هوامش على دفتر الواقع


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 8276 - 2025 / 3 / 9 - 21:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

* نظرة مقارنة لأحوال الدول الناطقة بالعربية سيكون من الصعب أن تغفل حقيقة كون الأحوال بالملكيات أفضل من الجمهوريات. وسيكون من اللا-موضوعي إرجاع ذلك للثروة النفطية ، فالجزائر والعراق جمهوريتان وهما ضمن كبار منتجي البترول والغاز الطبيعي فى العالم ، وأحوالهما لا تسر.


* من حق كل دولة وكل شعب من الناطقين بالعربية أن تكون/يكون له موقفه من إسرائيل. ولكن ليس من حق أيّ طرفٍ أن يكون موقفه يحمل الشيء ونقيضه. وما أكثر نظم الحكم فى منطقتنا التى هى فى ذات الوقت "مع" و "ضد" ما يسميه البعض بالتطبيع وتسميه قلةٌ ب "التعايش المشترك" القائم على "قبول الآخر".


* من عجائب منطقتنا تقلص علمانية الدولة فى ظل نظم سياسية (جمهورية) كانت تزعم إيمانها بأن "الدين شأنٌ شخصي" وليس مرجعيةً للدولةِ. ولكن الواقع شهد تآكلاً (نسبياً) لهذه القيمة من قيم الحداثة.


* ومن عجائب منطقتنا أيضاً وجود نفوذ كبير فى بعض المجتمعات للفكر الثيوقراطي/غير المدني فى (و وراء منطلقات) البرامج و المؤسسات التعليمية.


* فى معظم المجتمعات الناطقة بالعربية يصعب (وربما يستحيل) تعريف الفساد. والسبب هو وجود منطقة رمادية واسعة بين "الأسود" (الفساد) و "الأبيض" (اللا-فساد) … ولايخفى على أحد وجود صلة قوية بين "النفوذ" و "الفساد" فى معظم مجتمعات منطقتنا ، والجمهوريات قبل الملكيات.


* خلال العقود الخمس الأخيرة ، وجد إعلام شبه حر فى بعض ملكيات المنطقة ، أما الجمهوريات فأصبح الإعلام فيها لاشيء سوى "إدارة دعاية لنظام الحكم".


* بينما هجرت الدول الأكثر تقدماً "التلقين" و "إختبار الذاكرة" كأساسين للمنظومة التعليمية وصار البديل (ومحور التعليم) هو "التفكير القائم على الإبداع والنقد" ، فلاتزال معظم نظم التعليم فى المجتمعات الناطقة بالعربية قائمة على التلقين وإختبار الذاكرة.


* اللغة ليست أداة تواصل فقط ، ولكنها أكثر من ذلك بكثير. ومن جوانب ثراء اللغة أنها تقول لنا الكثير عن "عقلية المتحدثين بها". ويومياً أتذكر هذا وأنا أسمع الإعلاميين المتحدثين بالعربية وهم يصفون أبناء الشعوب الأخرى من المتحدثين بالعربية ب "الأشقاء" … أو عندما يقولون أن "رئيسهم" إتصل ب "أخيه" حاكم الدولة الفلانية ! اللغة هنا تقول الكثير عن ذهنية مستعملها وعن "سوسيولوجيته" !


* البعض فى منطقتنا أحزنهم تراجع (بل تقزم) النفوذ الإيراني والهيمنة الإيرانية والتى كانت قد بدأت تأخذ شكلاً إمپريالياً ، وكثيرون (وأظن أنني فى طليعتهم) أسعدهم هذا التراجع أو التقزم أو التقلص. فمعظم هذا النفوذ والذى كان شائعاً وذائعاً فى غزة ولبنان وسوريا قد توارى. ولاشك أن المجتمعات الناطقة بالعربية تستحق نظم حكم عصرية وليس ثيوقراطيات (نظم حكم دينية) … وتراجع الثيوقراطية الإيرانية لا ينبغي أن تحل محله ثيوقراطيات أخرى (وأهمها المنظومة السياسية للإخوان وللجماعات التى إنبثقت من الفكر الإخواني).


* لو رجعنا لأوائل سبعينيات القرن الماضي ، فى مِصْرَ ، لوجدنا تعبيرات قد إختفت اليوم وحلت مكانها تعبيرات أخرى. فمثلاً ، كان المصري (المسلم والمسيحي) يقدم تعزيته بهذه الصيغة "البقية فى حياتكم". اليوم ، المصري المسلم يقول "البقاء لله" ، والمصري المسيحي يقول "ربنا يعزي قلوبكم". وهذا حدث (بأشكالٍ أخرى) فى كل المجتمعات الناطقة بالعربية. وهذه الظاهرة قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية. والواقع (مثل المثال الذى ذكرتُه) ضم و يضم أمثلة عديدة على تراجع البُعد المدني وتزايد البعض غير المدني فى الصيّغ اللغوية الجديدة. وهذا طبيعي ، لأن اللغة مرآة لعقلية مستعمليها.