من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتاريخي


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 7911 - 2024 / 3 / 9 - 12:07
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     



من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتاريخي :

المفهوم Concept: "هو فكرة محدده تمثل الخصائص الأساسية للشيء الذي تمثله" "هو شكل من أشكال انعكاس العالم في العقل يمكن به معرفة ماهية الظواهر، وتعميم جوانبها وصفاتها الجوهرية. والمفهوم نتاج معرفة متطورة تاريخيا، ترتفع من مرحلة أدنى إلى مرحلة أعلى، وتلخص هذه المعرفة – على أساس الممارسة – النتائج المتحصل عليها في مفاهيم أكثر عمقا، ولهذا فإن المفاهيم ليست جامدة وليست نهائية وليست مطلقة، بل هي في عملية التطور والتغيير ترقى إلى رتبة الانعكاس المطابق للواقع" .
بناءً على ما تقدم، نستخلص بأن "مفهوم الأخلاق هو شكل من أشكال الوعي الاجتماعي (إلى جانب الفلسفة والعلم والفن والسياسة والدين) تنعكس فيه الخصال الاخلاقية (الخير، العدالة، الحق... إلخ) ، والاخلاق هي جماع قواعد ومعايير حياة الناس، تحدد واجباتهم كل تجاه الآخر وتجاه المجتمع" ، هو مفهوم نسبي ، تطور حسب المراحل التاريخية ، والاوضاع الداخلية الطبقية لمجتمع معين في كل مرحلة من المراحل، فالتطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي الذي حدث في سياق الانتقال من نمط اجتماعي اقتصادي الى آخر ، قاد ضمناً وعلى نحو مفصح عنه الى تحولات في البنية الأخلاقية.
فالقيم الأخلاقية ليست أبدية ولا مطلقة، إنما هي نسبية تابعة لعملية التغير المستمر الذي يؤثر في دوافعها الاجتماعية والبيولوجية والفيزيولوجية وغير ذلك من الدوافع .
"قد يكون مفيداً فى البداية أن نطرح بعض الصعوبات التى تواجهنا إذا ما حاولنا أن نتوصل إلى تعريف لما يطلق عليه الأخلاق أو القيم الأخلاقية ، فهو مفهوم قد يتسع "ليشير إلى كل ضوابط السلوك التى يلتزم بها الأفراد فى حياتهم اليومية ، وقد يضيق ليشير إلى ضوابط سلوكية محددة ، أى تلك التى توصف بأنها أخلاقية، وقد يختلف الناس فيما يدخل تحت الأخلاق وما يخرج عنها، وبما أن الأخلاق مفهوم نسبى ، فإن ما يعتبره شعب من الشعوب أخلاقياً قد لا يعتبره شعب آخر" إذا كان يعيش ظروفاً وأوضاعاً متخلفة بائسه ومعقده ومنقسمه كما هو حال شعبنا.
"وثمة صعوبة ثالثة تتعلق بنطاق الأخلاق ومجال تأثيرها : هل هى قيم فردية يتبناها الفرد مختلفاً عن الآخرين ، أم أنها قيم جماعية تشترك فيها الجماعة بأسرها ؟ وهل يمكن التمييز بين القيم الفردية والقيم الجماعية؟ وما حدود التداخل بين المستويين؟ " .
ونصادف "رابعاً معضلة التمييز بين المفهومات المختلفة التى تشير جميعها بشكل أو بآخر إلى الأخلاق . من ذلك مفهوم الأخلاق morals ومفهوم القيم الأخلاقية moral values ، ومفهوم التوجهات القيمية value orientations ، ومفهوم الاتجاهات الاخلاقية moral attitudes ومفهوم الأخلاق المهنية ethics ، وعلاقة كل هذه المفاهيم بمفهوم الثقافة culture أو الأطر الثقافية، وأخيراً هناك مشكلة المدخل النظرى الذى ينطلق منه الباحث فى فهم الأخلاق : هل هو مدخل فلسفى ، أم مدخل انثروبولوجى ؟ أم حتى مدخل ثيولوجى فقهى . ولعل هذه الصعوبات هى التى جعلت موضوع الأخلاق أو القيم الأخلاقية يستعصى على الحصر والدراسة العلمية" .
فإلى جانب اقرارنا أن الاخلاق – في الوعي الشعبي العفوي- هي مجموعة العادات والاعراف والقواعد التي يؤمن بها هذا الشعب أو ذاك في مرحلة معينة من مراحل التطور التاريخي ، إلا أن بعض الفلاسفة يرون أن موضوع الاخلاق "لا يكون مجرَّد دراسة تقريرية للعادات الخلقية السائدة بين الناس؛ لأنهم يرون أن مهمة الأخلاق إنما تنحصر في وضع الَمَثْل الأعلى وبيان الكمال الأخلاقي وتشريع القانون الخلقي من خلال فرض القواعد التي ينبغي على الانسان أن يسلكها في حياته" .
"وهكذا، تصبح الأخلاق في نظر هؤلاء الفلاسفة هي نظرية الَمَثْل الأعلى، وقد بقيت الأخلاق إلى عهد قريب مبحثاً فلسفياً نظرياً يتداوله الفلاسفة ويخوض فيه علماء الأخلاق بوصفه علماً فوضعوه على قدم المساواة مع المنطق وعلم الجمال، وقالوا إن موضوعه هو قيمة الخير، كما أن موضوع المنطق هو قيمة الحق، وموضوع علم الجمال هو قيمة الجمال" .
إن المشكلة الفلسفية للمعرفة الأخلاقية ، تطرح طائفة لا تحصى من الأسئلة التي تتناول ما يتصل بها من مفاهيم ومبادئ وقيم. مثال ذلك : ما أصل مفاهيم الخير والعدالة والشرف والكرامة ؟... هل هي وليدة التجربة أم أنها فطرية، وجوابي على ذلك انها وليدة التجربة.

تعريف الأخلاق :
أجمل معجم "لالاند" تعريفات الأخلاق في دلالات أربع:
الأولى : هي أن الأخلاق جملة قواعد السلوك المقبولة في عصر أو لدى جماعة من الناس. وبهذا المعنى يقال: أخلاق قاسية، أخلاق سيئة، أخلاق منحلة ، أخلاق طيبة ، كريمة أو صالحة ..الخ ، وأنا اضيف هنا أن هناك أخلاق وقيم نتاج لكل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي الاقتصادي لشعوب هذا الكوكب.
والثانية : هي أن الأخلاق جملة قواعد السلوك التي تعتبر صالحة صلاحاً لا شرطياً.
والثالثة : هي أن الأخلاق نظرية عقلية عن الخير والشر، وهذه هي الأخلاق الفلسفية.
والدلالة الرابعة : هي ان الأخلاق جملة ما يتحقق في العلاقات الإجتماعية من أهداف حياة ذات صبغة إنسانية أعظم.
ننتقل الآن إلى تعريف مفهوم الاخلاق فنقول : أنّ الأخلاق ظاهرة اجتماعية يتم صياغتها بصورة واعية و هادفة ، بما يتوافق مع المتطلبات التاريخية في كل مرحلة من مراحل تطور المجتمعات البشرية ، وهي أيضاً شكل من أشكال الوعي الاجتماعي ،يقوم بمهمة ضبط وتنظيم سلوك الناس في كافة مجالات الحياة الاجتماعية بدون استثناء ،في السياسة وفي العلم ، وفي العمل وفي البيت والأمكنة العامة ... إلخ.
"فالأخلاق كمنظومة تتحدد بناء على الواقع الاجتماعي والطبقي المحدد، وأيضا بناء على الخصوصيات الحضارية للجماعة البشرية المحددة في كل مرحلة تاريخية بعينها. فبما أن الموقف من الأخلاق يعكس في العمق موقفا اجتماعيا طبقيا... بالتالي من الصعب الحديث عن الأخلاق بالمعنى المجرد... فالأخلاق هي منظومات ومفاهيم وسلوك نَضَجَ وتبلور في التجربة الاجتماعية" .

الأخلاق بين الديمقراطية والاستبداد:
"في البلدان الديمقراطية، يتساوى جميع المواطنين أمام القانون، وبقدر ما يكون هؤلاء أحراراً تكون دولتهم حرة وقوية، وفي البلدان المتأخرة حيث التسلط والاستبداد يتساوى جميع المواطنين أيضاً، ولكن بصفتهم لا شيء. الدولة الديمقراطية قوية بشعبها، ودولة الاستبداد قوية على شعبها.
المواطنون في البلدان الديمقراطية ذوات حرة متساوية في الحقوق وفي الكرامة الإنسانية، تشارك بنشاط في الحياة العامة؛ والرعية في عالم الاستبداد موضوع، والرعايا موضوعات لإرادة المستبد ، فلا ترقى منزلتها ومنزلتهم فوق منزلة الأتباع والعبيد. ومن ثم فإن دوام الاستبداد وألفة الرعايا له تجعل من أخلاقهم أخلاق أتباع وعبيد. الاستبداد والعبودية صنوان، هكذا كانت الحال في الماضي، وكذلك هي اليوم" .
"الاستبداد المعاصر كسلفه القديم، يقوم على احتكار الثروة والسلطة والقوة، ووضع اليد على جميع المرافق العامة، وعلى جميع مجالات الحياة، ويمتص قوة عمل المجتمع، ويختزل الوطن كله في شخص المستبد. ويلتمس لنفسه المشروعية من عقيدة دينية أو عقيدة سياسية، قومية أو اشتراكية يفرضها على المجتمع كله بالعسف والإكراه، ولكي يستتب له الأمن يصطنع المستبد قوى للأمن علنية وسرية، وهذه تصطنع جيشاً من المخبرين والوشاة يتكاثر كالخلايا المسرطنة" .
نخلص مما تقدم، إلى أن الاستبداد يقتل في الإنسان شخصه القانوني، إذ يسلبه جميع حقوقه، ثم يقتل فيه شخصه الأخلاقي، فتنغلق دائرة الاستبداد؛ ويغدو بالإمكان إعادة إنتاجه .
وما كان بوسع الاستبداد أن يقتل الشخص الأخلاقي في الإنسان لو لم يتمكن من قتل الشخص القانوني فيه، ولو لم يزعزع قاعدة الحقوق الطبيعية والمدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية .
بالطبع، يفرح المستبدون (حينما تأخذهم العزه بالاثم) بتحويل شعوبهم إلى قطعان، ومن دون أن يدروا أن ضعف شعوبهم الفعلي هو قوتهم الوهمية، ومن دون أن يدروا أن ضعف الشعوب محمول بتراكمات داخليه تتفاعل وتزداد في انتظار لحظة القطع والانفجار في وجه المستبد.
ذلك "إن قتل الشخص القانوني ثم قتل الشخص الأخلاقي في الإنسان هو قتل روح الاجتماع المدني وروح المواطنة؛ ولذلك قيل من لا يدافع عن قوانين بلاده لا يحسن الدفاع عن وطنه، ومضمون القوانين التي يجدر بالمواطنين أن يدافعوا عنها هو الحقوق ومعيارها هو العدالة، والعدالة هي التجسيد الواقعي للمساواة" .
"لقد فهم الكثيرون كارل ماركس وكأنه ضد الأخلاق، بينما ماركس في الواقع هو نموذج المفكر الثوري الأخلاقي بامتياز.. إنه ضد الأخلاق البرجوازية المجردة والغيبيبة التي تحاول إيهام المجتمع بأن المشكلة مجرد سلوك أخلاقي .. وليس نتاج بنى اقتصادية وسلطة سياسية هدفها تكريس الاستغلال... إنه لم يَسقُط في مصيدة فلسفة الأخلاق الغيبية الوعظية.. وإنما اندمج في الفعل الثوري والفلسفي والفكري لكي يرتقي بالوعي الاجتماعي والتحريض على الفعل من أجل التغيير الحقيقي" .
"الفكرة هي أن التغيير ليس مجرد حالة ذهنية أو فكرية.. بل موقف وفعل سياسي مباشر بهدف تغيير البنى الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المادية السائدة.. أي البنى التي تولد كل هذا الإسفاف الأخلاقي والثقافي والسلوكي.. فبدون تغيير تلك البنى سيبقى الوعي خاضعا لعلاقات القوة المبنية على السيطرة على وسائل الانتاج... والمستندة إلى العمل المأجور الذي في جوهره استغلال لعرق وجهد وعمر وحياة القوى المنتجة من قبل طبقات طفيلية هدفها أولا وأخيرا الربح وتركيم الثروة، بمعنى أن تغيير هذه العلاقات اللاأخلاقية في جوهرها ينطلق من تغيير الواقع ذاته... ودور الفكر والأيديولوجيا هنا هو تعزيز هذه العملية الملموسة... أما أن يتحول الفكر إلى عملية وعظ أخلاقي لا تمس الواقع والطبقات المستَغِلَّة... فإنه يصبح في هذه الحالة جزءا من منظومة القهر ذاتها... بهذا المعنى فإن القيم الأخلاقية ما لم تكن قوة فاعلة من أجل كشف الاستغلال والقهر والدفاع عن حقوق ومصالح الناس .. فإنها فقط تعزز الوهم بإمكانية تعميم العدالة وتحقيق الحرية عن طريق الوعظ الأخلاقي" .
"بهذا المعنى بالضبط يتحدد الموقف الماركسي من الأخلاق... أي أن الأخلاق بذاتها كمفاهيم ليست هي قوة التغيير بل إن الالتزام بالفعل السياسي والاجتماعي لتغيير الواقع هو الذي يعطيه القيمة الأخلاقية الكبرى... التي ستنتج في سياقاتها منظومة أخلاقية بديلة منسجمة مع الواقع الجديد.
هذه هي الأخلاق الثور ية وليس الوعظ الأجوف الذي يواصل الثرثرة عن الأخلاق ولكن بدون جرأة ووضوح في مواجهة أسباب القهر والظلم والاستغلال كعلاقات وقوى طبقية" .

التطور التاريخي للمذاهب الأخلاقية في الفلسفة : /
"ظهرت الأفكار الفلسفية الأولى عن الأخلاق في كتاب "الفيدا" الذي تضمن الأفكار الفلسفية الهندية القديمة ما قبل الفلسفة الاغريقية ، التي عرفت بإسم الفلسفة "البراهمانية" (برهمان هو الله ) التي تقوم على أن "أن الحياة مليئة بالشقاء، ومن ثم لابد من احتقار الحياة الدنيا ... لإن الخلاص من الشقاء لا يكون إلا عبر ما تسميه الفلسفة الهندية بـ"النرفانا" التي تعني الفناء في الإله ، وهو شكل من أشكال التصوف والزهد". وظلت هذه الفلسفة مسيطرة في الهند حتى ظهور البوذية في القرن السادس قبل الميلاد التي أسسها "غاوماتا بوذا" أو المستنير .
ثم برزت الفلسفة الكونفوشية التي أسسها "كونفوشيوس" (551 – 479 ق . م ) في الصين ، واشتهرت بتعاليمها الأخلاقية السياسية التي تقوم على أن السماء هي الإله الأعلى تفرض مشيئتها على الناس ، وإن حياة البشر رهن بالقدر ، وأن الجاه والثروة منّة من السماء" .
هذه هي بعض ملامح الفكر الفلسفي في الشرق القديم الذي تأثرت به الفلسفة الاغريقية، بمثل ما تفاعلت وتأثرت مع المعطيات الفلسفية المصرية الفرعونية والبابلية في العراق بشكل خاص .
أما الفلسفة الإغريقية اليونانية (التي ظهرت في القرنين السادس والخامس ق.م) ، فقد كانت الرائدة في تحرير الفكر عبر تساؤلاتها عن طبيعة الواقع وحقيقة الكون والعقل والعديد من القضايا ذات الطابع المعرفي والشمولي .
وفي سياق الحديث عن الفلسفة الإغريقية أشير إلى عدد من الفلاسفة الذين سبقوا سقراط (469 ـ 399 ق.م) ووضعوا الأسس التي تأثر بها ، ومن أشهرهم "فيثاغورث" ( 580-500 ق.م) الذي آمن بتناسق الأرواح، وكان من الرواد في علوم الهندسة والحساب ، ثم "هيراقليطس" (540 – 475 ق.م) الفيلسوف المادي الذي أعلن أن "بداية هذا الكون من النار وأن هذا العالم سيظل ناراً حية تنطفئ بمقدار وتشتعل بمقدار"، و الفيلسوف "آناكساغور" (500 – 425 ق.م) الذي قال أن "الحياة عملية دائمة ومتصلة ومستمرة" واتهمه حكام آثينا الارستقراطيين بالإلحاد وطردوه منها ، بعد ذلك برزت "الفلسفة السوفسطائية" كظاهرة فلسفية لعصر ديمقراطية العبيد في آثينا ، حيث كان الإنسان عندهم "معيار الأشياء جميعاً وشككوا في التصورات الدينية" ، وفي هذه المرحلة برز الفيلسوف "ديمقريطس" (460-370 ق.م) الذي كان نصيراً للديمقراطية العبودية .
الاخلاق عند سقراط /:
يعتبر الفيلسوف سقراط (469 -399 ق.م ) رائد الفلسفة الأرستقراطية النخبوية الذي وقف بعناد ضد الديمقراطية في آثينا ، باعتبار أنها تؤدي – كما يقول- إلى الفوضى عبر تحكيم جماهير الدهماء في هذه العملية .
كان سقراط من بين أعظم الذين أثروا في الروح الغربية، وكانوا مصدر إيحاء لها. وما ميز سقراط كإنسان تمثل في قوته الأخلاقية، وحياته العادلة والمعتدلة، وسرعة بداهته، وطلاقة لسانه وروحه المرحة اللطيفة.
ويمكننا أن نجمل المبادئ الأساسية للأخلاق السقراطية بما يلي: الفضيلة هي المعرفة، فكلاهما واحد. ومن يعرف الحق معرفة حقيقية سيمارسه أيضاً، وسيكون سعيداً .
رأى سقراط الفضيلة معادلة للمعرفة (episteme) في اليونانية. غير أن فهمه للمعرفة معقد نوعاً ما. وهي تشمل المعرفة بأنفسنا وبالأوضاع التي نجد أنفسنا فيها.
وما امتاز به سقراط تمثل في أنه لم يبحث في تلك المعرفة عن طريق جمع الخبرات، بل بالتحليل الفكري، بشكل رئيسي، وبتوضيح التصورات الغامضة التي لدينا عن البشر والمجتمع ، مثل أفكار العدالة والشجاعة والفضيلة والحياة الجيدة.
غير أن ذلك لا يكفي، فالفضيلة هي في أن نحيا الحياة التي علينا أن نحياها. وذلك يشمل أهدافاً وقيماً لا يمكن أن نعرفها من العلوم الاختبارية أو العلوم الصورية .
الاخلاق عند الفيلسوف "أفلاطون" (427 – 347 ق.م) /:
جاء افلاطون ليستكمل الرسالة في العداء للديمقراطية ، بحيث أصبح فيلسوف الفردية الارستقراطية بلا منازع ، حيث حرص على تكريس أخلاق الأرستقراطية ضد الفقراء أو العبيد .
وعلى الرغم من هذه الرؤية الأفلاطونية للحكم الارستقراطي، إلا أن افلاطون قال في كتاب "الجمهورية" ما فحواه: إنّ هدف الدولة ينبغي أن يكون تحقيق حكم الفضيلة والنزاهة والاستقامة على هذه الأرض. بمعنى آخر إنّ هدف السياسة هو إقامة مجتمع عادل عن طريق سلطة نزيهة وعادلة، فلا معنى لحكم ظالم ولا مستقبل.
وكان أفلاطون يرى أنّ المجتمع العادل هو ذلك الذي تتوافر فيه الصفات الأربع التالية :
أولاً: الحكمة المتمثلة في حب المعرفة والبحث عنها
ثانياً: الشجاعة أو القوة المعنوية والأخلاقية
ثالثاً: الاعتدال في الأهواء والشهوات.
رابعاً: العدل، أي تحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق الإتاحة لكل فرد في المجتمع أن يقوم بدوره طبقاً لإمكانياته وكفاءاته.
ولكن لتحقيق نظام سياسي كهذا ينبغي بحسب أفلاطون أن يمتلك الحكام أنفسهم هذه الصفات الأربع، وأن يجسّدوها في شخوصهم.
من هنا أطروحة أفلاطون الشهيرة عن الفلاسفة الملوك، أو الملوك الفلاسفة. بمعنى ينبغي أن يكون رأس الدولة فيلسوفاً. وهو حلم طوباوي بطبيعة الحال، ولكن المقصود به أنّ الفيلسوف برجاحة عقله وحكمته هو وحده القادر على تحقيق الحكم العادل.
أما أوصاف الطاغية عند أفلاطون فهي: كائن حيواني ينشغل بالملذات المتقلبة, نقيض الروح الخالدة, هو من أتعس العالمين ومدينته مدينة شقية" .
الاخلاق عند الفيلسوف أرسطو ( 284 -322 ق.م ) :
ارسطو هو أول من استخدم مصطلح الأخلاق أو الحكمة العملية من أجل صياغة الأفكار عن الواجب والخير والشر، وهو أيضاً أول من استخدم مصطلح الاستبداد وقارنه مع مصطلح الطغيان، وقال إنهما نوعان من الحكم يعاملان الرعايا على أنهم عبيد، وكان مثل استاذه ومعلمه أفلاطون، يرى أن أفضل أشكال الحكم هو النظام الأرستقراطي الذي يعتمد حكم الأقلية من النخبة المختارة ، ورفض الديمقراطية لأنها كما يقول تقوم على افتراض كاذب بالمساواة منسجماً بذلك مع أفلاطون وسقراط ، وهو القائل بأن "هناك أخلاق للعبيد وأخلاق للسادة ، فمنذ المولد هناك اناس معدون للعبودية واناس معدون للإمارة" .
" فأرسطو يعرف الخير في كتابه ”الأخلاق” بأنه ما يبحث عنه البشر، وما يشكل غاية قصوى لأفعال الناس”أنه ما تنزع إليه الأشياء أجمعها”. ولكن إذا كانت الخيرات متعددة، فما هو الخير الأسمى؟ يجيب أرسطو بالقول أنه السعادة، لأنها الخير المطلق المطلوب لذاته، فهو الغاية القصوى للإنسان. بيد أن السعادة ليست مفهوما ذاتيا أو نفسيا، وليست رغبة أو منفعة، انها حسب تعريف أرسطو "تحقيق الفضيلة" ليس بمعنى التزام قاعدة قانونية أو ضوابط إجرائية، بل الانسجام مع الطبيعة الإنسانية ذاتها. أي السعي لتحقيق السلوك الذي يضمن اكتمال وتحقق الإنسان. الحياة الفاضلة = السعادة = التحديد الأخلاق.
الاخلاق في ي العصر العبودي الذي إمتد حتى نهاية القرن الرابع الميلادي ظهرت ثلاث تيارات رئيسية هي/ :
1- الريبية – مذهب الشك: ومن أشهر فلاسفتها "بيرون (365-275 ق.م) ، الانسان عندهم عليه "ألا يتخذ موقفاً من ظواهر الطبيعة أو الحياة، وإذا أراد أن يعيش سعيداً عليه أن لا يفكر فيها"، إنها دعوة مبكرة إلى أن يظل الإنسان أبلهاً أو مكرهاً على الإستسلام للظلم .
2- الفلسفة الابيقورية : نسبة إلى الفيلسوف "ابيقور" ( 341-270ق.م) ، كان داعية للاستسلام والخنوع والتأمل وهي صفات صبغت المرحلة اللاحقة حتى القرن الرابع عشر .
3- الرواقيون :- اشهر فلاسفتهم زينون الفينيقي (334 ق.م – 262 ق.م)، دعوا ايضاً الى الاستسلام والسكون ورفضوا مبادىء ابيقور الالحادية ، وقالوا بأن الانسان الحكيم هو الذي يؤثر مصلحة الدولة على مصلحته الخاصة او الذاتية.
الاخلاق في المرحلة الاقطاعية منذ القرن الخامس الميلادي حتى القرن السابع عشر 9/:
في هذه المرحلة سادت أخلاق الارستقراطية الاقطاعية ذات الطابع المسيحي ، التي استطاعت تكييف الدين المسيحي لحساب مصالحها الطبقية ، حيث سادت الأفكار والفلسفات الرجعية في ذلك العصر (الافلاطونية المحدثة والسكولائية) ونجحت في تثبيت ما سمي ب" أخلاق السادة النبلاء" مقابل أخلاق الطبقات الشعبية الفقيرة التي فرضت عليها ظروف الاستبداد والقهر ، أن تمتثل لكل أشكال التفكير الغيبي والاعراف والتقاليد والامثال الشعبية المنبثقة عنه ، وهي أفكار أكدت على أن الخضوع للسادة هو نوع من الايمان وبالتالي فإن التمرد عليه نوع من الكفر (وهي أفكار تشبه وتتقاطع إلى حد بعيد مع الاخلاق والأمثال الشعبية التي سادت في التاريخ الاسلامي وما تزال حتى اللحظة الراهنة) .
الاخلاق عن نيقولا ميكافيللي (1469 – 1527) /:
هو من أوائل المنظرين السياسيين البرجوازيين ، حاول في مؤلفاته البرهنة على أن البواعث المحركة لنشاط البشر هي الأنانية و المصلحة المادية، وهو صاحب مقولة:" أن الناس ينسون موت آبائهم أسرع من نسيانهم فقد ممتلكاتهم" ، إن السمة الفردية والمصلحة عنده هما أساس الطبيعة الإنسانية؛ ومن جانب آخر فقد رأى أن القوة هي أساس الحق في سياق حديثه عن ضرورة قيام الدولة الزمنية المضادة ( البديلة ) لدولة الكنيسة؛ ويؤكد على أن ازدهار الدولة القوية المتحررة من الأخلاق ، هو القانون الأسمى للسياسة وأن جميع السبل المؤدية لهذا الهدف طبيعية ومشروعة بما فيها السبل اللاأخلاقية ( كالرشوة والاغتيال ودس السم والخيانة والغدر )؛ والحاكم عنده يجب أن يتمتع بخصال الأسد والثعلب ، وسياساته هي سياسة "السوط والكعكة"؛ هذه هي النزعة الميكافيلية التي تبرر كل شيء للوصول إلى الهدف السياسي ، وهي توضح معنى الفردية والإقرار بالاهتمامات الشخصية.
الاخلاق عند فرنسيسس بيكون " ( 1561_ 1626) /:
الذي أعلن "بأن المبدأ الذي ينظم الحياة الفردية والحياة الاجتماعية إنما يتجلى في الطبيعة البشرية بنزعاتها وميولها وما تضمر من عواطف وغرائز ، "فالطبيعة البشرية هي المنطلق الأصيل في بناء الأخلاق" ولكن ذلك مرهون بتطهير العقل وغسله من التصورات والأوهام السابقة (أوهام القبيلة، أوهام الكهف، وأوهام السوق) لكي يتصدر العلم والعلماء قمة البناء" .
لقد كان بيكون -كما يقول ول ديورانت- "أعظم عقل في العصور الحديثة" قام بقرع الجرس الذي جمع العقل والذكاء وأعلن أن أوروبا قد أقبلت على عصر جديد .
الاخلاق عند رينيه ديكارت ( 1596 م. _ 1650 م. ) :
فيلسوف فرنسي وعالم رياضيات وفيزيائي وعالم فسيولوجيا ،فمع ديكارت ظهرت الفلسفة الحديثة حيث يعتبر في مبحث المعرفة مؤسس المذهب العقلاني ، هذا المذهب الذي يرتكز عنده على مبدأ الشك المنهجي أو الشك العقلي "الشك الذي يرمي إلى تحرير العقل من المسبقات وسائر السلطات المرجعية" ومن سلطة السلف ، الشك الذي يؤدي إلى الحقيقة عن طريق البداهة العقلية كالحدس_ التحليل_ التركيب .
لقد أقام "ديكارت" وفق أسس الشك المنهجي والبداهة العقلية؛ يقينه الأول من مبدأه البسيط الذي عرفناه من خلاله "أنا أفكر.. أنا موجود" ، هذا المبدأ الأول هو بداية كل فكر عقلاني وهو ما سنجده مضمراً وصريحاً في الفلسفة العقلانية من ديكارت إلى ماركس، إنه المبدأ الذي وضع الذات والموضوع في علاقة ضرورية عقلية ديالكتيكية، وأسس مبدأ وحدة الفكر والوجود.. لكن "ديكارت" رغم ذلك كله فصل بين العقل والطبيعة بإرجاعها إلى ماهيتين مختلفتين هما: الفكر والامتداد، ولجأ إلى الإرادة الإلهية للربط بينهما.
وفي هذا السياق يؤكد المفكر العربي "إلياس مرقص" أن: شرط تأسيس العقلانية في الفكر العربي يقتضي أولاً دراسة لمقولة العقل وابراز مقولة الفكر وتوابعها ولاسيما "المفهوم" ومقولة "الشكل" ويقتضي ذلك العودة إلى المبدأ الديكارتي العقلي "أنا أفكر.. أنا موجود" الذي يؤسس العقلانية على مفهوم الإنسان الفرد و الخاص و العام أوالكلي؛ الأنا التي قوامها الفكر والعمل ويقتضي ذلك أيضاً مجاهدة النفس ونبذ أوهامها ومسبقاتها وكبح أهوائها ونزواتها وجموحها على صعيد الفرد والجماعة والطبقة والأمة والحزب.

"الاخلاق عند باروخ سبينوزا" (1632-1677) :
يقول المؤرخ الفرنسي ول ديورانت في كتابه " قصة الفلسفة " أن سبينوزا وضع فلسفة سياسية عبرت عن آمال الاحرار والديمقراطيين في هولندا في ذلك الوقت، وأصبحت احدى المنابع الأساسية لجدول الأفكار التي بلغت أوجها في روسو والثورة الفرنسية.
يقول سبينوزا "ليست الغاية الأخيرة من الدولة التسلط على الناس أو كبحهم بالخوف، ولكن الغاية منها ان تحرر كل انسان من الخوف كي يعيش ويعمل في جو تام من الطمأنينة والأمن."
ويضيف قائلا "انني أكرر القول بان الغاية من الدولة ليست تحويل الناس إلى وحوش كاسرة والآت صماء، ولكن الغاية منها تمكين اجسامهم وعقولهم من العمل في امن واطمئنان ، وان ترشدهم إلى حياة تسودها حرية الفكر والعقل، كيلا يبددوا قواهم في الكراهية والغضب والغدر، ولا يظلم بعضهم بعضا. وهكذا فإن غاية الدولة هي الحرية في الحقيقة. "
ان هدف الدولة هو الحرية، لأن عمل الدولة هو ترقية النمو والتطور، والنمو يتوقف على المقدرة وتوفر الحرية.
اذ ان حرية الكلام والاحتجاج والنقد ستؤدي في النهاية إلى تغيير الأوضاع الفاسدة بالوسائل السلمية.
وكلما زادت الحكومة في مكافحة حرية الكلام وخنقها، كلما زاد الشعب عنادا في مقاومتها، ولن يتصدى لمقاومة هذه القوانين أصحاب الشره والطمع من رجال المال، بل أولئك الذين تدفعهم ثقافتهم واخلاقهم وفضائلهم إلى اعتناق الحرية، فقد جبل الناس بوجه عام على الا يطيقوا كبت آرائهم التي يعتقدون بانها حق والا يصبروا على محاربتها واعتبارها جرائم ضد القانون، وعندئذ لا يعتبر الناس ان مقت القوانين والامساك عن مقاومة الحكومة عار وخزي بل شرف عظيم.
وينتهي سبينوزا بقوله "فكلما قلت رقابة الدولة على العقل، ازداد المواطن والدولة صلاحاً"، واذا نال الناس هذه الحرية، فلن يضيرهم أي نوع من أنواع الحكومة تتولى امورهم، سواء كانت ديمقراطية أو ارستقراطية أو ملكية أو غيرها، وهنا سبينوزا يميل إلى تفضيل الحكومة الديمقراطية.

الاخلاق عند جون لوك جون لــوك ( 1632م. – 1704م. ): عصر التنوير والمساواه :
رفض وجود أية أفكار نظرية مسبقة في الذهن.. فالتجربة بالنسبة له هي المصدر الوحيد لكافة الأفكار..! وحول فلسفته يقــول ماركس :"لقد أقام لوك فلسفة العقل الإنساني السليم.. أي أنه أشار بطريقة غير مباشرة إلى أنه لا وجود لفلسفة إلاَ فلسفة البصيرة المستندة إلى الحواس السليمة".
ومن آرائه الاجتماعية والسياسية قوله: "بأن مهمة الدولة هي صيانة الحرية والملكية الفردية، وعلى الدولة أن تسن القوانين لحماية المواطن ومعاقبة الخارجين عن القانون" وقال أيضاً " إن الحالة الطبيعية للبشر تتأكد عند سيطرة الحرية والمساواة كمفاهيم أساسية تحكم المجتمع "؛ وتتوزع السلطة عنده إلى سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة اتحادية.. كما طالب بالفصل التام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وقد دعمت آراؤه التوجهات الليبرالية في بريطانيا آنذاك .
الاخلاق عند مونتسكيو (1689 - 1755) :
في كتابه روح القوانين رفض الاستبداد، ودافع عن الحرية، وأكد على ضرورة فصل السلطات ، رافضاً للحكم المطلق ونظام الاستبداد، لأنه حكم يسوده شخص واحد بلا قوانين ولا أحكام ويسير كل شيء بإرادته ومخاتلاته.
ومونتسكيو يعد الاستبداد نظاما طبيعيا بالنسبة للشرق لكنه غريب وخطر على الغرب، وهي نفس الفكرة الأرسطية التي يقسم فيها العالم إلى شرق وغرب, للشرق أنظمة سياسية خاصة لا تصلح إلا له وهي بطبيعتها استبدادية يعامل فيها الحاكم رعاياه كالحيوانات أو كالعبيد، وللغرب أنظمة سياسية خاصة تجعل تطبيق الاستبداد يهدد شريعة النظام الملكي .
الاخلاق عند جان جاك روسو ( 1712 -1778 ) :
جاء الفيلسوف روسو ليعلن أن الوجدان غريزة الهية معصومة ودعا إلى المساواة بين البشر وأن يظل الناس أحرارا كما ولدوا.
كما اعتبر روسو "أن الاستبداد في الأصل ليس نظاماً سياسياً، إنه عملية اغتصاب للسلطة، يترتب عنها أن المغتصب يضع نفسه فوق القانون" .
"ومعلوم عن روسو انه نهض في عزّ عصر التنوير لكي يطلق صرخته المدوية: لا لعلم بدون أخلاق، لا لحضارة بدون ضمير! والتنوير إذا لم يكن مبنياً على قيم العدالة والمساواة واحترام الحقيقة فإنه بلا أسس حقيقية" .
الاخلاق عند فولتير (1694-1778) :
عاش فولتير كل حياته مناضلاً من أجل الديمقراطية وحرية الرأي ضد التعصب الديني.
لقد خلد تاريخ الثقافة اسم فولتير.. فهو الكاتب الكبير والعالم السيكولوجي وفيلسوف الحضارة والتاريخ؛ عاش كل حياته مناضلاً ضد الكنيسة والتعصب الديني وضد الأنظمة الملكية وطغيانها؛ وقد تعرض بسبب آراؤه للملاحقة والأضطهاد حتى أنه قضى معظم سنوات عمره بعيداً عن فرنسا في ألمانيا وسويسرا (جنيف) وكتب فيها أجمل مؤلفاته "كانديد".
الاخلاق عند ايمانويل كانط ( 1724 -1804 ) :
كانط هو صاحب المذهب الانتقادي، وأخلاق العقل، وهو القائل بوحدة العقل النظري والعملي، وأن العقل العملي المحض يصدر أوامر مطلقة هي قوام الوجدان الأخلاقي، وتتميز بانها قطعية ترفض المحاباة ، وتوجب القيام بالواجب فعل الجندي الذي ينفذ ما به يؤمر أولاً.
يعرف كانط الأخلاق، عامةً بأنها مجال الحرية للبشرية، المتميز عن ميدان الضرورة الخارجية والسببية الطبيعية، الأخلاق عند كانط ، مجال اللازم (ما يجب أن يكون) هذا التعريف صحيح من حيث المبدأ ولكنه لا يرتكز، في فلسفة كانط ، الى فهم الطبيعة الاجتماعية للأخلاق وقولة بأن المثال الأخلاقي لا يتحقق إلا في العالم الآخر .
ذهب كانط الى أن الواجب هو المفهوم المركزي في الأخـلاق وهو الذي يحدد مفهوم الخير (والخير هو فعل الواجب) وعلى هذا النحو يترتب على الإنسان عند كانط، أن يؤدي واجبة من أجل الواجب نفسة.
ذهب كانط الى أن الواجب هو المفهوم المركزي في الأخـلاق وهو الذي يحدد مفهوم الخير ( والخير هو فعل الواجب ) وعلى هذا النحو يترتب على الإنسان عند كانط ، أن يؤدي واجبه من أجل الواجب نفسه .
يُعَرفّ كانط الأخلاق ، عامةً بأنها مجال الحرية للبشرية.
والى جانب كانط ، فقد حفلت الثقافة الألمانية بآراء فيخته وشلنغ وهيغل ومحاولاتهم بناء الأخلاق على نحو من الجدل الثلاثي (ديالكتيك) وقد أوصل الأول إلى المثالية الذاتية والثاني إلى المثالية الموضوعية والثالث (هيجل 1770 – 1831 ) إلى المثالية المطلقة ، حيث تقوم خصوصية مذهبه الأخلاقي في أنه طرح جانباً الجدل الدائر حول المبادئ الأخلاقية المجردة ، ليركز الاهتمام على الأشكال الاجتماعية (عبر الالتزام الاخلاقي تجاه الاسرة والمجتمع والدولة) ، التي فيها يتم نشاط الشخصية الأخلاقي مكان الفضيلة الخلقية .
الاخلاق عند هيجل ( 1770_ 1831):
تقوم خصوصية مذهبه أخلاقي في أنه طرح جانباً الجدل الدائر حول المبادئ الأخلاقية المجردة ، ليركز الاهتمام على الأشكال الاجتماعية ، التي فيها يتم نشاط الشخصية الأخلاقي التي فيها يتم نشاط الشخصية الأخلاقي مكان الفضيلة الخلقية .
يُنَصِّبْ هيجل " الشرف " المعتمد من قبل المجتمع والدولة القائمين ، وهكذا قان أخلاق هيجل هي أخلاق التزامات تجاه الأسرة والمجتمع والدولة .
أما أوغست كونت ( 1798 _1857 ) ، فالأخلاق لديه علم يهدف أول ما يهدف إلى البحث عن قوانين الحوادث الأخلاقية ، وهو صاحب نظرية" الحالات الثلاث " ، التـي تــقول أن المفكر البشري مـر خلال مسيرته "بثلاث حالات " أو مراحل من التطور :
1- الحالة اللاهوتية أو التفسير الديني .
2- الحالة الميتافيزيقية وتتميز باعتماد العقل المجرد بواسطة التكامل والاستنباط .
3- الحالة الوضعية التي تتميز باعتماد العلم في فهم وتفسير الظواهر الطبيعية والبشرية وهي الحالة "المعاصرة" التي دعا الى الأخذ بها .
وبعد أن استبعد كونت أساليب كل من التفكير الميتافيزيقي واللاهوتي، استبدل بهما مناهج التفكير العلمي أسوة بالعلماء الطبيعيين، فاتجه إلى "وضع قوانين تفسير الظواهر اللا أخلاقية توطئة للسيطرة عليها والإفادة منها في دنيانا الحاضرة".
والخصائص الرئيسية للأخلاق الوضعية كما نظر إليها كونت تتحدد وفقا لما يلي :
أولًا: أنها تقوم على أساس العلم الوضعي وتحقق صفاته، ولهذا فهي حقيقية، أي تقوم على الملاحظة لا على الخيال وتنظر إلى الإنسان كما هو كائن بالفعل لا على النحو الذي يتخيل أن يوجد عليه.
ثانيًا: أن الأخلاق نسبية، وتستمد نسبيتها من نسبية المعرفة وليس لها طابع مطلق كما كان يرى كانط.
الاخلاق عند نيتشه (1844 – 1900):
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت أفكار نيتشة ، التي تدعو الى تدمير الأخلاق القديمة وتمهيد الطريق لأخلاق " الإنسان الأعلى " ، انطلاقاً من قناعته بأن هناك تقديران متناقضان للسلوك الإنساني ، هما أخلاق السادة ، وأخلاق الطبقات العامة.
فالخضوع عنده يولد الذل والضعة ، والعجز ينتج طلب المساعدة من الغير ، حيث تسود أخلاق الضعف والسلام والأمن وتصبح أحد أهم السمات الأخلاقية للشعوب المستعبدة والمغلوبة على أمرها ، فالحياة التي تقوم على مبادئ التسامح الضعيف هي حياة تسير في طريق الانحلال ، فالأخلاق الحقة هي إرادة القوة.
فالضعيف فاتر الهمة الذي يقول " إن الحياة لا تساوي شيئاً " خير له أن يقول " إنني لا أساوي شيئاً " هكذا كان نيتشة واضحاً وصريحاً في احتقاره للضعفاء ، وكان بالمقابل مغالياً في تمجيد القوة ، فالإنسان الأعلى عنده هو فرد متفوق يرتفع بشجاعته من وسط الشعب بفضل تربيته القوية لا بفضل الانتخاب الطبيعي أو أي عامل آخر .
كان نيتشة يحتقر أخلاق العبيد أو الضعفاء لأنها أخلاق صادرة عن الضعف والعجز بينما أخلاق الأقوياء أو " السادة " كما يقول : تقوم على البطولة والمقدرة.. إنها أخلاق الأقوياء "الخير" فيها يكون خيراً بمقدار ما يعبر عن شعور الفرد بالقوة، فإذا صدر منه فعل الخير فذلك يكون عن بطولة وامتلاء وبذل ، لا عن خوف أو إكراه .
أما العبيد فانهم يلجأون الى تسمية الأشياء بعكس أسمائها الحقيقية . وهكذا فالشعور بالعجز يسميه العبد " طيبويه " ، وعدم القدرة على رد الفعل يسميه " صبراً " كما يسمي الخضوع " طاعة " و الوضاعة " تواضعاً " والعجز عن الانتقام " عفواً " وهكذا.
وسؤالي الى أي مدى تنطبق أخلاق العبيد على العرب اليوم ؟ وما هو البديل ..؟ هل هي إرادة الحياة ؟ هل هو الإنسان الذي يثور ضد العدو الوطني ، وضد العدو الطبقي ، إلى جانب ثورته على الأخلاق السائدة وأضاليلها ؟ هل هو الإنسان الذي يثور على الشفقة وعلى الرحمة وعلى الصبر والتواضع والتواكل ؟ الجواب أتركه لكم .
الاخلاق عند فرويد (1856 – 1939) :
بعد نيتشه ، ظهرت الفرويدية (أو مذهب التحليل النفسي)، انتشر بشكل واسع في البلدان الرأسمالية الغربية، على يدي الطبيب النفسي النمساوي سيغموند فرويد الذي قال بأن دوافع الانسان واخلاقياته هي انعكاس لميوله اللاشعورية ، ولا سيما الجنسية ، انه العنصر الأولي لعالم الإنساني الداخلي – "الهو" ( اللاشعور) الذي يفعل كقوة بدون وجهة ، كنزوع يتخذ اتجاهه في " مبدأ اللذة " ويتجلى عند الرجل في عقدة متناقضة من الميول الجنسية نحو الأم وفي بواعث عدوانية تجاه الأب .
الاخلاق عند هربرت سبنسر (1820 – 1903) :
مصدر الأفكار والآراء حول الأخلاق التي نادى بها "سبنسر" قد تشكلت على أساس بيولوجي أو التفسير التطوري، بفضل نظرية دراوين ولا مارك عن أصل الأنواع " وعن " الانتقاء الطبيعي "، حيث يربط "سبنسر" فكرة الضمير الأخلاقي بالفكرة العامة أو فكرة الأخلاق المكتسبة ، وهي فكرة "بقاء الأصلح" في تطبيقها على الواقع الاقتصادي والبقاء للأقوى فيه .
الاخلاق عند وليم جيمس (1842 – 1910):
تأثر وليم جيمس بالمفكر الأمريكي تشارلز بيرس مؤسس فلسفة البرجماتزم صاحب مقولة " لكي نجد معنى للفكرة ينبغي أن نفحص النتائج العملية الناجمة عن هذه الفكرة " .
لم يقتنع وليم جيمس بالفلسفة التي تقوم على التفكير والتأمل ورأى أن لا قيمة للأمور في نظره إلا إذا أرشدتنا الى تحسين أوضاع حياتنا، فالناس يقبلون الفلسفات أو ينبذونها وفقاً لحاجاتهم لا وفقاً للحقيقة الموضوعية، وهم لا يتساءلون : هل هذا منطقي ، بل يتساءلون عن مدى ما تتناسب الفلسفة مع مصالحهم .
لا قيمة إلا للفرد ، وكل ما عدا ذلك فهو وسيلة ، وهكذا يرى دور الدولة وواجبها في خدمة الأفراد رجالاً ونساءاً، والأخلاق هنا مبنية على هذا الأسس.
جون ديوي (1859 – 1952) :
بعد وليم جيمس ، جاء تلميذه جون ديوي الذي قال أن النمو و التطور ، هما أعظم الأشياء وأفضلها وأجدرها بالاحترام، لقد جعل ديوي من النمو والتطور مقياسه الأخلاقي ، فالنمو في نظره هو المقياس الأخلاقي وليس الخير المطلق .
كما يقول " لكي تكون فاضلاً (أو أخلاقياً) لا يعني ذلك أن تكون طيعاً وأنيساً ، إذ أن الفضل بغير مقدره ، فضل اعرج ، ولن تنفعنا فضائل العالم كلها إذا كان ينقصها الذكاء والعقل... لأن الجهل هو حالة استبعاد وفقدان للوعي وليس نعمة أو سعادة .
الاخلاق عند عالِم الاجتماع الألماني ماكس فيبر (1864 ـ 1920) :
رأى فيبر أن الحداثة المعاصرة، وانتقال العالم من العصر القديم إلى العصر الحديث، يمكن إرجاعه إلى سببين رئيسيين، هما : «روح» الرأسمالية، و«الأخلاق» البروتستانتية .
من خلال دراساته استنتج فيبر أن الرأسمالية ، وهي التي خلقت العالم الحديث، لم تنشأ إلا في تلك البلاد التي تحولت إلى البروتستانتية ، مثل بريطانيا وألمانيا وهولندا ، وذلك لأن الأخلاق التي تبشر بها البروتستانتية، على خلاف الكاثوليكية أو الأرثوذكسية ، تدعو إلى العمل والإنتاج وتكوين الثروة ، والنجاح في مثل هذا المسعى هو علامة رضا من الرب .
فالكاثوليكية التقليدية مثلا كانت ترى أن الثراء هو امتحان من الرب ، وأن الغني الذي لا يتخلى عن ثروته من أجل الرب لن يدخل الجنة . أما البروتستانتية، أو ما بشرت به تعاليم لوثر وكالفن وغيرهما، في تفسير مختلف للأناجيل، فهو أن الثراء دلالة على النجاح، والنجاح في الحياة الدنيا هو علامة رضا من الرب، وعلى ذلك فإن المؤمن الحق هو من يسعى وينجح، وبذلك كانت الأخلاق البروتستانتية –عند فيبر - هي الحاضن لروح رأسمالية تكمن وراء كل إنتاج أو إبداع .
إن الأخلاق الجديدة – في المجتمعات الرأسمالية ، عبرت بوضوح عن المصالح الفردية للبورجوازية وشكلت أداتها الفكرية في تدعيم سيطرتها ، وهي تنطلق من أن الملكية الخاصة هي ماهية الإنسان الاجتماعي ، كما تنظر إلى نشاط رجال الأعمال على أنه مغزى الحياة البشرية وهدفها ، وترى فيه معيار كرامة الفرد وحب الرفعة والعدالة التي تعني هنا المنفعة المتبادلة ، أما الحرية فهي تعني حرية المنافسة الرأسمالية شرط لحرية الفرد .
والحقيقة أن جوهر الأخلاق البورجوازية يقوم على الفردية والأنانية، أنها أخلاق لا تعترف ، في العلاقات بين الناس ، إلا برابطة واحدة هي المصلحة العارية ، والمنفعة الخاصة والكسب الشخصي ، أنها الأخلاق التي تبرر الحروب وكراهية البشر ، وان الحق دائماً إلى جانب القوة ،كما يتبدى نفاق الأخلاق البورجوازية بالدعوة إلى "حقوق" الشخصية " وحريتها " التي يروجون لها اليوم في إطار حقوق الإنسان والديمقراطية وهي كلها تركز على الحقوق بالمعنى الفردي الرأسمالي وليس بالمعنى المجتمعي.
إن الوعي الأخلاقي البورجوازي ، بتبريره الرأسمالية مضطر لتبرير العيوب والرذائل الناجمة عنها ، وهو يعتبر أن الإجراءات اللاأخلاقية شيئاً مقبولاً ، وضرورياً أحياناً ، أنه يتدنى إلى مستوى الكلبية cynicism التي تحتقر آداب وثقافة المجتمع وقيمه الروحية والأخلاقية.
فالمعروف إن البرجوازية بعد استيلائها على السلطة ، تسعى إلى ممارسة الحلول الوسط ليس فقط في السياسة بل و أيضاً في الأخلاق سواء عبر تحالفها مع بقايا الأرستقراطية أو إقامة أية تحالفات غير أخلاقية لكبح الحماس الثوري للجماهير ، هذه الصورة تتجلى بوضوح في بلدان وطننا العربي في التحالف الراهن لقوى البرجوازية الكومبرادورية والبيروقراطية مع حركات الإسلام السياسي الذي يعبر عن حالة الانكفاء نحو الأساليب الاستبدادية القديمة أو التوتاليتارية في إطار التخلف والتبعية و التطور المشوه.
من كل ما تقدم ، نلاحظ انتقال المسألة الأخلاقية في عصر النهضة أو في حضارة الغرب الرأسمالي عموما ، من مستوى الدين الآمر ، والفكر اللاهوتي إلى مستوى الفكر الانتقادي ، وأصبحت قواعد الأخلاق الرأسمالية موضوعاً من مواضيع الثقافة الإنسانية "دون القطيعة الكاملة مع جوهر الدين" ، فقد تضاءلت –كما رأينا- فكرة المذاهب الأخلاقية القديمة على أثر انتشار النزعات الأخلاقية الذرائعية الى جانب الفلسفة الوجودية ،كيركغارد، سارتر، كامو، دي بوفوار ، علاوة على سان سيمون وشارل فورييه وروبرت أوين وغيرهم من الاشتراكين الطوباويين والفلاسفة والمفكرين العقلانيين في عصر النهضة الذين قدموا اسهامهم في علم الأخلاق، حيث حاولوا أن يتنبئوا وأن يصوروا علاقات أخلاقية جديدة بين الناس ، واسهموافي توليد مفاهيم وأفكار ومدارس فلسفية جديدة معلنة موت النظام الاقطاعي القديم وميلاد عصر جديد للبشرية ، عصر الثورات البرجوازية الأوربية التي كانت بمثابة الإعلان الحقيقي لعصر النهضة أو عصر الحداثة ، ووضعت قواعد الأخلاق الجديدة .. أخلاق الديمقراطية البورجوازية الليبراليه .

الاخلاق عن كارل ماركس:( 1818 – 1883 ):
كان ماركس فيلسوفاً مادياً جدلياً " رفض فهم الفلسفة على إنها علم مطلق ، غريب عن الحياة العملية والنضال، مؤكداً إن مهمة الفلسفة والفكر الاجتماعي ليست بناء أو إنشاء Construction المستقبل ، ولاوضع نظريات تصلح لجميع العصوروالدهور، بل إن مهمتها " النقد الذي لايرحم لكل ماهو قائم ، نقد لايرحم بمعنيين ، لايهاب استنتاجاته الذاتية ، ولا يتراجع أمام الاصطدام بالسلطات القائمة ، إن مأثرة فلسفة ماركس تكمن في كونها البرهان الفلسفي والعملي في آن واحد على حتمية التحويل الجذري للمجتمع نحو الانعتاق والتحرر والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية رغم كل ما يتبدى اليوم من عوامل القهر والتخلف .
وبإزاء هذه الحركة قامت الفلسفة المادية الجدلية عبر إعلان ماركس عن "فلسفة علمية تقوم على مبدأ المادية التاريخية المتطورة تبعا لحتمية جدلية صارمة هي حتمية الصيرورة والغائية، فقد بين كل من ماركس وانجلز أن الأخلاقيات يحددها النظام الاقتصادي والاجتماعي للأمة، وأنها نتاج تاريخي . ورسم ماركس وانجلز – في تعاليمهما - الدرب الصحيح إلى السعادة والعدالة والحرية ، إن ماركس ، باكتشافه القوانين الخاصة ، المميزه لتطور الرأسمالية ، اكتشف – في السياق نفسه – " المفهوم العام عن القانون ، بما في ذلك الفهم العملي للقوانين الأكثر شمولاً لتطور الطبيعة والمجتمع والمعرفة ، ويأتي وصف ماركس للقانون العام للتراكم الرأسمالي مثالاً رائعاً على هذا البحث الملموس للقوانين الشاملة لكل تطور ، إن هذا القانون يعكس العلاقة المتبادلة بين إثراء طبقة الرأسماليين وبين تفاقم بؤس الطبقة العاملة والكادحين ، فكلما ازداد تراكم في أحد قطبي المجتمع يزداد بالمقابل تراكم البؤس في القطب المعاكس ، ولذا فإن التراكم الرأسمالي لايؤدي إلى القضاء على الفقر : كما يروج أصحاب الأفكار الليبرالية والديمقراطية الكاذبة ، بل إنه على العكس ينتج الفقر باستمرار ، ذلك إن هذا الفقر هو الشرط الرئيسي للغنى في صيغته الرأسمالية (ولذلك قيل: إن رأس المال ينزف دماً من جميع مساماته..)، كما أن تفاقم التناقضات بين الرأسماليين والكادحين وجموع الفقراء ، سيقود بالضرورة إلى أذكاء نضال الفقراء الطبقي ، والتعجيل بعملية التغيير والثورة . كذلك أقامت الماركسية البرهان العلمي على أن الحل المادي لكافة مشكلات الحياة الاجتماعية – بما في ذلك الأخلاق- إنما ينبع من الحل المادي لمسألة علاقة الوجود الاجتماعي ، بالوعي الاجتماعي الذي بدوره يمارس تأثيراً عكسياً على الوجود الاجتماعي .
الأخلاق الاشتراكية :
يتمثل جوهر الأخلاق الاشتراكية في الدفاع عن مصالح الفقراء والكادحين بما يتطابق مع القيم الأخلاقية التي تخدم التقدم الاجتماعي على المستوى الإنساني كله، وهي تقوم علـى :
1- أخلاق جماعية ديمقراطية، ومبدؤها الأساسي أن الفرد من أجل الجميع، والجميع من أجل الفرد، وهو مبدأ يتنافى مع الأنانية وحب الذات والنفعية الذاتية، ويجمع بصورة منسجمة بين المصالح الشعبية العامة والجماعية والشخصية.
2- أخلاق إنسانية، وهي تسمو بالإنسان وترسخ العلاقات الإنسانية حقا بين الناس، ونقصد بذلك علاقات التعاون الرفاقي والتعاضد وحسن النية والنزاهة، والبساطة ، والتواضع في الحياة الشخصية والاجتماعية.
3- أخلاق نشيطة وفاعلة، وهي تشجع المواطنين على تحقيق المآثر الإيجابية الجديدة في العمل والإبداع على المستوى الوطني والانساني العام.


سارتر والفلسفة الوجودية:
جان بول سارتر ( 1905 - 1980 ): هو فيلسوف وروائي وكاتب مسرحي كاتب سيناريو وناقد أدبي وناشط سياسي فرنسي.
درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. حين إحتلت ألمانيا النازية فرنسا، إنخرط سارتر في صفوف المقاومة الفرنسية السرية. عرف سارتر واشتهر لكونه كاتب غزير الإنتاج ولأعماله الأدبية وفلسفته الوجودية
الوجودية: تيار فلسفي يميل إلى الحرية التامة في التفكير بدون قيود ويؤكد على تفرد الإنسان، وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى مُوَجِّه. وهي جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة، وليست نظرية فلسفية واضحة المعالم، ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار. وتكرس الوجودية في التركيز على مفهوم أن الإنسان كفرد يقوم بتكوين جوهر ومعنى لحياته. ولقد ظهرت كحركة أدبية وفلسفية في القرن العشرين، على الرغم من وجود من كتب عنها في حقب سابقة. فالوجودية توضح أن غياب التأثير المباشر لقوة خارجية (الإله) يعني بأن الفرد حر بالكامل ولهذا السبب هو مسؤول عن أفعالهِ الحرة. والإنسان هو من يختار ويقوم بتكوين معتقداته والمسؤولية الفردية خارجاً عن أي نظام مسبق. وهذه الطريقة الفردية للتعبير عن الوجود هي الطريقة الوحيدة للنهوض فوق الحالة المفتقرة للمعنى المقنع (المعاناة والموت وفناء الفرد).
"الفكرة الرئيسية في الفلسفة الوجودية تتجلى في أن "الوجود يسبق الماهية" بمعنى أن البشر أحرار في تقرير مصيرهم، إذ أنهم يخلقون هويتهم وليسوا متلقين لها. ونحن مسؤولون مسؤولية كاملة عما نؤول إليه.
"الإنسان ليس شيئاً سوى ما يصنعه هو من نفسه" وقدم سارتر الحجج تلو الحجج ضد الفكر الماهوي والجبري.
وعمد في سبيل ذلك إلى أن يصف الحرية في وضوح وبساطة – وبساطة شديدة كما رأى بعد ذلك – بانها شكل لا انفصام له عن الوجود البشري".
الأفكار الأساسية للفلسفة الوجودية:
• يؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإِنساني ويتخذونه منطلقاً لكل فكرة.
• يعتقدون بأن الإِنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإِنسان سابق لماهيته.
• يعتقدون بأن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإِنسان.
• يقولون إنهم يعملون لإِعادة الاعتبار الكلي للإِنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره.
• يقولون بحرية الإِنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء، وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء.
• يقولون إن على الإِنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية.
• لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه، إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين.

الاستنتاجات الرئيسية من التلخيص المكثف للفلسفات الأخلاقية :
نستنتج من هذا التلخيص للفلسفات الأخلاقية الغربية اهتمام معظم فلاسفتها بالمفاهيم الانسانية وقيم الاخلاق والعدل والمساواة والديمقراطية والمواطنة وفصل السلطات، إلى جانب عدد من الفلاسفة الذين انطلقوا من رؤى وافكار نقيضة للديمقراطية والمساواة.
وفي هذا الجانب ، أود التأكيد على أنه بالقدر الذي نؤمن فيه بالديمقراطية والحرية والعدل والاخلاق، إلا أنني أود التوضيح إلى أنه بدون الاعتراف بـ"مجتمع المواطنين" في مجتمعنا الفلسطيني وبلداننا العربية، وبأهمية دورهم في فضاء ديمقراطي تتوفر فيه حرية الرأي والمعتقد والعدالة والمساواة...الخ، يكون الحديث عن التحرر الوطني ومقاومة العدو الصهيوني او تطبيق الديمقراطية نوعا من الأوهام أو الشعارات الانتهازية المضللة، لا يراد بها سوى تكريس استبداد السلطة الحاكمة وتفردها، وتحقيق مصالحها بالدرجة الأولى، لكي تستمر في حكمها الإكراهي التسلطي دون مُنازع.
وفي هذا الجانب فان الوحدة الوطنية لا تعني، في أي حال من الأحوال، طمس الفروق ونفي الاختلاف وإلغاء المصالح الخاصة المتعارضة، بل تعني إعادة بناء الوجود الاجتماعي على مشتركات لا تفاوت فيها بين الأفراد والجماعات ولا تنازع عليها.وبالتالي فان المواطنة وفق تفسيرها الحداثي ، هي الشيء المشترك بين جميع المواطنين، فبدون مبدأ المواطنة لا يمكن أن يقوم مجتمع ديموقراطي حديث تسوده التعددية والحريات والعدالة الاجتماعية في إطار وحدته الداخلية . ومن ثم ، يجب إعادة التفكير في مفهوم الدولة الوطنية (والسلطة)، في ضوء الوقائع القائمة على الأرض، أي في ضوء الواقع العياني ، إذ أن التفكير في السلطة أو الدولة وإعادة تعريفها في بلادنا، هو في الوقت ذاته تفكير في مستقبل الأمة العربية وإعادة تعريفها ، بدلالة الدولة الديمقراطية الحديثة، لا بدلالة الرغبات والأوهام الذاتية أو البرامج والرؤى المستندة إلى منطق الإسلام السياسي، الذي يتجاوز الدولة الوطنية أو القومية أو المنطق السياسي اليميني الهابط الذي يراهن على أوهام التحالف الإمبريالي الصهيوني في صياغة السلطة أو الدولة.