الإختلاف والتباين : نعمة أم نقمة ؟
طارق حجي
الحوار المتمدن
-
العدد: 8316 - 2025 / 4 / 18 - 11:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل هى نعمة أم نقمة أن يكون تفكيرُ الإنسانِ غيرَ متسق مع الأفكارِ الشائعة والذائعة فى مجتمعِه ؟
يقيناً أن الإجابةَ تختلف من مجتمعٍ لآخرٍ.
ف الإسكندنافي الذى يختلف مع معظم الأفكار الشائعة فى مجتمعِه يختلف (نسبياً) عن مواطنِ العالمِ الثالث الذى تختلف أفكارُه عن الأفكارِ الذائعةِ فى بيئتِه.
ولكن هذا شيء مختلفٌ عن السؤالِ الذى بدأتُ به وهو : هل هذه الظاهرة نعمة تجلب السعادة أم نقمة تستدعي الشقاء النفسي ؟
وتدلني تجربتي الحياتية ، أنه فى مجتمعاتِ منطقتِنا الناطقة بالعربيةِ ، فإن ما يلي "شبه مؤكد" :
* أن الذين يشتركون مع الأغلبيةِ فى الأفكارِ هم أسعدُ ممن تكون لهم من الأفكارِ ما هو مغاير للشائعِ والذائع فى بيئتهم من الأفكارِ.
** أن الذين يشتركون مع الأغلبية فى الأفكارِ هم (بنسبة مرتفعة) ليسوا أصحاب عقليات وأفكار ذات قيمة !
*** أن أصحاب العقليات والأفكار المغايرة للشائعِ فى مناخِهم المجتمعي قد يواجهوا ردودَ أفعال مجتمعية رافضة وقد تكون عدائية وقد تكون عنيفة.
ففى مجتمعاتنا (التى قصدتُها فيما ورد أعلاه) الكثير من القصص (الحقيقية) لأشخاصٍ نالوا عقوبات قاسية لسببٍ هو تبنيهم لأفكارٍ لا تتفق مع أفكارِ الأغلبية.
وفى مجتمعاتِنا تكتسب بعضُ الأفكار والآراء قداسة (أو ما يشبه القداسة) ، وهو ما قد يتسبب فى إعتبارِ من لا يتبنوها من أعداءِ المجتمع وربما تدمجهم الغالبيةُ بسماتٍ قد تصل ل "الكفر" ! وهو قد يسمح لبعضِ المؤسسات (فى مقدمتها مؤسسات دينية) بتطويرِ سلطات تجعلها بمثابةِ دولةٍ موازية : دولة ثيوقراطية ذات نفوذ قد يفوق نفوذ الدولة.
والمناخُ المجتمعي الذى يغضب من أصحابِ الأفكار غير المتسقة مع الشائعِ ، تقل (وتكاد تنعدم فيه) الرؤية الجديدة المبتكرة فى كافةِ المجالات. وهو ما يخلق حال مجتمعية مضادة للتقدمِ. بل يكون هذا المناخُ المجتمعي "بيئةً حاضنةً" للأفكارِ الماضوية ومن بينها الأصولية الدينية.
ولاشك عندي أن "قيمَ التقدم الإنساني" لا يوجد مناخ يسمح بتواجدِها وقيادتها للعقلِ الجمعي فى المجتمعاتِ التى لا تتواجد فيها على نطاق واسع آراءٌ ومفاهيمٌ مخالفة للشائعِ من الأفكار. ففى هذه المجتمعات إما لاتوجد (أو توجد بشكلٍ مهمش) قيم مثل "التعددية" و "الغيرية" (قبول الآخر) و التعايش المشترك للأضداد … كما أنه يستحيل وجود حرية فكرية فى هذه المجتمعات تسمح بالحريات العامة وحقوق المرأة وحرية البحث العلمي والفكري.