اوباما يحارب داعش


حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 4576 - 2014 / 9 / 16 - 11:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

اوباما يحارب داعش

أعلن الرئيس الأمريكي باراك اوباما عن استراتيجيته "الجديدة" لمحاربة داعش و التي تتضمن ضربات جوية في العراق و ربما سوريا ضد داعش و دعم الأكراد و العراق عسكريا كي يقوموا بالحرب علي الأرض و كذلك دعم "المعتدلين" في المعارضة المسلحة السورية كي تحارب كل من نظام بشار الأسد و داعش في نفس الوقت و كذلك بناء تحالف دولي واسع لمواجهة داعش . و لم يحدد اوباما موقفه من إيران اللاعب الأكبر في كل من العراق و سوريا فهل ستشترك معه في محاربة داعش في العراق و ضده في دعم نظام بشار ؟ كما لم يشر الرئيس الأمريكي هل ستدعم تركيا جهود محاربة داعش أم ستستمر في دعم داعش نفسها . و لم يشر إلي دور جبهة النصرة – فرع القاعدة في سوريا – هل مع أو ضد التحالف الأمريكي ؟ و لم يوضح الرئيس الأمريكي أن انسحبت داعش إلي سوريا حيثما جاءت فهل سينقل قواته الجوية لدعمها بدلا من مهاجمتها ؟ و لم يقل لنا أن كانت قطر ستستمر في تمويل مثل هذه الحركات بينما تقلع الطائرات الأمريكية من أرضها كي تهاجم متلقي التمويلات ؟ فهل هذه استراتيجية؟ ها هي داعش قد عقدت اتفاقية عدم أعتداء مع "المعتدلين" في سوريا (2)! ثم أن الأخبار تتواتر عن أن هذه الاستراتيجية ستستغرق ما بين 36 شهرا و 3 سنوات فلما يحتاج هزيمة بضعة عصابات كل هذا الوقت و تحالف دولى عالمي يضم بين جنباته أكبر قوي عسكرية في العالم؟

جذور الإرهاب : لا شك ن الفكر الظلامي الفاشي الديني هو منبع الإرهاب و هو الذي يشرعن له . لكن كيف أنتشر هذا الفكر و هو موجود من سنوات بعيدة جدا و كيف أصبح جاذبا للآلاف ؟ نحن هنا خارج الفكر و في محيط العملية الاجتماعية السياسية . أمام إحباط اجتماعي عام يشمل جزء من الطبقة الوسطي و كثير من الفقراء و المهمشين و هذا الإحباط نفسه نتاج التحلل الاجتماعي الناجم عن توقف التنمية و توقف الخدمات العامة - التعليم و الصحة الخ - و بالتالي أغلاق مجال الأمل أمام الشعب هذا الأمل الذي كان دائما مرتبطا بالتعليم و بالتالي الصعود الاجتماعي فأصبح التعليم مقترنا بالبطالة . هذا التحلل الاجتماعي بالطبع مسئولية الطبقة المهيمنة و بنفس القدر مسئولية الاحتكارات الكبري و أدواتها الكبري أيضا مثل الحكومة الأمريكية و مؤسسات التمويل الدولية و الجيش الأمريكي . فهذه الاحتكارات هي من أجبر طبقتنا الحاكمة علي التزام النيوليبرالية التي أدت للخراب في كل مكان و في نفس الوقت هي من دعم و شجع الجناح الأكثر رجعية في هذه الطبقة – الإخوان مثلا – كي تستثمر هذا الإحباط و تحرفه عن طريق الثورة .و هي التي حركت حصار و أحتلال العراق و تصاعد العدوان الصهيوني . و هكذا فأن الفكر الإرهابي شبه الفاشي يعمل مع الهيمنة المالية شبه الفاشية أيضا . فلا يمكن فصل داعش و القاعدة عن حصار العراق و غزوه و احتلاله و تدمير بنيته المادية تدميرا شرسا و لا يمكن فصله عن دستور الاحتلال الطائفي الذي فرضه بول بريمر علي العراق . و ليس العراق فحسب بل سوريا و مصر و افغانستان و ليبيا و لا يمكن فصله عن الاحتكارات العالمية التي جري كل هذا باسمها و لا يمكن فصله عن صندوق النقد الدولي و سياسات إعادة الهيكلة التي تركت مئات الملايين مفقرين و مهمشين . و لا يمكن فصله عن "مجتمع الاستهلاك" و عن إعلام الاحتكارات المهيمن في العالم . أي لا يمكن فصله عن تحطيم قيم الإنسانية و العقلانية و الرشاد لصالح قيم الاستهلاك و الوضاعة. فلم تحطم الاحتكارات عالم العراق المادية فحسب بل حطمت قيم هذا المجتمع مع عديد من المجتمعات خاصة في منطقتنا لكن أيضا في عقر دار هذه الاحتكارات لذا نري "المجاهدين" يأتون من كل بقاع الأرض. و كذلك لا يمكن فصل الإرهاب عن كيفية استجابة طبقاتنا الحاكمة إزاء هجوم العولمة الشرسة عبر القبول بموقع التبعية و تكثيف الاستبداد . ألم تكن بلادنا في العراق و مصر و سوريا و غيرهم دولا واعدة في مطلع القرن الماضي تتطلع و تسعي للحداثة و التحرر و الديمقراطية و تتبني مفاهيم و قيم تتحرك بعيدا عن العصور الوسطي و أقرب للمساواة و التسامح الديني و تحرر النساء علي أرضية من العمل المنتج و قدر أكبر من التضامن . ثم خانت الطبقات الحاكمة تطلعات الشعب و انصاعت للهيمنة الإمبريالية متي وصلت لمقاعد الحكم

و أمامنا نموذج قريب "لاستراتيجية" اوباما في أوكرانيا. فبتشجيع من الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي قامت مجموعات عنصرية يرفع بعضها علم النازي صراحة بالهجوم علي البرلمان بقوة السلاح و الإطاحة بالرئيس السابق. و سارعت الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي بتأييد هذه المجموعات علي الرغم من توقيع اتفاقية برعاية الاتحاد الأوروبي نفسه بحل سلمي للازمة الأوكرانية. لكن الاندفاع الأمريكي لتطويق روسيا و تمديد حلف الناتو للشرق لا يأبه بمصالح أوكرانيا نفسها . و نتيجة للرعب من المتطرفين القوميين سارعت القرم (75% من الروس) بالتصويت للانضمام لروسيا . و هو ما اعتبرته أمريكا الحاق من روسيا للقرم بينما أمريكا نفسها -علي سبيل المثال - اعتبرت استقلال كوسوفو عن صربيا من قبل عمل من أعمال حق تقرير المصير ! و شنت قوات أوكرانيا علي السكان المتحدثين بالروسية شرق أوكرانيا حربا بلا هوادة بتشجيع و تسليح من الاتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة . انتهت هذه الحرب – ربما مؤقتا – بهزيمة ساحقة للقوات الأوكرانية . فمن الطبيعي أن تبذل روسيا كل ما يمكن كي تمنع وجود قوات معادية علي حدودها مباشرة. حصيلة استراتيجية اوباما في أوكرانيا إذن هي تفكيك أوكرانيا و أثارة النزعات العنصرية و الأثنية و الثقافية و تشجيع القوي الأكثر رجعية و تخلفا و التحول للعسكره


و في العراق – كما في العديد من البلاد – لم يكن تورط الولايات المتحدة في دعم الاتجاهات الأكثر رجعية و عنفا مجرد تأثير السياسية النيوليبرالية و الغزو و الاحتلال و أنما أيضا التدخل المباشر لدعمها و نموذج إخوان مصر أمر معروف . لكن هذا ليس كل شيء فالولايات المتحدة دعمت مباشرة الجماعات الأكثر فاشية و كمثال علي ذلك أكد مصدر في وزارة الدفاع الباكستانية في مقابلة مع "أسيا تايمز" في فبراير 2005 أن "حزب البعث السابق" الذين يجري تدريبهم و تجنيدهم من قبل القاعدة في العراق تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي كان يجري تذويدهم بأسلحة باكستانية – مثل البنادق و القذائف الصاروخية – عبر الولايات المتحدة . و قال مصدر لسيد سليم شاهزاذ -مدير مكتب التايم في باكستان - "أن هذه الأسلحة لا يمكن أن تكون متجهه للقوات العراقية لان هذه يتم تذويدها بأسلحة أمريكية" و هو معروف بفضح المؤسسة العسكرية الباكستانية – كما تقول مجلة نيويوركر – قد تم اغتياله في عام 2011 .(1)


فما هي حقيقة "استراتيجية" اوباما ؟ الولايات المتحدة بعد ضعف نفوذها عالميا و تصاعد القوي الإمبريالية الجديدة خصوصا الصين و روسيا تريد أن تحقق خطتها في تقسيم العراق إلي 3 دول قائمة علي أساس طائفي و قومي و في تحطيم دولة سوريا و قد كان خطاء داعش أولا هي أنها عبرت الحدود بين العراق و سوريا و ثانيا أنها شكلت تهديدا للدولة الكردية. لكن هذا ليس كل شيء إذ لابد أيضا من تأمل ما يجري في أوكرانيا لنجد علي الصعيد العالمي الولايات المتحدة تحاصر روسيا من الغرب و الجنوب الآن في العراق و سوريا بحملتها ضد داعش.أننا أمام أستمرار لاستراتيجية جورج بوش الابن و هي عسكرة العلاقات الدولية و الحرب . هذه الاستراتيجية تراجعت جزئيا بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 و من ناحية أخري فأن اوباما يتجاوز بوش بأن يستند علي كارثة حقيقية و هي إرهاب داعش بينما استند بوش علي كارثة مختلقة و هي الأسلحة النووية و الكيميائية العراقية غير الموجودة . ثم يتجاوزه أيضا في بناء تحالف واسع جدا خصوصا من دول المنطقة . و من هنا يمكننا أن نفهم لما تتجنب أمريكا عرض القضية علي الأمم المتحدة.كما تجنب بوش نفس الشيء. الحرب علي داعش هي أستمرار لسياسية الشرق الأوسط الجديد و قد أدمجت في محاولة أمريكية للهيمنة علي العالم مجددا بالقوة العسكرية .
حسن خليل
15 سبتمبر 2014

1 - نقلا عن
http://www.counterpunch.org/2014/09/12/how-the-west-created-the-islamic-state/


2 –
http://www.huffingtonpost.com/2014/09/12/isis-deal-syria_n_5814128.html/