معضلة -نحن- و -هم- ...


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 7478 - 2022 / 12 / 30 - 16:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

فى كل الثقافات تلعب معضلةُ "نحن و هم" أدواراً سلبيةً.ولكن هذه الأدوار تتفاوت. وأميلُ للإيمانِ بأن هذه المعضلةَ تبلغ أعلى مستوياتها (أيّ أسوأ تجلياتها) فى المجتمعاتِ ذات التاريخ الرعوي ، بينما تكون أقل حدة فى المجتمعاتِ الزراعيةِ والصناعيةِ.

وخلال نصفِ القرنِ الأخيرِ شاعت ثقافةٌ ذات طابع ثيوقراطي/ ديني فى المجتمعاتِ الناطقةُ بالعربيةِ. ونظراً لكون هذه الثقافة قد ولدت فى بيئةٍ (أو بيئاتٍ) ذات ثقافة رعوية ، فقد أصبحت عقلياتُ كثيرين فى المجتمعاتِ الناطقةِ بالعربيةِ تتسم بثقافةٍ عدائيةٍ تجاه "الآخر" ، حتى فى المجتمعاتِ غير الرعوية.

ولو كان الأمرُ بيدي ، لجعلت المادةَ التعليمية فى مجتمعنا تخدم قيمة قبولِ الآخر وتتفهم مسألة "نحن و هم" بكيفيةٍ إيجابيةٍ. وفى مجتمع مثل مِصْرَ فهذه مهمة ليست صعبة. فالمجتمع المصري لا يُقارن بمجتمعاتٍ فى نفسِ المنطقةِ ببعضِها قرابة العشرين طائفة.

ومسألةُ ثقافة "نحن و هم" وقيمة قبول الآخر ليست مسألة ثانوية ، بل هى مسألة فى غايةِ الأهميةِ والخطورةِ.

فنسبةٌ كبيرةٌ من مواطني المجتمعاتِ الناطقةِ بالعربيةِ اليوم تسكن عقولهم وتفكيرهم رؤيةٌ غير إيجابية بل وأحياناً تكون عدائيةً تجاه "الآخر" ، بكل أشكال "الآخر" : الآخر الديني والآخر العرقي والآخر من حيث الهوية والجنسية.

وما حدث خلال سني العقد الأخيرِ فى مجتمعاتٍ مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا ومن قبلهم جميعاً لبنان ، من تشرذمٍ وتناحرٍ وإنقساماتٍ بلغت حد الإقتتالِ فى بعضِ الأحيان ، كان من تداعيات "معضلة نحن وهم".

وإذا كان كاتبُ هذا المقال قد كتب كثيراً عن "قيم التقدم" ، فلا شك عنده أن كل هذه القيم (أي قيم التقدم) مؤسسةٌ على ما يسميه البعضُ ب "الغيرية" ويسميه غيرهم ب "قبول الآخر" ، والذى هو أساس عقلية إيجابية فيما يتعلق ب "نحن و هم". وقبول الآخر هو حجر الأساس لقيمة أُخرى فى غاية الأهمية وهى "التعايش المشترك".