العولمة وتأثيرها على الوضع الدولي والعربي


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 7932 - 2024 / 3 / 30 - 23:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ندوة بعنوان: "العولمة وتأثيرها على الوضع الدولي والعربي"، وذلك بتنظيم من تجمع حكماء فلسطين بمدينة غزة
تحدث المفكر الصوراني بداية عن تعريف العولمة وترجمتها بالإنجليزية، وقال إنها تعنيGlobalization" وهي مشتقة من Globe بمعنى الكرة، والمقصود بها هنا الكرة الأرضية".
وأضاف: "أما المقصود بالعولمة فهو التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو انتماء إلى وطن محدد أو لدولة معينة"
وقال الصوراني: "في ضوء ما تقدم، يمكن القول إن العولمة تعني أن الإنسانية عموماً انتقلت في المرحلة الراهنة، عبر عملية معقدة ومركبة، صوب صياغة مجتمع عالمي جديد، تحت تأثير الثورة الكونية"، مؤكداً أن "هذه الثورة التي جعلت العلم – لأول مرة في تاريخ البشرية – قوة أساسية من قوى الإنتاج، تضاف إلى الأرض ورأس المال والعمل".
وتابع: العالم اليوم أصبح يمتلك ملامح جديدة، أبرزها أنه يقوم أساساً على إنتاج المعلومات وتداولها من خلال آلية غير مسبوقة هي الحاسب الآلي وتكنولوجيا الاتصالات، هذا هو الأساس في إطلاق اسم "مجتمع المعلومات" على هذا الكوكب منذ نهاية القرن العشرين.
وقال إنه "لم يعد ثمة خلاف على أن المتغيرات العالمية، النوعية المتدفقة، التي ميزت العقدين الأخيرين من القرن العشرين، في السياسة والاقتصاد والتطور العلمي، شكلت في مجملها واقعاً تاريخياً معاصراً ورئيسياً وضع كوكبنا الأرضي على عتبة مرحلة جديدة، عنوانها العولمة في القرن الحادي والعشرين، لم يعهدها من قبل، ولم يتنبأ بمعطياتها ووتائرها المتسـارعة أشد الساسة والمفكرين استشرافا أو تشاؤماً وأقربهم إلى صناع القرار، خاصة ذلك الانهيار المريع في كل من المنظومة الاشتراكية العالمية".
وأضاف المفكر الصوراني أن "مصطلح العولمة الأحادية الامبريالية، يفترض تحقيق وتكريس عملية التكامل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والسياسي على مستوى العالم، وهو أمر لم يتحقق حتى اللحظة على المستوى الدولي في ارجاء الكوكب، حيث استمرت أوضاع التمايز في بلدان العالم عموما والبلدان الصناعية في المركز الرأسمالي خصوصاً على حالها من ناحية استمرار الحرص على دور وفعالية الاقتصاد القطري المرتبط بهذه الدولة او تلك، وقطاعها الرأسمالي الخاص (الأمريكي /الألماني/ الفرنسي /الإنجليزي / الصيني/ الروسي ...الخ) دون أن تتبلور عملية التحول الى الاقتصاد العالمي، بل استمرت المنافسة بين الدول الرأسمالية في المراكز- بصورة أساسية – من اجل توسيع احتكاراتها سواء بالنسبة لتصدير بضائعها او بالنسبة لاستغلال شعوب العالم الفقيرة.
وهنا أشار الصوراني إلى أوضاع التبعية والخضوع السائدة في العالم الثالث بقوله ،إننا ندرك أن انتشار العولمة لم يكن بسبب المخططات الامبريالية للسيطرة على الشعوب الفقيرة، وكذلك أيضاً لم يكن السبب ارتباطاً بالتقدم الهائل في المعلومات والمواصلات فحسب، بل إن السبب الرئيسي لذلك التغول الامبريالي المعولم يعود بالدرجة الأساسية إلى ضعف وتبعية وخضوع أنظمة البلدان الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية مما مهد الطريق لكي تفرض العولمة الامبريالية مشروعها بالقوة العسكرية إلى جانب الوسائل الإعلامية والقروض والضغوط المالية الأخرى صوب المزيد من استغلال الشعوب في ظل دكتاتورية السوق والعولمة".
ثم تحدث المفكر الصوراني عن تطور مفهوم العولمة وآثاره الضارة، وقال: في سياق هذا التحول المادي الهائل الذي انتشر تأثيره في كافة أرجاء كوكبنا الأرضي بعد أن تحررت الرأسمالية العالمية من كل قيود التوسع اللامحدود، كان لابد من تطوير وإنتاج النظم المعرفية، السياسية والاقتصادية التي تبرر وتعزز هذا النظام العالمي الأحادي في ظل حالة من القبول أو التكييف السلبي، شجعت على تطبيق شروط العولمة، إضافة إلى هذا المناخ العام المهزوم أو المنكسر في بلدان العالم الثالث أو الأطراف، الذي أصبح جاهزاً للاستقبال والامتثال للمعطيات السياسية والاقتصادية، الفكرية والمادية الجديدة عبر أوضاع مأزومة لأنظمة محكومة للشرائح العليا من التحالف البيروقراطي الكومبرادوري من ناحية، أو لهذه الشرائح أيضاً بالتحالف مع رموز التخلف القبلي أو العشائري كما في مشيخات الخليج والسعودية".
وأشار الصوراني إلى التداعيات الاقتصادية الاجتماعية للنظام الرأسمالي بين المركز والأطراف، وقال إن العمال والفئات الكادحة والمهمشون هم الضحايا الاكثر تضررا من النظام الرأسمالي، في دول الأطراف أو المحيط خصوصاً.
وتابع: كما ان المهمة الرئيسية التي تم تحديدها لمجتمع الاستخبارات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تتمثل في المساعدة على نشر مبادئ العولمة والإطاحة بمعارضيها والتبشير بها وتعزيز مصالح الولايات المتحدة.
وقال إن ازدياد التفاوت كان له تأثير على البنى الطبقية ومكاسب وخسائر الطبقات المختلفة في الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة، متابعاً: "فكان هناك صعود نخبة رأسمالية ومالية أو بلوتوقراطية جديدة، حيث إن 1٪ في الولايات المتحدة تأخذ أكثر من 20٪ من الدخل، والرؤساء التنفيذيين الأميركيين يكسبون 200 ضعف متوسط الأجر في الولايات المتحدة".
وشدد الصوراني على أن "التفاوت في توزيع الثروات قاسم مشترك الان في جميع الشعوب التي تتبنى دولها هذا النمط المغلف للرأسمالية الانجلوأمريكية، فكل دولة من هذه الدول لديها طبقة الواحد بالمائة".
وتابع بقوله: اليوم يعيش أكثر من 780 مليون شخص تحت خط الفقر الدولي، 11٪ منهم يعيشون في فقر مدقع ويكافحون من أجل تلبية أدنى الاحتياجات الأساسية كالصحة والتعليم والمياه والصرف الصحي، وأكثر من 160 مليون طفل معرضون لخطر الاستمرار في العيش في فقر مدقع بحلول عام 2030.
ووفق الصوراني فإن الإحصائيات تبين بأنه لا يزل 783 مليون شخص يعيشون تحت خط الفقر الدولي المحدد بـ1.9 دولارا يوميا، فيما تنتمي الغالبية العظمى ممن يعيشون تحت خط الفقر إلى منطقتين: جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى والدول العربية غير النفطية، حيث تنشر البطالة وتسوء التغذية وتكثر الامراض والاوبئة رغم التقدم العلمي والاكتشافات الطبية الكبيرة ذلك ان هذه الاكتشافات لا تستخدم لخدمة الانسانية بل لمراكمة ارباح مخابر وشركات الادوية.
وأشار إلى أن ثروة ثلاثة من أغنى أغنياء العالم، تبلغ ما يعادل الناتج المحلي لأفقر 48 دولة في العالم، كما أن ثروة 200 من أغنى أغنياء العالم تتجاوز نسبتها دخل 41% من سكان العالم مجتمعين. وتوضح الدراسات أنهم لو ساهموا بـ 1% من هذه الثروات لغطت تكلفة الدراسة الابتدائية لكل الأطفال في العالم النامي.
وتابع: بينما يموت 35 ألف طفل يوميا بسبب الجوع طفل يوميا بسبب الجوع والمرض، ويقضي خمس سكان البلدان النامية بقية اليوم وهم يتضورون جوعا، تقل المساعدات المخصصة للدول الفقيرة عن طريق منظمة الأمم المتحدة عما تنفقه تسعة من البلدان المتقدمة على غذاء القطط والكلاب في ستة أيام فقط.
وفي حديثه عن "العولمة والمشهد الدولي"، قال الصوراني إن هناك مقاييس أو مؤشرات حول ترابط العولمة الراهنة، مشيراً إلى أن هناك مؤشراً عالمياً من 100 درجة، حسب د. وليد عبد الحي، ويتم تطبيقه على دول العالم، لمعرفة مدى الروابط الدولية مع العولمة بالنسبة إلى دول العالم حالياً، فالدول الحاصلة على 90 درجة فما فوق، تعتبر دولة معولمة، مثال سنغافورة (اقتصادها وثقافتها وتطورها معولمة بالكامل)، وهناك أكثر من 32 دولة تندرج في الجدول من 80 – 90 درجة، وهناك 66 دولة من 60 درجة إلى 80 درجة، أما عدد الدول بين 60 درجة إلى 75 درجة فهي 14 دولة، وهناك 11 دولة أقل من 50 درجة، وكل ذلك حسب د. وليد عبد الحي الذي يشير أيضاً إلى أن 4-5 مليار نسمة في الكوكب مرتبطين بالإنترنت، وأن هناك حوالي 60 ألف شركة متعددة الجنسيات تملك نصف مليون فرع لشركتها، تسيطر على حوالي 42% من حجم التجارة الدولية (حوالي 11.5 تريليون -$-) وتستحوذ على 40% من الناتج العالمي.
وبالتالي يؤكد الصوراني: "من منطلق التحريض ومواصلة النضال، التحرري والاجتماعي الطبقي، أن الدول المتخلفة والتابعة (بما في ذلك بلداننا العربية) فقدت اليوم –عبر أنظمة الخضوع والتبعية الكومبرادورية- إرادتها الذاتية وسيادتها ووعيها الوطني، وكان استسلام معظم هذه الدول أو رضوخها لقواعد ومنطق القوة الأمريكية والتطبيع والاعتراف بدولة العدو الصهيوني، مسوغاً ومبرراً "لشرعية" هذه القواعد من جهة، والصمت المطبق على ممارساتها العدوانية في كثير من بقاع العالم، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة من جهة أخرى، بهدف وحيد هو: الاستيلاء على فائض القيمة للشعوب".واستدرك أنه "على الرغم من كل ما تقدم حول سيطرة الأحادية الامبريالية الأمريكية – حتى اللحظة إلا أن أزمة الرأسمالية المعاصرة وتفاقمها ستؤدي إلى مزيد من النزاعات الفاشية كما يقول د. سمير أمين: ليس من قبيل المصادفة الحديث عن عودة الفاشية في المشهد السياسي وأزمة الرأسمالية المعاصرة؛ حيث تمثل الفاشية استجابة سياسية معينة للتحديات التي قد تواجه إدارة المجتمع الرأسمالي في ظروف محددة".
وتابع: "لا شك أن الخطر الفاشي يبدو اليوم كما لو أنه لا يشكل خطرا على النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة وأوروبا.
وحول أوضاع الفقر في الدول العربية، أشار المفكر الصوراني إن حوالي 40% من عدد السكان في الدول العربية (البالغ عددهم 441 مليون نسمة عام 2021) يعيشون تحت خط الفقر الدولي المقدر بحوالي 2.75 دولار أمريكـي فـي اليـوم باستخدام الـدولار المعـادل القـوة الشرائية.
وأضاف المفكر الصوراني قائلا : كما تقدر العديد من المصادر أن حوالي ثلتي عدد السكان يعتبرون فـي حالـة فقر أو معرضين للفقر بينما 15% من الفقراء يعانون من الفقر المدقع، حيث تم تسجيل أعلى مستويات للفقر في موريتانيا بنسبة 89.1%، والسودان بنسبة 73.5% واليمن بنسبة 69.1%، وسجلت أعلى نسب الفقر المدقع في فلسطين بحوالي 30% وفي موريتانيا بنسبة 51.6%، وفي السودان بنسبة 49.9%، واليمن بنسبة 30.6%.
ويقدر إجمالي القوى العاملة في الوطن العربي عام 2021 بحوالي (136.5) مليون عامل، ونسبة العاطلين عن العمل منهم حوالي 11.3% أو ما يعادل 15.4 مليون عامل X معدل الاعالة 4 أفراد للأسرة= 61.6 مليون نسمة، منهم 18.6 مليون نسمة يعيشون ضمن الفقر المدقع أقل من 1.9 دولار في اليوم.
وحسب تقرير لجنة الأمم المتحدة (الأسكوا) يقول الصوراني: إن عدد الفقراء في بلدان الوطن العربي عام 2022 بلغ 130 مليون شخص أكثر من 90% منه داخل البلدان العربية غير النفطية (الصومال تبلغ نسبة الفقر 73% من مجموع السكان، واليمن 48.6%، والسودان 48.5%، مصر 32.5%، فلسطين 29%، لبنان 27.4%، المغرب 20%، العراق 18.9%، الأردن 15.7%، تونس 15.2%) .
وتابع الصوراني: أما الدين العام في البلدان العربية (حسب الاسكوا) فقد وصل إلى مستويات تاريخية بلغت 1.4 تريليون دولار أكثر من نصفها يقع على البلدان العربية الفقيرة.
كما أشار المحاضر إلى الآثار الاقتصادية للعولمة على الوضع العرب، مشيراً إلى استمرار تراجع القطاع الصناعي في مجمل الصناعات التحويلية العربية بسبب هيمنة الاسواق الرأسمالية على الأسواق العربية، رغم الامكانات العربية المتوفرة للتطور الصناعي، لكن الكومبرادور العربي لا يجد مصالحه سوى في استمرار خضوعه وعمالته للنظام الرأسمالي العالمي.
في هذا السياق أشار الصوراني إلى تراجع مساهمة قطاع الزراعة في الناتج العربي عام 2021 إلى 5.8% حسب التقرير الاقتصادي العربي، وهذا يعني استمرار تراكم عوامل العجز في توفير مقومات الاكتفاء الذاتي الغذائي العربي، فيما تزايدت الفجوة الغذائية العربية من 29 مليار دولار عام 2010 إلى 33.6 مليار دولار عام 2019.
كما لفت إلى التدني الشديد في معدلات الاكتفاء الذاتي العربي حيث انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي – حسب التقرير الاقتصادي 2021- من الحبوب الى 37 % والسكر المكرر الى 45% والزيوت النباتية الى 51% بالإضافة إلى العجز في اللحوم 23.5% والبقوليات 35% والأرز 38% رغم وجود مساحات هائلة من الأراضي الصالحة للزراعة في السودان والجزائر والعراق مازلت دون أي اهتمام اقتصادي أو تنموي، فقد بلغت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة والمتروكة دون استغلال عام 2019 حوالي 197 مليون هكتار في حين قدرت المساحة المستغلة بنحو 75 مليون هكتار أي بنسبة 38.1%من مساحة الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة ما يعني ان المناطق الريفية في جميع البلدان العربية من المناطق الأكثر إهمالاً.
وهنا تحدث الصوراني عن المياه في الوطن العربي، وقال إن الوطن العربي هو الأفقر في المياه، بالمقارنة مع دول العالم الأخرى إذ يبلغ المعدل السنوي لنصيب الفرد من المياه حوالي 814 متر مكعب سنوياً بالمقارنة مع 7 آلاف متر مكعب للفرد على المستوى العالمي .
وأشار إلى الصورة المستقبلية، وقال فهي أشد حدة إذ يقدر أن ينخفض معدل نصيب الفرد السنوي إلى 400 متر مكعب ( بدلاً من 814 م3 حالياً ) وستصبح (13) دولة تحت خط الفقر المائي.
وأكد الصوراني تزايد مظاهر التخلف التي كرست القطعية مع مفهوم "الاستثمار في رأس المال البشري" فلا تعليم جامعي وفق منهجية علمية معاصرة تسعى الى امتلاك علوم التكنولوجيا الحديثة وفق الرؤى العقلانية الديمقراطية، ولا كفاءة في التخطيط والهندسة والإدارة لدى قوة العمل العربية التي ظلت متخلفة.
ثم تناول الصوراني في حديثه ضعف وهشاشة مخصصات البحث العلمي التي لا تزيد عن نصف بالمائة او ما يعادل 12 مليار دولار من أصل اجمالي الناتج المحلي العربي لعام 2020، البالغ 2.4 تريليون دولار، في حين أن هذه النسبة تزيد في دولة العدو الصهيوني عن 3% او ما يعادل 11.1 مليار دولار من الناتج الإجمالي الإسرائيلي الذي يقدر بحوالي 380 مليار دولار في نهاية 2021.
كما أشار إلى انخفاض –وهشاشة- حجم التجارة البينية العربية بحيث لم تتجاوز نسبة 8.3% طوال الأعوام السابقة، وهذا يعني دليلاً فاضحاً على حجم سيطرة الكومبرادور العربي على الاقتصاد العربي! (في هذا الجانب نشير إلى أن حجم التجارة البينية في الاتحاد الأوروبي وصل إلى 85% من إجمالي التجارة الأوروبية).
ولفت الصوراني إلى تزايد الفجوة في متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي العربي، حيث يبلغ متوسط دخل الفرد (حسب التقرير الاقتصادي العربي الصادر عام 2021) حوالي 58634 دولار، أما على مستوى الدخل للفرد في كل بلد عربي، فهناك فجوه هائلة بين هذه المستويات، حيث يبلغ دخل الفرد رغم انخفاض اسعار النفط عالمياً، 53250-$- سنويا في قطر والإمارات 40900 -$- وفي الكويت 22838 -$- والبحرين 23560 -$- والسعودية 21050-$- وعُمان 14750 -$- وليبيا بسبب تفكك النظام، 2266 -$- فقط (كان 9600 -$- عام 2012)، والاردن 4050 -$- والجزائر 3505-$- وتونس 3401 -$- واليمن 681-$- ثم لبنان 2744 -$- في حين بلغ في فلسطين أقل من 2000 دولار في قطاع غزة و3000 -$- في الضفة الغربية وفي مصر 3606 -$- وفي السودان 869 -$- ما يعني اتساع الفقر والفقر المدقع في العديد من البدان غير النفطية العربية.
وفي حديثه عن العولمة والصهيونية تاريخياً، قال الصوراني إنه "لم يكن ممكناً للحركة الصهيونية ان تتبلور وتتحقق أي من أهدافها لولا تأييد ودعم النظام الاستعماري الرأسمالي، لكي يضمن مصالحه الاستراتيجية والاقتصادية في الوطن العربي، ومع بداية ظهور العولمة الأحادية الامبريالية نهاية القرن الماضي، قدمت الامبريالية الامريكية مزيداً من الدعم العسكري للكيان الصهيوني".
وأشار إلى أنه "مع تطور النظام الرأسمالي إلى حالة العولمة الامبريالية الأحادية منذ تسعينات القرن الماضي على أثر انهيار الاتحاد السوفياتي، باتت الحاجة لعملية التفاعل العضوي والمصلحي المباشر بين الامبريالية والصهيونية في العولمة الراهنة، بحيث أصبحت الدولة الصهيونية شريكاً للإمبريالية، وتحولت إلى حالة امبريالية صغرى في الوطن العربي".
واستدرك الصوراني: لكن هذا الاندماج الصهيوني في إطار العولمة الامبريالية هو – بكل موضوعية- حالة مؤقتة- لن تؤدي بدولة العدو الإسرائيلية إلى أن تصبح جزءاً من يشبح المنطقة العربية، فهي في كل الأحوال دولة وظيفية تم تأسيسها في خدمة النظام الاستعماري والامبريالي الذي قدم لها كل وسائل الدعم والتطور.
وشدد على أن مجابهة التحالف الأمريكي الصهيوني في بلادنا، وتحقيق الاستقلال الكامل وإلغاء كافة مظاهر التبعية بكل أشكالها السياسية والاقتصادية في كل البلدان العربية هو شرط رئيسي لاستمرار وضمان استنهاض وتطور مجتمعاتنا على طريق الوحدة التدرجية المنشودة صوب تحقيق الهدف العظيم في إقامة المجتمع الاشتراكي الديمقراطي لكل أبناء هذا الوطن وفق أسس المواطنة والعلمانية وحق تقرير المصير.
وأضاف: لذا يجب الانطلاق من رؤية إستراتيجية تقوم على أن الدولة الصهيونية هي جزء من المشروع الإمبريالي، وليست كما يزعم البعض أنها "وجدت لتبقى" أو أنها "دولة اليهود" أو "أرضاً للميعاد"، فهذه كلها كذبة كبرى استخدمت غطاء لأهداف النظام الرأسمالي.
وأشار المفكر الصوراني إلى أن التحدي الكبير الذي يواجه شعوب أمتنا العربية اليوم يجب أن يبدأ بعملية تغيير سياسي جذري ديمقراطي من منطلق الصراع الطبقي ضد أنظمة التبعية والتطبيع والاستبداد والاستغلال والفساد التي تحكمها، وذلك انطلاقاً من وعينا بأن هذه الأنظمة شكلت الأساس الرئيسي في تزايد واتساع الهيمنة الإمبريالية على مقدرات وثروات شعوبنا العربية، كما شكلت الأساس الرئيسي لتزايد واتساع عنصرية وصلف وهمجية "دولة" العدو الإسرائيلي.
وأكد بأن اللحظة الراهنة من المشهد العربي، وعلى الرغم من تفاقم مظاهر الانحطاط والتبعية، تؤكد على أن العولمة الإمبريالية الأمريكية وصنيعتها وحليفتها الحركة الصهيونية و "إسرائيل"، لم تنجحا في نزع إرادة شعوب الوطن العربي، في مسارها وتطور حركة جماهيرها الشعبية وتطلعها نحو التحرر والديمقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية، وبالتالي فإن هذه اللحظة تمثل المشهد الآخر –النقيض- الذي يقول أن المطلوب أمريكياً إسرائيلياً لم ولن يمتلك صفة الديمومة والاستمرار، لأنه لن يستطيع –مهما تبدت مظاهر الخلل في موازين القوة الراهنة- ترويض و إخضاع شعوب هذه الأمة.
وفي حديثه عن العولمة وتأثير تطور التكنولوجيا والكومبيوتر والذكاء الاصطناعي، أشار الصوراني إلى تطور العولمة وتأثيرها المباشر في كافة المجتمعات بنسب متفاوتة، عبر استخدام الموبايل والكومبيوتر وبرامج الانترنت المتنوعة، خاصة الذكاء الاصطناعي، والعلم، والشفافية، وحرية المعلومات، ويدفع باتجاه الليبرالية السياسية (= الديمقراطية البرلمانية) من الوجهة الثقافية، لكن انفتاح الأسواق.
كما أشار إلى انفلات التطور الرأسمالي المفتوح، من خلال الشركات متعددة الجنسية وشركات الكومبيوتر والأدوية والاختراعات المرتبطة بتطور أجهزة الموبايل الذي بات اليوم أحد أهم مظاهر العولمة الثقافية في إطار ما يسمى بـ"القرية الواحدة" ومخاطر تلك الأجهزة والبرامج على الثقافة الاجتماعية والأسرة، وتربية الأطفال، والشباب الذين يقضون معظم أوقاتهم أمام الكومبيوتر أو الموبايل.
ولفت إلى أن الأمر سيؤدي إلى المزيد من طموح الشباب والأطفال صوب المزيد من الاستقلالية بعيداً عن الأسرة، ما يؤشر على بداية الانهيار الأسري والمجتمعي، خاصة واننا "نعيش اليوم في عالم سريع ومتغير، تتحكّم فيه القوة والتكنولوجيا، حيث يتسلّل خطر مستحدث، نبيل في الظاهر كالمساعدات الإنسانية، لكنه متوحش كاقتصاد السوق، أو أكثر توحشاً منه ربما".
وتحدث الصوراني عن الذكاء الاصطناعي، وقال هو أحد مجالات علوم الكمبيوتر والهندسة التي تهدف إلى إنشاء آلات ذكية. إنه إنشاء آلات يمكنها التفكير واستخدام العقل والتعلم كما يفعل البشر.
وتابع مفسرا لمصطلح الذكاء الاصطناعي بقوله: يقصد بمصطلح الذكاء الاصطناعي (AI) تطوير الحواسيب لتُجاري الذكاء البشري، وله ثلاثة أقسام، والذكاء الاصطناعي الضيق، وهو كل ما نراه حولنا، وهو تدريب الحواسيب لأداء مهام محددة وبكفاءة تفوق قدرة البشر على تنفيذها، لكنها لم تبلغ حد الذكاء البشري، وثانياً الذكاء الاصطناعي العام، وهو وصول الحواسيب لمرحلة تساوي فيه ذكاء البشر، ويتوقع أن نشاهد أولى ابتكاراته عام 2050، وثالثاً وأخيراً الذكاء الاصطناعي الخارق، ويقصد به تفوق الأنظمة الحاسوبية على الذكاء البشري، ويتوقع أن يكون في عام 2090.
ونبه الصوراني بأن العلامة الفارقة التي حصلت في العقد الأخير ودعت الكثيرين للتخوف من مستقبل هذا الذكاء، هو تطوير خوارزميات التعلّم الآلي والتعلّم العميق، وهي تعليم الحواسيب نفسها بنفسها دون الاعتماد على الجنس البشري.
وقال: "لعلّ من أكثر السيناريوهات تشاؤمًا تجاه مستقبل الذكاء الاصطناعي هو سيناريو التفرد، الذي يقصد به وصول الآلات لمستوى الذكاء الاصطناعي العام "GIA"، أي باستطاعتها الوصول للذكاء البشري".
وأشار الصوراني إلى أن التكنولوجيا تعرض إنسانيتنا للخطر إلى درجة غير مسبوقة كما يقول محمد جودت خبير التكنولوجيا المصري والباحث في العلوم الهندسية ونظم الذكاء الصناعي، في كتابه الجديد: "الذكي المخيف"، حيث يُفترض أن الذكاء الصناعي أذكى من البشر. ،ويضيف جودت "أن الذكاء الصناعي سيصبح خلال عقود أكثر ذكاءً من البشر بملايين المرات، وإن الحديث عن إمكانية وقف زحف نظم الذكاء الصناعي ليس سوى خرافة... أولاً، إنها قادمة. ثانياً، لا يمكنك إيقافها. ثالثاً، أن "الذكاء الصناعي السوبر" سيكون أذكى من البشر".
وبشأن إمكانية مجابهة العولمة الامبريالية، يقول الصوراني: إنه بعد مرور عقود عدّة على الانتشار التدريجي للعولمة في كافة أنحاء العالم، لا بدّ لنا من التفكّر في مفهومها، وزيادة مدى الوعي بظواهرها وتأثيراتها، لتكوين وجهة نظر موضوعية تجاهها، ولاستيعاب قوّة متغيّراتها، واختيار الوسائل الأساسية لمواجهة تحدّياتها، لنعرف تمامًا ما يجري في العالم، لندرك أين نحن منه، ونحدّد موقعنا الفعلي على خريطته، خصوصًا وأنّ المنطقة العربية، التي تحتلّ مكانة حيوية في العالم، بسبب ثرواتها النفطية وإمكاناتها البشرية، تعدّ من أبرز استراتيجيات الأطراف التي ستصيبها تحوّلات واسعة النطاق، في إطار العولمة الجديدة".
وتابع: لذلك فإن من حقائق هذا العصر، أن العولمة، بمثل ما أدت إلى عولمة التحديات، فإنها قد تعزز ما يمكن أن يسمى بعولمة الاستسلام في بلادنا وفي العالم الثالث عموماً، والمؤشرات على ذلك كثيره في اوضاعنا الحالية.
وقال "إن الدعوة إلى مقاومة عولمة الاستسلام، تمثل أحد أبرز عناوين الصراع العربي الراهن من أجل التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية.
وأكد بأن أحد أهم شروط هذا التحدي العربي لهذه الظاهرة هو امتلاك تقنيات العصر ومعلوماته وفق مفاهيم العقل والعلم والحداثة، في إطار أيدلوجي تقدمي ينتمي إلى الواقع العربي ويتفاعل معه ويعبر عنه في الممارسة العملية من جهة، وإلى الاشتراكية والفكر الماركسي كضرورة تتطلع إليها شعوبنا العربية كطريق وحيد للخلاص والتحرر الوطني والقومي والاجتماعي من جهة أخرى.
وقال الصوراني إنها مهمة لا تقبل التأجيل، يتحمل تبعاتها – بشكل مباشر – المثقف التقدمي الملتزم في كل أقطار الوطن العربي، "إذ أنه في ظل استفحال التخلف وعدم تبلور الحامل الاجتماعي الطبقي النقيض للعولمة وتأثيرها المدمر، لا خيار أمام المثقف العربي سوى أن يتحمل مسئوليته – في المراحل الأولى – منفرداً، وهذا يستلزم – كخطوة أولى – من كافة الأحزاب والقوى والأطر التقدمية أن تتخطى شروط أزمتها الذاتية".
وتساءل المفكر الصوراني: كيف وصل العرب في المرحلة الراهنة إلى هذه الحال الشديدة الانحطاط التي أدت إلى اعادة انتاج وتجديد التخلف بكل مضامينه الاجتماعية والثقافية، وأين يكمن الخلل؟
وقال "مجتهداً بالإجابة": إن الخلل يكمن في طبيعة التطور الاجتماعي الاقتصادي التاريخي المشوه والمتخلف، وخصوصاً في مرحلة الانفتاح والبترودولار، التي وفرت المناخ الملائم لإعادة تجديد وانتاج الأفكار والحركات السلفية الغيبية المتزمتة، تمهيدا لهيمنتها على صعيد الفكر والمجتمع العربي، انسجاما مع تزايد تبعية وتخلف وارتهان المجتمعات العربية للنظام الإمبريالي، بما أدى إلى قطع الطريق على المعرفة العقلانية والسلوك الديمقراطي لحساب التخلف والأفكار الرجعية السلفية.
وتابع: هذا الأمر يفرض على القوى الديمقراطية واليسارية أن تبادر إلى الخروج من أزماتها الفكرية والسياسية والمجتمعية لكي تفرض وجودها وانتشارها عبر بديلها الديمقراطي القادر وحده على كسر وتجاوز حالة الاستقطاب المرعبة بين قوى اليمين والتخلف والتبعية والاستبداد والخضوع صوب مستقبل عربي تحكمه معايير التنوير والمواطنة والثورة الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية .