د.طارق حجي في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول العلمانية والاديان في العالم العربي


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 3102 - 2010 / 8 / 22 - 10:35
المحور: مقابلات و حوارات     

حاوره: مازن لطيف علي

في بادرة جديدة من مؤسسة الحوار المتمدن في تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية مع ابرز كتابه وكاتباته يقوم موقع الحوار المتمدن بنشر الحوار الثاني مع المفكر طارق حجي يتناول فيه قضايا العلمانية والاديان في المنطقة العربية حيث يرى انه خلال القرن و نصف القرن الأخير تقدم و تأخر العلمانيون العرب مراراً بسبب صراعهم المرير مع عدة قوى منها الجهل و الأمية و سطوة الإستبداد و سلطان المؤسسات الدينية ثم أخيراً المد الإسلاموي الذي ضرب المنطقة منذ فشل المشروع الليبرالي ثم المشروع القومي واليساري. و لا بد من النظر لهذا الصراع من تلك الزوايا كلها. كما لا يمكن أن يغفل المتأمل أوجه الضعف الداخلية في حركة الكثير من العلمانيين العرب و التي تبدأ من خسارتهم الأولى بسبب التسمية. . الحوار المتمدن كان له هذا اللقاء المفتوح :


هل استطاع العلمانيون العرب تبوأ موقعهم الذي يطمحون إليه في القرن الحادي والعشرين؟
لا توجد إجابة قاطعة بالسلب أو الإيجاب عن هذا السؤال الهام. فصراع العلمانيين العرب مع بيئاتهم هو صراع معقد مع قرون من الثيوقراطية و الإستبداد. و خلال القرن و نصف القرن الأخير تقدم و تأخر العلمانيون العرب مراراً بسبب صراعهم المرير مع عدة قوى منها الجهل و الأمية و سطوة الإستبداد و سلطان المؤسسات الدينية ثم أخيراً المد الإسلاموي الذي ضرب المنطقة منذ فشل المشروع الليبرالي ثم المشروع القومي العربي. و لا بد من النظر لهذا الصراع من تلك الزوايا كلها. كما لا يمكن أن يغفل المتأمل أوجه الضعف الداخلية في حركة الكثير من العلمانيين العرب و التي تبدأ من خسارتهم الأولى بسبب التسمية.

كيف تنظر لمستقبل العلمانية في مصر والوطن العربي ؟
لست متشائماً بالنسبة لمستقبل العلمانيين في مصر و المجتمعات العربية و إن كنت أدرك حجم و أبعاد و فداحة المعركة بين الطرفبن: أنصار العلم و المجتمع المدني و قيم الحداثة و أنصار الإستبداد و الثيوقراطية.

أين يمكن تبويب موقع الحركة اللبرالية والتيار العلماني بين التيارات السياسية والاتجاهات الفكرية السائدة في مصر بصورة خاصة والوطن العربي بصورة عامة ؟
معركة الحركة الليبرالية مع الواقع في مصر و معظم المجتمعات العربية هي صورة طبق الأصل من معركة مماثلة حدثت في أوروبا منذ أخذ أنصار العلم في سحب البساط من تحت أقدام الحكام المستبدين و أنصارهم من رجال الدين. و لا شك عندي في أن أنصار العلم سوف ينتصرون، و لكن ليس بسهولة.

كيف نستطيع فك التلازم الذهني بين العلمانية و الأنظمة الدكتاتورية العربية التي حكمت باسم العلمانية ؟
هذا سؤال بالغ الأهمية إذ أن الراية يجب أن تكون هي "الليبرالية و الحداثة و المجتمع المدني" و ليس فقط العلمانية. فقد كان حكام مثل عبد الناصر و حافظ الأسد و الهواري بومدين و صدام حسين علمانيين (بدرجة غير قليلة). و لكنهم كانوا أعداء الليبرالية السياسية و الليبرالية الإقتصادية بأشكال نتفاوتة. كما أنهم في ظل أوجه معينة من فشلهم أتاحوا الفرصة للظلاميين أن يكتسبوا أرضية كبيرة على المستوى الشعبي. و لا تنس أن هؤلاء الذين ذكرتهم كانوا على المستوى المعرفي رجال بسطاء و متواضعي المحاصيل المعرفية.

العلمانية تمثّل فصل الدين عن الدولة. والسؤال: أنّه بعد التجارب المرّة، التي مارسها الدين السياسي طيلة قرون، ألا تشكّل رؤيتكم قطيعة أبدية للاستبداد المقيت بفعل أدلجة الدين؟
جوهر العلمانية لا يتصل بالعداء للدين و إنما يقوم على حجر أساس هو فصل الدين عن الدولة و تأسيس مجتمع مدني و إقامة العلاقة بين أبناء و بنات المجتمع بعضهم بالبعض و مع الدولة على أساس المواطنة. و لا شك أن أكبر عدو اليوم لهذه الرؤية هو تيار الإسلام السياسي. و إعطاء قانون "فصل الدين عن الدولة" فرصة لكي يكون مؤيداً من قطاعات واسعة من المجتمع يقتضي توفر قيادة لا تكون معادية للدين و إنما لمزج الدين بمرجعيات الدولة. كما يقتضي حكمة و قدرات إدارية واسعة للحيلولة بين الإسلام السياسي و الإستئسار بالقبول الشعبي. و ينبغي هنا التركيز على الفارق بين مثقفين ليست لهم خبرة قيادية و إدارية و سياسية و بين قادة يعرفون الفوارق العميقة و الدقيقة بين نقد الدين كدين (و هذا مجاله الدراسة الأكاديمية) و بين فصل الدين عن الدولة و هو المطلوب هنا.

كيف تنظر لموقف العلمانيين العرب من امريكا ؟
تأثر المثقفين العرب عموماً إما بالفكر القومي العربي و إما بفكر الإسلام السياسي جعل معظمهم شديدي الكراهية للولايات المتحدة الأمريكية. و الحقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية مثلها مثل القوى العظمى في التاريخ (الإمبراطورية البريطانية في الماضي القريب و الإمبراطورية الرومانية في الماضي البعيد) لا يمكن النظر لها من منظور الحب و الكره. فالقوى العظمى تصبح كذلك بموجب حتميات إقتصادية و عسكرية و ليس بموجب أمور عاطفية أو مثالية. و باختصار فإن موقف معظم العلمانيين العرب من أمريكا هو موقف معيب فكرياً. فالولايات المتحدة الأمريكية قوة عظمى تبحث عن مصالحها و علينا أن نتعامل معها من هذا المنطلق.

ماهي المساحة المشتركة بين جميع الاديان ؟ وماهي مساحة المتغير في هذه الاديان ؟ ولماذا؟
إذا كنا نتحدث عن الأديان بوجه عام، و ليس الأديان الإبراهيمية بالتحديد، فإن الاختلافات كثيرة و كبيرة. أما الأديان الإبراهيمية فبينها قوافل مشتركة عديدة، ليس هذا مجال التعرض لها. و لكنني أعتقد أنه بينما لا توجد أية مشكلة يواجهها العلمانيون مع الأديان غير الإبراهيمية، فإن العلمانيين في مواجهة الأديان الإبراهيمية يواجهون صعوبات مختلفة. و الموقف مع المسيحية أيسر منه مع اليهودية و الإسلام، و ذلك لوجود "الشريعة" (أو الخلاقا) في اليهودية و الإسلام بتوسع. و لكنني أعتقد أنه يمكن إلجام رغبة رجال الدين و غيرهم من حكام المجتمعات باسم الدين في كل المجتمعات اليهودية و المسيحية و المسلمة.

ماهي فلسفة بقاء الكتب السماوية مع إمكانية تحريفها ؟
المشكلة ليست في بقاء أو على بقاء الكتب السماوية. و إنما المشكلة مع من يتوخون حكم المجتمعات على أساس من قواعد يستقونها من الكتب السماوية.

هل هناك تقييد لمفهوم الحرية في الاديان عموماً ؟ وكيف يتفق ذلك مع فطرة الانسان التي هي مجبولة على الحرية المطلقة ؟
يميل رجال الدين (أيّاً كان إسم هذا الدين) لتقييد مفهوم حرية الإنسان. و هو ما لا ينسجم مع فطرة الإنسان المكبولة على الحرية. و لا يوجد حل لهذه الإشكالية إلا من خلال فصل الدين عن الدولة.

ماهي علاقة وتأثير العلمانية على تقدم الحركة النسوية وتحقيق مكتسبات لصالح قضية المرأة؟
الثيوقراطيون بوجه عام أعداء حرية المرأة. و في المقابل فإن العلمانيين و الليبراليين (و أيضاً اليساريين) هم من أنصار الحركة النسوية و حقوق المرأة. و ما لم يتم تأسيس مبدأ فصل الدين عن الدولة، فلن نصل للحقوق الكاملة للمرأة.

نسمع عن تصاعد نبرة الليبرالية في الآونة الأخيرة خصوصا في دول الخليج على حساب انحسار دور المتدينين المتشددين .. ان صح هذا الكلام هل سنشهد ولادة ليبرالية حقيقية ام حالة خاصة تخدم السلطات الحاكمة دون الشعوب؟
في دول الخليج لا توجد ديموقراطيات حقيقية. و في هذه الدول لا توجد أيضاً مجتمعات حديثة رغم الثراء و شراءء منتجات الحضارة الغربية. فشعوب الخليج ليست إلا قبائل تعيش وفق سوسيولوجيا القبيلة العربية البدوية. و بالتالي فإن الحديث عن ليبرالية حقيقية في المجتمعات الخليجية هو ضرب من القفز على مراحل التاريخ. و لكن النظم السياسية في هذه المجتمعات تنظر حوالها باحثة عن نصير في مواجهة مد الإسلام السياسي فتجد من بين الأنصار المتوفرين "الرموز الليبرالية"، فتستعملها. في إعتقادي أن ولادة ليبرالية حقيقية يصعب أن تحدث خارج المجتمعات العربية التالية: مصر و العراق و سوريا و المغرب و الجزائر و تونس.