الرئيس الجديد


حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 4477 - 2014 / 6 / 9 - 03:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الرئيس الجديد

بني عبد الناصر شرعيته علي (ثورة) 1952 و معه استمرت الشرعية الثورية حتي موته و لم تفسح المجال كاملا أبدا لشرعية دستورية . و عبد الناصر هو صانع ثورة 1952 – الانقلاب – و هو بالتالي جديرا بأن يستند لشرعيتها و أن يبقيها حية فهي تمنحه ما يريد من حرية اتخاذ أي قرار بعيدا عن الالتزام بدولة القانون . فالقانون مهما كان استبداديا يضع قيودا علي حكم الفرد من زاوية الالتزام به مقابل عدم الالتزام بأي شيء علي الإطلاق.
الرئيس المصري الجديد – السيسي- يبني هو الأخر شرعيته علي الثورة المصرية في يناير 2011 و ثورة يونيو 2013 – أو سمها ما شئت موجة ثورية أو حتي انقلاب – فهو يؤكد في كل أحاديثه و خطاباته أن الثورتين هم منبع شرعيته. و في الحقيقة أنه بدونهما لم يكن ممكنا أبدا للسيسي أن يكون رئيسا للجمهورية. فثورة يناير أطاحت بمبارك و عائلته و فتحت الباب أمام تطور ديمقراطي – مهما كان تعرج مساره – و بدونها كان السيسي سيظل قائدا عسكريا يعمل في جيش مبارك أو جيش نجله جمال و لا يمكن أن يحلم بالوصول للمنصب الأول . و ثورة يونيو أطاحت بحكم مرسي و الإخوان و فتحت الباب مجددا لتطور ديموقراطي بعيدا عن هيمنه تنظيم الإخوان علي السلطة. و مهما قيل عن طبيعة العملية الديمقراطية الجارية منذ يونيو 2013 و قصورها و الخ إلا أن الثابت أن في ظل حكم الإخوان كانت الديمقراطية تنتحر في مصر.

لكن علي عكس عبد الناصر فأن السيسي ليس صانعا لا ثورة يناير و لا حتي لثورة يونيو. و بالتالي لا يمكنه أن يعتمد علي شرعيتهما . فثورة يناير دعت لها فئة من الطبقة المتوسطة المسيسة و قام بها شعب كامل خصوصا فقراء المدن و العمال . و كذلك ثورة يونيو دعت لها نفس الفئة و قامت بها نفس الطبقات و في كل مرة كان تركيز كل طرف من أطراف معادلة الثورة علي جانب من جوانبها فالشباب الثوري ضد الاستبداد و الاعتقال و التعذيب و انتهاك الحريات العامة و الطبقات الشعبية ضد الإفقار و التهميش و كل ما يلتحق بهما. و من الأنصاف أن نقول أن السيسي لعب دورا في كلتا الثورتين . ففي ثورة يناير كان الجيش هو من عزل مبارك تفاديا لحرب أهلية بينه و بين الشعب الثائر. و يقال حتي أن السيسي شخصيا تنبيء بثورة يناير قبلها بشهور – و هو لم يكن أمرا غامضا علي أي مطلع علي الحياة السياسية علي كل حال – و يقال أيضا أنه من وضع خطة عدم أشتباك الجيش مع الثورة . و أن كنت أعتقد أن عمر سليمان رجل مبارك القوي و المخابراتي الداهية هو صاحب هذا التكتيك . أما ثورة يونيو فتدخل الجيش فيها أوسع بما لا يقاس . فالجيش حث المواطنين علي الثورة حثا . ليس لشيء إلا لتجنب القيام بانقلاب مكشوف تكون نتيجته كارثية علي كل من الجيش و الشعب و النظام برمته.فلم يكن هناك خيارا أخرا لدي الجيش في مواجهه أخونه الدولة بمؤسساتها المختلفة من قبل الإخوان و أعوانهم.

إذن فأن السيسي حينما يجعل شرعيته مستمدة من ثورتين شعبيتين أنما يناقض نفسه تناقضا عميقا فمن له الحق بتبني شرعية الثورة هو قائدها أو صانعها و هذا لا وجود له فكلتا الثورتين أقرب للعفوية و لغياب التنظيم و القادة كما هو معروف. فكما كانت السلطة ملقاه في عرض الطريق تنتظر من يلتقطها في فبراير 2011 فأن الثورة أيضا أصبحت ملقاه في عرض الطريق تنتظر من يدعي أمتلاكها في يونيو 2013 . و ربما كان السيسي ذكيا فلم يسير وراء الجوقة الإعلامية و رجال مبارك في إنكار ثورة يناير بل و الادعاء بأنها ليست أكثر من مؤامرة أمريكية مدفوعة الثمن. فما الذي يضره من أخذ شرعية ثورة شعبية قامت في يناير 2011 مع شرعية ثورة شعبية أخري قامت في يونيو . فهو المستفيد الأول من ادعاء تملك شرعية الثورة.أما تفاصيل التعامل مع هذه الشرعية مثل اعتقال الشباب و العمال و قمع المظاهرات و الإضرابات الخ فهذا أمر أخر . لكن هذا لا يخفي التناقض العميق الكائن في تبني شرعية ثورة ممن لم يكون متصدرها . و لو كان حمدين صباحي انتخب رئيسا لكن له بعض الحق في تبني شرعية الثورتين كرجل شارك فيهما مشاركة فاعله .

علينا هنا أن نتوقف لفهم كيف يري السيسي الثورتين . و مفتاح هذا الفهم في تقديري هو الدولة.فالسيسي كما تدل أحاديثه يفهم أن كلتا الثورتين لم تقم إلا لإنقاذ الدولة المصرية من الضياع. ففي حكم مبارك بلغت الدولة حدا بعيدا من الاهتراء بسبب الفساد المستشري في كل أركانها و بسبب نموذج حكم مبارك الذي أتسم بطابع مملوكي يقطع هذا أو ذاك من الشخصيات المقربة صلاحيات بلا حدود في أقطاعية ما . مثل الوزارات المختلفة و الأراضي و الخ. فكيان الدولة نفسه تعرض للتهميش علي يد مبارك . و في عصر مبارك علي الرغم من السطوة الاستبدادية للدولة و الاعتقال و القتل و تقييد الحريات أصبحت الدولة هشه رخوة بتقسيمها المملوكي بين شله من المنتفعين و اللصوص و المافيا بحيث تحولت من دولة إلي تنظيم عصابي. و هكذا يري السيسي أن ثورة يناير لم تقم إلا لإنقاذ الدولة المصرية من مصير اسود . و نفس الشيء في ثورة يونيو فثورة يونيو لم تقوم لتدهور مستوي المعيشة و شح البنزين و السولار و لا لتدهور الحريات العامة و لا حتي لما يسمي مدنية الدولة . و أنما بالنسبة للسيسي قامت ثورة يونيو لإنقاذ الدولة ذاتها من عبث الإخوان و محاولتهم تفكيكها لصالح تنظيمهم الخاص. فيكاد يكون مرسي مثل مبارك تماما – من وجهه نظر الدولة المصرية – شخص عمل علي تفكيك الآلة المركزية في المجتمع التي تهيمن عليه بل و تبتلعه ابتلاعا.

و في الحقيقة أن كلتا الثورتين لم تلقي بالا للدولة بشكل خاص. بل علي العكس كانت القوي الثورية تتوجه دائما للدولة لتنفيذ الأهداف مثل العيش و الحرية و العدالة الاجتماعية . فلم تطرح أيا من الثورتين دولة أخري من نوع جديد . و حتي إجراءات عادية مثل انتخاب المحافظين و العمد لم ترد علي بال الثورة إلا قليلا جدا.فالمثل الأعلى للثورتين عمليا هو نفس الدولة المهيمنة و المركزية الأخطبوطية النفوذ و السلطة و قد تحولت بقدرة قادر الدولة راعية و في خدمة المجتمع و ليست فوقة . و هذا بالطبع تناقضا أصيلا في الثورتين لا يمكن تبريره إلا من عجز كلتهما أن تقديم بديلا شعبيا أجتماعيا يقدم من يراقب و يعدل و يوازن ثقل هذه الآلة العملاقة الفاسدة. فغياب فكرة الدولة البديلة في كلتا الثورتين هو بمعني ما جانبا رجعيا فيهما . فالثورتين لم تقوما لإعادة تنظيم المجتمع بشكل جديد و لإعادة توزيع السلطة بشكل جديد و أنما لتحقيق أهداف أقتصادية و سياسية مطلوب من نفس المؤسسة التي انتهكتهما أن تنفذها.

السيسي إذن يلتقط الجانب الأكثر رجعية في الثورة كي يضرب به جانبها الثوري حقا. جانب الحفاظ علي كيان الدولة المركزية المهيمنة الذي لا يمكن إلا أن يفضي إلي الاستبداد مقابل جانب العملية الثورية من تظاهرات و احتجاجات و إضرابات و تحدي قوي لسلطة هذه الدولة ذاتها. و هنا تتبدي شرعية السيسي الثورية في كامل نقائها . نحن مع الثورة حينما تقف ضد تفكك الدولة و النظام و ضدها حينما تعني أن للشعب حقوقا و نصيبا في الثروة و السلطة معا . و لا شك أن هذا التناقض العميق سيتضاعف في الأيام القادمة

حسن خليل
8 يونيو 2014