معركة موسكو


حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 7884 - 2024 / 2 / 11 - 04:50
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

بمناسبة ذكري 75 عام للنصر علي النازية اجريت بعض الابحاث. و من بين عشرات المعارك اخترت معركة موسكو لانها معركة لها قيمة تاريخية و لانها تكشف عن التناقضات داخل المعسكرين.وهي أول مرة تهزم فيها قوات المانيا النازية مباشرة. عام 39 وقع الاتحاد السوفييتي مع المانيا النازية اتفاقية عدم اعتداء و نص ملحقها السري علي تقسيم بولندا بين البلدين. اعتبر ستالين هذة الاتفاقية ردا علي اتفاقية ميونخ بين اوروبا الغربية و المانيا النازية التي منحتها تشيكوسلوفكيا. بعد ايام من الاتفاقية هاجمت المانيا بولندا. و رغم ان انجلترا و فرنسا وقعت اتفاقية مع بولندا للدفاع المشترك فلم يفعلا شيئا. الاتحاد السوفييتي من ناحيته تقدم في اراضي بولندا في الجزء المخصص له في المعاهدة. علاوة علي ذلك اجتاحت روسيا دول البلطيق -لاتفيا و استونيا و ليتوانيا– و حتي جزء من رومانيا. فحتي عام 40 هاجمت المانيا اوروبا الغربية و اجتاحت كل من النرويج و الدنمرك و هولاندا و بلجيكا و فرنسا و طردت قوات انجلترا من فرنسا و اوضحت هذة الحملة التفوق الساحق للجيش النازي من كل الزوايا علي اي جيش اخر. كان هتلر يرغب في غزو انجلترا لكن قوة اسطولها البحري منعت ذلك و اقتصر الامر علي حرب جوية واسعة و مدمرة و رفض تشرشل عروض التفاوض. عام 41 كان عام الهجوم علي الاتحاد السوفييتي و تفحر الخلافات في كلا المعسكرين.
في الاتحاد السوفييتي كان ابرز اوجه الخلاف متعلق بامرين الاول سؤال هل سيهجم الالمان هذا العام 41 ؟ القادة العسكريين يؤكدون و ستالين يرفض معتقدا ان المانيا لن تهجم حتي تسوي نزاعها مع انجلترا فمن الحماقة الحرب علي جبهتين في نفس الوقت. رغم ذلك فقد وافق ستالين علي نقل المصانع المهمة – مع عمالها – الي ما وراء جبال الاورال لتكون بعيدة عن الالمان. نقطة الخلاف الاخري هي كيف ينتشر الجيش. كان لدي السوفييت خط دفاعي – خط ستالين – وهو ليس خط متصل مثل خط ماجينو الفرنسي لكنه سلسلة من التحصينات المجهزة للدفاع. لكن حين تقدم الجيش واحتل اراضي جديدة للغرب اصبح هذا الخط بعيدا ب 200 كم عن الحدود داخل اراضي الاتحاد. القادة العسكريين يريدون ان يتمركز الجيش في الخط الدفاعي حتي يستفيد الجيش من الخط الدفاعي كما تكون امامه مساحة للمناورة. ستالين رفض رفضا قاطعا ترك الحدود القائمة.
في المانيا لم تكن الخلافات اقل. فما ان اعلن هتلر لجنرالته عن الهجوم علي روسيا و انجاز المهمة في عام واحد حتي اعترض قادة باعتبار المساحات الشاسعة فلما لا تقسم المهمة علي عدد من السنوات. رفض هتلر الفكرة فهو يعرف ان السوفييت يقومون ببناء عسكري ضخم جدا و التأخير يعني عدو لا يمكن هزيمته. من ناحية اخري كان الجيش الالماني ليس لديه احتياطيات من الوقود و الذخيرة تكفي إلا لحملة واحدة. سميت هذة الحملة "بربروسا" الجنرال المنظر الشهير جودريان اقترح ان تقوم الدبابات بدعم الطيران بالاختراق من الحدود حتي موسكو. لكن هتلر رفض هذة الخطة. فهو يريد اختراقات محدودة مثلا 100 كم و تطويق و القضاء علي القوات الروسية فهو يخشي بقاء قوات روسية ضخمة خلف قوات جودريان فلابد من تدمير الجيش الروسي بطريقة ممنهجة و ليس مجرد اختراقه.
خطة بربروسا تقضي بهجوم بثلاث مجموعات من الجيوش مجموعة الشمال و هدفها لينينجراد و مجموعة الوسط هدفها موسكو و الجنوب تستهدف كييف و من ثم الدونباس. في المحصلة 3 مليون جندي و الاف الدبابات و الطائرات. رغم ذلك فالجيش الروسي لديه ارقام اكبر 6 مليون جندي و اعداد اكبر من الالات. لكن الجيش الروسي مفكك و بلا قيادة و تدريب علي جبهة تمتد 2000 كم. و من اللحظة الاولي تشرزم الجيش السوفييتي ففي اول يوم فقط خسر 1400 طائرة. ساهم في ذلك أن الروس كانت لديهم أوامر بعدم الانجرار للاستفزازات و لم يعرف أحد ما هو الفرق بين الاستفزاز و الهجوم الفعلي. و حينما وصل الالمان لمشارف موسكو كان لديهم 3 مليون اسير روسي منهم 600 الف في معركة كييف وحدها و بالمناسبة كل يهودي او شيوعي يتم اعدامه فورا.
جنرال جوكوف تفادي تطهير 37 بكونه كان في الشرق الاقصى يحارب اليابانيين و انتصر عليهم عام 38. اختلف جوكوف مع ستالين حول كيفية الاعداد للمعركة. رغم ان ستالين عنيف بشكل لا يصدق فقد اعدم جنرالات لمجرد انهم في رايه غير اكفاء فهو ايضا شخص عملي احتفظ ب جوكوف لانه يعلم انه سيحتاجه يوما ما. حينما حوصرت لنينجراد استدعي ستالين جوكوف و امره بتنظيم الدفاع عن المدينة. ثم اختلف الرجلان ثانية و قدم جوكوف استقالته و ذهب لبيته. الان موسكو مهددة تهديدا وجوديا فهتلر كان ينوي تدمير المدينة بالكامل بكل ما فيها و أمر جنرالاته الا يقبلوا الاستسلام. العملية تايفون- أقتحام موسكو- بها 2 مليون جندي الماني مع الاف المعدات لا يفصلهم عن موسكو سوي 100 الف جندي روسي مهلهلين مع بضعة دبابات. مرة اخري استدعي ستالين جوكوف. رغم أن طلائع الالمان وصلت لحدود 15 كم من الكريملن فهناك عشرات الالاف من الجنود يعملون خلف خطوط العدو و هؤلاء بقايا الوحدات التي تجاوزها الالمان. و يقال أن نصف القوة التي تهاجم موسكو كانت محتجزة تدافع ضد بقايا الوحدات السوفييتية التي تجاوزها الالمان. بدأ جوكوف بتنظيم الدفاع عن موسكو بوضع كل من يمكن علي الجبهة حتي طلاب المعاهد العسكرية. الشتاء القارص عرقل تقدم الالمان و منع طيرانهم لكن الطيران الروسي المصمم لهذة الاجواء كان يعمل بكل طاقته. قفز جودريان من الانتصار في اوكرانيا مع جيوشه – بانزر 2 – لحدود موسكو مدينة تولا و الهدف تطويقها من الشمال. جذب ذلك انتباه جوكوف فاستعد بالمدفعية التي اوقفت تقدم جودريان. ثم كانت المفاجأة حينما اطلق جوكوف دبابات تي-34 الحديثة فحطمت البانزر تماما. فمن اين جاءت الدبابات؟ جاءت مع عشر فرق مستريحة و عالية التدريب كانت ترابض في الشرق الاقصي تحسبا لليابان. كانت الاستخبارات السوفييتية قد تأكدت أن اليابان لا تنوي مهاجمة روسيا.أمر جودريان قواته بلانسحاب لاعادة التنظيم. لم يستخدم جوكوف سوي جزء من قواته الجديدة و اصر علي ان تتحمل القوات المرابضة امام موسكو عبئ المعركة. لكنه في نفس الوقت كان يحشد القوات علي يمين و يسار موسكو علي امتداد جبهة من 600 كم.جوكوف كان يعرف أن قوات الشرق لا تكفي فسحب كل القوات المتاحة علي امتداد الجبهة بما فيها قوات كان يعدها هو نفسه لانقاذ لينينجراد من الحصار و قوات من الجنوب حملتهم القطارات لموسكو. موسكو نفسها تحولت لغابة من المدافع المضادة للطائرات و التحصينات المضادة للدبابات و مترو الانفاق الفخم كملجاء للسكان. لم يسمح لاحد بمغادرة موسكو خوفا من الجواسيس.
كان ستالين قد استبق المعركة بأقامة العرض التقليدي للجيش في الميدان الاحمر في ذكري قيام الثورة – لم يقام هذا الاستعراض بعد ذلك حتي نهاية الحرب - و حضره بنفسه كي يقول للروس أنه لم و لن يهرب من موسكو و سبقه الساعة 8 صباحا بخطاب مذاع للامة تحدث فيه عن "الحرب الوطنية العظمي" و هو الاسم الذي عرفت به الحرب العالمية الثانية في روسيا من حينها. سوء حالة الطقس منعت الطائرات الالمانية من التدخل رغم أن هذا الخطر كان قائما. القوات المشاركة في العرض هي تلك القادمة من الشرق الاقصي و قد اتجهت بعده للقتال مباشرة
اطلق جوكوف قواته المتجمعة علي امتداد جبهة بطول 600 كم و من غير الواضح لما لم يقوم بتطويق الالمان أمام موسكو. تشتت القوات الالمانية التي انهكها الهجمات المضادة و الثلج و عدم ملائمة المعدات. لم ينجح جوكوف في هزيمة الالمان لكنه طردهم بعيدا عن العاصمة بمسافة تتراوح بين 100 -150 كم و حرر 1800 مركز سكاني و استعاد ثقة الجيش الاحمر في نفسه. هتلر من ناحيته رغم الخسارة أصر علي بقاء القوات الالمانية في المواقع التي وصلت لها و الدفاع ضد الهجوم السوفييتي كانت هذة نصيحة قيمة ساهمت في تقليل خسائر القوات الالمانية.