ثورة مبهرة


حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 4557 - 2014 / 8 / 28 - 14:06
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

ثورة مبهرة

الثورة : ثورتنا ثورة يناير لها خصائص قلما تعرض لها الكتاب و المحللين - و أنا منهم - من هذه الخصائص هي أنها كانت ثورة "مبهرة" بل عظيمة الإبهار . فالشعب إذا فجاءة خرج موحدا و متحدا متحديا التاريخ نفسه الذي عمل علي تقسيمه و تفتيته لعقود طويلة سابقة . حتي ثورة 19 علي عظمتها لم يكن لها هذا الإبهار الذي كان لثورة يناير . و الأجانب شعروا بهذه الشمس المشرقة من التحرير فأخذوا في كل بلد يقيمون ميدانا يسمونه التحرير . و المناضلين و السياسيين عندنا لأنهم غرقوا في التفاصيل السياسية و الحركية لم ينتبهوا بشكل كافي لهذا الإبهار . هذا ما قال عنه البعض "روح" التحرير لكن يبقي السؤال كيف تملكت هذه الروح هذا الشعب نفسه الذي نراه الآن يتخبط في كل مجال .

في الثورة خرج الشباب بحثا عن الحرية السياسية و خرج العمال بحثا عن مذيد من العدالة الاقتصادية و كل طبقة خرجت لأهداف خاصة بها لكن هذا ليس كل القصة . فلو كان مبارك وعد عمال المحلة مثلا بأنه سيضاعف أجورهم عشر مرات مقابل أن يتخلوا عن الثورة لبصقوا عليه. و لو كان وعد الشباب بحرية مطلقة مقابل أن يتركوه في الحكم لقذفوه بالأحذية . فما هي هذه الروح الجبارة ؟

من ناحية ثانية فأن الطبقة الحاكمة كانت تتصور أنها مستقرة في الحكم قبل الثورة رغم التحذيرات و أخرها الثورة التونسية التي أشعلت تلك المصرية. لكن أبهار الثورة و ضوئها الساطع صدم الطبقة الحاكمة و شلها عن الحركة بالإضافة للهزيمة العسكرية التي تلقتها قوات الأمن في الأحياء الشعبية. شيئا يشابه ما يحدث حينما يري رجلا يميل بغريزته للنساء أمرأة رائعة الجمال سيصدم جمالها عقله و غريزته نفسها و يتلعثم و يتصبب عرقا. الثورة باتساعها و شمولها و توحد الناس فيها هزم الطبقة الحاكمة بقوة هذه "الروح" الجديدة التي انبثقت فجاءة بقوة مبهرة فما هي هذه الروح و من أين أتت؟

المصريين شعب متدين بالإسلام و المسيحية شديد التدين مثل كل الدول المتخلفة . لكن المصريين لديهم دين ثاني خفي و هو "الوطن" الوطن لا يقل قداسة عن الدين . و قد حمل المصريين دينهم الجديد هذا منذ بدأ محمد علي مصر الحديثة . فهم يقولون "البلد هاتضيع" أو "البلد خربت" الخ . مثل هذه الأشياء يفهمها كل مصري بشكل فطري . و النظام رغم أنه عمل علي تفتيت الشعب و منعه من التنظيم الذاتي و عامله بطريقة الجيش "أتكلم عن نفسك بس" إلا أنه في المقابل أدعي قيادة "الوطنية" فكان يشحذ في الشعب ما سيقتل النظام نفسه يشحذ فيه أن "مصر أم الدنيا" و أن علينا أن نضحي في سبيل الوطن و أن الوطن هو القيمة العظمي في حياتنا . فبينما النظام يفتت المصريين فهو مضطر لتجميعهم حول الوطن . فلا مناص من ذلك إذا كان الشعب قد أختصر لمجموعة كبيرة جدا من الأفراد . لكن ما دخل ذلك ب روح التحرير ؟

أن كل طبقة تضع أهدافها المباشرة النابعة من مصالحها فالعمال يطالبون بالعمل و الأجر و مطالبهم الأخري . و الشباب يطالبون بالعمل و الترقي و الحرية السياسية الخ . لكن هذا ليس كل شيء. فكل طبقة تصيغ مطالبها أو أهدافها بحيث تبدو كمطالب و أهداف عامة شعبية تخص كل فرد. فالعمال يرون أن الوطن ينهار بالذات لأنهم لا يحصلون علي ما يكفي للعيش الكريم . و الشاب من الطبقة الوسطي – التي أشعلت الثورة – يرون أن الوطن في خطر لأن هناك تعذيب و استبداد الخ . كل طبقة تصيغ أهدافها و مطالبها في صيغة عامة تشمل الجميع. فحينما خرج الشباب و المهمشين و العمال خرجوا كي يدافعوا عن الوطن المقدس رغم أن كل منهم يراه من زاويته لكنهم جميعا توحدوا حول إنقاذ مصر من الطغمة الحاكمة و أصبحت لذلك الشهادة و الاستبسال سهلة يسيرة بل يتسابق لها من يقدر .

لذلك فحينما تنظر لصورة الثورة تراها صورة يرفرف فوقها العلم الوطني و تري أغاني الوطنية هي السائدة – و الأغنية الرسمية للثورة هي يا مصر قومي و شدي الحيل كل الي تتمنيه عندي- كلمات نجيب شهاب الدين و ألحان الشيخ أمام. روح الثورة إذن هي روح الوطنية المصرية و قد ارتدتها كل طبقة بالطريقة التي تناسبها و تتلاءم مع مصالحها . إبهار الثورة ناجم عن تجمع الشعب للدفاع عن بلدهم المحبوب.
حسن خليل
28 اغسطس 2014