القاعدة الاجتماعية للإرهاب


حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 4624 - 2014 / 11 / 4 - 15:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

القاعدة الاجتماعية للإرهاب
الإرهاب (1)

لابد للإرهاب من قاعدة اجتماعية كي يتحول لمثل هذه الظاهرة واسعة الانتشار و الاستمرار. و لا تعني القاعدة الاجتماعية أن أعضائها هم صناع الظاهرة فمثلا حكم عبد الناصر كان يستند لقاعدة واسعة خصوصا من أغنياء الريف و الطبقة الوسطي المدينية و الطبقة الرأسمالية التقليدية (في أول عهده) رغم أن هؤلاء كانوا في نفس الوقت خاضعين لقمع نفس النظام و لا يشاركون بأي طريقة في صناعة توجهاته . و فكرة القاعدة الاجتماعية تستند إلي الاستفادة المادية . فأغنياء الريف و الطبقة الوسطي كانوا يستفيدون مباشرة من نظام عبد الناصر. و يبدو التناقض هنا بين ضرورة أن تكون هناك قاعدة اجتماعية للإرهاب و عدم وجود استفادة مادية مباشرة من الإرهاب لأي فئة اجتماعية.فلو صرفنا النظر عن فكرة القاعدة الاجتماعية -أو ما تسمي البيئة الحاضنة- يصبح وجود الإرهاب مستحيلا لكل هذه المدة و لو قلنا أن فئة ما هي القاعدة الاجتماعية لكان علينا أن نبرهن علي استفادة مادية مباشرة لها منه و هو أيضا مستحيل.

و بسبب هذا التناقض و لأسباب أخري يفترض البعض أن الإرهاب ظاهرة ثقافية . بمعني أن الإرهابيين هم كذلك لأنهم يتبنون أفكارا رجعية متخلفة و أن الواقع الاجتماعي ليس له شأن بظاهرة الإرهاب. و يدللون علي ذلك بوجود أعضاء من كل الطبقات الاجتماعية وسط الإرهابيين و كذلك كل المستويات التعليمية. و لكن هذا لا يحل التناقض لأن فورا سيظهر سؤال لما تبني هؤلاء هذه الأفكار الرجعية المتخلفة الآن ؟ خاصة و هي أفكار متداولة من مئات السنين . فمن مئات السنوات و الفكرة الخيالية عن دولة الخلافة الإسلامية – التي هي حقيقة عربية – التي كانت جنة الله علي الأرض . و فكرة أن المسلمين أمة واحدة و فكرة المهمة العالمية للإسلام و تفوقه المطلق إلخ جملة الأفكار الرجعية التي يتجمع حولها الإرهابيين. و أكثر من هذا أن هذه الأفكار نفسها تسود كل الأوساط الدينية الإسلامية تقريبا و لكن ليس كلها إرهابيا يتبني العنف الأهوج. ثم أن وجود أعضاء من كل الطبقات ضمن صفوف الإرهابيين يخفي أن هناك أغلبية من نوع معين كما أن له تفسيرا أخر . لكن في كل الحالات حينما نتكلم عن القاعدة الاجتماعية فنحن نتناول الأساس الاجتماعي و ليس الأعضاء .

حل هذا التناقض يكمن في أن الإرهاب قاعدته الاجتماعية هي التحلل الاجتماعي نفسه . ونقصد بالتحلل الاجتماعي وجود قطاعات واسعة من السكان أما لا تنتمي مباشرة للعملية الإنتاجية في بلدها عبر الهجرة المؤقتة أو لا تنتمي بشكل كامل للعملية الإنتاجية في بلدها أو ما نعرفه بالتهميش .فتوقف التنمية و ظهور الدولة الاستبدادية الفاسدة أدي لطرد قطاع واسع من السكان من كل علاقة إنتاجية كليا أو جزئيا . هذه "الطبقة" أو "الفئة" الاجتماعية يشكل العودة للارتباط بالعملية الإنتاجية أهم شرط لاستعادة وجودها الاجتماعي و قدرتها علي مواصلة الحياة طالما أن وسائل الإنتاج محتكره من قبل الطبقة المهيمنة. و لذا تشكل هذه الطبقة مجالا حيويا لانتشار الأفكار شديدة الرجعية ذات الطابع الفاشي للمجموعات الإرهابية. و يجب أن نلاحظ هنا أن هؤلاء المهمشين يمتدون من أفقر الطبقات إلي الطبقة الوسطي. و شكل ظهور داعش أول مشروع "سياسي" لبناء دولة جديدة تتبني تلك الأفكار فدولة طالبان رغم أنها دولة تبنت أيضا نفس الأفكار إلا أنها كانت نفس دولة أفغانستان . و بينهما لم تنجح أي من الحركات الإرهابية في بناء مشروعا مثل مشروع داعش. لذا فقد كان ظهور داعش مناسبة لظهور ما يمكن تسميته "مد إرهابي" واسع النطاق. و تلك القاعدة الاجتماعية يهمها أن تطلق غضبها أكثر من المحتوي الفكري لداعش و هذا ما يفسر قدرة داعش علي جذب مقاتلين من أطراف العالم كله.

و ظاهرة التهميش قائمة منذ الرأسمالية . فالرأسمالية تعمل علي تحطيم الاقتصاد الطبيعي القائم قبلها كي يتحول الحرفيين و الفلاحين لجيش الطبقة العاملة الحديثة مع وجود طبقة مهمشة يتم استبعادها بشكل شبه كامل من العملية الإنتاجية و حتي الحياة.و عقب الحرب العالمية الثانية تصاعد التوظيف في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة مع نمو واسع عقب تدمير الحرب و كذلك في دول التحرر الوطني و بناء الدول الوطنية. لكن منذ السبعينات ظهرت الأزمة الرأسمالية العالمية الدورية لكنها هذه المرة أقترن فيها الركود بالتضخم.و بدأ هجوم إمبريالي رجعي واسع النطاق علي الطبقات العاملة في العالم . بدء من حملة الإقراض الواسع التي أدت لاحقا لإفلاس الدول الوطنية – في مصر حدث هذا في 87 – و من ثم أكراه هذه الدول علي سياسات التكييف الهيكلي التي يدفعها صندوق النقد الدولي و البنك الدولي ثم اتفاقية التجارة الحرة. و هذه السياسات ترتكز إلي 3 عناصر حرية حركة رؤوس الأموال عالميا . الخصخصة و خفض العجز في الموازنة باختصار أنسحاب الدولة من التنمية الصناعية و الزراعية بشكل كامل . هذه العملية أدت لتهميش واسع و طرد جيوش من العمال من أعمالهم و أجبار جيوش أخري علي النزوح من الريف للمدينة. و في نفس الوقت فأن علاقة الولايات المتحدة مع الإسلام السياسي علاقة قديمة لكنها أخذت بعدا جديدا منذ أحتلال الاتحاد السوفييتي لأفغانستان . و كان اليمين الديني الرجعي جاهزا لهذه العلاقة الجديدة مع دول مثل باكستان و السعودية و مصر. و هكذا تكون الخليط المتفجر ملايين المهمشين الغاضبين و مرتكز رجعي فاشي في شكل القاعدة و توابعها النصرة و أنصار بيت المقدس و أخيرا داعش. فالإمبريالية و خصوصا الأمريكية خلقت بهذا المعني داعش سواء علي مستوي خلق طبقة المهمشين أو علي مستوي تشجيع البؤر الإرهابية. و عقب الربيع العربي و انفجار الغضب الشعبي ضد الاستبداد و الفقر و كنتيجة لتشجيع الدول الإقليمية – قطر و تركيا و السعودية الخ – و الولايات المتحدة كان من اليسير علي داعش و اشباهها أن تستغل غضب المهمشين

لأن الإرهاب له قاعدة اجتماعية واسعة جدا مثل الفئات المهمشة و لأنه يستخدم و يستخدم من قوي إقليمية و عالمية فأن الإرهاب سيتواصل لسنوات قادمة و الأمر يعتمد هنا علي مستوي التنمية و التنوير كما يعتمد أيضا علي قدرة قوي اليسار و التقدم علي استقطاب غضب المهمشين للطريق الثوري الشعبي بدلا من الطريق الفاشي التدميري

4 نوفمبر 2014
حسن خليل