الشرق الأوسط فى المجهر


طارق حجي
الحوار المتمدن - العدد: 7124 - 2022 / 1 / 2 - 15:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

تشهد مجتمعاتٌ عديدةٌ فى منطقةِ الشرقِ الأوسط معركةً بين "الماضويين" و "الحداثيين". وفى هذا الصراعِ يلبس الماضويون (بمكياڤيليةٍ مؤكدة وواضحة) رداءَ الدينِ والثوابتِ والمقدساتِ ، وهو قطعاً مجرد "تكنيك" يظن مستعملوه أنه ييسر لهم كسبَ معركتهم مع الحداثيين. ورغم ظني أن كلَ مجتمعٍ من مجتمعاتُ منطقتِنا له "خصوصياته" أيّ صفاته الخاصة به ، فإن حالَ و مآلَ بعضها سيكون لهما إنعكاسات كبيرة على مجتمعاتٍ أخرى بالمنطقةِ. وفى مقدمةِ هذه المجتمعات الثالوث المهم (من الشرقِ للغربِ) : الإمارات والسعودية ومصر. مع أهمية تالية لما ستكون عليه أحوالُ سوريا وليبيا وتونس واليمن.


وإستقراءُ الحالةِ الإماراتيةِ أسهلُ من إستقراءِ الحالتين السعودية والمصرية. والسبب هو أن حجمَ وتفاصيلَ الحالتين السعودية والمصرية "مهولٌ".

وظني أن الحالةَ الإماراتية ستتواصل فى نفسِ الإتجاهاتِ وبذاتِ المنهجِ والطبيعةِ. وهو ما سيكون فى صالحِ النهجِ الحداثي.

ورغم أن ظني مماثلٌ فى حالتي السعوديةِ و مِصْرَ ، إلاّ أن الحالتين كما أَسلفتُ مهولتين ، بسببِ كثرةِ وغزارةِ وكثافةِ مربعاتِ موزاييك كل منهما.

فالسعوديةُ ليست مجرد دولة ومجتمع كبيرين وإنما هما بالغي التأثير على غيرهما فى المنطقة والعالم.

وتوقعي أن النهجَ الحداثي الذى بدأ فى السعوديةِ منذ خمس سنوات سيتواصل وبنجاحٍ رغم الصعوبات الداخلية والخارجية. وأهم صعوبات الداخل هو العقلية التى أفرزتها مرحلةُ الصحوة. أما صعوبات الخارج فأهمها محاولات إشغال السعودية بقضايا تُستعمل لمجردِ الإبتزاز. ومن صعوبات الخارج أيضاً مشروع إيران الإمپريالي فى المنطقة. ونجاح السعودية (وهو ما أتوقعه) فى مواصلة مشروعها الحداثي سيكون ضربةً كبيرةًٍ للتيارِ المناهضِ للتحديث داخل السعودية وخارجها. وأهم أدوات النصر التاريخي لمشروعِ السعوديةِ الحداثي هو "ثورة تعليمية" تؤصل لذهنيةِ الحداثةِ وتستأصل إمكانيةَ الإنجذابِ لمفرداتِ ومفاهيمِ العقلِ الجمعي الماضويّ.

وبينما المنطق يحتم أن تكون الدولُ الغربية (الولايات المتحدة وأوروبا وكندا وأستراليا) مسرورةً بهذا النهج الحداثي السعودي ومؤيدة له ، فإن الواقعَ لا يؤكد ذلك.

أما الحالةُ المصرية ، فهى أيضاً مثل صورةٍ كبيرةٍ جداً بها آلاف التفاصيل. ولكن المؤكد عندي أن مِصْرَ التى وجهت أكبرَ و أخطرَ ضربةٍ للإخوانِ يوم 3 يوليو 2013 والتى تواصل تنفيذ مئات المشروعات التنموية منذ منتصف 2014 ، تسير فى إتجاهِ إنتصارٍ نسبي للحداثةِ. لماذا قلت "إنتصار نسبي" ؟ قلتُ ذلك لإدراكي أن المشروعاتِ التنموية العظيمة التى تمت وتتم فى مِصْرَ تحتاج لمشروعٍ موازي قوامه تعليم وخطاب ديني عصريين. ولاشك أن القوى المناهضة للمشروع الحداثي هى قوى كبيرة و مؤثرة تكونت وتأصلت عبر عقودٍ عديدةٍ وكان التعاطي معها قبل 2014 بعيداً عن النجاح لإعتماده على الأدوات الأمنية البحت وقلة عنايته بمحاربة الفكر بالفكر ناهيك عن وجود جبهةٍ مناهضة للمشروع الحداثي فى واحدةٍ من أهمِ المؤسسات الدعوية والتعليمية.
ورغم عدد صعوبات وحجم تحديات الحال المصرية ، فإن العارف بطبيعة ودور الجيش المصري سيميل لترجيح إنتصار "دولة ما بعد 3 يوليو 2013” فى معركتها مع القوى الماضوية. ولكنه سيكون إنتصاراً نسبياً وسيستغرق عدة سنوات.

ولاشك أن ما سيحدث فى سوريا وليبيا وتونس واليمن ستكون له آثاره و إنعكساته على مجتمعات هذه البلدان وعلى المنطقة.

أما سوريا ، فستبقي أحوالها فى المستقبل القريب شبه أحوالها الحالية. وهو أمرٌ ليس فى صالح التنظيم الدولي للإخوان ولكنه للأسف فى صالح الأصولية الشيعية التى تحكم إيران منذ 43 سنة. وستبقي روسيا سعيدة ببقاء الأحوال على ما هى عليه لأسبابٍ سأتناولها فى مقالٍ آخر ولكن أهم هذه الأسباب هى منع وصول غاز طبيعي منافس للغاز الروسي لأوروپا عن طريق سوريا (أيّ يصل لسوريا من شرقها بأنبوب غاز ، ثم يُسيّل فى سوريا ويشحن من أحد موانيها لأوروپا).

أما ليبيا ، فلازلنا أمام ثلاثة سيناريوهات : سيناريو توحد ليبيا تحت قيادة مناهضة للإخوان ، و سيناريو توحد ليبيا تحت قيادة متعاطفة مع الإخوان ، وسيناريو بقاء الحال كما هو الآن. ورغم أن كلَ شيءٍ وارد و محتمل ، فإن السيناريو الأول (وهو عندي أفضلها) ليس مؤكدَ الحدوث.


أما تونس ، فالأوضاع فيها كالتالي. شهدت تونس خلال ال 11 سنة الأخيرة صراعاً عاتياً بين "الماضويين" وأهمهم حزب النهضة الإخواني و "الحداثيين" الذين هم (تاريخياً) ثمرة الشجرة البورقيبية. وأغلب الظن أن أقوى طبقة وسطى حداثية فى كل المجتمعات الناطقة بالعربية إنما توجد فى تونس. وهذا الصراع التونسي/التونسي كان فى معظمه سياسياً محضاً. ويميل كاتبُ هذه السطور لإنتصار قوى الحداثة فى تونس خلال السنوات القليلة القادمة.

وأما اليمن ، فرغم جنوحي للإيمانِ بفشلِ المشروع الإيراني فيها ، فإن حدوثَ أمورٍ إيجابيةٍ كبيرةٍ فى اليمن خلال السنواتِ القليلةِ القادمة هو (عندي) مستبعدٌ.

وهناك دول فى المنطقةِ لم أتطرق لها مثل العراق ولبنان والأردن والجزائر والمغرب وعُمان والبحرين وقطر والكويت …. والسبب هو أَنني أميلُ لأن أحوالَها بعد 3-5 سنوات ستكون مماثلةً لأحوالِها اليوم.

وأنا أيضاً لم أذكر إسرائيل ، بسببِ إيثاري الحديث عنها خلال ما تبقي من سني العقد الثالث من القرن الحالي فى مقالٍ مستقلٍ. وإن كنت أتوقعُ أن تشهد السنةُ الجديدة (2022) حدثاً إسرائيلياً/إيرانياً كبيراً.