ابوجهل وعلم اللغة

جمشيد ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 3202 - 2010 / 12 / 1 - 14:18
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    

لا يرتاح الكثير من مواطني الثقافات الشرقية اذا تطرقت الى الدخيل في لغته لانه يعتقد ان الدخيل يحط من قدر و قيمة اللغة المستعيرة و يحول المسألة بذلك الى قضية سياسية و المواطن الشرقي يجد نفسه في منافسة دائمية و صراع مستمر مع الثقافات الاخرى وبذلك يضيع طاقته و وقته في محاولات عقيمة لا تنفع احد و هو يفضل و يفرح اذا سمع كيف ان الثقافات الاخرى تستعير من لغته ويسكت على الدخيل في لغته او يفضل الكذب.

استعارات الفارسية من العربية كثيرة لا تعد و لا تحصى بعد الزحف الاسلامي و هي اضافة الى ذلك ظاهرة للعيان ويمكن التعرف عليها بسهولة و لايستطع احد ان ينكر كيف غيرت العربية الفارسية من جذورها لان العامل الديني اقوى من التأثيرات الثقافية الاخرى و لكن المفردات الفارسية و خاصة التي اقتبست قبل الاسلام معربة الى درجة لا ترى اصلها الفارسي بسهولة. فمثلا هل تعلم كيف ان العربية تحول الهاء الفارسية الى الجيم:

(برنامه) الفارسية الكردية الى (برنامج) العربية
(تازه) الفارسية الكردية الى (طازج) العربية
(برده parda) الفارسية الكردية الى (بردج)
و الامثلة كثيرة استطيع ان اقدم قائمة طويلة بها.

اقرأ الى اين وصلت درجة الجهل في الاتهام الاتي من مواطن لا اريد ان اذكر اسمه حفاظا على سمعته:
(كلمات كثيرة اعدت اصولها الى لغات قديمة بدون دليل علمي
وكمثال زعمت ان كلمة ترزي التي تعني خياط في مصر استعيرت من كلمة فارسية
فما قولك مثلا ان كلمة طراز تعني خياط في بلدان عربية اخرى؟
بدون دليل علمي يسمى هذا تعسف)

اولا يتهمني المواطن المذكور بعدم اتباع الوسائل العلمية في ارجاع الكلمات الى اصلها رغم اني ذكرت و اذكر اسباب و طرق الاستعارة و التغييرات اللفظية التي تطرأ على الكلمات عند الاستعارة مستندا على علم الاتيمولوجيا. انا شخصيا لا يهمني الدخيل من اية لغة كانت و لكن الذي يهمني هو اختلاط و تزاوج اللغات و تأثيرها على بعضها تأريخيا و جغرافيا.

ثانيا و لو فرضنا ان كلمة (ترزي) خياط المصرية اشتقت فعلا من كلمة (طراز) الا يجدر بالمواطن المذكور ان يثبت ذلك علميا و هو الذي يتهمني بعدم اتباع الطرق العلمية؟

ثالثا انا متأكد بأنه سيصاب بصدمة او بصاعقة اذا تعلم ذرة من علم الايمولوجيا و اكتشف ان كلمة (طراز) التي ذكرها كأصل لكلمة (ترزي) هي ايضا من الفارسية (ترز) بمعنى (الشكل) دخلت الى العربية بعد تضخيم التاء الفارسية الى الطاء في (طرز) العربية. تميل العربية الى استبدال التاء الفارسية الكردية بالطاء العربية. قارن مايلي على سبيل المثال:

(طربوش) العربية من الفارسية الكردية (تر بوش tar posh) غطاء لتغطية الرأس بتضخيم التاء و استبدال p بالباء العربية لعدم وجود هذا الصوت في العربية.
(طرشي) العربية من الفارسية الكردية (ترشي) للاشارة الى الحوامض.
(طاس او طشت) العربية من الفارسية الكردية (تاس) و(تشت) و لتدخل الاسبانية عبر العربية و منها الى الالمانية Tasse
الامثلة كثيرة لا تعد و لا تحصى...

لايؤدي الدخيل في اللغة الى فقر اللغة بل الى اغنائها. انظر الى الانجليزية كيف تغييرت من لغة قبائل بدائية بسيطة الى اقوى واغنى لغة في العالم بفضل الاستعارات خاصة بعد الغزو النورماندي عام 1066. لم يظهر رجل مثل شكسبير الا بعد مسيرة اغناء الانجليزية التي استمرت بفضل المستعمرات اما اليوم فهي ليست في حاجة الى مستعمرات جغرافية لان العالم تحول بفضل امريكا و العولمة الانترنيت الى مستعمرة لغوية انجليزية و لكن و لربما يؤدي هذا الانتشار الهائل الذي لم تشهده لغة لغاية اليوم الى تمزيق الانجليزية في المسقبل الى لغات انجليزية متعددة و مختلفة.

استمدت العربية قوتها في الماضي من الاختلاط و التزاوج بالارامية و اليونانية و الفارسية و اليوم فهي لاتستطيع الاستغناء عن الانجليزية ليس فقط عن طريق الاستعارات الظاهرية و انما بواسطة الاستعارات الخفية اي ترجمةو تعريب الافكار و المفاهيم الانجليزية الى العربية. تفضل العربية التعريب على الاستعارة لانك لا ترى الدخيل في التعريب.
www.jamshid-ibrahim.net

#جمشيد_ابراهيم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل