوطمية "هوية الكلان" وروحية، لقد مرت مرحلة التاريخ الإنساني بنسبة 98% عبر هذا النمط من المجتمع. وحينها لم تتكون خاصية أي دين أو سلالة أو قبيلة، وبالتالي تاريخ أي منها بعد. وقد انتقلت بعد مرحلة العبور المرحلة الميزوليتيكية والتي كانت ما بين 20 ألف و 10 آلاف سنة قبل الميلاد تقريباً، إلى العصر النيوليثي "القبائل البربرية". وأصبحت الزراعة وتربية المواشي المصدر الأساسي للمعيشة، والنظام القروي المستقر أساساً لها، حيث أضحى الترحال منكمشاً، وكان العيش على شكل مجموعة قبلية تربطها صلة القربى وأساسها المجتمع الأمومي، ويصل العدد إلى الآلاف أحياناً ولم يلاحظ أن العدد قد تجاوز الخمسة آلاف.
إن شعور القبلية بالحرية كان قوي جداً، وكانت العبادات الدينية تتطور على أساس الإلهة الأم غالباً، وتوجد هياكل الآلهات الأم الصغيرة بأعداد كثيرة في جميع الساحات التي كانت مسكونة في هذه المرحلة وكانت المرأة تمثل غالباً بالقمر والكواكب وتمتلك قيمة كبيرة كالأم الطبيعية للقوى الطبيعية المحلية، وأن فهم ذلك ليس صعباً. إن المرأة بجهدها أبدعت الزراعة وروضت الحيوانات؛ وهي أيضاً أم للأطفال التي تلد، نالت قدسية كبيرة في التاريخ. وبمعنى آخر فهي القوة الخالقة للحياة. الطبيعة هي الأرض الأم، إن تمثيل الآلهة الأم للمرأة كقوة تكتشف منتوج الأشجار والنباتات والطبيعة، يمهد السبيل إلى عمق المعنى كطبيعة طبيعية. إن أهمية المرأة ـ الأم المتزايدة بشكل طارئ قد أدت إلى تفوق بارز على الرجل، وان كان دور الرجل قوياً عندما كان الصيد هو وسيلة العيش السائدة، لكنه بسبب تراجع الصيد إلى المرتبة الثانية، يلاحظ في هذه المرة ان الرجل قد ضعف كثيراً. إن تاريخ المرأة يعني تاريخ البقول والأبقار وأشجار الفواكه وأدخنة القرى والنسيج والطواحين الصغيرة، والنظام السائد كان أساسه الاحترام والمعتمد على الجهد والآلهة، وتاريخ أنظمة البيت التي تؤسس، والأطفال الذين يكبرون والمنتوجات التي تخلق بالجهد المنزلي، وهذا يعني تاريخ الانتقال من الإشارات البدائية إلى لغة غنية، وإلى المصطلحات التي تعتمد على وسائل الإنتاج والتي تعبر عن مغزى، وبالتالي إلى تكوين ذهنية الإنسان. إن واقع تحويل ظهور ونضج التاريخ الأثني إلى مصطلحات، يتمتع بأهمية بالغة. وعندما بدأت مرحلة حرث الأراضي واكتساب الرعي أهمية في الألفية الرابعة قبل الميلاد، أنكمش مكانة المرأة في الإنتاج، وبدأ دور المرأة ينحصر في البيت مع مرور الزمن، وأستمر ذلك إلى وقتنا هذا. بهذا المعنى، أهملت مكانة المرأة خلال تدوين التاريخ وتحويلها إلى المصطلح لتظل بعيدة عن الموقع الذي تستحقه، وهذا أمر مؤكد وغير قابل للنقاش. إن تكامل سيادة الرجل مع مرحلة الحضارة وإبعاد المرأة عن المؤسسات التحتية والفوقية للمجتمع الطبقي، يعتبر أساساً لكتابة "التاريخ دون المرأة". ونقدم هذا التحريف الكبير باسم التاريخ كنتيجة لللامساواة بين الجنسين.
نحاول مع تقييمنا القصير والعام للبنية الأثنية، أن نبحث عن جواب لهذا السؤال: متى وأين قامت كونفدراليات العشائر ضد التطورات الحضارية وأين شهدت تطورها الطبيعي..؟ إن تاريخ الشرق الأوسط مرتبط بالإجابة الواقعية الصحيحة لهذا السؤال إلى حد كبير. لكن هذا الجانب أي الجواب منغمس في العتمة. رغم ذلك يمكننا تقسيم المراحل الأساسية للأنظمة القبلية في الشرق الأوسط إلى ثلاث مراحل:
1 ـ مرحلة تطور الزراعة والرعي: هناك إجماع عام على أن مجموعة اللغة والثقافة السامية قد وجدت وتطورت في شمال أفريقيا والجزيرة العربية فيما بين 9000 ـ6000 ق.م، وذلك مع انتشار تأثير مجتمع العصر النيوليثي. ومن المعروف أن الشعوب ذات الجذور الآرية اكتسبت معنى كمجموعات أبدعت تأهيل الحيوانات والزراعة النيوليثية فيما بين أعوام 1000ـ6000ق.م في المساحة الجغرافية التي تسمى بالهلال الخصيب المركزي في السهول والأودية المحاذية لسلسلة جبال زاغروس وطوروس. وعند توحيد الدراسات الأثرية مع علم الأعراف فإن مجموعة الشعب هذه هي التي ابتدعت الترويض والزراعة وهذا أمر مؤكد. ونحن مدينون للسومريين بتسمية هاتين المجموعتين.
2ـ التمأسس والعبور إلى النظام العشائري: إن المرحلة التي أدت إلى تمأسس دائم تحت اسم ثقافة "تل حلف" في الهلال الخصيب لعصر المجتمع النيوليثي، تعني المرحلة التي تشكلت فيها المجموعات العشائرية أيضاً. لقد لعبت هذه المرحلة التي استمرت 2000عاماً تقريباً بين عامي 6000 ـ 4000 ق.م، دوراً هاماً مثل مرحلة "الاختراعات الأساسية" التي أعدت الحضارة.
إن هذه المرحلة بالأساس هي التي أعدت السومريين. لقد تميزت الآرية والسامية في المجالات التي شكلت تكاملاً اقتصادياً بينها عن بعضها، ودعت الحاجة الى إقامة وحدات عشائرية تختلف عن القبائل التي تشبه بعضها البعض. واستطاعت الوصول إلى حالة المجتمعات ذات الطبيعة العرقية من خلال كيانها الموضوعي حتى ولو لم تتكون المعرفة والعقلية العشائرية القوية. مثلما لعبت الظروف المادية والاقتصادية دوراً تحديدياً في الفرز الطبقي والمرحلة القومية، فإن الظروف المادية والاقتصادية والاجتماعية لهذه المرحلة قد حددت وأظهرت المجتمع العرقي والبنى العشائرية.
3 ـ مرحلة التشكل الحضاري واستمرار عدة أشكال طبقية إلى يومنا الراهن: يمكننا تقييم هذه المرحلة التي يمكن أن نقول عنها أنها مرحلة مقاومة العشائر والتحضر؛ أي أنه يمكننا تقييم هذه المرحلة بالعصر الملحمي الشعري والتي تطور فيها الوعي العشائري بقوة، وعلى الجميع أن يعتبر نفسه فيها كفرد من العشيرة كشرط لابد منه. إن هذه المرحلة كانت مليئة بالحروب والتي يمكن وصفها بأشكال التصدي والاعتداء المعاند لاعتداءات قوى الحضارية المتطورة، والصراعات التي كانت تدور حول الأراضي والمصايف التي أصبحت هامة. "فمن أجل العيش، يجب أن تكون عشيرتكم قوية. ويجب أن تكون قبيلتكم وأسرتكم قوية في العشيرة أيضاً". إن هذا هو الواقع المادي الذي خلق الذهنية الجديدة. وبالأساس فإن اللغة الشعرية التي تشرح "الملحمة والقصة" والتي مازالت قوية في عدة مجتمعات، تعبر عن هذه المرحلة. وان المقاومة والاعتداءات المضادة والبطولة ضد الاعتداء الخارجية وصراعات العشائر الدائمة، تحتل مكانة هامة في تاريخ كل شعب. وقد ترك هذا التاريخ أثراً كبيراً على جميع المراحل الاجتماعية حتى القرون الوسطى والقريبة ـ عصر القوميات والشعوب ـ حسب ظروف المجموعات الاجتماعية ذات الجذور العرقية، ودون أن تفقد أي شيء من أهميتها. إن الاعتداءات الدائمة بين العشائر ذات القربى والجوار بمعرفة عشائرية تطورت منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد واعتداءات قوى الدول المختلفة، أظهرت قوة البنية العرقية للشرق الأوسط. وإن هذه الخصوصيات هي الحقيقة التاريخية الأساسية التي تقف وراء بقاء هذه البنى قوية إلى هذه الدرجة وديمومتها في جغرافية الشرق الأوسط. وكأن كل مجموعة عشائرية هي ذات قومية وسلالة، حتى أنها ذات دين من الناحية الذهنية، ولغة من ناحية لهجتها. فإلى جانب الشوفينية القومية، تستمد الشوفينية العشائرية مصدر قوة عاطفتها وعقليتها من هذا الواقع.
عندما ننظر إلى منطقة الشرق الاوسط من حيث التقربات الصائبة والتثقف الأولي الضروري، نجد أنها تحيا وتحي مكانة بارزة في إنضاج المجتمع العبودي وتوجيهه نحو النظام العالمي منذ الألفية الثانية قبل الميلاد حتى القرن الخامس قبل الميلاد. إن الدور ليس ريادة في تأسيس وتمأسس الحضارة السومرية والمصرية فقط. ففي مرحلة النضج أيضاً، ان القيادة هي في جغرافية الشرق الأوسط بكل تأكيد. وقبل تقيمينا لهذه المسألة، لننظر إلى التطورات الحضارية الأساسية والتي ظهرت في مرحلة موجة التوسع الأولى:

أولاًـ الحثيون: هم أصحاب حضارة عاشت بين عامي 1900 ـ 1200 ق.م كنتيجة للحركة الاستيطانية السومرية، والتي تطورت في آسيا الصغرى والمناطق الداخلية من الأناضول، وأخذت النمط السومري أساساً لها، وبقدر ما كانت مركزاً تجارياً هاماً، فإنها اعتمدت على الفوائد التي حققتها مصادرة المعادن الموجودة في المنطقة بمقدار ما كانت مركزاً تجارياً هاماً. وقد تحدت البابليين والآشوريين والمصريين، واحتلت بابل في عام 1595ق.م، وأبرمت اتفاقية "قادش" مع المصريين في عام 1243ق.م. ووصلت إلى بنية مركزية للرق بعد أن كانت في البداية على شكل كونفدرالية عشائرية، وأن تحضر الأناضول هو أثر للنظام الحثي إلى حد كبير. أما المجموعات العرقية التي جمعتها، فهم الخالديون "أجداد الأرمن" في الشمال الشرقي، والـهوريون "أجداد الكرد" في الجنوب الشرقي واللويين في جنوب وغرب الأناضول، وتمتلك المجموعات العرقية الثلاث بنية الثقافة واللغة الآرية، وإن احتكار المصادر المعدنية يشكل جوهر قوتها.
وإن مفهومها الدفاعي يضع حماية المصادر المعدنية في المرتبة الأولى، وقد كانت على صراع دائم مع بابل ومصر اللتان تحتاجان إلى المعدن الخام بشدة حتى مع الكونفدرالية الهلينية والايونية والميتانية التي تطورت حديثاً. وتعتبر التطورات التي شهدتها صناعة النحاس والحديد تحت إشراف المجموعات العرقية التي كانت من أصل أرمني من أهم المساهمات في الحضارة. وكانت البنية الإلهية الثلاثية التي كانت تمثل السماء والأرض والتراب والتي كانت تستند إلى الميثولوجيا السومرية والمجموعات العرقية الآرية، أساساً لها. ومع تطور الملكية المركزية، فإن البنية الميثولوجية المعتمدة من قبل على تعدد الإله، تضاءلت ووصلت إلى بنية ثلاثية تعبر عن مصالحة كما كان في مثال سومر، ولم تستطع الوصول بعد إلى مفهوم الإله الواحد، تستمر الحرب بين الآلهة لفترة طويلة، ومازال موقع الآلهة قوياً بالوفاق. لكنها فقدت أولويتها منذ أمدٍ بعيد وتضاءلت أهميتها مع الزمن، ويطلق على ذلك اسم ثقافة الإلهة كيبلا"Kupapa" .
مثلما شعرت روما عند تأسيسها بحاجتها إليها، فإن مفهوم اتجاه الصلاة والذي لازال يسمى بـ "القبلة " في الجزيرة العربية، يشكل أثراً للالتزام بهذه الآلهة. ومثلما حددت الحضارة السومرية والحضارة الحثية في الأناضول، فإن هذه الأخيرة وبخطوة ابعد منها أثرت على الحضارة الإغريقية والايونية في إيجة عن طريق مدن طراودة التي كانت مسيطرة على مضيق الدردنيل. بهذا المعنى فإنه في البداية سيلعب "العصر البطولي" والمستند إلى طروادة دوراً كبيراً، ويكمن أهمية طروادة التي كانت من أهم المراكز والأبواب لانتشار حضارة الشرق الأوسط بشكل عام، ومخفراً متقدماً للحثيين حتى الألفية الأولى قبل الميلاد، في دورها التاريخي الذي ذكرناه. كما كانت" كانيش" باباً لنقل حضارة ميزوبوتاميا إلى الأناضول، فإن "طروادة" كانت مركزاً لنقل هذه الحضارة إلى البلقان وشبه الجزيرة اليونانية، وأوروبا مع مرور الزمن. وكانت شهرة ملحمة "الإلياذة" لهوميروس ناتجة عن تناول قسم من حروب طروادة في مضمونها وموقعها الناقل للحضارة والتاريخ إلى أوروبا. وكان سقوط طروادة سيشكل بداية تاريخية جديدة.

ثانياًـ الهوريون والكوتيون والميتانيون والاورارتو والميديون: إن ميزوبوتاميا الوسطى والعليا "لويجا كوندوانا" أو بالسومرية "هوريت" وتعني "البلاد المرتفعة" التي كانت واقعة بين الامبراطورية الحثية الأناضولية والإمبراطورية البابلية ـ الآشورية بعد السومرية، كونها في منطقة العبور من الشرق الى الغرب وتمتلك مناجم غنية بالمعادن، ومناخ يساعد على الري الطبيعي، وتمتلك أفضل الساحات الزراعية والمساعدة على تربية المواشي. وبهذا تلعب دور "الأم الخالقة" للتاريخ والمهد الذي احتضن نشأة التاريخ ولم يعد من الممكن التخلي عن دورها هذا. لقد مهدت هذه الخصوصية في الوقت ذاته السبيل أمام تحولها إلى منطقة احتلال ونهب من كل الاتجاهات وباستمرار. وعدم امتلاكها لبنية مركزية ومؤسسات دائمة رغم أنها الساحة الأساسية التي خلقت الحضارة، مرتبط عن كثب بخصائصها التي ذكرناها سابقاً. ولم تتخلص من أن تكون منطقة عبور معزولة. علماً أنه ليست ما من حضارة إلا وتغذت من هذه المنطقة. إن هذه الخصوصية تبين لنا أسباب عدم استخدام لغتها بقدر ما تصدر الحيوانات أصواتاً خاصة بها في يومنا.
لقد عرفت البنى الأثنية الموجودة على هذه الساحة منذ الألفية السادسة قبل الميلاد. وظهرت مراكز الثورة الزراعية في نقاط التقاء الجبال التي تلتقي بروافد دجلة والفرات مع السهول. وقد أثبتت عمليات التنقيب التي أجريت بالمئات في التلال، على أن تشكل أسس مجموعة اللغة الهندية ـ الأوروبية كان في مراكز هذه الثورة الزراعية من خلال التنقيبات العرقية والأثرية. وقد أدى اتحاد مراكز التطور مع الخصائص الأساسية للمنطقة إلى قيام الأنظمة القبلية والعشائرية كبنى قوية وصلبة. إن اندماج خصائص البنى الأثنية المذكورة مع حركات الاحتلال والاستيلاء للقوى الحضارية المركزية الموجودة في الأطراف، لا يتيح الفرصة للتمركز كساحة حضارية بسهولة.
وعلى ضوء هذا الموقف العام، نرى أن العشائر الهورية والعشائر المشابهة لها والتي تجمعها صلة القربى، قد استطاعت تشكيل كونفدرالية بين عامي 2000 ـ 1500 ق.م ولكنها لم تستطع التمركز أو إحراز التقدم كالحثيين. وكان الهوريون على علاقة دائمة مع الحثيين والمجموعتين اللوية والخالدية اللتين كانتا تشكلان أساسهما الاجتماعي. ولعبوا عن طريق التجارة دور أول حلقة في نقل تأثيرات السومريين والبابليين والآشوريين إلى الشرق والشمال ولان أصحاب العصر النيوليثي كان لهم علاقات قربى بسبب الجوار مع السومريين نجد في بنى لغاتهم وكلماتهم ما هو مشترك، وهناك إجماع عام على أن هذا قد تطور في مرحلة مبكرة في حين لا يزال السومريون في مرحلة التكوين. وكانت ساحات المدن السومرية والساحات الزراعية الهورية تعيش بحالة تحالف طبيعي. ونرى وجود أثار هذه الحقيقة بقوة في ميثولوجيا الآلهة "إنانا" وملحمة "كَلكَامش". ويعني ذلك أن الحضارة المركزية للهوريين وكأنها سومرية. ولم يشعر الهوريون بشكل قوي لإنشاء مركز آخر. لأن المفهوم الذي يقول أنه لا داعٍ لبناء مركز جديد في الوقت الذي يوجد فيه مركز قريب يلبي هذه الحاجة وقوي جداً، ونعيش أثر هذا المفهوم بشكل قوي إلى يومنا هذا. وأن الدور الذي يلعب، هو على شكل مقاطعة وحكم ذاتي وفيدرالية للقوى السياسية ذات المركزية الموجودة في الجوار. ويفهم أن هذا الواقع الذي يعاش اليوم في هذه الساحة، يعتمد على أساس كان موجوداً في بدايات التاريخ.
إن الكوتيين مجموعة عرقية أخرى ذات جذور آرية تعيش شرق السومريين في سفوح جبال زاغروس، وكانوا يتحركون كحليف لأحد الأطراف عندما كانت دول المدن السومرية ذات رأسين. لقد لعبت الاتفاقية التي أبرمت على أساس التعاون الذي جرى مع عدد من إداريي دول المدن السومرية دوراً في انهيار السلالة الأكادية السامية. وهنا سيصبح التاريخ دائماً حتى يومنا هذا شاهداً على اتفاقيات مشابهة. تعني كلمة كوتي"العجل أو الثور" وتعني باللغة الكردية الحالية "الشعب الذي يمتلك الثيران" وتمتاز البنية اللغوية للسومريين بمصطلحات على هذا الشكل.
لقد أسست السلالة الكوتية فيما بين عامي 2250 و 2150ق.م، سلالة لمدة 100 عام. ولأدارت هذه السلالة حكمها على الأرضي السومرية، وبعدها قام قسم من إداريو دول المدن السومرية في هذه المرة بالاتفاق مع العموريين ذوو الجذور السامية "العموريين Amorit وتعني باللغة السومرية الغربيون" بدحر هذه السلالة.
أما القيسيتيين فقد كانوا مجموعة ريفية كادحة وفقيرة جاءت من الريف الجبلي للمناطق الشمالية والشرقية، وتعيش في بلاد سومر. ولعبوا دوراً هاماً في تغيير السلالة في بعض الأحيان من خلال توحيد قواتهم. ويمكننا التحدث عن الدور القيسيتي في احتلال بابل من قبل الحثيين والميتانيين في عام 1595 قبل الميلاد، وخلقوا لأنفسهم نمطاً خاصاً بهم في الميادين الثقافية البيروقراطية. ونجد أثر لذلك لدى الوزراء البرمكيين ذوو الجذور الإيرانية في الإمبراطورية العباسية وفي وزارة نظام الملك في الإمبراطورية السلجوقية، ويعود تاريخ هذا النوع من البيروقراطية إلى القيسيتيين.
أما الميتانيين فهم في موقع فيدرالي أقوى بعد التجربة الهورية الكونفدرالية. ويفهم من اللوحات الأثرية المكتشفة بأن فيدراليتهم كانت تمتلك مركز مدينياً اسمه "واشوكاني "Wajukani" في المكان الذي ينبع منه نهر خابور. وكانت اللغة الهورية متداولة في ميزوبوتاميا الوسطى غالباً أي انهم حكموا في مدينة أورفا وماردين وشرناخ في الحاضر. وعاشت بين عامي 1500ـ 1250 قبل الميلاد. حيث احتكروا مصادر الحديد واشتهروا بتربية الخيول. وعاشوا جو قتال دائم مع الآشوريين والحثيين، وفي النهاية قضى على وجودهم بشكل مؤقت الإمبراطور الآشوري "سلمانا أسار" .Salmanassar .
أما اورارتو "تعني الأماكن المرتفعة باللغة السومرية" فهي جزء حضاري هام تمركزت على ضفاف بحيرة وان. وتستند إلى المجموعات الأثنية الهورية والخالدية. وقد أكتسب الخالديون ثقلاً مع مرور الزمن. والاحتمال الأقوى أن يكون الخالديون هم أجداد الأرمن. وكانوا يعيشون في المناطق الشمالية للدولة. ومن الملاحظ أنهم كانوا يعتمدون على مئات العشائر ذات الجذور الهورية، وقد حولوا فيدراليتهم التي كنت مترامية في البداية إلى دولة مركزية. وعاشوا بين عامي 1000 ـ 700 ق.م. وتعرضوا لاعتداءات مخيفة من قبل الآشوريين، بسبب امتلاكهم المصادر المعدنية ومراكز تربية الخيول وأخشاب الغابات. ولم يسمح الملوك الآشوريون الذين كانوا يمتلكون تكنولوجية حربية قوية في هذه المرحلة ببروز أي شعب آخر من الشعوب. ولذلك يمكننا أن نفهم من تحول الخالديين إلى هدف كبير لأنهم القوة الوحيدة التي وقفت في وجه الآشوريين. لقد أظهروا مهارة في إنشاء أطول قناة للري يبلغ طولها "56 كيلو متر" لأول مرة في التاريخ وإنشاء السدود. وكانت لغة طبقة النخبة خليط متعدد. وكانوا يدرسون النصوص السومرية المقدسة في نظامهم التدريسي. وكانت اللغة الآشورية تحتل موقعها ضمن لغة الدولة. ومثلما حدث في جميع الأماكن الأخرى، فإن بنية اللغة والثقافة السومرية تواصل تأثيرها القوي. أما لغة العشائر فهي مختلفة وغير مدونة. وتعد هذه المسألة واقع المنطقة الذي يستمر وجوده حتى الآن. كانت العشائر بموقع ناقل اللغة والثقافة الشعبية المحلية في الوقت الذي كان فيه الإداريون الحاكمون والمتعاملون ينقلون اللغة والثقافة الحاكمة.
وفيما بعد الأورراتيون بقليل، تقوم فيدرالية العشائر الميدية ذات الأصل الآري في الشرق والتي هي استمرار للكوتيين بإقامة تحالف مع البابليين وتدحر الإمبراطورية الآشورية في عام 625 ق.م. لقد تفوقت بابل مرة أخرى ولآخر مرة. لقد لعبت الفيدرالية الميدية المترامية دوراً انتقالياً من أجل أعيان "أقها مينيت"Akhamenit المتصاعدة التي كانت ذات جذور بارثية ـ آرية. ودخلت السلطة السياسية إلى يد الأرستقراطية البرسية التي كانت متكاثرة وكثيفة العدد في جنوب شرق إيران لأول مرة في التاريخ بعد انقلاب القصر الذي قام به "كيروس"Kiros ابن شقيق الملك الميدي "أستياك"Astiyag ونتج عن ذلك بعد فترة قصيرة تأسيس الامبراطورية البرسية المركزية والقوية في عام 550 ق.م وإنهاء الفيدرالية.

ثالثاً ـ التحضر في شرق الأبيض الأوسط: ان منطقة شرق الأبيض الأوسط هي المنطقة التي تعرضت للتأثير المبكر والمشترك للحضارتين السومرية والمصرية:
الأساس الميزولتيكي والنيوليثي هنا قوي. وتقع في أقصى غرب منطقة الهلال الخصيب. ونرى التكاثر المتزايد للقبائل السامية منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد، وكانت غابات الأرز اللبناني مصدر ثروة غنية يحتاج إليها المصريون والسومريون أيضاً. وكان النقل البحري يجري في مثلث كريت والأناضول ومصر. وكانت غنية بالأراضي الخصبة. وإن موقع هذه المنطقة في مثلث الأناضول وميزوبوتاميا ومصر هو موقع مناسب من أجل التجارة البرية والبحرية. وإن فينيقيا مرشحة للتطور كحضارة لطبقة التجار. وكانت هذه هي الظروف الأساسية التي خلقت الحضارة الفينيقية التاريخية، واسمها العام هو بلاد كنعان.
وكانت الحضارة الفينيقية تستند مثل مستوطنة قادش في الأناضول، للإستيطانات التي جرت في المدن وعلى رأسها "بيبلوس" و"تير"tyr واوغاريت شمالاً. ونرى هنا تشكيل مستوطنات من المجموعات العرقية المختلفة. ومثلما حدث في لبنان في يومنا هذا، فإنها كانت تسيطر عليها منذ البداية ثقافة كوزموبوليتية. وكان الواقع الفينيقي يشهد حالة أصيلة. وكانوا كقوم بحارة، شجعان ومتحمسين للتجارة بشكل عام، والتجارة في البحر الأبيض بشكل خاص. وكانوا في بدايات الألفية الثانية قبل الميلاد يمتلكون مدن ودويلات مدنهم. وكانت تلك الدول المحاطة بالأسوار تعمل في التجارة عموماً والمهن الحرفية ولا سيما النجارة، وكانت صناعة السفن الفينيقية مشهورة. ولقد أنشؤوا مستوطنات تابعة لهم منذ بداية تكوينهم في عدة مناطق ساحلية في البحر الأبيض المتوسط. وكانت الأبجدية الفينيقية هي أهم مساهمة لهم في التاريخ، وتشكل هذه الأبجدية مثالاً في أساس الكثير من الأبجديات التي تستخدم في حاضرنا، ومع أنه كانت الميثولوجية السومرية هي المؤثرة بالأساس، إلا أنه كان لهم أصالة تلفت الانتباه. وكان إيل "El" من أسمى الآلهة عندهم ( يأتي اسم الله من اسم إيل). ويأتي فيما بعده إله القوة "بعل" Baal ومن ثم إله الموت "مود" Mod. وتعيش عشتا هنا بلقب "آستارته" Astarte ويلاحظ التضحية بالأطفال كقرابين بكثرة. وتعود ملحمة قيام النبي إبراهيم بالتضحية بإسماعيل الى هذا التقليد.
لقد واصلت الثقافة الفينيقية بعد ثقافة مصر والسومريين تأثيرها من خلال تأصل معتمد على تجسيد دائم من قبل ثقافة اليونان وروما والبيزنطة والإسلام إلى يومنا هذا، وإن أساس الثقافة العلمانية اللبنانية ينطوي على خصائص الحضارة الفينيقية. وإن الفينيقيين مثلما كان لهم الحصة الكبيرة في حضارة قرطاجة وكريت في التاريخ، فهم أكثر الذين غذوا الثقافة الإغريقية أيضاً. وقد لعب الفينيقيون أيضاً دوراً بارزاً في نقل ميثولوجيا وأبجدية الشرق الأوسط إلى الإغريق.
وفي الدور الثاني، فقد تكون جيل تمدن في المناطق الداخلية لشرق البحر الأبيض المتوسط وفي مقدمتها مدينة القدس ودمشق وحلب. وإن هذه التمدنات المستند إلى التجارة تصاعدت كمراكز تجارية بين ميزوبوتاميا والبحر الأبيض، والأناضول وشبه الجزيرة العربية، وإن الأماكن القريبة منها كانت ملائمة جداً للزراعة، وقد أصبح هذا الجيل الحضاري شاهداً على عدة أسفار تاريخية. وكان ذا موقع بارز كمراكز لنقل الحضارات وتجسيدها. وكانت بنية لغة القبائل السامية الشرقية هي المسيطرة على الأرجح، وتعرفه على بنية ثقافية متعددة كان بفضل هذه الظروف الملائمة. فمثلما جرى في عموم الشرق الأوسط في عام 1500ق.م، فأن حركات التحضر لهذا الجيل على شكل دويلات المدن هي في الذورة أيضاً. ولم يعترفوا تماماً لا بسيادة البابليين والآشوريين ولا بسيادة الحثيين أو المصريين، وذلك بسبب ظروفهم الجغرافية. وقد استطاعوا اللعب بين المراكز الثلاثة بفضل دبلوماسيتهم والحفاظ على استقلاليتهم أيضاً، وبسبب هذه الخصوصية، فان كل قبيلة تعرضت للضغوطات، انتقلت إلى هذه الأماكن. وحسب المعايير المحددة، فانهم استطاعوا المحافظة على أصالتهم وحريتهم إلى حد ما.
إن إحدى القبائل التي ستلعب دوراً هاماً في التاريخ وبما تملكه من قوة وبهذه النوعية، هي القبيلة العبرية التي تم نقلها إلى هنا من قبل النبي إبراهيم. وتـظهر الأبحـاث إن جـذور الـعبريـين قـد جـاءت من المستوطنـات السومرية أي مدينة أورفا "أور وتعني تلة"، وحران "بالسومرية تعني تقاطع الطرق" في يومنا هذا. ونرى تأثير الهوريين والعموريين معاً في تلك المستوطنات وفي الثقافة العبرية أثر لهذه الخصائص. أن هذه المغامرة التي تم معايشتها في عصر الملك البابلي حمورابي في عام 1800 ق .م تقريباً تشبه حركة القبيلة التي تناقضت مصالحها مع ملك المدينة نمرود والذي كان لقبه الملكي مشهوراً.
عندما تصبح إمكانية السكن في مراكز المدن التي تتعرض للقمع الشديد محدودة وتصبح هذه المراكز على خط تجاري تاريخي، فإنه يمكن رؤية حركات قبلية عديدة من هذا النوع. ووردت في وثائق واوغاريت المتعلقة بالمرحلة على أنه كانت هناك عدة حركات للقبائل التجارية مشابهة لهجرة النبي إبراهيم من الشمال إلى الجنوب، كانت هذه القبائل تتكون من تجارـ نصف رعاة وتعيش حركة مكثفة على شكل شبه ترحال .
من المحتمل جداً أن يكون النبي إبراهيم قد تأثر من ثقافة مدينة أور السومرية وأعترف ببنية دينهم المتعددة الآلهة، لكنه وصل إلى مفهوم إله قبيلة واحد عن طريق توحيد ما أخذه من ثقافات الأديان والآلهة الحاكمة في تلك المرحلة مع اعتباره طوطمه أساساً له باعتباره رئيس قبيلة أبوية.
إن رفع طوطم القبيلة إلى منزلة الإله، واستخدام حرية القبيلة كأساس اجتماعي لتحويله إلى إله واحد، يعتبر أكبر عملية ثورية للنبي إبراهيم في مجال الدين من جهة، ويعكس جوهر التحول من جهة أخرى، وقد ابتعد عن النظام السومري نتيجة لرد فعل. وكانت عدة قبائل عمورية تعيش هذا النوع من رد الفعل بشكل دائم، إلى أن جانب طوطم القبيلة البدائية القديمة لم يعد يستطع ان يستجيب للاحتياجات الدينية للمرحلة وهذا موديل يجب تجاوزه. ويشكل هذين شرطين التاريخيين أساساً لدين النبي إبراهيم. وبالرغم من أن هذه الخطوة تظهر وكأنها صغيرة وقليلة الأهمية، إلا إنها لعبت دور "الثورة الإيديولوجية" الكبرى من الناحية التاريخية. ولم يكن عبثاُ إعطاء لقب النبي والجد المؤسس للديانات التوحيدية المقدسة، التي وردت في الكتب المقدسة الثلاثة (( التوراة والإنجيل والقرآن)) والأديان متعددة الآلهة باتت عبارة عن هويات ومشاريع متخلفة بالنسبة لمرحلة الحضارة الناضجة. أتت هذه الثورة الإيديولوجية التي لا يمكن تحويلها إلى الصنم ولا ترى بالعين، وتخاطب منطق الإنسان وبنية عقليته المتطورة، وتخدم الوحدة السياسية بشكل أفضل، في المرحلة التاريخية المناسبة، وقدمت حينها أجوبة أكثر تقدمية.
إن تراجع النبي إبراهيم عن التضحية بولده إسماعيل، هو موقف ثوري. حيث كان تقديم الأبناء كقرابين للإله بعل "Baal" منتشرة على نطاق واسع ضمن المعتقدات الفينيقية، ولهذا لم يكن بإلامكان تجاوز هذه السلبيات والسيئات إلا بهذه الطريقة. كما أن رفض هذه العادة المتوحشة من جهة، والمنتشرة والضرورية من جهة أخرى، ضمن شروط تلك المرحلة، فان سد الطريق أمام التضحية بالأطفال كقرابين يحمل صيغة الثورية، وهي ليست بظاهرة فردية وبسيطة وإنما عملية استيقاظ الوجدان الإنساني ضد أهم نموذج لهذا التعصب الديني البدائي المتجذر والمنتشر تكتسب قيمة عظيمة. وهي عملية تكتسب معنى كبيراً ضد هذه البدائية. ويفهم جيداً بان النبي إبراهيم لم يكتف بتطوير هاتين الثورتين الهامتين، أي بوقوفه ضد المراسيم التضحية بالأطفال وعبادة الأصنام البدائية والمحافظة للمرحلة وحسب، بل يقبل أيضاً أن إيل الكنعانية، حتى لو كان مصدر الإله إيل أو إل، هو رب السماء. ولكن يفعل ذلك بعد أن يضعه في منظومة تنسجم مع واقع قيادة قبيلته.
إن تحول إيل إلى "الله" في كافة أرجاء شبه الجزيرة العربية مع مرور الزمن وتحطيم التقاليد الطوطمية "عبادة الأصنام" للقبائل الرعاة والصحراء والانتقال بهذه القبائل إلى مرحلة الإله الواحد تعد المرحلة الأهم في ثورة دين الإله الواحد، ولم يكن هذا ليتحقق بسهولة، بل تحقق على مراحل طويلة جداً. وكذلك موسى يأخذ الإله إيل كإله واحد أساساً، ولكنه قبل كل شيء هو إله للقبائل العبرية، ويرد هذا الأمر في الكتاب المقدس كما يلي: "لقد زوجتكم نفسي، وجعلتكم فوق كل البشر". إن هذا القرار مهم جداً، و يلعب دوراً هاماً ورئيسياً في تشكيل التقليد الذي عكس جوهر المجتمع اليهودي الذي أمتد حتى يومنا هذا. ويقوم النبي موسى بتغيير اسمه، فالإله الذي كان اسمه في البداية "إلوهيم" يتحول فيما بعد إلى إله القبيلة الخاصة ويأخذ اسم "ياهوفا" ومنه يأتي اسم اليهود، ومعنى كلمة إسرائيل هو "الذي يصارع الإله "إيل"؛ أي ان قبيلة العبرانيين تملك قوة مشابهة لقوة الإله إيل، حتى تتمكن من مصارعة إلهها.
تدون التحولات التي شهدها النبي إبراهيم في المدن الكنعانية بأسلوب خاص في الكتاب المقدس، وكأنه كلام الله. وكذلك يظهر أمامنا أن قبيلة العبرانيين بدأت تكبر شيئاً فشيئاً. وإذا نظرنا إلى عددها الذي وصل في مرحلة الخروج من مصر إلى "72" قبيلة، حينها نجد أنها اكتسبت أهمية بالغة. وعندما يزداد عددهم كثيراً يتحولون إلى إمارة، ويستفيدون من الصراعات الناشبة بين وحدة القبائل المحلية وبين دويلات المدن الصغيرة، وتظهر التناقضات فيما بينهم بعض الأحيان. ويشهدون منذ بدايتهم وضعاً شبيهاً بالصراع "الإسرائيلي ـ العربي" الذي نشهده في أيامنا هذه. ولا تزال تلك الخلافات والنزاعات مستمرة بنفس الخصوصية حتى الآن وفي نفس المنطقة في القدس وجوارها..!
إن تقييم العلاقة بين وضع القبائل العبرية في مرحلة النبي إبراهيم ومرحلة الخروج من مصر ودراسة تشكيل هذه العلاقة يكتسب أهمية عظمى. إن تدوين الأخبار الواردة في الكتب الدينية، والتي تتحدث عن عدم توقف هجرة العبريين في زمن النبي إبراهيم، ووصولها إلى مصر على أنها كلام الله، لهو شيء مذهل ويمكن أن نتعلم منها الكثير.
ومثلما استوطنت القبائل الآرية الفقيرة تحت اسم القيستيين "Kassit" (( وباللغة السومرية فإن Kassu تعني الفقير، وkasit يعني الشعب الفقير)) في مدن وساحات الحضارة الغنية، فإن مصر تشهد وفي نفس الفترة تطوراً كهذا أيضاً. حيث تدفقت العديد من قبائل الصحراء الفقيرة إلى مصر تماماً كما تتدفق الهجرات في أيامنا هذه إلى أمريكا وأوروبا. وقد سمى المصريون هذه الهجرات بالـ "عابيرو" Apiru، وهذه الكلمة تعني "إنسان الصحراء المغبر". وقد جاءت كلمة العبري من هذه الكلمة. ولم يكن هذا الاسم موجوداً عندما كانت القبيلة تخرج من أورفا وحران، ولم يكن له أية ميزة. وقد واصلوا حياتهم في مصر كقبائل فقيرة ولكنهم نصف أحرار. وكما هو الحال في مثال "يوسف" نجد بأنه يظهر من بينهم ولو بشكل محدود من يحتل موقعه ضمن البيروقراطية. إن قصة يوسف هي الشكل الذي ارتقى ضمن البيروقراطية المصرية ليأخذ شكل كلام الله المقدس. ونجد تطوراً مشابهاً لذلك في الشرح الميثولوجي الأكثر خصوصية في قصة سارغون الأكادي في القبائل العمورية. ويفهم من ذلك أن تطوير حكايات كهذه تتناول أشخاصاً هم رجال دولة أو خلقوا سلالة جديدة من قبيلة لا صيت ولا شهرة لها، ويعتمد على إرث تاريخي طويل.
استمرت المرحلة المصرية بالنسبة للعبريين حوالي300 عام. ومن المحتمل جداً، إن انحياز هذه القبيلة إلى أحد الأطراف في تمرد داخل مصر واتخاذ شخص ما يدعى موسى "بالغة المصرية إنMos يعني أبن" موقعاً ما في هذا النزاع، كيوسف الذي احتل موقعه ضمن البيروقراطية تماماً، ودخوله في حالة خطر خاص، عدا ذلك وجود رابطة قرابة له مع العبريين، إن كل هذا يقدم علامات للوصول إلى أسباب هجرة جديدة. ويلعب اعتياد قبائل الصحراء على العيش بحرية والذي مازال قوياً، دوراً كبيراً في ذلك. وان فقدانهم لثقة فرعون بهم " ما كان يعني نمرود عند إبراهيم، هو ما يعنيه فرعون عند موسى، وفي كلا الحالتين هو الملك" وتتوقهم إلى الحياة القديمة للقبيلة، تشكل الشروط المادية لهذا الخروج، كان عددهم أثناء هذه الهجرة والتي من المحتمل إنكار بدأت في أعوام 1300 ق .م حوالي 25000، انقسموا إلى 72 قبيلة " وربما جاء مصطلح 72 قوم من هنا". ومن المحتمل جداً ألا تكون قبيلة إبراهيم أكثر من عدة مئات، وتشكل قوم أو عشيرة اكبر من القبيلة. ومن المعلوم إن الهجرة التي تشكل الموضوع الأساسي في التوراة (( يقال لهذا النوع من الأنطلاقات في الأدبيات الدينية الخروج، الهجرة )) قد تركت آثاراً كبيرة في التاريخ، كانت "مسيرة الحرية الطويلة "، الأولى هذه والتي يقال بأنها استمرت حوالي 40 عاماً صعبة جداً. فقد عبروا صحراء سيناء وكانوا يتصارعون مع كثير من القبائل المتنقلة والمستقرة التي تظهر أمامهم حيناً ويقيمون علاقات معها حيناً آخر.
وعندما كان موسى في مصر، فإنه يتأثر بكاهن بقي من العهد الذي أصبحت فيه عقيدة "آتون" إله الشمس الواحد رسمية بالقوة، وفي الطريق يتأثر موسى بالكاهن " يتيرو" Yetro والذي كان ذو تأثير في المنطقة ميديان " وهي مكان التغيير إلى جانب التجارة، وأنواع وأشكال الأيمان" الواقعة في الطرف الشرقي من البحر الأحمر. إن التأثير المشترك لهذه العقائد مع المشاكل الكثيرة التي عانتها الإدارة، مهد السبيل لتطور على شكل المعجزة وللقفزة النوعية الكبيرة الثانية في المفهوم الديني للنبي إبراهيم، أصلاً فالمعجزات تجد معناها كسبل الانطلاقة للمراحل. وأن عدم إيجاد الحلول للمشاكل بالسبل والأساليب القديمة والمفاهيم التي تتبعها، يظهر الحاجة إلى مفاهيم وتطبيقات جديدة، وكلمة "المعجزة " هي الأسس الذي يمكن إعطاؤه للمفاهيم والتطبيقات الجديدة، حيث كانت تبذل جهوداً كبيرة لمواجهة التغيرات الذهنية الكبرى للمرحلة الجديدة الملفتة للانتباه والتي لا يمكن قبولها بسهولة وبكلمة واحدة هي المعجزة، ولقد شهد التاريخ مراحل كثيرة بهذه النوعية، إذ كان يعطي للانطلاقات النبوية معنى بهذه المصطلحات، وهذا تقليد معروف.
كانت المشكلة الموجودة في مرحلة انطلاقة موسى كبيرة ومليئة بالمجاهل. وإن البنية الذهنية والمفاهيمية الضيقة والقديمة للإدارة التي تكونت من بعض القبائل، يصعب عليها قيادة حشد مؤلف من "72" قبيلة وهو في حالة عصيان تام وأوصل إلى حالة التمرد، حيث ستصادف في كل يوم ردود أفعال قد تصل لدرجة التمرد عند العائلات، وذلك بسبب المشاكل المادية فقط. ولن تقل الجهود التي ستبذلها كل قبيلة من أجل تفوقها، وتؤدي شروط الهجرة لأناس أثناء عبورهم الأراضي التي لا يمتلكونها، إلى مواجهات دموية مع السكان المحليين الذين سيصادفونهم وتشارك قبائله في مراسيم عبادة الأصنام التي كانت سائدة في تلك المنطقة، وقد أضطر موسى لإصدار عقوبة الموت بحقهم بسبب " عبادة العجل الذهبي" المشهورة ولم يكن من الممكن الخروج من هذه المرحلة بكونفيدرالية عشائرية بسيطة، فقد كانت هناك حاجة ماسة إلى تغيير جذري في لإيديولوجية والمعنويات والإدارة أو الحاجة إلى الثورة، وكل خطوة كانت تفرض هذه الحاجة يوماً إثر يوم.
أمام هذه المشاكل، يلجأ موسى كغيره من الأنبياء أثناء انطلاقتهم إلى الطبيعة وانزوى في المغارة ويتعمق هناك، إن عادة الشمانية ( أي الشعوذة ) هي مرحلة اجتماعية عامة أثناء التحول إلى مجتمع. ولقد كانت ممارساتهم المندمجة مع السحر في مرحلة المجموعات والقبائل البدائية هي بغية دمج مجموعاتهم وخاصة شبابهم مع عاداتهم ومعتقداتهم وحملهم على تجسيدها، تمثل القادة المعنويين والعلماء قبل الشيوخ والكهنة. وتقليد الشيخ في شبه الجزيرة العربية هو تطبيق نوع من الشمانية، غير إن مؤسسة النبوة هي فوق مؤسسة الشيخ، إن الشيخ مسؤول عن حمل الناس على تجسيد الأعراف السائدة وبالتالي فهو مسؤول عن استمرارية نظام القبيلة، أنه القائم على تنفيذ العادات، ولذلك فإن دوره قريب جداً من دور الشاماني، فهو الذي يدير ويعلم بمهارة كافة الأعراف والتقاليد الدينية، والأساليب التي تتيح بالأخص العثور على الشروط المادية الحيوية. وأما النبوة فهي مختلفة عن ذلك تماماً، إذ تعني انطلاقة جديدة وطوباوية مستقبلية، وأيضاً تعني رفض الماضي وتجاوزه، ومكلفة بأمر وإلهام إعادة بناء المستقبل بمصطلحات وخطط جديدة. ولا يمكن للنبي أن يكون كاهناً. فالكهنة مسؤولون عن تمثيل التقاليد الدينية السائدة، وأما الأنبياء فهم مكلفون بتجاوز التقاليد الدينية وإنشاء تقاليد دينية جديدة بدلاً عنها.
في الوقت الذي نسعى فيه لأجراء تقييم شامل لمصطلح الإله في الفصل القادم، لنوضح باختصار بأن هوية الإله أيضاً تمر بتحولات هامة. فمصطلح "الله" عند النبي إبراهيم مختلف تماماً وينطوي على الكثير من التجديد. فأمام الشروط المادية الملموسة للمرحلة، لم يكن بوسع موسى أن يبقى أميراً مصرياً أو شيخاً أو كاهناً، فكل شيء كان يجبره على الانطلاقة النبوية، وبلا ريب فإن تأثير تقاليد النبي إبراهيم على القبائل لو كان محدود، أجبر موسى على خلق الأسس للدين "الموسوي" من أجل أكبر انطلاقة في تاريخ الأديان التوحيدية.
يصبح "الله" "يهوا" كاسم خاص، ويعني أنه هو، ويذكر يهوا الحاجة إلى إدارة قاسية بترديده عبارة "إني زوجتكم نفسي، ولن تصلوا إلى آله آخر"، وهذه العبارة تعبر عن الغيرة. ويمكن فهم الخصوصية هذه على أنها تحويل الدين إلى قومية في الواقع اليهودي. إذ أن عدم انصهارهم في القوميات وتعرضهم الدائم لأخطار كبيرة، يشكل الأساس لمفهوم الدين اليهودي القومي. ومع الوحي الشهير الذي جاء إليه في الجبل و" الوصايا العشرة"، يصل موسى إلى تشكيل آخر في المرحلة الأخيرة للهجرة الدينية. وفي هذه المرحلة يطور موسى الكثير من الإجراءات القانونية والمالية والتنظيمية. ويكلف أخيه هارون بتمثيل الدين الجديد وبالقيادة المالية والإيديولوجية، ويؤسس مجلس للشؤون القانونية، ويعيّن "يوشعا" كقائد عسكري عام، ويحافظ المجلس الاستشاري المؤلف من رؤساء القبائل على وجوده، ويعاقب بقوة بعض المناهضين له ويقتلهم، ويصل بعد عدة حروب إلى مقربة القدس. وحسبما يعتقد، فإن هذه الانطلاقة استمرت قرابة 40 عاماً، وتكون الأراضي المقدسة التي توجد فيها الفاكهة والحبوب التي وعدهم بها يهوا، مأهولة بالسكان؛ كانوا بعيدين عن فكر استقبال الضيوف الجدد برحابة صدر، ولم ينفعهم في ذلك بعض أقرباءهم ذوي الأصول العبرية الذين بقوا هنا منذ زمن، والنتيجة ستظهر بشكل جلي، استخدام القوة، تماماً كما حدث في يومنا هذا..! كم تم الخلط بين المقدس والملعون..!
بعد ذلك يصطحب موسى الذي أمضى عمره من أجل الاستقرار في الأراضي المقدسة التي وعده الإله بها، شخصاً واحداً إلى جبل "نيبور" Nebo ليموت هناك وبجانبه هذا الشخص فقط. وفي الوقت الذي تسرد فيها التوراة بأسلوبها هذه القصة بشكل مشوق، فإنها تضع أساس طراز وترمينولوجية الديانات التوحيدية أيضاً، وربما تكون الحقائق قد تطورت بشكل مختلف، إلا أن النتائج والأهمية التاريخية لهذه الانطلاقة مذهلة؛ فهي تحتوي في مكنوناتها العديد من التطورات.
بعد هذا التاريخ تفسر المسيرة العبرية المراحل التالية بالأسطورة. والمرحلة التي يقال عنها مرحلة الحكماء " القادة"، عاشت حتى أعوام 1000ق.م. ومع "ساول" SAUL يتم الانتقال من مرحلة الكهنة إلى مرحلة الملكية. أي أنه يتم الانتقال إلى المؤسسات السياسية بعد مرحلة الاحتضان الديني الطويل، ويتم معايشة مرحلة البطولة مع ظهور "داو ود ـ سليمان"، فلا يكتب للعهد الملكي في القدس أن يعيش طويلاً أمام هجمات الآشوريين، ومع حرق وتدمير القدس من قبل الآشوريين في القرن السابع ق .م ومن قبل البابليين عام 585ق.م ينتهي الوجود السياسي فيها، ويتم تهجير قسم كبير من سكانها إلى بابل. لقد تم تجسيد الميثولوجيا السومرية على نطاق واسع في العهد البابلي، وتظهر في هذه المرحلة شريحة جديدة من المثقفين والكتاب، ومع ظهور الأنبياء، يكتسب تعليم وإدارة الكتاب أهمية بالغة، وينال المهاجرون حريتهم مع قيام كيروس إمبراطور الفرس بامتلاك بابل عام "538ق.م"، ويعودن إلى القدس مرة أخرى. وأعمارها من جديد. وتبدأ الفترة الهلينية مع الاسكندر. وفي الإسكندرية يصبح الوجود اليهودي في تماس مع اللغة الإغريقية، ونشأ جيل تربى على هذه اللغة وبعدما، ينهل اليهود من المصدرين أي "البابلي والإغريقية" جيداً ـ وبالإضافة إلى ذلك التأثير الزردشتي والبارثي ـ يتبلور على شكل "العهد القديم" الذي نراه اليوم.
ينقسم اليهود أثناء فترة الاحتلال الهليني إلى عدة مذاهب وهي الصديقيون "Saduki" والمتأثرون بالفرس "Ferisi"، والراديكاليون المكابيون "المتمردون"، ومع الاحتلال الروماني في عام "63" ق .م لم تنته تمردات ونزاعات هذه المذاهب، ولم يتمكن عملاء روما من أن يصبحوا عائقاً لكي لا تمضي المرحلة دون أن تكون تحت السيطرة. وان الواعظ يحيى المعمدان وحركة الآسنيين الفقراء يعتبرون ممثلين للمرحلة الجديدة، وبذلك تتبلور بسرعة الشروط المادية لقيام دين إنساني عام ضد عبودية روما التي تتعمم. ولا تفي اللغة الرسمية اليهودية القومية للكهنة بمتطلبات المرحلة. ويدفع يحيى حياته ثمناً للدعوة التي بدأها ليفتح الطريق أمام ظهور عيسى "المسيح يعني المنقذ المنتظر". وان صلب عيسى وقيام روما باحتلال وتدمير القدس من جديد في عام 70 بعد ميلاد وتشريد اليهود في أرجاء المعمورة، كل ذلك يمهد السبيل للبدء بمرحلة تاريخية جديدة.
سبب الوقوف مطولاً عند القصة العبرية هو من أجل إجراء الاستعداد لتعريفها وإعطاءها المعنى في الموضوع والدور الذي ستعلبه في نظام حضارة الرق وحقيقة ولادة الأديان التوحيدية، وسنرى في الفصل القادم، كيف أن الكلاسيكيات الكبيرة والإصلاحات التي بدأت بالفلسفة من جهة، والحركات الإصلاحية والانتفاضات الدينية التي تطورت بقيادة الأنبياء من جهة أخرى، ستجبر العبودية في البداية على تحول ايديولوجي، وتغير في التمأسس السياسي مع مرور الزمن.

رابعاًـ حضارة الكريت :

لقد شهدت جزيرة كريت قيام شكل حضارة تتأصل بسرعة في أعوام "2000" ق.م، حيث كان لها علاقات وثيقة مع الحضارتين المصرية والفينيقية، وكانت تشكل الطرف الغربي للحضارة والتي هي المصدر الثالث الذي يغذي شبه الجزيرة اليونانية، وقد كانت حضارة متقدمة في صناعة الأدوات الفخارية وتصديرها إلى الخارج على نطاق واسع، وأسست نظام قصر فخم، أما في الميثولوجيا كانت في بداياتها، وكانت ميثولوجيا زيوس ودميتر على وشك الميلاد، وكانت ذات كتابة بدائية أشبه ما تكون بالكتابة الفينيقية، وكانت مرتبطة بشكل وثيق بالحضارة المصرية. وبعدما تعرضت لهجوم حضارة ميكان "miken"اليونانية في أعوام 1500ق.م، فإنها تفقد استقلالها خلال عدة قرون، أما من زاوية حضارة الشرق الأوسط، فقد كانت كريت تقع في أقصى الدنيا في تلك المرحلة، حيث كانت تمثل أقصى الغرب، فالدور هو دور خلق الحضارة الإغريقية. أن الحضارات الفينيقية والمصرية والأناضولية ( ترويا، هتيت، فريفيا، ليديا ) والكرتيية والتي بدأت بهذا العمل من أربع جهات، فإنها بأحد المعاني ستحقق هذا الميلاد والذي يشكل نواة الحضارة الأوروبية. ان ميلاد الآلهة في الميثولوجيا الإغريقية وخاصة ميلاد زيوس بشكل مختلف ومركب، مرتبط أشد الارتباط بالواقع المركب آنذاك، إننا هنا أمام ولادة هرمز ذات الأزواج السبعة، وبالرغم من كل الجهود التي بذلت للحفاظ على الخصوصية، وخلق الآلهة من جبين وساق وكل أماكن زيوس، بحيث يشكل كل واحد منهم ميزة خاصة، فمن الجليّ جداً بأن حضارة الشرق الأوسط الكبيرة قد انتقلت إلى هنا، وفي الوقت الذي يتم فيه إلقاء الضوء على مسألة "كيف ولدت أوروبا ولمن هي مدينة في ذلك..؟" يجب الوقوف مطولاً وبشكل أشمل على الحضارة الإغريقية في القسم المخصص لها.

خامساً ـ الحضارتان السومرية والمصرية:

لقد شهدتا تغيراً هاماً عام 2000 ق.م، حيث انتهى عهد المؤسسات والولادات الفخمة. إن السومريون سيستبعدون بعد مرحلة الإصلاحات القصيرة على يد سلالة "أور" فيما بين أعوام 2050 ـ1950ق.م من مسرح التاريخ مع مرور الزمن. وتشهد تلك المرحلة قيام الكتاب السومريين بكتابة العديد من المراثي والألحان والملاحم الشعرية حول هذه الحقيقة التي أدركوها بعمق، إن هذا الأسلوب من الشرح للحضارة التي أنتجت التاريخ ملفت للنظر، فلقد أثبت على ما يبدو أن هذه الكتابات السومرية تعد مصدراً أساسياً لكافة الكتب المقدسة والدراما والتراجيديا والكوميديا. كذلك أثبت بأن تلك الحضارة تعد المصدر الأساسي للميثولوجيا التي تنبعث من جديد والأديان التوحيدية، وكذلك ظهرت النماذج الأولى لكافة المؤسسات السياسية بكل أصالتها في سومر، وانتقلت على شكل موجات إلى كافة أرجاء المعمورة، وتعد أيضاً المصدر الرئيسي لوسائل البنية التحتية وللمعلومات المتعلقة بذلك؛ لقد بذلت جهود كثيرة عبر قرون لنقلها من مصدرها إلى كل مكان.
إن الدور التاريخي لبابل وآشور محدود بنقل ذلك على الأغلب. ولقد انشغلت هاتان السلالتان ذات الأصول العمورية السامية من عام 1900 ق.م وحتى بداية الميلاد، بترتيب الميراث السومري من جديد والتغذي منه ونقله إلى الجهات ومساهمتهما الخاصة محدودة.
لقد بذل البابليون جهوداً حثيثة لتدوين الإرث السومري، وكان السومريون بالنسبة لهم يحملون صفة التقديس، لقد تصاعدت الفترة البابلية الفخمة بهذا الإرث السومري، فلقد كانت بابل عاصمة للعالم لفترة طويلة، وذلك اعتباراً من "1800" ق.م، وحتى سقوطها بيد الفرس عام 550 ق.م، ولبرج بابل نصيب كبير في تمثيل كوزموبوليتية تلك المرحلة وبعبارة أدق في تشكل الذهنية الدينية والدنيوية للإنسان، وانه في وضع بارز من حيث تدوين أسس ونضوج النظام العبودي البابلي كتابة ونقله إلى العالم، وبذلك نرى إن مرحلة الترجمة والكتابة والتنقل والتغيرات لبابل لـ 2000 عام. تنبع من العراقة السومرية وفي الوقت الذي نرى فيه أن هاتين الحضارتين اللتين استمرتا "4000" عام كانتا وراء نضج وتمأسس تكوين الحضارة الإنسانية، فإننا ما زلنا بعيدين عن تقييم الأبعاد الإيجابية والسلبية لتلك الإسهامات، بهذا المعنى هناك مسافة طويلة يتوجب على التاريخ تناولها.
أما الآشوريون فقد أعتمد انتشارهم على الحملات العسكرية العنيفة وعلى التجارة. وفي الحقيقة استمر العهد الآشوري من عام 1300 ـ 650 ق.م. حيث لعب الآشوريون الدور التاريخي الأكبر في قلب التواجد الأثني "القومي" رأساً على عقب، وذلك كهدف أساسي لهم من أجل إنهاء الحركات الأثنية. ولهذا السبب تحولت الحركات الاجتماعية في التاريخ خلال الفترة الآشورية إلى معتقدات دينية ومذهبية. وأصبح تاريخ الشرق الأوسط بدلاً من تاريخ المسيرات الأثنية، تاريخ مسير وظهور الأديان والمذاهب. لقد شكل الآشوريون إمبريالية عسكرية بالمعنى الحقيقي للكلمة، حيث تم خلال الفترة الآشورية فرض التفوق العسكري عنوة في كل مكان، فقد فرضت ذلك في مصر والأناضول وشرق البحر الأبيض وميزوبوتاميا العليا وإيران. إن مكانتهم في التاريخ هي اكثر تخلفاً من البابليين، فلقد اعتمدوا على الميراث السومري، حيث واصلوا أعمال النشر والكتابة، وتطوروا في مجال العمارة، إنهم أخر قوة نقلت ونشرت الميراث السومري.
لا يمكن أن نقلل الدور الذي لعبه الملوك الآشوريين في سيطرة العبودية على ذهن وسلوك الإنسان، وكذلك دورهم المميز في تطور التجارة وتمأسسها، وكذلك يمكن الحديث عن قيادتهم مع البابليين لمسيرة الحضارة العبودية على مدى ألف عام. وهناك وجه آخر للتاريخ، وهو أن الانتفاضات التي قامت باتفاق فيما بين القوى التي مركزها في ميزوبوتاميا العليا، والحثيين في الأناضول، والميديين في شمال غرب إيران، وبعض القوى الموجودة شرق البحر الأبيض شكلت جبهة المقاومة ضد هذه القيادة. وأكثر من بذل جهوداً في ذلك هم "الميتانيون Mitani والأورارتيون" ذوي الأصول الآرية، ولكنهم لم ينجوا في النهاية من التشتت. لقد انبعثت ملحمة كاوا الحداد من فترة المقاومة الطويلة هذه. وفي النهاية تتفق القوتان الميدية والبابلية وتقضيان على الإمبراطورية الآشورية بتدميرهما لعاصمتها نينوى ولم يقم لها قائمة بعد ذلك، ولكن الكتاب والكهنة الآشوريين واصلوا نشاطاتهم، واستطاعت مكتبة نينوى الضخمة أن تصل إلينا في يومنا هذا، هذا كما لعبت لغة الآشوريين الآرامية كلغة حضارية مثل الإغريقية واللاتينية دوراً بارزاً وأساسياً في التواصل في الشرق الأوسط لمدة 2500 عام، لا يمكن التقليل من الدور الذي لعبه الشعب الآشوري كأحد الشعوب المسيحية الأولى بعد المسيح في نشر هذا الدين خاصة من الشرق وبالتالي لا يمكن إغفال الدور الذي لعبه هذا الشعب في النضال ضد الحضارة العبودية.
واصلت الحضارة المصرية تطورها في مرحلة السلالات الوسطى حوالي "2000" ق.م. وقد تعرضت لاحتلال "الهكسوس" ( العبرانيون الأوائل، والشعوب الآرية بعض الأحيان ) القادمين من الشمال اعتباراً من أعوام 1800 ق.م. وقد جسدوها بعد عدة سلالات وطردوا الباقين. ومع بدء مرحلة السلالات الجديدة أضاعوا أصالتهم بوقوعهم تحت الهيمنة الآشورية والبارثية والإغريقية، وفي النهاية تحت الهيمنة الرومانية في عام 30ق.م. وعكس فترة حكم كليوباترا الوجه التاريخي الأخير والأكثر حزناً لهذه القصة، وفي الوقت الذي كانت فيه كيلوباترا تمثل التعبير للمقاومة والاستسلام وبالتالي الانتحار النسوي، فإنها تمثل أيضاً التعبير الأخير لفخامة وديمومة الحضارة التي لا يمكن أن تنسى بسهولة.



#عبدالله_اوجلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول ...
- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...
- الدفاع عن شعب الفصل السابع هوية تود التعريف بذاتها بشكل صحيح ...


المزيد.....




- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...
- اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط ...
- الأمم المتحدة تستنكر -تعمد- تحطيم الأجهزة الطبية المعقدة بمس ...
- يديعوت أحرونوت: حكومة إسرائيل رفضت صفقة لتبادل الأسرى مرتين ...
- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - عبدالله اوجلان - من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية الفصل الاول التطور الحضاري والمجتمع العبودي و- عصر دويلات المدن - العبودية في الشرق الاوسط 1-7