شاهر أحمد نصر - باحث وكاتب يساري سوري - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: هل يأتي يوم تستغني فيه الشعوب عن الثورات؟هدف الثورات الوصول إلى أسلوب حكم جديد، والعالم القديم يتكاتف لإجهاضها.


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 4898 - 2015 / 8 / 16 - 19:45
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -161 - سيكون مع الاستاذ  شاهر أحمد نصر - باحث وكاتب يساري سوري -  حول: هل يأتي يوم تستغني فيه الشعوب عن الثورات؟هدف الثورات الوصول إلى أسلوب حكم جديد، والعالم القديم يتكاتف لإجهاضها.
 

هل يأتي يوم تستغني فيه الشعوب عن الثورات؟
هدف الثورات الوصول إلى أسلوب حكم جديد، والعالم القديم يتكاتف لإجهاضها
شعوب العالم في حاجة إلى أسلوب حكم جديد ينسجم مع متطلبات القرن الواحد والعشرين


تعددت القراءات لأسباب ما يجري في بلداننا؛ البعض يراها ناجمة عن فعل خارجي، وآخرون يرونها ناجمة عن التناقضات الداخلية في مجتمعاتها...
مما لا شك فيه أن مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية تفعل فعلها في هذه الأحداث التي تذكر بالأحداث العظمى التي حصلت في المفاصل التاريخية الهامة في تاريخ البشرية، والتي تعبر عن أن الشعوب في عصر المعلوماتية في بداية الألفية الثالثة ضاقت ذرعاً بآليات وأساليب الحكم القديمة وهي تحتاج إلى صيغة جديدة في أساليب الحكم...

لا تعبر الثورات الكبرى في تاريخ المجتمعات البشرية عن حاجة تلك المجتمعات وحدها إلى صيغة حكم جديدة تنسجم مع متطلبات المرحلة التي وصلت إليها، فحسب، بل تعبر عن حاجة الكثير من المجتمعات البشرية لهذه الصيغة الجديدة في تلك المرحلة. وتبين دراسة التاريخ الحديث أن المجتمعات البشرية تحتاج كل فترة من تطورها (تقارب القرن من الزمان) إلى صيغة جديدة من أسلوب الحكم تتجاوز أساليب الحكم السابقة وتلبي متطلبات التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي بلغته البشرية...


ـ جاءت الثورة الفرنسية في بداية القرن التاسع عشر تعبيراً ليس عن حاجة فرنسا وحدها، بل عن حاجة أوربا إلى ضرورة معالجة التناقضات المحتدمة بين صيغة الحكم الإقطاعية الثيوقراطية ومتطلبات التطور الاقتصادي الاجتماعي في تلك المرحلة، بالتالي عن حاجة مختلف الدول الأوربية؛ إلى صيغة لأسلوب حكم تنسجم مع متطلبات تطور وسائل الإنتاج والقوى المنتجة والتطور الحاصل في الثقافة والوعي الاجتماعي المرافق لتلك التطورات...
وكان شعار الثورة الفرنسية: حرية إخاء مساواة، ودعوتها لإعلان حقوق الإنسان، تعبيراً عن حاجة أوربية عامة لتطبيق هذه الشعارات والحقوق؛ لأن التناقضات الناجمة عن الأوضاع العامة الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية قبيل الثورة الفرنسية كانت تعتمل في أغلب الدول الأوربية، التي ميزها ولادة النظام الرأسمالي وصراعه مع النظام الإقطاعي...


ـ في بداية القرن العشرين، ازدادت التناقضات في المجتمعات الرأسمالية، وتكلل نضال الطبقة العاملة في سبيل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، بوصول المفكرين الأوربيين إلى صيغة لأسلوب حكم جديدة، تلبي متطلبات التطور الاقتصادي الاجتماعي في القرن العشرين، وتعمل على معالجة التناقضات الاجتماعية، ومعالجة آثار حدة الفروقات الطبقية والاستغلال الناجمة عن التطور الرأسمالي؛ صيغة أساسها العدالة الاجتماعية عرفت بأسلوب الحكم الاشتراكي... وجرى التعبير عن تفاقم تلك التناقضات في قيام الحرب العالمية الأولى، وفي قيام الثورة الاشتراكية في روسيا...
والثورة الاشتراكية في روسيا في بداية القرن العشرين، التي قامت تحت شعارات: السلام للعالم، والأرض للفلاحين والمعامل للعمال عبرت عن حاجة أوربا والبشرية إلى تلك الصيغة المنسجمة مع مستوى التطور الاقتصادي الاجتماعي والتي تعالج التناقضات الطبقية التي طغت على المجتمعات البشرية في ظل العلاقات الرأسمالية...


ولعبت الثورتان الفرنسية والروسية دوراً هاماً في تطور البشرية؛ تجلى في نقلة نوعية في الفكر والوعي الثقافي والحقوقي الإنساني، وفي تطبيق كثير من الإجراءات في مجال حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، والضمان الاجتماعي والصحي ومجانية التعليم، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وغيرها من الإجراءات على طريق العدالة الاجتماعية والمنسجمة مع متطلبات التطور الاقتصادي الاجتماعي في القرن العشرين، مما خلق مناخاً من النمو بعيداً عن التناقضات التناحرية في تلك المجتمعات، مع عدم نكران العنف الذي رافق تلك الثورات خاصة في بداياتها...
ـ في بداية القرن الواحد والعشرين شهدت البشرية نقلة نوعية في مجال تطور وانتشار تقانة المعلوماتية وانتشار الانترنت، وبدء تشكل نمط جديد من العلاقات الاجتماعية على الصعيدين المحلي والدولي، في الوقت الذي وصلت فيه صيغ أسلوب الحكم القديمة إلى مأزق؛ فلا النظام الشمولي الذي آلت إليه أساليب تطبيق الاشتراكية، ولا الليبرالية المتوحشة التي ميزت الحكم في المجتمعات الرأسمالية تنسجم مع متطلبات عصر المعلوماتية التي تتطلب مزيداً من الحرية، والتغيير، واحترام الخصوصية الشخصية، والمشاركة الواسعة في اتخاذ القرارات... وكان لا بد لهذه التناقضات أن تعبر عن نفسها فوجدت في تراكمها مع مجموعة من التناقضات الداخلية في بلدان منطقتنا ـ التي امتازت بطغيان السلطات الاستبدادية الفاسدة ـ المكان الملائم كي تفصح عن ضرورة وجود بنية وصيغة لأسلوب حكم جديدة لمعالجة تلك التناقضات وتلبية متطلبات عصر المعلوماتية في آن معاً...
ليس بالضرورة أن تحصل الثورة في البلدان الأكثر تطوراً... إنها تحصل في المجتمعات التي تتوفر فيها مجموعة من الظروف الموضوعية والذاتية التي تقود لانفجارها... كما أن العالم القديم لا يترك الثورات تتطور بشكل طبيعي، وهذا ما حصل في روسيا، على سبيل المثال، إذ شنت 14 دولة غربية الحرب ضدها، واستمر الغرب في حصارها حتى سقطت لأسباب موضوعية داخلية وخارجية... وكذا الأمر في بلدان المنطقة في بداية القرن الواحد والعشرين...
يظن البعض أن الحروب التي فرضت في منطقتنا تنفي الصفة الثورية عن الأحداث التي دشنها الشعب التونسي، وأبدع الشعب المصري في تطويرها، وجرى الالتفاف عليها لإجهاضها في هذين البلدين وبلدان الثورات اليتيمة... ويعتقد هؤلاء أن البحث عن صيغة لأسلوب حكم جديدة ترف فكري لا ينسجم مع تطور الأحداث...
في هذا السياق من المفيد التذكير بأن مجموعة من الظروف وقفت عائقاً أمام تحقيق مهام ثورات عام 2011 في منطقتنا، مما يجعل منها ثورات شبيهة بالثورة الروسية في عام 1905 التي كانت تدريباً لثورة عام 1917... وينبئ بأن إجهاضها وعدم تمكنها من القيام بالمهام المطلوبة في ابتكار واعتماد صيغة لأسلوب حكم جديدة تعالج التناقضات التناحرية في المجتمع وتلبي متطلبات العصر لا يعني نهايتها، بل يعني كمونها حتى تتراكم ظروف جديدة لعودة انفجارها... وتبقى مهمة إيجاد صيغة لأسلوب حكم جديد إحدى أهم المهام، والبحث في سبل الوصول إلى هذه الصيغة ليس ترفاً فكرياً بل مهمة ملحة لأن الحرب التي هي تعبير عن فشل النهج السياسي، ستضع أوزارها عاجلاً أم آجلاً، وسيعاد الاعتبار إلى العمل السياسي وفي صلبه البحث عن أسلوب الحكم الضروري لمعالجة التناقضات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.


من أسباب فشل الثورات


وقبل البحث في ملامح أسلوب الحكم المنشود من المفيد التعرف إلى أسباب فشل ثورات عام 2011 في منطقتنا في تحقيق مهمتها الأساسية.
تتراكم مجوعة من الأسباب الموضوعية والذاتية لإجهاض الثورات من بينها:
ـ إن عملية التطور والثورات ليست لوحة وردية تسير وفق الرغبات الرومانسية، بل يطغى عليها بؤس المرحلة التي يمر بها كل مجتمع، وتتأثر بقوة وضعف مجمل القوى الفاعلة فيها، مع عدم إمكانية تجاهل إرادة وفعل القوى الداخلية والخارجية المتضررة منها...
ـ نظراً لإفراغ المجتمعات من التنظيمات والأحزاب السياسية، وخاصة المعارضة، وقمع العمل السياسي لعقود طويلة، فقد غاب العامل الذاتي الناضج في قيادة الثورات، وتنطحت قوى مختلفة لقيادتها ولإنجاز مهاما، وأغلب تلك القوى تربى في مدارس اللون الواحد والزعم بأنها تمتلك الحقيقة وحدها، وحقها وحدها في امتلاك السلطة، وبعضها يجد الحل في العودة قروناً إلى الوراء، وقصورها في استيعاب متطلبات التطور في عصر المعلوماتية وعجزها عن ابتكار صيغة الحكم المنشودة...
ـ تكاتف العالم القديم، والقوى الداخلية والخارجية المتضررة من تغيير أساليب الحكم القديمة ضد هذه الثورات، فضلاً عن وجود مشاريع لقوى ودول محيطة ببلدان المنطقة ترى في نهضة العرب تهديداً لها، عملت جاهدة لإجهاض قيامة شعوب المنطقة، واستنفرت القوى الغاشمة لتشويه سمعة العرب والمسلمين وشعوب المنطقة ولتحويل العملية برمتها من مسألة ثورة شعوب تبحث عن الحرية والكرامة والعدالة ومكافحة الفساد إلى حروب استنزاف وتدمير لمقدرات البلدان التي قامت فيها...
ـ ضعف دور المفكرين العرب والمسلمين؛ إذا كانت إحدى ميزات الثورتين الفرنسية والروسية وجود مفكرين كبار ساهموا في وضع أسسها الفكرية، فإن العصر الحالي يمتاز بافتقاره للمفكرين الكبار في العالم بشكل عام، وخاصة في بلداننا، وذلك ناجم عن أسباب متنوعة أهمها تعامل مختلف الأطراف (السلطات الحاكمة، والسلطات الدينية) سلبياً مع المفكرين، فتم تكفيِر مفكرين وضرب بعضهم في شوارع العاصمة وتم اعتقال الكثيرين منهم لمناداتهم بالتغيير السلمي، وسجن كثير من المفكرين في مختلف البلدان العربية، أو عوقبوا وهمشوا، أو منعوا من السفر، وبعضهم أبعد عن أوطانهم، وجرى عمل حثيث لتجفيف منابع الفكر والإبداع، مما عرقل عملية تشكيل وعي اجتماعي سليم حامل لمهام الثورات، فضلاً عن الخلل في تبلور رؤية لآفاق تلك الثورات.
ـ الدور السلبي للإعلام فوسائل الإعلام تلعب دوراً مهماً ورئيسياً في تشكيل الوعي الاجتماعي، كما تلعب دورها في تشويه الحقائق وفي إجهاض الثورات...


في ملامح صيغة الحكم المنشودة:


بالعودة إلى المسألة الأولى ـ هل يأتي يوم تستغني فيه الشعوب عن الثورات؟ نرى أن ذلك يرتبط بصيغة أسلوب الحكم الذي يتم اعتماده؛ مع التنويه إلى أن طبيعة الحياة المتغيرة والمتجددة باستمرار تتطلب تطوير أساليب الحكم باستمرار، والتطور الاقتصادي التقني والاجتماعي والثقافي في القرن الواحد والعشرين يجعل الشعوب والمجتمعات البشرية في حاجة إلى أسلوب حكم جديد...
ولما كانت الثورات تنجم عن تفاقم التناقضات التناحرية في المجتمعات البشرية، وعدم ملائمة البنيان الفوقي لمتطلبات تطور البنيان التحتي، فإن أسلوب الحكم التعددي التداولي المرن وواسع الآفاق الذي يتطور ويتغير مع تغير الظروف وفق متطلبات الحياة ومتطلبات التطور الاقتصادي التقني والاجتماعي والثقافي، ليصبح قادراً على معالجة كافة التناقضات التي تعتمل في المجتمع باستمرار، وليسمح بتفتح طاقات الشعب الإبداعية، يساهم في خلق الظروف الملائمة كي تلعب الشعوب دورها الطبيعي في تطور الدولة والمجتمع وتجديد وتغيير السلطة في سياق التطور الحضاري التقدمي من غير الحاجة إلى الثورات...

والسؤال الهام والملح ما هي ملامح أسلوب الحكم الجديد المطلوب في القرن الواحد والعشرين، والمنسجم مع متطلبات التطور الاقتصادي التقني الاجتماعي في هذا العصر؟
تحتاج هذه المسألة المفتوحة إلى ندوات وبحوث متنوعة كثيرة لمعالجتها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن أي صيغة لأسلوب الحكم في كل مرحلة تاريخية لا تأتي من فراغ بل تستفيد من الصيغ السابقة وتتجاوزها؛ وفي هذا السياق نرى أن بناء الدولة المدنية المبنية على أسس علمانية دستورية وديمقراطية تعددية تداولية متحضرة، يتم فيها الفصل الموضوعي بين السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وسيادة كل منها في نطلق عملها، يشكل صيغة وأسلوب حكم جرب بدرجات مختلفة في دول استطاعت تكريس مبدأ المواطنة، ومعالجة التناقضات التناحرية في مجتمعاتها...
ويبقى السؤال ما العمل لجعل هذه الصيغة وأسلوب الحكم تلبي متطلبات التطور السليم للمجتمع في عصرنا الحالي ـ عصر المعلوماتية ـ الذي اتفق على أنه عصر التوق إلى الحرية والكرامة والعدالة والتغيير؟ تتطلب معالجة هذه المسألة مجموعة من المهام منها:


ـ توفير أجواء طبيعية في المجتمع، وقد يحتاج ذلك إلى مرحلة انتقالية ـ بعد توقف الحروب، وقد يتطلب ذلك قراراً وفعلاً دوليين ـ يتم خلالها وضع الأسس الدستورية والقانونية لأسس بناء الدولة التعددية التداولية العادلة، من قبل هيئة تأسيسية تتشكل من ممثلي مختلف القوى الفاعلة في المجتمع، ويقرها الشعب في استفتاء عام...
ويتم خلال المرحلة الانتقالية تعرف المجتمع إلى الفعل السياسي وإلى القوى السياسية الناشئة، لتتم بعدها عملية الانتخابات الديمقراطية في الدوائر الانتخابية المحددة وفق مبدأ القوائم السياسية في الدوائر المحلية والدائرة المركزية، بعد نضج الحياة السياسية بشكل عقلاني بعيداً عن عصبية الثأر وضيق الأفق المذهبي أو الطائفي أو العرقي المتحزب المنغلق... مع التأكيد على ضرورة توفر أجواء الحرية والتكافؤ لجميع قوى المجتمع ومؤسسات المجتمع المدني والقوى والتنظيمات والأحزاب السياسية القديمة والحديثة العهد وعدم إقصاء أي فكر، أو تنظيم وطني يمارس عمله ونشاطه وفق الأسس القانونية والدستورية التي يقرها الشعب... ومن الضروري تفعيل دور وسائل الإعلام الإيجابي، الذي يلعب دوراً في بلورة وعي كثير من المواطنين بشتى شرائحهم ويتجلى ذلك في تصرفاتهم الملموسة في الحياة، التي تتحول إلى تصرفات مكتسبة نتيجة لطغيان وسائل الإعلام في حياتهم. وبالتالي ثمة ضرورة لوضع آليات، وإستراتيجيات عملية لمواجهة المواد الإعلامية الهادفة لتشويه إنسانية الإنسان في كثير من محطات الإذاعة والتلفزيون والانترنت، غير البريئة من السلوك الدموي العنيف المهيمن على من يتفننون بالقتل... وهذا يتطلب وجود قوانين إعلام محلية وعالمية تجعل من تطوير إنسانية الإنسان ونشر المحبة والوعي السليم أهم أهداف وسائل الإعلام، وجوهر المادة الإعلامية، وأن تلعب وسائل الإعلام دورها في تعريف الشرائح الاجتماعية بحقوقها وواجباتها بما في ذلك حقوقها السياسية، لتكون منابر لمراقبة عمل السياسيين وتصويب أفعالهم وفضح الفساد والمفسدين في مختلف المفاصل السياسية والاقتصادية والاجتماعية...


ـ أن يكون جوهر أسلوب الحكم المرن مفتوح الآفاق هو: الحرية، والكرامة، والعدالة ليشكل أساساً قانونياً يلبي تطلعات ومتطلبات أبناء المجتمع من جميع الشرائح وخاصة الشباب في ممارسة حقوقهم السياسية والاقتصادية... وعند الحديث عن العدالة الاجتماعية من المفيد التذكير والاعتراف بأن تطبيق الإجراءات الاشتراكية الديمقراطية في مختلف البلدان المتطورة يساهم في تخفيف التناقضات الطبقية في مجتمعاتها؛ وتجنباً للمآسي الناجمة عن الفروقات الطبقية الكبيرة التي تخلق أجيالاً من الشباب العاطل عن العمل والذي يشكل تربة مناسبة للتطرف والإرهاب، من الضروري وضع أسس الاشتراكية الديمقراطية في أساس أساليب الحكم وفي شرعة الأمم المتحدة مثلها مثل حقوق الإنسان أو كجزء منها، وقد يكون مفيداً وضع مهمة إيجاد صيغ لأسلوب حكم عصرية متحضرة مرنة مفتوحة الآفاق تعالج التناقضات في المجتمعات البشرية من مهام مؤسسات الأمم المتحدة في إطار جهودها لمعالجة الأمراض الاجتماعية الناجمة عن أساليب الحكم والبنى السياسية الفاسدة المهيمنة في العديد من البلدان والتي تقود إلى التطرف والإرهاب...
وتتطلب الإجراءات الاشتراكية الديمقراطية تنمية اقتصادية اجتماعية وتطوراً صناعياً واهتماماً جدياً بمعالجة المسألة الزراعية، مما يساهم في فك الروابط الجامدة بين البنيان التحتي والبنان الفوقي؛ تلك الروابط التي تعيق تطور المجال السياسي وتحط من الوعي الاجتماعي وتبقيه أسيراً لمفاعيل روابط القرابات المتخلفة من طائفية ومذهبية وعشائرية وتحزبية منغلقة...

وتبقى مسألة البحث عن أسلوب الحكم المناسب في القرن الواحد والعشرين مفتوحة للنقاش وتحتاج للنقد والإغناء من قبل جميع المفكرين والباحثين المهتمين بمستقبل الشعوب، وفي هذا السياق من الضروري التنويه بدور إدارة موقع الحوار المتمدن ومؤسسه الأستاذ رزكار عقراوي، وشكرهم على مبادراتهم الهامة في معالجة مختلف القضايا الفكرية التي تلامس مصير شعوبنا ومستقبلها. ومن المفيد تفاعل موقع الحوار المتمدن مع مختلف المواقع الإلكترونية الأخرى لإيجاد أكبر قاسم مشترك في البحث عن علاج لقضايا شعوبنا المصيرية.
ملاحظة: حرصت عند عرض هذه المادة ـ التي قد تكون مسهبة ـ للحوار في موقع (الحوار المتمدن) الإلكتروني، أن أتدارك مسألة تقنية تعيق إمكانية تفاعلي المطلوب مع جميع المشتركين في الحوار الذي أعتذر سلفاً عن الخلل الذي قد يحصل خلاله لأسباب خارجة عن إرادتي.