قضيتنا واوضاعنا الفلسطينية الراهنة هل هي في أزمة أم مأزق ؟


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 4809 - 2015 / 5 / 17 - 12:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


حين يكون هناك يسار عصي على ممارسة النقد الذاتي ، وفي ذات الوقت لا يمل الحديث اللفظي طبعا عن ضرورة المراجعة ، كيف لهذا اليسار ان يعترف بالخطأ، وبمسؤوليته عن الخطأ ، بل كيف يقوم باصلاح الخطأ ؟ بل ان السؤال الجارح كيف بامكان اليسار هذا ان يمارس الصح ان لم يقبض على رأس الخطأ ؟ انه لا يدرك ان قضيتنا واوضاعنا وحركتنا الوطنية بكل مسمياتها تعيش مأزقا خانقا يتطلب من كل وطني مخلص اعادة النظر في كافة البرامج والرؤى السابقة التى اوصلتنا الى هذا المأزق الذي يعني بصراحة شديدة وصولنا الى حالة قصوى من العطب في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية وفكرها السياسي، فالمأزق حالة عطب أو فشل أوهزيمة حادة أعلى من الحالة التي يعبر عنها مفهوم الأزمة.
في الأزمة خلل يقبل تصحيحاً أو تداركاً، وحتى إن فشل التصحيح، قد تعيد الأزمة إنتاج نفسها. وهذا مما ليس ينطبق على المأزق التي يعني الانسداد الذي لا يقبل تصويباً إلا بالخروج الكلي عن المسار الذي خيض فيه وقاده في المطاف الأخير الى المأزق.وبالتالي حين يصل فكر ما إلى مأزق، فإن العَوْدَ عنه لا يكون بغير تغيير المقدمات والمنطلقات التي أفضت به الى ذلك المأزق، ولا سبيل الى خروج الفكر السياسي من انسداد طريقه او من مأزقه غير خروجه من ذات الطريق التي أخذته الى النهاية المقفلة، وعدم نفع عودته عن المقدمات ذاتها التي أسست لذلك المسار المسدود ....فالفكر السياسي الفلسطيني تعرض منذ ما قبل اوسلو لمظاهر متنوعة من الازمات وصولا الى الازمة الأكبر ، وأعني بها اتفاق اوسلو التي راكمت مزيدا من الازمات أودت بشعبنا وقواه السياسية والمجتمعية الى المأزق الحاد الراهن ، الذي لا يبدو اننا- كقوى سياسية – نستطيع الخروج منه بعد ان تلاشت فكرة الدولة المستقلة كاملة السيادة ، وبعد ان بات المقرر الخارجي : الامريكي والصهيوني والعربي الرسمي والاقليمي والدولي متحكما رئيسيا في حاضرنا ومستقبلنا المنظور .
والمأزق هذا هو مأزق المشروع الوطني الفلسطيني نفسه: المشروع الذي بدأ قبل اكثر من خمسين عاماً على الأقل كمشروع تحرير لوطن اغتصب، وتراجع أو تقزم عند مشروع سلطة حكم ذاتي محدود في اطار اوهام حل الدولتين ! ولسنا نحتاج الى كبير شرح لبيان أن موطن المعضلة في هذا المأزق هي فكرة الدولة التي تحولت الى مقدمة فكرية سياسية جديدة، في الوعي السياسي الفلسطيني، بديلاً من فكرة الوطن! ..ثم تحولت الفكرة او تقزمت الى سلطة سرعان ما فسدت وهبطت وخيبت الامال...فانفجر الصراع عليها وصولا الى لحظة الانقسام حزيران 2007 حيث مسخت فكرة المشروع الوطني لتصبح صراعا على السلطة والمصالح بين فتح وحماس، وتم تغييب فكرة الوطن وأسدل الستار على فكرة الدولة بعد انقسام السلطة...كما تم تفكيك وانقسام مفهوم الهوية الوطنية الى هويتين متضادتين وطنية هابطة يقابلها هوية اسلاموية تدعو للخلافة لا مستقبل لها.... وبات لدينا اليوم مجتمع في غزة وآخر في الضفة وآخر في مخيمات المنافي وآخر في اراضي 48 !!!وضاعت الافكار التوحيدية الجامعة لشعبنا لحساب الصراع بين قطبي الانقسام في ظل احباط ويأس وانفضاض قطاعات واسعة من شعبنا عن النضال الوطني لحساب لقمة العيش والقضايا المطلبية الصغيرة ( البحث عن عمل في الداخل او الهجرة رغم مخاطر الموت الى الخارج والبحث الكرامة والحرية بعد ان سيطر شبح الخوف والاستبداد الداخلى في غزة والضفة ، والبحث عن جرة الغاز والكهرباء والمياه الصالحة للشرب...الخ ) وللخروج من هذا المأزق البشع لا بد ان نجيب على سؤال لماذا هزمنا في كل المحطات.........؟ وبوضوح الاجابة - مهما كانت مؤلمة - يمكننا بالتأكيد صياغة رؤى استراتيجية وبرامج راهنة وارادات طليعية وشعبية تتصدى للانقسام وتستعيد الوحدة الوطنية التعددية على اساس ثوابتنا الوطنية الكفيلة باستعادة وحدة شعبنا في الضفة وغزة والشتات و48 واستعادة النظام السياسي الوطني الديمقراطي الفلسطيني الذي يكفل توفير عوامل الصمود والمقاومة وفق رؤية التحرر الوطني والديمقراطي .