بمناسبة يوم مولدي الثامن والسبعين - يوم بطعم الخيمة والخيبة...ويقين بميلاد الآمال الكبيرة من رحم الآلام العظيمة......


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 7900 - 2024 / 2 / 27 - 15:46
المحور: سيرة ذاتية     

غازي الصوراني _ بمناسبة يوم مولدي الثامن والسبعين.......
يوم بطعم الخيمة والخيبة...ويقين بميلاد الآمال الكبيرة من رحم الآلام العظيمة......

وصلت الثامنة والسبعين تحت القصف الهمجي المتواصل.. وصلت من بيتي الصغير في غزّة عبر مشوار مرير وقاسي من الصعب على اللغة أن تسعفني في وصف ما حدث وما يحدث معنا ، من غزّة إلى خانيونس، ثم من خانيونس إلى رفح، ومنها إلى الخيمة ومن الخيمة إلى المجهول!!!!!!
غزة نتيجة للقصف الهمجي الذي أدى إلى استشهاد أكثر من ثلاثين ألفا وجرح ما يزيد عن سبعين ألفاً ودمار اكثر من 60% من بيوتها ومدارسها ومستشفياتها أصبحت مقبرة موحشة بلا قبور....لا مياه ولا كهرباء ولا مستشفيات ولا مأوى يحمى من المطر والبرد.. لكننا صامدون.. إلا أننا لا نعرف هل سنعيش أو نموت اليوم او غداً.......
وصلت الثامنة والسبعين من العمر .. ووصلت الخيمة في مواصي رفح، بعد رحلة نزوح مُضنيه لم أكن أتخيلها في أسوأ كوابيس حياتي، استيقظت فجر 13/أكتوبر/2023 على النبأ الكابوس، كنت وزوجتي شريكة عمري أم جمال والأولاد والأحفاد، كما الآلاف من أبناء شعبنا مضطرين تحت القصف وتهديدات سرعة الاخلاء إلى النزوح نحو الجنوب! تركنا البيت في لحظات ارباك، ورعب، وذهول، وصمت، وصوت قصف يكسر ذهولنا ، ويكسر الظهر، والقلب!
وصلت الثامنة والسبعين .. ووصلت خانيونس، وصلت رفح، ثم وصلنا الخيمة التي كتب عنها غسان كنفاني خيمة عن خيمة بتفرق!
وبعد سنين العمر التي فيها ناضلت، وحلمت كما كل أبناء جيلي بفلسطين حرة عربية مستقلة ، أقول خيبه عن خيبه بتفرق! ، ما يحدث معنا اليوم في قطاع غزّة يتعدى حدود الخيبه وحدود النكسه، هي نكبة ثانية، ثلاثية الابعاد ، بكل الأبعاد،السياسية والوطنية والاقتصادية والمعيشية، نكبة أشد وأقسى من نكبة 1948 ، تغريبة فلسطينية جديدة غريبة الملامح والأطوار ، من كثافة النيران وهول القصف والدمار والموت في أي لحظة حتى فحش وغلاء الأسعار!
وصلت الثامنة والسبعين وكانت لا تستوقفني عبارة كل عام وأنت بخير ، الآن تستوقفني كثيراً، فهنا في غزّة في كل دقيقة نحن نجتهد في البحث عن الخير، وعن الأمان وعن الاطمئنان على بعضنا في ذات المكان وسط بقعة من الدم يأكل فيها الناس كل شيء عدا الأكل، يطبخون كل شيء عدا الطبيخ، هنا من السخف أن يسألك صديق عن حالك لأن من السخف أن تقول له أنك بخير، ليس لأننا لسنا بخير، بل لأننا فقط مازلنا أحياء! في عالم مزيف ، لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم عن مجاعة يجوع فيها الجوع، وحرب طاحنة على الأرض وعلى الطحين، وبذخ وإسراف في الموت!
وصلت بعد ثمانية وسبعين عاماً من العمر، ومازالت أحلامي وآمالي بَعد لم تصل .. لكنني مقتنع بقوة أن الآمال الكبيرة تولد من قلب الآلام العظيمة....

*غازي الصوراني*
*28/فبراير/1946*
*28/فبراير/2024*

*فلسطين/غزّة/خانيونس/رفح/الخيمة/المجهول!*