بين الحلم و الواقع


حسن خليل
الحوار المتمدن - العدد: 4469 - 2014 / 5 / 31 - 11:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان     

الانتخابات الرئاسية المصرية عكست موقف مختلف الطبقات من النظام الجديد . جرت الانتخابات وسط أصرار الطبقة الحاكمة علي إجراء أنتخابات تفرز تفويضا شعبيا واسعا للسيسي بدون أن يتعهد السيسي نفسه بأي انجازات محددة. و جري الحديث عن مشاركة 35 مليون أو أكثر في الانتخابات و نسبة نجاح 90% أو أكثر و قد شجع الطبقة علي هذا الطموح الوضع الأمني المضطرب و إرهاب الإخوان و تصاعد مطلب تحقيق الأمن مما جعل الشعب يتطلع لسلطة الدولة و خصوصا المؤسسة العسكرية. كما نجح الإعلام الرأسمالي في تحويل قضية العدالة الاجتماعية إلي قضية الاستقرار و الابتعاد بل و معاداة الثورة و خصوصا ثورة يناير حتي وصفها البعض بأنها مؤامرة أمريكية . و عملت آلة هائلة لتمرير هذا الطموح. إنهاء التعددية عبر الانتخابات التي هي وسيلة للتعددية. و هو يذكرنا بأنهاء الثورة عن طريق مظاهرات و اعتصامات – التي هي وسائل الثورة – التي اتبعها الإخوان من قبل – حصار المحاكم و مدينة الانتاج الاعلامي الخ الخ – تتركب هذه الآلة من شبكة المصالح القديمة من رجال الأعمال و العصبيات العائلية و القبلية و الإعلام و عدد من الاحزاب السياسية و جزء من حركة تمرد و كلها اجتمعت علي تقديم المشير باعتباره المنقذ المنتظر من الإرهاب و الانفلات الأمني و الفقر و الركود. و يبدو هذا الطموح أيضا أستمرار لقانون التظاهر الذي صدر بالذات لمواجهه حركة القوي الثورية و الحركة العمالية و نجاح النظام في تمريره بسبب تراجع الثورة و جذرها. و للأسف شاركت قوي تنتمي لليسار بمعناه العريض لهذه الآلة تحت أبتزاز الخوف من تفكك الدولة و مواجهه المؤامرات الإمبريالية الخ .

القوي السياسية المختلفة لم تجرؤوا علي معارضة الاتجاه العام و لم يتقدم أحد للترشح كما لم يكن ممكن لاحد الترشح و تجاوز حاجز جمع توكيلات من 25 ألف ناخب . بل أن حمدين صباحي نفسه الذي حصل علي تأييد أقل قليلا من 5 ملايين صوت في الانتخابات السابقة واجه صعوبة في جمع التوكيلات الضرورية. مما عكس حالة إجماع شعبي خلف السيسي من ناحية و تفكك و ضعف قوي المعارضة و حتي مجمل الحياة السياسية.

علي جانب القوي الثورية كثير منها لم يدرك أو رفض أن يدرك وضعيه التراجع المؤقت في قوي الثورة و رفض أن يدرك أيضا أن بناء بديلا شعبيا من مؤسسات شعبية و نقابية هو الطريق إلي عكس اتجاه موجة الثورة المتراجع. و كانت هناك محاولات محدودة لاستعادة الزخم الثوري كلها لاقت نهاية سريعة علي يد الأمن و عدم أنضمام عامة الشعب أليها بل أحيانا معاداتها و رفضها.

مبادرة حمدين صباحي للمشاركة في الانتخابات كانت مبادرة مهمة و جريئة لأنها عبرت عن أن قوي الثورة بشكل عام ستقاوم مخطط الكل في واحد المراد فرضه علي البلد و أن معارضة للهيمنة الشمولية ستبدأ مع بداية هذه الهيمنة . و نجح حمدين في حشد قوي كثيرة خلفه قوي حزبية و ثورية و شبابية و لكنها كلها تنتمي لقوي الثورة التي تعاني ككل من عزلتها عن محيطها الشعبي. و كاتب هذه السطور كان يعتقد أنه من الممكن بناء تكتل يساري علي يسار حمدين عبر المقاطعة لكن أتضح أن مثل هذا الطموح غير ممكن و أنه لن يسفر إلا عن تفتيت قوي الثورة و لذا تراجع و أعلن تأييد حمدين . و لكن حملة حمدين بفضل تذبذبها و أشباح الناصرية التي أحاطت بها لم تنجح في تقديم مشروع جرئ للشعب و مطالبته بالالتفاف حوله و دار برنامج حمدين حول نفس خطوط تصريحات السيسي . مشروعات جديدة و توفير وظائف الخ دون المساس بالتفاوت الطبقي الهائل كأساس للتراجع الاقتصادي . بل بدا أن حملة حمدين تقدم وعودا مجانية . و علي المستوي السياسي لم يقدم حمدين إي مشروع لإعادة توزيع السلطة بل أستند مثل السيسي لسلطة دولة طاغية لتحقيق برنامجه و أن كان حمدين – بالطبع – كان أوضح التزاما بالحريات العامة و حقوق الأفراد لكن هذه القضية لا تحظي بالاهتمام الشعبي و يقتصر الاهتمام بها علي قطاعات شبابية.
جرت الانتخابات وسط جو هيستيري للحشد و تملق الشعب كي يعطي صوته للجنرال و نجحت تلك الآلة في حشد كتل كبيرة من الجمهور . لكن هذا الحشد لم يصل للطموح المأمول . و ألصقت التهمه بالشمس فالحر هو سبب عدم خروج المصريين الذين يعيشون معظم حياتهم في الحر. و تصاعدت الهستيريا لحد غير مسبوق فأتسعت الانتهاكات ضد حملة حمدين و وصلت لاقاء القبض علي مندوبيه و الضرب و المنع من دخول لجان التصويت الخ . و صدرت قرارات لتعديل المسار فأعتبر ثاني يوم للانتخابات أجازة و مدت ساعات التصويت و توج هذا بمد الانتخابات نفسها لثلاثة أيام من يومين . و لم تنجح كل هذه الاجراءات في دفع مستوي التصويت من متوسط إلي عالي. و غير معروف علي وجه الدقة الآن نسبة المشاركين لكنها تدور حول 40% .

حملة حمدين رفضت التصعيد القمعي ضد مندوبيها و أعلنت سحب مندوبيها في اليوم الثالث من الانتخابات و لكن حمدين لم ينسحب من السباق الانتخابي و موقفه هذا . و هو موقف يحسب له . ففي ظل الحشد الكبير لصالح السيسي يبدو الانسحاب من السباق في مواجهه الشعب و لصالح الإخوان و ليس في مواجهه النظام بمعني أخر لم يكن ممكن في ظل الوضع القائم أشعال معركة شعبية ضد الانتهاكات و الموقف التطهري بالانسحاب و أن كان قد يرضي بعض النفوس سيحسب ضد حملة حمدين و كتلة المعارضة المقبلة.

و ظهرت النتيجة بالفوز الكاسح للسيسي الذي حصل علي ما يقارب من 93% و حمدين علي حوالي 3% و من أبطلوا اصواتهم علي 4% و جاؤوا في المركز الثاني.حصل السيسي علي ما يقرب من 23 مليون صوت و حمدين علي ما يقرب من 800 ألف بينما المبطلين تجاوزوا المليون . لكن السيسي لم يحقق حلمه رغم ذلك بأن يصعد لقمة السلطة بدعم أكثر من 30 مليون مصري.

الأصوات المبطلة – الفائز الثاني – تترواح بين الجهل بقواعد العملية و بين اصوات قوي رجعية إخوانية و سلفية و بين رفض لعملية الانتخابات ذاتها و لذا فأن جزء منها ينتمي لمعسكر الثورة بشكل أو أخر.

أننا الآن في مفترق طرق و لابد أن تعمل كل عقول الثورة كي تري الطريق لاستعاده الثورة و أهدافها و في مقالات لاحقة نركز علي هذه القضية .