ملاحظات عن الثورة


حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 4861 - 2015 / 7 / 9 - 04:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ملاحظات عن الثورة

أثيرت في الأيام الأخيرة قضية الثورة من الناحية النظرية خصوصا الماركسية كما من ناحية وضع "قانون" للثورة. أي منهجية فكرية يمكن من خلالها فهم الثورة . و كنت قد قدمت أسهاما من هذه الزاوية في مقال بعنوان الثورة اللامتماثلة . و هذه بعض الملاحظات الإضافية في هذا السياق .

1 – ثورة أم أنتفاضة : الخلاف الكبير الذي نشب بين كتاب كثيرين حول هل ثورة يناير ثورة أم انتفاضة هو في تقديري ليس له أهمية كبيرة فيمكن أطلاق أي أسم مثلا أنتفاضة ثورية الخ الأسماء الكثيرة التي ظهرت . لكن القضية تكمن في أن البعض يعتبر أن الثورة تؤدي لتغيير اجتماعي و تغيير نمط الإنتاج . و بهذا المعني لا نجد ثورة في التاريخ أبدا . فحتي الثورات البرجوازية حدثت في بلدان عرفت مسارا طويلا من التطور الرأسمالي. كما عرفت أنماطا إنتاجية أقل تطورا من الرأسمالي حتي بعد الثورة بعقود طويلة. ثم أن هذا المفهوم يعنى أنه لا توجد ثورة فاشلة . لأن الثورة حينما تفشل بالطبع لن يمكنها تغيير أي شيء.و علي العكس من ذلك تقدم لنا السياسة مفهوما قابلا للتطبيق فالثورة هي تغيير سياسي واسع و عميق تقوم به الجماهير الواسعة . قد يفتح هذا التغيير السياسي الباب لتغيير اجتماعي واسع أو لا .و أن كان التغيير السياسي الواسع عادة ما يصاحبه تغيير اجتماعي و أن ليس بالضرورة أنقلاب طبقي. من هذه الزاوية فأن من حقنا أن نسمي ثورة يناير ثورة و ثورات الربيع العربي كلها ثورات تباين حظها من النجاح و الفشل

2 – الثورة و العفوية : نقطة الأنطلاق لمعالجة هذه القضية هي أن الطبقات الشعبية مهما كان مستوي وعيها عاليا أو متدنيا هي عنصر – أو عناصر – مستقلة في مجال الصراع الطبقي . لذا فأن معرفة "مزاج" و ميول الطبقات الشعبية من أخطر قضايا الثورة علي الإطلاق. و هذا أمر لا يمكن معرفته سوي عبر الاتصال المباشر بهذه الطبقات و قادتها الطبيعيين. و مهما كان هناك حزبا ثوريا منظما فأن الجماهير لا تسير وراءه دون أرادتها الخاصة . فحتي بعد أنتصار الثورة الروسية لم يحصل البلاشفة علي الأغلبية في انتخابات الجمعية التشريعية التي جرت بعد الثورة مباشرة بل حصل عليها الاشتراكيين الثوريين – حزب فلاحي - . فكل ثورة هي ثورة عفوية حينما تشعر الملايين أنه لا يمكن الاستمرار هكذا و أن الوضع أصبح لا يطاق . و هذا الشعور العام من الصعب و النادر تحققه فالثورة تؤدي لاضطراب كبير جدا في حياة الناس . أما الحزب الثوري المنظم فدوره هو أن يكون مستعدا لقيادة الثورة سواء من زاوية البرامج أو الكوادر و الخبرة السياسية. و هذا الاستعداد يلزمه أن يناضل وسط صفوف الشعب سنوات طويلة . و حتي هنا تكون للمبادرة الجماهيرية أهمية كبيرة و المثل الكلاسيكي هو السوفييتات التي هي مبادرة جماهيرية في ثورة 1905 . و بالطبع فأن الحزب الثوري دوره أن يلتقط مثل هذه المبادرات و أن يفهمها و يشجعها . و في ثورة يناير قامت مبادرات شعبية كثيرة جدا حتي لو كانت صغيرة. لكن يجب التنبيه هنا إلي أن العلاقة المعقدة بين الحزب الثوري و الطبقات الشعبية ليست شيئا ميكانيكيا جامدا ففي روسيا مثلا كان البلاشفة أقلية صغيرة في ثورة 1917 الأولي و لم يتحولوا لقوة سياسية ذات شأن إلا في خلال شهور الثورة نفسها لكنهم كانوا يتمتعون بقادة عظام فكريا و سياسيا مسلحين بخبرة ثورة 1905 و تراث ثوري طويل يصل لقرن كامل. و لا يمكن أبدا التقليل من شأن هؤلاء المفكرين و دورهم الحاسم في الثورة.

3 – الثورة و أهدافها : الثورات عموما تنشأ بسبب دوافع أقتصادية – اجتماعية . حتي الثورة الفرنسية الكبري التي رفعت شعار حرية أخاء مساواة كان دافعها الرئيسي أقتصادي – أجتماعي . و ثورة يناير ربما علي عكس ما يتصور البعض لم تكن دوافعها الديمقراطية – و هو الأمر الذي تردده بالمناسبة أجهزة الإعلام الغربية لأهداف يمكن شرحها. ثورة يناير مثل أي ثورة كانت دوافعها أقتصادية . فقاعدة هذه الثورة من العمال و فقراء المدن هم من جعلها ممكنه. أما قيادة الثورة – و هي قيادة غير منظمة – فكانت أساسا من شباب ليبرالي في معظمه . و بسرعة أنفصل هذا الشباب عن قاعدة الثورة الاجتماعية. لأسباب طبقية و أيضا لأسباب متعلقة بعدم فهم العملية الثورية نفسها و دورها في التغيير السياسي و هو الأمر الذي سمح في نهاية المطاف بعزلهم بل حتي أصدار قانون منع التظاهر و اعتقالهم . فلم يدرك هؤلاء الشباب أن الثورة تعني السلطة السياسية فهي كما قلنا تغيير سياسي عميق . و أن هذه السلطة السياسية يجب أن تستخدم لتحقيق المصالح الاقتصادية لأوسع الجماهير . و في عام حكم الإخوان لم يدرك الإخوان أيضا هذه الحقيقة و اعتقدوا أن السلطة منحه أللهيه . قارن هذا مثلا بانقلاب جمال عبد الناصر الذي سارع بعد الانقلاب بأقل من شهرين بإصدار قانون الإصلاح الزراعي. و ربما يقال أن الإخوان لا يمثلون قوي الثورة و هو أمر صحيح بل هم من قوي الثورة المضادة . لكن الاستجابة لتحديات الثورة أمر ضروري – حتي و أن بشكل جزئي جدا – للبقاء في السلطة. و هذا أيضا ينطبق علي السيسي
حسن خليل
8 يوليو 2015