لا قيمة معرفية، ولا فائدة تُرجى من لغة الشتائم والاقصاء!


شاهر أحمد نصر
الحوار المتمدن - العدد: 8203 - 2024 / 12 / 26 - 16:21
المحور: الادب والفن     

مما لا شكّ فيه أنّ السلم الأهلي هو المهمة الأولى، التي ينبغي تحقيقها في المرحلة الانتقالية الراهنة من مراحل تطور بلادنا، هذا يتطلب خطاباً عقلانياً جامعاً بعيداً عن روح التشنج والإقصاء المتوترة والموتورة، ريثما تجتاز بلادنا هذه المرحلة سلمياً بعيداً عن إراقة الدماء... وحينما تستتب الأمور، وتتشكل قوى الأمن (الشرطة المدنية)، ويعمّ السلم الأهلي ربوع بلادنا تُفتح مختلف الملفات، ويُحال مرتكبو مختلف أنواع الجرائم إلى القضاء لمحاكمتهم محاكمة عادلة وفق أسس الشرعة الدولية...
أما فيما يخص معضلة الأدباء والكتاب، الذين أسهمت منظومة الاستبداد والفساد في تشويههم، وتشويه الثقافة والفنّ والأدب، الذين أنتجوا أدباً ضحلاً ومشوّهاً للأخلاق والوجدان الاجتماعي، مع انتشار ظاهرة "سجناء الرأي"، التي أثقلت الثقافة وأنهكت الأدباء والفنانين والمثقفين في العهد البائد، فإنّ معالجتها تتطلب، كما جاء في مسودة بيان فرع طرطوس لاتحاد الكتاب العرب: "عملية نقدية أدبية وبحثية عميقة وواسعة، تُعد بمنزلة المحاسبة (والمحاكمة)، واعتراف من أخطأ بأخطائه علناً لإعادة الثقة بينهم وبين المجتمع، وتعزيز منظومة القيم الأخلاقية فيه، والبدء بمرحلة جديدة من العطاء"، ويمكن اقتراح طرقاً عقلانية متنوعة أخرى لمعالجة هذه المعضلة.
كم هو مؤسف أن نجد عدداً من المثقفين يطلقون الألقاب والتصنيفات، والتعاميم المسبقة، بل الأوامر، قبل أي عملية تدقيق ونقد حقيقيتين، ويكيلون الشتائم والنعوت الاستفزازية، والإقصاء على اتحاد الكتاب وأعضائه، كأنّهم يمتلكون حقوقاً تفوضهم في إصدار هذه الأحكام والأوامر، إذ انتقلوا فكرياً وسلوكاً إلى خندق المنظومة البائدة، وشرعوا يلعبون دورها، ويرددون مفرداتها، ولغتها اللاأخلاقية البائدة؛ فهلا سألوا أنفسهم عن الفائدة التي سيجنيها المجتمع، وستجنيها الثقافة من خطابهم، وما القيمة المعرفية التي تقدمها هذه اللغة، لغة منظومة الطغيان والاستبداد اللاأخلاقية الآفلة، وما الفائدة منها؟!
تلك ظاهرة خطرة، تذكر بتصرفات (الموجيك) في الثورة البلشفية، إذ وصفوا مكسيم غوركي، وبونين، وألكسي تولستوي، وبولغاغوف، وإيلن، وبيرديياف، ومئات الكتاب والأدباء بخيانة البروليتاريا، فأُعدم كثيرٌ من المثقفين وسُجن آخرون، ونُفي آخرون، وفقدت روسيا خيرة مثقفيها، وكلّفها ذلك كلفة باهظةً... طبعاً، لا تطابق بين حالتين متباينتين، إنّما من الضروري الاستفادة من ظاهرة (الموجيك) للدعوة إلى التروي وإعمال العقل، والابتعاد عن الظلم والتجني، وعن لغة التفرقة والاقصاء، وإصدار الأحكام والأوامر، لا سيّما، أنّ كثيرين من أعضاء اتحاد الكتاب الذين آثروا البقاء في الداخل دفعوا ثمن بقائهم مثلما دفعت غالبية أبناء شعبنا، وربّما اضطهادهم كان أقسى وأمرّ...
من المفيد أن تجري عملية النقد الأدبي، التي هي بمنزلة المحاكمة، في فضاء من الحرية المسؤولة، والعقلانية والعمق الفكري والنظري، والأخلاق السامية، والابتعاد عن لغة التخوين، والاقصاء، والأوامر، والشتائم المسيئة للجميع، التي لا تقدم أي قيمة معرفية لا لأدبنا، وثقافتنا، ولا أي فائدة لمجتمعنا... بل تضع علامات استفهام كثيرة حول منهج مطلقيها وذخيرتهم الفكرية.
إنّ سوريا تتسع لجميع أبنائها، وهي في حاجة إليهم جميعاً، وستبنى بجهودهم جميعاً، مهما تباينت آراؤهم ورؤاهم وأفكارهم وانتماءاتهم، ومهما تباينت نظرة كلّ طرف إلى الآخر، إذ إنّ ساحات البناء تنتظر الجميع، وسيأخذ كلّ مُجِدٍّ لبنائها دوره، بمن فيهم جميع الأدباء والكتاب والمثقفين المهتمين بشؤون شعبهم ووطنهم، فالأديب الحقيقي هو الأديب المرتبط بهموم شعبه، الذي يعيش بينهم، ويدرك معاناتهم، ويسعى معهم إلى تأسيس مبادرات ومؤسسات السلم الأهلي وحقن الدماء، والسمو بالوعي والثقافة الوطنية بعيداً عن النزعات الطائفية والمذهبية والعرقية وكافة أشكال التفرقة؛ في هذا السياق ستستأنف مؤسسات اتحاد الكتاب عملها، فمع النظرة النقدية للمرحلة السابقة لإنتاج الكتاب واتحادهم، ينبغي النظر إلى المستقبل، والبحث في المسائل الجوهرية، واقتراح الحلول، ووضع الخطط للعمل، ونشر ثقافة تعلي من قيم الخير، والحرية، والمحبّة، والجمال، وتسمو بإنسانية الإنسان، بعيداً عن التوتر والعجلة والتسرع، وإعلاء شأن العقل، والفكر السليم، والتفكير بعقل بارد، وبقلب حار، لأنّ أحد أسباب انحطاط البشر ينبعث من فكرهم، ومن أخلاقهم، وهذه مسألة تستحق بحثاً مستقلاً.