مصرُ : أين ؟ و لأين ؟


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 7416 - 2022 / 10 / 29 - 20:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

نظرةُ واحدةٌ على بلدانِ ما سُميّ ذات يومٍ بالربيع العربي تقول الكثير. ومن أول ما سيقال أنه بينما تم تخريب سوريا واليمن وليبيا تخريباً كلياً ، وتخريب تونس بدرجةٍ أقل فإن مِصْرَ فقط من بين هذه الدول التى نجت من سيناريو التخريب. ولا شك عندي أن يوم 3 يوليو 2013 قد شهد العمل الوطني الذى أنقذ مِصْرَ والمصريين من واقعٍ كئيبٍ كالذى فى سوريا. ومنذ ذلك اليوم الإستثنائي فى قيمته وفى أهميته ومصرُ تشهد جهوداً كبيرةً للرقي بمستوياتها. وكاتب هذه السطور يميل لتقسيم الأمور التى يتشكل منها فسيفيساء التحديات لمجموعتين أو نوعين من الأمور. فهناك الأمور المادية مثل المرافق والطرق وحالات البنية التحية والمدن الجديدة والبيوت البديلة لساكني العشوائيات ومحطات الكهرباء وغيرها. وهناك الأمور غير المادية مثل التعليم والخطاب الديني ومجالات الثقافة العديدة والإعلام. وقد أطلقتُ فى واحدٍ من كتبي (سنوات الجمر فى عمر مصر : 2011 - 2021) تسمية "مجالاتِ الهاردوير Hardware “ على الأمور المادية وتسمية "مجالاتِ السوفتوير Software “ على الأمور غير المادية.

ولاشك أن الإنجازات فى مجالاتِ الهاردوير منذ 2013 أكثر و أوضح من الإنجازات فى مجالات السوفتوير. وهذا طبيعي. فالتعامل مع المادة أيسر بكثيرٍ من التعامل مع الإنسان ومع عقليته وتفكيره وأنساقه القيمية. كما أن ظهور نتائج التعامل مع المادة هو أيضاً أسرع بكثير من ظهور نتائج التعامل مع الإنسان.

وأهم مجالات السوفتوير فى مِصْرَ المعاصرة هما "التعليم" و "الخطاب الديني". وبينما يؤثر التعليم فى قرابةِ خمسة وعشرين مليوناً من المصريين (وهذا هو عدد تلاميذ وطلاب كل مناحي التعليم فى مِصْرَ ونحو خمسهم فى المدارس والمعاهد والكليات الدينية) ، فإن تأثير الخطاب الديني لا يقل حجماً و نتيجةً. فعدد خطب الجمعة فقط فى مِصْرَ هو أكثر من عشرة ملايين خطبة. ومن العبثِ إنكار حجم تأثير الخطاب الديني الذى لم يجروء أحدٌ قبل سنة 2014 على الجهر بضرورة مراجعته وتحديثه.

أما التعليم ، فإن كاتب هذه السطور والذى كان عضواً بالمجلس الأعلى للتعليم فى أكثر من بلدٍ ، والذى درَس بتعمق أرقى ثلاثةِ نظم تعليم فى عصرنا وهى نظم التعليم فى فنلندا و سنغافورة و اليابان يعرف أن نقطة بداية أي نظام تعليم متميّز هى "فلسفة هذا النظام التعليمي" والتى عادة تصاغ فى أقل من أربع صفحات تحدد فيها أهداف وأغراض التعليم أي "ماذا يستهدف المجتمع من نظامه التعليمي ؟". وهنا مجال وضع أسس الأنساق القيمية المرجو تأصيلها بمحاذاة التعليم.

وأما الخطاب الديني ، فبحر عارم بكل ما تعنيه الكلمتان. ولا شك أن أثره على العقل الجمعي المصري كبيرٌ جداً. ومن المستحيل إنكار الرابط بين نوع معينٍ من الخطاب الديني وآفاتٍ مجتمعيةٍ عديدة مثل العنف وعدم قبول الآخر وتدني مكانة المرأة فى المجتمع.