من نحن .. وما هويتنا ؟


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 7654 - 2023 / 6 / 26 - 15:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     



إبان الازمات وحالات التراجع والانكسارات والمنعطفات الحادة للأمم والفوضى والتحلل، يبرز مجددا سؤال من نحن، وما هويتا السياسية والثقافية والمجتمعية...؟ وهو سؤال الانتماء والهوية والتي تظهر بإلحاحيتها بسبب الحيرة والضياع ومفاعيل الازمة الوطنية والاجتماعية المتفاقمة التي يعيشها المواطن في وطنه وبين شعبه، وهو سؤال لا يأتي من فراغ، وانما يأتي استنسابيا مع مفاعيل الانكسارات والهزائم والانقسامات أو الانقلابات والأزمات والشعور بالأخطار المداهمة من الثقافات والأفكار اليمينية والرجعية الدخيلة التي تزاحم وعينا ووجودنا، ويتعزز الشعور بفقدان الهوية وفراغ الانتماء وفقدان التوازن الوطني والقومي.
فهل شعوبنا مجتمعاتنا العربية امام ازمة هوية...؟ نعم نحن لسنا امام أزمة هوية فحسب، بل نحن أمام حالة غير مسبوقة من تفكك الهويات الوطنية على الصعيد القطري(وانهيارها على الصعيد القومي) لحساب هويات رجعية رثة متخلفة وتابعة، ذلك إن الواقع الفلسطيني والعربي تداهمه أخطار جمة تستهدف وعيه بهويته وبوجوده السياسي والمجتمعي وأمنه وثقافته، ومن ثم محاولة طمس الجوانب المشرقة– على قلتها - في تاريخنا القديم والحديث، ما يعني، إننا أمام عملية تخريب وهجمة ممنهجه لإفقادنا الهوية القومية الديمقراطية التقدمية العربية الجامعة، ولإحلال بدلاً منها الهويات اليمينية الفرعية والاثنية والطائفية والمذهبية بمختلف منطلقاتها ومصالحها الطبقية التفكيكية الرثة، باعتبار هذه الهويات نقيضا رئيسيا للهوية الوطنية والهوية القومية الجامعة النقيضة لكل المنطلقات والمفاهيم الشوفينية ولكل مظاهر الإكراه الوحدوي.
وحين تتراجع مركزية الهوية القومية العربية لصالح الهويات القطرية والفرعية – كما هو الحال اليوم - ينفتح المجال لهويات طائفية أو اثنية يمينية رجعية ميتافيزيقية تسهم بشكل تدريجي في تأكل الهوية المركزية العربية التوحيدية التقدمية الديمقراطية الجامعة، الأمر الذي يوفر كل الفرص أمام محطات إنذار مبكرة وتاريخية عن إمكانية أفول الهوية الوطنية والهويةالقومية العربية بفعل مجمل السياسات المعادية لهوية المنطقة العربية والغزو الثقافي، الامر الذي يفرض علينا السؤال المصيري والمقلق، من نحن...؟
لقد أكدت حركة التاريخ وتجارب الشعوب أنه لا مجال لحركة ثورية تقدمية يسارية بأن تقدم رسالتها الإنسانية والوطنية وتَعرف نفسها بأنها قوة يسارية تقدمية وأن تنجح في كفاحها الضاري دون أن تعي وتدرك شخصيتها الوطنية والقومية بمضمونها التقدمي، ودون تأصيل وطنيتها وقوميتها، فداخل قوميتنا ينحصر وجودنا الإنساني وداخلها تتبلور ثقافتنا وتاريخنا، فالقومية هي حقيقة ثابته في تطور المجتمعات، فالكيانات السياسية لا تعيش ولا تنجح رسالتها الا داخل وعاء قوميتها الديمقراطية التقدمية الجامعة لكل الاثنيات الكردية والأمازيغية والارمنية والنوبية وغيرها من ناحية وتحترم حق هذه الاثنيات أو الشعوب في تقرير المصير والاستقلال من ناحية ثانية انسجاما مع مضمون موقف لينين الذي يؤكد على النتيجة التالية: "إن المقصود بحرية الأمم في تقرير مصيرها، هو الإنفصال السياسي لهذه الأمم من الهياكل القومية الغريبة، وتشكيلها لدولة قومية مستقلة. وسنري فيما بعد، الأسباب الأخري التي توقعنا في الخطأ إذا فهمنا من حق حرية تقرير مصير أمة من الأمم شيئا آخر غير حق الوجود كدولة قائمة بذاتها "اذ – كما يستطرد لينين بحق – "لن يستطيع شعب أن يكون حرا إذا كان يضطهد شعوبا أخرى.".
إن التمسك بعروبتنا وبهويتنا العربية وتراثنا العربي يصبح خيارا يماثل خيار الوجود أكثر من أي وقت مضى، لا سيما بعد أن أفصحت مرارا القوى الامبريالية والاستعمار الغربي والصهيونية ومعها أنظمة الكومبرادور والتبعية والتطبيع عن استهداف الأمة العربية وتفتيتها، واستيلاد هويات طائفية وهلامية متناقضة ومتقاتلة، تفضي الى مزيد من تجزئة وتقسيم الجغرافيا العربية المقسمة أصلاً، وتقسيم الشعب العربي بما فيه كياناته الوطنية الى كيانات قبلية وعشائرية فاقدة لهويتها الوطنية ولهويتها التي تشكلت عبر التاريخ.