أهمية العملية الثورية كانعكاس لوعي النظرية الماركسية لدى أحزاب وفصائل اليسار في مغرب ومشرق الوطن........


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 7707 - 2023 / 8 / 18 - 10:46
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

بداية ، لابد لي من التذكير بالشعار اللينيني العظيم الذي أزعم أن كل أحزاب اليسار الماركسي في بلداننا كرسته كفكرة مركزية في وثائقها وبرامجها التأسيسية من ناحية وكرسته أيضاً في وعي كل الرفيقات والرفاق لحظة انتماؤهم لهذا الحزب أو ذاك من ناحية ثانية ، وهذا الشعار هو : لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية ، ومن ثم فإن الالتزام بممارسة هذا الشعار وتطبيقه على تفاصيل الحياة اليومية لأعضاء الحركات والأحزاب والفصائل اليسارية، حيث يحمل هذا الشعار تحديداً واضحاً للأهمية العظمى للنشاط النظري في تحقيق العملية الثورية المرتبطة بنهوض هذا الحزب الماركسي أو ذاك واستعادته لدوره الطليعي ، بما يضمن تفعيل وتكريس المضامين الوطنية التحررية والطبقية من منظور ماركسي في آن واحد في كافة بلدان مغرب ومشرق الوطن العربي.
وفي هذا السياق فأنني أرى ، بل وأؤكد على أنه من المستحيل عملياً ونظرياً أن نفهم واقعنا الاجتماعي وأن نحوله ثورياً إذا لم نعتمد في هذه العملية الواحدة التحررية الوطنية والطبقية على الفكر الماركسي، وعلى الفكر اللينيني أيضاً ، فهذا الفكر هو شرط إمكانية فهم مجتمعنا وبالتالي تحويله ثورياً من خلال أحزاب وفصائل اليسار الماركسي في الوطن العربي.
ففي الممارسة الفعلية الفلسفية ، يؤكد لينين على أن الصراع الأيديولوجي من وجهة نظر الأحزاب الماركسية هو في جوهره صراع ضد الأيديولوجية البرجوازية التي تختفي وراء قناع الفلسفة المجردة ، لأن الصراع الأيديولوجي كما فهمه لينين على حقيقته هو شكل من أشكال الصراع الطبقي ، والصراع الطبقي في أساسه هو صراع سياسي ، إلا أنه يتخذ أشكالاً متعددة كصراع أيديولوجي مثلاً .
لقد كان الهم الأساسي عند لينين في ممارسته للصراع الأيديولوجي، هو إظهار الحد الفاصل بين الوعي الطبقي الثوري البروليتاري، أي الوعي النظري العملي، وبين مختلف أشكال الوعي الاجتماعي الطبقي غير البروليتاري ، هذا الحد الفاصل ضرورة نظرية وعملية للقيام بالنضال الثوري والاستمرارية، كل ذلك يشير إلى أهمية الوعي الطبقي في تحقيق كل من العملية التحررية الثورية الوطنية والعملية النضالية المجتمعية من قلب الصراع الطبقي، شرط أن يتولى الحزب الماركسي الثوري في كل أقطار الوطن العربي هذه العملية من خلال الوعي الثوري العميق بالنظرية الماركسية اللينينية ومنهجها النقيض لمجمل الأفكار اليمينية بمختلف منطلقاتها ، والنقيض أيضاً لكل أوضاع ومظاهر التخلف السائدة في أوساط الجماهير الفقيرة العفوية ، ما يعني الالتحام بجماهير العمال والفلاحين الفقراء وكافة المضطهدين بهدف توعيتهم بالظلم الطبقي الواقع عليهم ومن ثم تنظيم الأغلبية الساحقة منهم وتحريضهم على المشاركة في العملية الثورية ضد كل أنظمة الاستغلال والاستبداد والتخلف والتبعية ،ومواصلة النضال لاسقاطها وإعلاء رايات الثورة الاشتراكية.
هنا بالضبط ، علينا -في كافة أحزابنا وفصائلنا- استلهام الفكرة المركزية لدى لينين حين يقول : كل عبادة لعفوية الطبقة العاملة أو لعفوية جماهير الكادحين والفقراء ، وكل تقليل من دور العنصر الواعي، من خلال الحزب الثوري، يعني -كما يوضح لينين- تقوية تأثير الأيديولوجية البرجوازية ومجمل الأفكار الرجعية على العمال ، وتوفير كل الفرص للأساليب الديماغوجية الصادرة عن القوى والأحزاب والحركات اليمينية بمختلف ألوانها وأطيافها .
إن الهدف من استحضار النص اللينيني السابق يعني أن الثورة ليست عفوية ، والوعي الطبقي الثوري لا يأتي الى الطبقة العاملة بشكل عفوي ، بل يأتيها من الخارج، أي من طليعتها الحزب الماركسي الثوري، الذي يُعبّر عن معاناتها ويجسد مصالحها وطموحاتها ، فالحزب هو مكان تبلور الوعي الطبقي الثوري ،التحرري والطبقي ، وهو أداة توعية للجماهير الفقيرة، من هنا أتت ضرورة تعميق الصراع الأيديولوجي لكي نضمن تفعيل الصراع الطبقي على طريق الثورة الوطنية الديمقراطية بافاقها الإشتراكية.
في ضوء كل ما تقدم ، وارتباطاً موضوعيا بالمسار الثوري انطلاقاً من الترابط الجدلي العميق بين مفهومي التحرر الوطني والصراع الطبقي، نستنتج بوضوح أن الماركسية تسلط الضوء على جذر المشكلة ، وجذر المشكلة في مشرق ومغرب وطننا العربي هو هيمنة الصهيوإمبريالية وعملائها حكام أنظمة الكومبرادور ، على مقدرات شعوبنا العربية وحرمان الجماهير الكادحة والمهمشة من هذه الموارد وثمارها .
وحتى تتحرر هذه الجماهير من ربقة هذه القوى المهيمنة، على القوى والأحزاب الماركسية في مشرق ومغرب الوطن ان تقوم بتنظيم الجماهير الفقيرة ، وتوعيتها وتحريضها لخوض الثورة وفق المنظور الطبقي ، ومن ذلك تنبع ضرورة أن تكون قيادة حركة التحرر القومي العربية ماركسية ثورية ، بما يضمن تحقيق أهدافها التحررية الوطنية على طريق الثورة الاشتراكية .
على أي حال ، إن تفاؤلي اللامحدود بمستقبل أحزاب وفصائل اليسار الماركسي في بلداننا لا يلغي مشاعر الحزن والقلق من اوضاعه ، وبالتالي أوضاع التحرر الوطني المتردية في اللحظة الراهنة في ضوء رخاوة وهبوط معظم احزاب وفصائل اليسار وتراجعها الفكري عن النظرية الثورية الماركسية ومنهجها ، وغياب وعيها بتفاصيل اوضاع الفقراء والمضطهدين في مجتمعاتها، وتحالفاتها اللامبدئية مع بعض الأنظمة وبعض القوى والحركات اليمينية العلمانية والاسلاموية .
وبالتالي فإنني بت على قناعة بأن استمرار تلك الحالة من الركود والتراجع وغياب التأثير لدى معظم فصائل واحزاب اليسار، فقد تتعرض هذه الأحزاب إلى مزيد من العزلة عن جماهيرها وتفقد مصداقيتها بعد أن تتراجع الاهداف والمبادئ الثورية والأخلاقية المرتبطة بها ، الى جانب تراجع معاني الالتزام والانتماء والمصداقية والاحترام والعلاقات الرفاقية الدافئة ، وسيادة او انتشار منطق الشللية و التكتل والنفاق وانزلاق بعض الرفاق إلى مستنقع الانتهازية التي تتجلى في كسب الأنصار بأية طريقة كانت ، فتتراجع النظرة الموضوعية، كما تتراجع الثقافة النظرية، والهوية الفكرية للحزب ، وتتراجع عملية الوعي الطبقي والتحرري المعبر عن الجماهير الفقيرة ،ويصبح الانجرار وراء الأشخاص، لا التمسك بالمبادئ، هو السائد .. مما يعني ان هذه الاحزاب بحاجة ماسة وعاجلة إلى عمليات جراحية لأوضاعها التنظيمية والاخلاقية والسياسية والفكرية المأزومة الناجمة عن عوامل ذاتية شلليه وتكتلية انتهازية ، ،بما يحتم عليها أن تبدأ بتقييم صارم لوضعها الراهن و مراجعة خطاباتها السياسية والمجتمعية الهابطة او التراجعية او الانتهازية ، بهدف اعادة تأهيلها لكي تتمكن – قبل فوات الآوان – من الخروج من مأزقها وتطهير احزابها بما يضمن لها أن تسترد قوتها ، كخطوة لا بد منها صوب القيام باستعادة وعيها الثوري بالمبادىء والاهداف التي استشهد وضحى من أجلها العديد من الرفاق القادة الشيوعيين والماركسيين العظام ، يوسف سلمان يوسف (فهد) في العراق ، وعبد الخالق محجوب والشفيع وغيرهما في السودان وشهدي عطيه في مصر والمهدي بن بركة في المغرب وفرج الله الحلو ومهدي عامل وحسين مروة وجورج حاوي في لبنان ، وغسان كنفاني وأبو علي مصطفى في فلسطين وشكري بلعيد والبراهمي في تونس ، الى جانب تضحية واستشهاد عشرات الالاف من الرفاق والرفيقات ، بما يُمَكِّن كافة الأحزاب الشيوعية والماركسية من استعادة دورها الطليعي عبر التزامها الجدلي التطوري المتجدد بالماركسية( بعيدا ورفضا لكل مظاهر الجمود) والعمل بكل جدية على امتلاك الوعي العلمي بمكونات الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي كشرط لضرورات النضال ضد كل مظاهر الاستبداد من الانظمة او من حركات الاسلام السياسي ، وكشرط لمجابهة التخلف والتبعية وتكريس الاستقلال السياسي والتنمية المعتمدة على الذات ، الى جانب النضال التحرري والديمقراطي المطلبي الذي ينطلق من قلب الصراع الطبقي ضد قوى الكومبرادور والبورجوازية الرثة بكل تلاوينها، عندئذ يمكن لقوى اليسار في كل بلد عربي ان تقوم بدورها الطليعي في متابعة مسيرتها النضالية ، وتحقيق الانتصار لمشروعها الوطني التحرري والديمقراطي الاشتراكي .. وبدون ذلك سيسدل عليها ستار الزمن ليولد الجديد من احشائها او من خارجها .
أخيراً ان الحاجة الى الوعي العميق بالنظرية الثورية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي ، الى جانب الوعي العميق أيضاً بقضايا التحرر الوطني المرتبط بقضايا المجتمع وفقاً للمنظور الطبقي ، وخاصة قضايا الشباب والعمال والفلاحين الفقراء والبطالة والطلاب والتعليم وغير ذلك من القضايا والبرامج النضالية الديمقراطية التقدمية ضد مظاهر وأدوات الاستغلال والتبعية والتخلف ، وكل ذلك يجسد تفعيل الأهداف العظيمة التي تقرر مصير العمل الثوري كله ، فلا إمكانية لتأسيس أو لتواصل حزب ماركسي ثوري بدونها .
لكن السؤال الكبير ، هذه المقولة التي أصبحت بديهية ، الى متى سنظل نرددها بلا نشاط فكري ونضال تحرري سياسي واقتصادي واجتماعي وديمقراطي وجماهيري وكفاحي مكثف وفعال ؟ .
الجواب الصريح ، ليسَ يسارياً من لا يعي ويؤمن بعمق بدور النظرية الماركسية الثورية أولاً لتفعيل الحركة الثورية الوطنية والطبقية، وليس يسارياً من لا يلتزم في الممارسة والنظرية بأسس النضال الطبقي والصراع السياسي والديمقراطي والثوري ضد انظمة الاستبداد والاستغلال والتخلف وضد قوى اليمين الليبرالي والرجعي السلفي ، وضد كل اشكال التبعية والتخلف والاستبداد والخضوع ،وليس يساريا من لا يمارس - وفق الزمان والمكان المناسبين- كل أشكال المقاومة المسلحة والشعبية ضد الوجود الصهيوني والقواعد الأمريكية المنتشرة في معظم بلدان الوطن العربي ... وليس يسارياً – بل خائنا - من يستعين بأعداء وطنه بذريعة الديمقراطية ، وليس يسارياً من يشارك في حكومة من صنع الإحتلال أو الأمريكان أو يتحالف معها ، وبالطبع ليس يسارياً أيضاً من يعترف بدولة العدو الصهيوني ويتناسى دورها ووظيفتها في خدمة النظام الامبريالي .. وليس يسارياً أيضاً من لا يستوعب تماماً كل مكونات واقع بلده الاقتصادي والاجتماعي / الطبقي بكل تفاصيله المتعلقة بقضايا الطبقة العاملة والبطالة والفقر والتنمية والتشغيل وتوزيع الدخل والمسألة الزراعية والصناعة وقضايا المرأة والشباب والصحة والتعليم ... الخ ، وفق منطلقات ومبادئ وبرامج الثورة الوطنية الديمقراطية ضد التحالف الكومبرادوري / البيروقراطي وإسقاط أنظمة الاستبداد ، من أجل انعتاق شعوبنا عموماً و إلغاء كل أشكال قمع الحريات والاستبداد والاستغلال والاضطهاد والتبعية . وفق هذا المنطلق يجب أن نعيد تحديد معنى اليسار عموما، والماركسي المتطور المتجدد خصوصاً ،الملتزم بالمنهج المادي الجدلي ، فلا مكان هنا للتلفيق أو التوفيق ناهيكم عن الارتداد الفكري صوب الأفكار الهابطة والانتهازية والليبرالية الرثة ، إذ أنَ هذه المنهجيات المُضَللة أساءت كثيرا جدا لليسار العربي كله وأدت إلى عزلته عن الجماهير وعن سقوطه المدوي في آن واحد . هذه تعريفات جوهرية وقيم عامة لليسار، ومن وجهة نظري ، ليس يسارياً من لا يدافع عنها ، وبالتالي بات من الضروري تحقيق الفرز انطلاقاً منها ، وأن لا يُكتفى بالتسميات أو الألوان الحمراء ، بل أن يجري الانطلاق من المواقف والسياسات علاوة على الوعي المتجدد للماركسية ومنهجها . ولهذا حينما يجري التأسيس لعمل يساري أو وحدة قوى يسارية يجب أن ينطلق من هذا الفرز، ويقوم على أساسه، وإلا استمرت التوجهات السياسية الانتهازية والارتدادات الفكرية وتفاقم مظاهر التفكك الشللية والتحريفية الانتهازية والمصالح الطبقية الخاصة ، فاليسار ليس تسمية بل موقف وفعل أولاً وأساساً .
ذلك إنَّ القول بدور تاريخي لليسار العربي ليس إلا فرضية على جميع فصائله واحزابه واجب إثباتها عبر التفاعل والتطابق الجدلي بين النظرية والواقع المعاش (الملموس ) عبر الممارسة اليومية المتصلة بكل مقتضياتها السياسية والكفاحية والمجتمعية والجماهيرية، شرط ان تلتزم ثوريا واخلاقيا وتنظيميا بالمفاصل الرئيسية التالية :
1- ضرورة مغادرة الذهنية التي تتعاطى السياسة بنوع من الانفعال .
2- الوضوح والتطوير الدائمين للرؤية السياسية والنظرية التي تقود سياسات العمل والممارسة اليومية .
3- وعي واحترام قانون التراكم والتكامل والمراجعة والفحص الدوري للنشاط عبر المتابعة والتقييم بعقلية ومنهجية ادارية حديثة وديمقراطية .
4- مغادرة ذهنية القطع والبيروقراطية ،وممارسة الديمقراطية الداخلية كمنهج حياة على صعيد الحزب والمجتمع .
5- الالتزام بمبدأ النزاهة الفكرية والأخلاقية وضمانته الوعي والديمقراطية .
6- الاحترام والارتقاء الدائم بمضامين القيمة المطلقة للعقل والنظام المعرفي أو المنظومة الفكرية (هويتنا اليسارية الماركسية تحديداً) .
7- الالتزام بخصوصية القضايا الوطنية التحررية والديمقراطية المطلبية مع استمرار العلاقة التكاملية الجدلية بينهما وتوزيعها سلباً وإيجاباً بين خصوصية الشرائح الطبقية الفقيرة والمضطهدة والمجتمع عموماً ارتباطاً بالبعد القومي .
إنَّ ما تقدم ، يتطلب من قوى اليسار ترسيخ الأسس العلمية الصحيحة (السياسية والفكرية والاعلامية والمجتمعية والإدارية والمالية) لبناء حركة ثورية ديمقراطية صحيحة وممأسسة تطرد كل مظاهر ازماتها الفكرية والتنظيمية والسياسة ، بما يمكنها من جسر الفجوة بينها وبين جماهيرها والتوسع الكمي والنوعي في اوساطها واستعادة ثقتها بما يمكنها من مواجهة هذه التحولات السريعة المعقدة على المستوى المحلي و القومي والعالمي، و إلا فإن مسيرتها في الظروف الصعبة والمعقدة الراهنة من اجل تحقيق اهداف الثورة الوطنية الديمقراطية ستضل الطريق .
تأكيداً على ما تقدّم ، أشير الى أن أزمة الأنظمة العربية في مرحلة الانحطاط والتبعية المطلقة الراهنة ، ليست أزمة بورجوازيات عربية كما شخصها المفكر الشهيد مهدي قبل اكثر من أربعة عقود ، وانما هي نوع من المأزق المسدود أمام هذه الأنظمة بسبب طبيعتها الكومبرادورية التي لا تجد مخرجا لمأزقها سوى بالمزيد من الارتماء في أحضان التحالف الامبريالي الصهيوني من خلال المزيد من مراكمة عوامل التبعية والتخلف والاستجابة لشرط التحالف المذكور من ناحية ، ومن خلال مزيد من ممارسات الاستبداد والاستغلال ضد الجماهير الشعبية العربية من ناحية ثانية ، ما يعني أن أمر تغييرها عبر الثورة عليها واجتثاثها هو أمر مطروح اليوم في هذه المرحلة بإلحاح شديد كضرورة وشرط للخلاص من الوجود الامبريالي الصهيوني وتحقيق اهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية ، لذا كان للصراع الطبقي في كل البلدان العربية ضد نظام سيطرة البرجوازية فيه، طابع ثوري معقد- كما يقول الشهيد مهدي عامل –" فكلما احتدم الصراع الطبقي في هذا البلد او ذاك من البلدان العربية ضد البرجوازية المسيطرة فيه بسيطرة نظامها، احتدم ضد الرجعية العربية، وضد الامبريالية، وبالطبع ضد اسرائيل ايضا والعكس صحيح كذلك: فكلما احتدم الصراع ضد الامبريالية، احتدم ضد البرجوازية والرجعية وإسرائيل" .
لكن الإشكالية هنا تتجلى – كما يضيف مهدي عامل – في أن ميزة الحركة الثورية العربية أنها، اذن، في ازمة، وازمتها هي في قصورها السياسي وقصور احزابها عن قيادة هذه السيرورة، وازمتها هي السبب الرئيسي في تعثر هذه السيرورة، أن لم تقل في تعطلها، وهي التي تسمح ، بالتالي، بتاييد انظمة البرجوازيات العربية، وتؤمن لأزمة هذه البرجوازيات وانظمتها ديمومة التجدد، هذا هو السبب الرئيسي لوجود حركة التحرر الوطني في العالم العربي في ازمة ، فاذا كانت الحركة التحررية او الثورية العربية في أزمة ، فهل ستكون الطبقة العاملة قادرة على تكوين حركة ثورية جديدة تقود السيرورة الثورية في الحركة التحررية الوطنية العربية؟
- أنها قادرة على ذلك، إما بقيادة احزابها الراهنة، اذا استجابت هذه الاحزاب لضرورات هذه السيرورة الثورية، واما بقيادة اخرى، اذا استمرت قابعه في قصورها السياسي، فوجود تلك الحركة الثورية الجديدة بات ضرورة ملحة هي جديد المرحلة في كل بلد عربي .
خلاصة القول ، ما زالت المهمة الملحة التي تنتظرنا هي تحويل حركة المقاومة العربية وحركة الجماهير الغاضبة إلى حركة تحرر قومي شاملة ترفد حركة الثورة العالمية ضد الرأسمالية الإمبريالية برمتها. ولا بديل عن الماركسية الثورية المتجددة أبدا بحكم طبيعتها الداخلية مرشدا ومضمونا لهذه السيرورة الثورية ، إذ لا مستقبل لشعوبنا وكل الشعوب الفقيرة في كوكبنا ، إلا من خلال الالتزام الواعي بالرؤية الماركسية ومنهجها ، بقيادة الأحزاب الماركسية الثورية المُعَبِّرَة عن مصالح الجماهير الشعبية وتطلعاتها .
ولهذا أرى أن من واجب قوى اليسار الماركسي العربي، أن تكون معنية بتحديد الموضوعات الأساسية القومية والوطنية التحررية من جهة والطبقية المجتمعية من جهة ثانية ، التي يشكل وعيها، مدخلاً أساسياً لوعي حركة وتناقضات النظام الرأسمالي من جهة، وحركة واقع بلدانها بكل مكوناته وآفاق صيرورته التطورية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة ثانية، انطلاقاً من إدراكها الموضوعي، بأن التعاطي مع الماركسية ومنهجها بعيداً عن كل أشكال الجمود وتقديس النصـوص ، كفيل بتجاوز أزمتها الراهنة ، إذا ما أدركت بوعي عميق طبيعة ومتطلبات واقع بلدانها بكل جوانبه الاقتصادية والسياسية والمجتمعية .
ذلك أن تطور العولمة في صيغتها الأكثر وحشية " الأمركة خلق نوعاً من الحراك الاجتماعي الجديد على مستوى العالم، لكن للأسف ، لا تزال القوى الاجتماعية والحركات السياسية عموماً وحركات التحرر العربي التقدمية خصوصاً ، وهيئات ما يسمى بـ المجتمع المدني في بلداننا العربية عاجزة أيضـاً عن الانخراط في الحركة العالمية المناهضـة للعولمة والأمركة .. لأنها لا تزال جنينية وغير متبلورة بشكل كاف لتقوم بالجهد المنوط بها في سياسة هذه الحركة العالمية .