الصعود الروسي


حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 4938 - 2015 / 9 / 27 - 09:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الصعود الروسي
منذ أزمة الادعاء بأن نظام بشار الأسد -سواء كان هذا صحيحا أم لا - يستخدم أسلحة كيميائية و الحشد الغربي -خاصة الأمريكي - لمهاجمة سورية عسكريا تحت هذه الدعوة. منذ هذه الأزمة تدخلت روسيا و تم حل الأزمة عن طريق نزع السلاح الكيميائي السوري و توقيع سوريا علي أتفاقية حظر الانتشار.قامت روسيا بدبلوماسية معقدة ربما كان فيها تهديد روسي بتدخل عسكري لدعم نظام دمشق . منذ ذلك الوقت تصاعد الدور الروسي في المنطقة بسرعة الصاروخ . و قت أزمة الكيماوي قيل أن واشنطون باعت سوريا لروسيا مقابل أوكرانيا لكن اتضح أن موقف روسيا في أوكرانيا لم يتغير . تصاعد الدور الروسي علي حساب الأمريكي بوضوح .

و مع مرور سنة علي أنشاء "التحالف" الأمريكي لمواجهة داعش و فشله الواضح في مواجهة داعش باستثناء منطقة كوباني. و قد كان لابد لهذا التحالف أن يفشل فلم يكن غرضه أبدا القضاء علي داعش و أنما استخدامها في تحقيق توازن جديد لصالح الإمبريالية .و قد كتب الكثير عن تراجع قوي أمريكا و عن انسحابها من المنطقة و هو صحيح لكن القضية ليست عسكرية مطلقا . فأمريكا تظل أكبر قوة عسكرية في العالم خاصة فيما يتعلق بالقدرة علي التدخل في مختلف مناطق العالم. الثغرة في الحائط الأمريكي سببها السياسة و ليست القوة العسكرية . فبينما روسيا لها مواقف سياسية موحدة حول أزمة الإرهاب و أوضاع المنطقة فأن السياسة الأمريكية تتخبط و قد اتضح هذا التخبط مرات عديدة. فقريبا صدر قرار أمريكي بدعم كل من السنة و الشيعة و الأكراد كل علي حدة بعيدا عن سلطة بغداد المركزية . و بعد يومين سحب القرار بسبب معارضة بغداد القوية. و الرئيس باراك أوباما نفسه أعلن أن الولايات المتحدة ستدرب 5000 من "المعتدلين" فانتهي الأمر لتدريب 54 مرتزق لم يبقي منهم سوي 4 أو 5 . و هكذا تتوالي الفضائح السياسية الأمريكية التي تمرغ سمعتها في التراب . و سبب التخبط هو أن التراجع النسبي للنفوذ الأمريكي علي المستوي العالمي أدي لخلافات عميقة بين الطبقة الحاكمة الأمريكية بين من يريد الانسحاب الكامل و بين من يريد التدخل العسكري القوي. فالقوي الأكثر رجعية تريد سحق داعش – ليس لأنها إرهابية لكن لأنها إسلامية و لكنها تريد في نفس الوقت تقليص نفوذ إيران و هما هدفين متعارضين. بينما القوي الديمقراطية في أمريكا – و هي رجعية أيضا – تريد التخلص من داعش و التخلص من الأسد لكن المهم دون نزول قوات برية أمريكية لأن هذا لا يتمتع بشعبية بعد كارثة غزو العراق
أن هذا التناقض المستحكم بين القوي الإرهابية و النظم الاستبدادية هو ما لا يريد كثيرين أن يفهموه . فمنهم من يصور الإرهاب علي أساس أنه "فزاعة" أو حجة لا أكثر . بل منهم من يتماهي مع قوي إرهابية مثل ما نري في مصر مع الإخوان . و يبدو كما لو كان هذا الوضع جديدا في تاريخ المنطقة . لكن في هزيمة 67 كان الأمر مطروحا هل يجب الدعوة لأسقاط النظام الاستبدادي الذي تسبب في هزيمة مروعة أم يجب الضغط عليه لشن الحرب لاستعادة سيناء بأقصى قدر ممكن لأن إسقاطه – بفرض إمكانيته – لن يكون إلا لصالح إسرائيل. و هناك خلل منهاجي فيمن يقول أن الإرهاب مجرد فزاعة أو حجة لأنهم يفترضون أن العالم ليس فيه سوي قوتين السلطة من ناحية و الشعب من ناحية أخري . أما العالم الحقيقي المركب المعقد فلا يناسب ذهنهم . ثم أن منطقهم يستند لحقوقية شكلية من نوع أن الاستبداد هو سبب ظهور الإرهاب – و هذا غير صحيح لكن لنفترض ذلك – ليستمر المنهج الشكلي قائلا أن هذا يعني أن القضاء علي الاستبداد يؤدي للقضاء علي الإرهاب بينما الإرهاب قد كبر و تضخم و أصبح يشكل دولة لكن المنطق الشكلي لا يراها . لا توجد مخارج سهله في القضايا المعقدة.

لنعد لأمريكا التي هانت بسبب حمقاتها فأصبحت دول المنطقة لا تقول لها حاضر بدون نقاش كما كان الحال سابقا. و هناك أيضا الرغبة الأمريكية في "توريط" روسيا في الشرق لاستنزافها تماما مثل أوكرانيا و مثل سباق التسلح . و أنظمة المنطقة و قد شعرت بالضعف الأمريكي سارعت أولا لأخذ الأمور بيدها - مثل الحرب علي اليمن - و من ناحية ثانية باللجوء لموسكو . فأصبحت موسكو تتمتع لأول مرة بصداقة كل من السعودية و إيران في نفس الوقت و هي مكانة ممتازة .

روسيا من جانبها أخذت منذ بدء الأزمة سياسة واحدة واضحة و تعمل لمصلحتها و هي الوقوف مع أنظمة المنطقة كافة. المصري و السوري و الإيراني الخ . فنماذج أفغانستان و ليبيا واضحة أمام عينها و هي محاطة ب دول إسلامية و ضمن سكانها 20 مليون مسلم و أحد القوي الضاربة لدي داعش هي الشيشانيين .و هي قد عانت – و مازال – من عمليات إرهابية مروعة في المدارس و المسارح و وسائل المواصلات . و طبعا قاعدة طرطوس في هذا السياق. لكن روسيا ليست أمريكا ربما تضارعها في الأسلحة النووية لكنها أكثر تواضعا كثيرا كقوة إمبريالية عالمية فالناتج الإجمالي الروسي أكثر قليلا من 3 تريليون – بالدولار المكافئ- بينما الأمريكي 18 تريليون . فليست هناك غنائم ذات بال سوي بيع السلاح و حتي في هذا تتفوق عليها أمريكا أضعافا. و لا نعرف علي وجه اليقين الآن أن كانت روسيا ستدرك أنها ربما ستستنزف في المستنقع السوري . خاصة و هناك من هو مستعد لدعم داعش لمواجهة روسيا في سوريا . لكن من الصعب تصور أن التجربة الأفغانية تبخرت من المخيلة الروسية.
المهم استجمعت روسيا شجاعتها و أرسلت أسلحتها الجديدة لنظام بشار مع سفنها العسكرية . بل أن وزير خارجيتها صرح بأن لو طلب نظام بشار تواجدا عسكريا روسيا مباشرا فسوف تنظر روسيا في الأمر – باعتبار أن العسكريين الروس في سوريا ليست قوة مقاتلة و أنما للمشورة و التدريب – و شكلت روسيا تحالف استخباراتي إيراني عراقي سوري روسي في بغداد مهمته تبادل المعلومات. و أعتقد أن ما دفع روسيا لهذه الخطوة الجرئية هو استشعارها أن النظام السوري يترنح و أن داعش و زملائها بدعم تركي سيتمكنون منه فلابد أن هناك دوافع قوية لخطوة محفوفة بالمخاطر مثل هذه. بل أن كتاب – لقناعتهم بخطورة الخطوة الروسية – قالوا أن روسيا أنقذت العالم من النازية و ها هي ستنقذه من الإرهاب !! . و لم استطع الحصول علي معلومات دقيقة بشأن الأسلحة الجديدة لكن هناك أخبار صحفية عن طائرات أسناد نفاثة و هليكوبتر – يقال 28 نفاثات – و دبابات تي – 90 و الأهم معدات الاتصالات و الرصد الحديثة. أي عدة كاملة لمواجهة تمردا واسع النطاق .

لكن لم تكن القوة العسكرية هي العنصر المفتقد لدي الأنظمة و أنما السياسية فها هو الجيش المصري و هو ضعف الجيش السوري علي الأقل مازال بعد سنتين لم يحسم المعركة مع الإرهاب المحلي بل دلائل كثيرة تشير لأنه يتوسع . فسياسة خارجية و داخلية ملائمة هي المفتقدة . صحيح أن قوة عسكرية مناسبة يمكنها أن تمنع الانهيار لكن إلي حين . و في الحالة السورية لا يمكن أن يكون الجنود الروس بديلا عن الجنود السوريين الذين نزحوا مع اللاجئين. فلا يوجد حلا تكنولوجيا لمأساة الإرهاب.

الإرهاب في بلادنا منتج شعبي يختلط فيه التهميش الاجتماعي و توقف التنمية مع سيادة أفكار و أنماط إنتاج شديدة التخلف بدعم مباشر من الأنظمة سواء محليا أو علي مستوي المنطقة ككل . فالإرهاب ليس صناعة أمريكية كما يحلو لكثيرين أن يقولوا . ربما شجع الأمريكان نمو تلك الأفكار و التوجهات الرجعية لأسباب معينة – مثل القاعدة و طلبان في أفغانستان لمواجهة السوفيات – لكنهم لم يصنعوا مثل هذه الظاهرة إلا من زاوية دورهم كعائق أمام التنمية و كدافع للتهميش الاجتماعي. علي كل حال فأن هذا المنتج الشعبي الإرهابي يلزم لمواجهته منتج شعبي أخر تحرري مستنير يلزم لمواجهته تعديل ميزان السلطة المائل بشدة لصالح الطبقات الحاكمة التي هي أصبحت أشبه بعصابات مافاوية كما يقول السوريين.يلزمه رؤية ثورية تقود الشعب عبر نضال قاسي وطويل لتعديل موازين القوي و الفكر و السلطة.
حسن خليل
26 سبتمبر 2015