سبع شذرات متنوعات


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 7317 - 2022 / 7 / 22 - 13:33
المحور: الادب والفن     

(1) قصةٌ حقيقيةٌ كأنها مشهدٌ سينيمائي ...
فى سنةِ 2013
كنت فى موسكو أشاركُ فى مؤتمرٍ
وفى ليلةٍ
كنت أجلس أثناء العشاءِ أمام الصحفي الفرنسي آلان جريش Alain Gresh أحد أشهر كتّاب لوموند
وكنتُ أعرفُه
وأُتابعُه منذ سنواتٍ.
وعندما تطرق الحديثُ للقاهرةِ
قلتُ له : "أكيد زرتَها كثيراً ".
فرد قائلاً : أنا ولدتُ فى القاهرة سنة 1948 ... وتحديداً فى شارع البرازيل فى الزمالك فى القصر الذى هو حالياً مقر سفارة الجزائر فى مِصْرَ !!
ذُهلتُ
لأنني أعرف القصر الذى أشار له جيداً وأعرف تاريخه !
فقلت له : ولكنه فى سنة 1948 كان مملوكاً لأشهر مصري شيوعي هنري كوريل Henri Curiel مؤسس حزب "حدتو" !!!
فقال لي : الشخص الذى ذكرته هو أبي !
مفاجأة من أكبر مفاجآت العمر !
فأنا أعرف عن والده ما يسمح لي بكتابة مئات الصفحات عنه.
ولم أسأله عن سبب إختلاف الإسم العائلي ، لأنني توقعت السبب.
ولمن لا يعرف ، فإن هنري كوريل هو مؤسس أهم حزب شيوعي فى تاريخ مِصْرَ وأقصد "الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني" ومن حروف الكلمات الأربع الأولى جاء إسم الحزب الذى إشتهر به : حدتو !

ومعروف أن هنري كوريل يهودي مصري ساعد عدة نظم تحررية حول العالم للتخلص من الإستعمار . وعندما غادر مِصْرَ سنة 1950 إستقر فى فرنسا إذ كان مناهضاً لدولة إسرائيل. و كوريل الذى ولد فى مِصْرَ سنة 1913 قُتِل فى پاريس سنة 1978 بإطلاق النار عليه فى مدخل العمارة التى كان يسكن فيها.

بقى أن أذكر أن الرئيس پوتين كان حاضراً هذا العشاء.



(2) عرفتُ الكاتب المصري الشهير محمود السعدني معرفةً شخصيةً جيدةً وقرأتُ كل مؤلفاته.

السعدني الإستثنائي جمعَ ما بين الفهمِ السياسي و الإنساني والأدبي مع خفةِ ظلٍ لا نظير لها.

إعتقلَ سنة 1959 وبقى مع قياداتِ اليسارِ المصري فى السجن حتى سنة 1964.

وكتابه "زمش" يحكي قصةَ سنواتِه فى السجن.

وعنوانُ الكتاب قصة !

عندما إعتقل
كان يراقب اليساريين المصريين وهم يعذبون حتى يقول كلٌ منهم إسم حزبِه الشيوعي :

كان البعضُ يصيحون : حدتو (وهو إسم أهم حزب شيوعي فى تاريخ مِصْرَ ). و "حدتو" هى الحروف الأولى من "حركة ديموقراطية للتحرر الوطني".

وآخرون يقولون : نحشم (وهو إسم حزب شيوعي آخر ). و "نحشم" هى الحروف الأولى من "نحو حزب شيوعي مصري".

وغيرهم يقولون : إسكرا (وهو إسم حزب شيوعي ثالث). و "إسكرا" كلمة روسية معناها : شعلة.

وعندما جاء الدورُ على الأستاذ محمود السعدني صاح : زمش !

فظن المحققون أنه حزبٌ شيوعيٌّ آخر لم يكونوا على علمٍ به.

ثم إتضح أن السعدني العظيم
وهو فى ظرفٍ عصيب
ومُعَرَض للتعذيب
كان كعادتِه : يسخر

فقد شرحَ لهم أن زمش تعني : زي ما إنت شايف !

فهو لم يكن عضواً بأيٍّ من الأحزابِ الشيوعيةِ
ولكن
لو كان المحققون/المعذبون
مصرين
على أن يقول شيئاً مثل الآخرين :
حدتو
نحشم
إسكرا

فها هو يقول : زمش
ومعناها : زي ما إنت شايف !

ومن روائعِ سخريته
أنه
عندما جاء الساداتُ لحكم مِصْرَ
سنة 1970
وكان ذَا طلة بعيدة عن طلة جمال عبدالناصر
قال السعدني العظيم

ناصر كان بيموتنا من الرعب
أما السادات ف ها يموتنا من الضحك !

وأختم بقولي
أنني كنتُ محظوظاً جداً بمعرفتي (معرفة شخصية طويلة) بالعظيم محمود السعدني.




(3) أنا أؤمنُ بشكلٍ قطعي أن الدينَ شأنٌ شخصي وليس مرجعيةً عامة للمجتمعِ.

وأنا أؤمنُ بالقوانينِ الوضعيةِ التى تتغيّر مع مرورِ الوقت.

وأنا أؤمنُ بالعقلِ وليس بالنقلِ والحدسِ.

وأنا أؤمنُ بالتفكيرِ العلمي وفق تعريفه المستقر فى العالمِ الأكثر تقدماً منذ القرنِ التاسع عشر الميلادي.

وأنا أؤمن بالتعدديةِ وبالغيريةِ (قبول الآخر) وبالتعايشِ المشترك.

وأنا أؤمنُ بأن المرأةَ مساويةٌ للرجلِ بنسبةِ 100% وأن لها كل ما له من حقوقٍ.

وأنا أؤمنُ بالمواطنةِ كإطارٍ لعلاقةِ أبناءِ وبناتِ المجتمعِ ببلدِهم.

وأنا أؤمنُ بأن لغير المسلمين من المصريين (وفى مقدمتهم الأقباطُ الأرثوذوكس) نفس و كل حقوقِ المصريين المسلمين بما فى ذلك الحق فى شغلِ أي وظيفةٍ بما فيها رئاسة الدولة.

وأنا أؤمنُ بأن قضايا مِصْرَ أهم عندي من قضايا الآخرين ، كلٌ الآخرين.

وأنا أؤمن بحقِ الدولةِ فى الإشرافِ الكلي على كلِ المؤسسات التى تمنحها الدولةُ ميزانياتها. ويشمل هذا إشراف الدولةِ على التعليمِِ الذى تقدمه هذه المؤسساتُ.

وأنا أعرفُ أن إيماني بهذه الأمور العشرة هو ما يجعل الهوةَ التى بين تفكيري و تفكيرِ أغلبيةِ المصريين المعاصرين كبيرة جداً.

ولكنني لا أهتم بذلك.

فمعرفتي بالتاريخِ تؤكد لي أن ذلك إختلافٌ طبيعيٌّ وغير أبدي وقابل للتبدلِ. ولو كان هذا الإختلاف يجعل عزيمتي تضعف لكنت قليل الإيمان بهذه الأفكار. فأنا على يقينٍ من وقوف "العلم" و "العقل" و "النور" و "التقدم" معي.



(4) من كتابي "عرفتُهم" :

ولد الأمير الأردني الحسن بن طلال فى سنة 1947.

وكان الملك وقتها هو جده الملك عبدالله بن الشريف حسين أمير الحجاز.

بعد إغتيال جده الملك عبدالله ، أصبح والده (طلال بن عبدالله) ملكاً للأردن لفترة وجيزة تولى العرش بعدها الحسين بن طلال ، وهو حفيد الملك عبدالله وإبن الملك طلال وشقيق الأمير الحسن بن طلال.

من 1965 وحتى 1999 ، كان الأمير الحسن بن طلال هو ولي عهد الأردن. ولكن قبل وفاته فى نفس السنة (1999) نحاه شقيقه الملك الحسين عن ولاية العهد بعد أن كان ولي عهده لمدة 34 سنة.

جمعتني صداقة بالأمير الحسن الثاني منذ أصدر قراراً بتعيني كعضو بمجلس أمناء مؤسسته الثقافية "منتدى الفكر العربي".

والأمير الحسن وشقيقه الملك حسين وملك المغرب الراحل الحسن الثاني والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة : الأربعة مستواهم التعليمي والثقافي وإتقانهم لعدة لغات أوروبية تضعهم فوق كل حكّام الدول الناطقة بالعربية بقرونٍ عديدة !

وكعاشقٍ للغةِ الإنجليزية ، فأنا على يقين أن لغة الأمير الحسن بن طلال الإنجليزية أكثر ثراءً ورقياً من معظم رؤوساء الحكومة البريطانية الذين عاصرهم الأمير الحسن بن طلال.

والأمير بجانب تعليمه الراقي هو قاريء متميّز فى معظم مجالات العلوم الإجتماعية والإنسانية.

وبجانب ثقافته الرفيعة ، فهو مهذب بكل ما تعنيه الكلمة. وكذلك شقيقته الأميرة بسمة بنت طلال والتى عرفتُها معرفة شخصية جيدة.

يوم تنحية الأمير الحسن بن طلال من منصب ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية كنتُ معه !

ورغم الحزن الذى كان يشع من كل جسده ومن عينيه ، فقد كان متماسكاً وهادئاً و مهذباً كعادته. كنّا معاً فى واحدة من ندوات "منتدى الفكر العربي". وأصر على البقاء والإلتزام ببرنامج الندوة !

وبالفعل ، ظل حاضراً الندوة لآخر دقيقة
وهو بنفس التماسك والتهذيب والوقار. رغم أن ما فقده يومها كان عرش بلده !

وفى كل اللقاءات معه بعدها ، كان هو نفس الإنسان وبنفس السجايا والمزايا.



(5) بدون الكفار
لن يكون بوسع المؤمنين
العلاج عند مرضهم :
فالطب كله من إبتكار الكفار

ولن يكون بوسع المؤمنين السفر الا بالدواب :
فكل وسائل النقل من إبداع الكفار

وعلوم الفلك والهندسة والصيدلة والطيران وتكنولوجيا الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات :
كلها
كلها
كلها
من إنتاج الكفار

حتى قتل المؤمنين للكفار
يتم بأسلحةٍ من إبتكار الكفار !
فالسلاح الوحيد الذى من صنع المؤمنين هو السيف !


(6) من الأمورِ المزعجةِ لي أن ينشر شخصٌ صورةً عمرها 70 سنة لرجلِ دينٍ مع نساءِ أسرتِه غير المحجبات ويستدل بها على رجاحةِ وجهةِ نظرِه أيّ عدم وجوبيةِ الحجاب. فأنا أُريدُ أن تكون المرجعيةُ للعلمِ وللفكرِ الحرِ وليس لشيخٍ لو أعطيتُه صفحةً من كتابٍ "التكرار" لسورين كيرك كيجارد Søren Kierkegaard لما إستوعب منها أيّ شيءٍ !

مما قلتُه فى حوار بثته القناة الثقافية (التلفزيون المصري) يوم 14 يوليو 2022 :

الدخول فى معارك مع الإسلاميين
وأشباههم حول "ثمار عقليتهم" أمرٌ لا أنشغلُ به كما يفعل "البعض". فغايتي هى إكتساب المحايدين لمنهج التفكير العلمي وليس كسب معارك فرعية.



(7) فى إعتقادي أن أعظم شخصية ثقافية عربية نسائية فى القرن العشرين هى مي زيادة المولودة سنة 1886 والمتوفاة سنة 1941 وعمرها 55 سنة.

إسمها الأصلي ماري إلياس زيادة. ولكنها إختارت أن تعرف بإسم ميّ (الحرف الأول والأخير من ماري).

كانت تقرأ وتكتب بالفرنسية ، والإنجليزية، والألمانية، والعربية، والإيطالية، والإسبانية، واللاتينية

من أروع قصائد الرثاء ما إرتجلَه عباس العقاد يوم وفاة مي زيادة (17 أكتوبر 1941) :

أَيْنَ فِي المَحْفِلِ «مَيٌّ» يَا صِحَابْ ؟
عَوَّدَتْنَا هَا هـُنَا فـَصْـلَ الخِطابْ

عَرْشُـهَا المِنْبَرُ مَرْفـُوعُ الجَنَابْ
مُسْـتَجِيبٌ حِيْنَ يُدْعَى مُسْتَجَابْ

أَيْنَ فِي المَحْفِلِ «مَيٌّ» يَا صِحَابْ ؟

https://poetry.coiod.com/2021/03/blog-post_81.html?m=1

تحدثت عنها مراراً ، وكتبتُ عنها كثيراً. وهذا واحد من مقالاتي عن مي زيادة :

https://m.ahewar.org/s.asp?aid=294670&r=0