كيف ترى تطور الهوية لفلسطيني 48؟


غازي الصوراني
الحوار المتمدن - العدد: 4165 - 2013 / 7 / 26 - 18:36
المحور: القضية الفلسطينية     

سؤال من الرفيق خميس بكر : اليوم يعيش في "إسرائيل " قرابة مليون ونصف المليون لم تستطع كل أساليب القمع من اقتلاعهم من أرضهم وبقو محافظين على أرضهم وهويتهم كيف ترى تطور الهوية لفلسطيني 48 ؟

أبدأ إجابتي على سؤالك بتعريف الهوية ، كما افهمها ، بأنها مجموعة القيم والعناصر والسمات التي تجمعت عبر حياة تاريخية ، اجتماعية اقتصادية ثقافية تراثية، لشعب معين في مكان وزمان واحد، حيث تبلورت وترسخت وتفاعلت كل... عناصر وقيم الهوية فيما بينها ، فهي ليست احادية البنية ، بمعنى انها لا تتشكل من عنصر واحد ، العنصر الديني وحده أو اللغوي وحده ، أو الاثني أو القومي أو الثقافي والوجداني الأخلاقي أو التراثي أو من المعاناة والخبرة العملية في الصراع وحدها ، إذ غالباً هي حصيلة تفاعل هذه العناصر جميعاً .
وهذا بالضبط ما يميز شعبنا العربي الفلسطيني، الذي ما زال يشعر بوجوده وهويته المتميزة بشرف انتمائه ، رغم كل عوامل العدوان والتشرد والاضطهاد التي أدت إلى التباعد الإكراهي بين أجزائه المتناثرة داخل الوطن وخارجه .
على أي حال، فبالرغم من كل محاولات الدمج أو التوطين أو الأسرله، التي ترافقت مع العديد من صنوف القهر والقمع والتمييز العنصري، ظل شعبنا الفلسطيني سواء في الأراضي المحتلة 1948، أو في مخيمات المنافي، محافظاً على جوهر هويته الفلسطينية ، متمسكاً بعناصرها، رغم بشاعة الممارسات الصهيونية والأنظمة العربية، وذلك ارتباطاً وانعكاساً لشعوره وإيمانه العميق بهويته الوطنية، التي تجسد عمق انتمائه التاريخي لفلسطين بوعي عفوي شَكّل الهوية الوطنية الراسخة والمتحركة في خزان الوعي الذاتي لشعبنا عموماً ، وفي أوساط شعبنا داخل "دولة" العدو الصهيوني خصوصاً .
بالطبع لا يمكن الحديث عن هوية وطنية أو ثقافية فلسطينية، إلا كوجه متميز من وجوه الهوية العربية ، السياسية والثقافية ، كما لا يمكن الحديث عن الهوية الثقافية العربية إلا كجملة وجوه مختلفة ومتكاملة تحتضن في داخلها الهوية الفلسطينية بكل جوانبها وعناصرها الثابتة والمتطورة في آن واحد ، والتي يمكن تلخيصها في قوة الانتماء لفلسطين والعروبة، إلى جانب عنصر التحدي الناجم عن معاناتهم من الممارسات العنصرية الصهيونية ضدهم .
أخيراً .. أشير إلى أن تحقيق أحلام وتطلعات الفلسطينيين – في الداخل والمنافي- في الحرية والديمقراطية والحقوق المدنية والكرامة ، سيظل هاجساً وهدفاً غالياً من أهدافهم ، قاتلوا من أجله طوال أكثر من مئة عام مضت ، وسيقاتلون –إذا اضطروا- مئة عام أخرى ، وسيظل التاريخ شاهد على ذلك ، فلا يخدع نفسه سوى من ظن واهماً أن الفلسطيني قد مات شعوره بهويته الوطنية وأحلامه وأهدافه، وصار مخصياً أو حملاً وديعاً ، ولن يصدق شعبنا أولئك السياسيين الفلسطينيين الذين استمرأوا الاستسلام باسم الواقعية والانتهازية والمصالح الطبقية.
لذلك أقول ، إن كل من يتحدث أو يخاطب الفلسطينيين بلغة أو شعارات تتناقض مع هويتهم الوطنية أو تتجاوز أحلامهم في التحرر والكرامة والحقوق المدنية والعدالة ، هو مجرد واهم او انتهازي .
فالذاكرة التاريخية بالنسبة لابناء شعبنا في الوطن المحتل 48، هي ممارسة حاضرة، فهي تقوم بوظيفة تراثية وفولكلورية وأيديولوجية وسياسية ومجتمعية ، إنها تحاول تثبيت ذاتها في أتون الصراع مع الدولة الصهيونية وممارساتها العنصرية ، وهو صراع مفتوح يعيد تجديد وتطوير وتعميق الهوية الوطنية بكل ابعادها السياسية والمجتمعية .
ولا شك أن ذاكرة شعبنا تتجلى – في العديد من المنعطفات- بصورة جماعية في الوطن المحتل وفي كل مكان ، كذاكرة حية متمردة على الاضطهاد والاستغلال الصهيوني العنصري، لانها ذاكرة حيوية لم تقطع مع ماضيها في فلسطين المدينة والقرية والريف والمزارع والبيوت ، لم تقطع مع نضال الشعب ضد الاستعمار والهجرة الصهيونية والنضال والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ضد الغزوة الصهيونية ، لم تقطع رغم المعاناة والاضطهاد والتطهير العرقي والتشرد في مخيمات اللجوء وصولاً إلى اللحظة الراهنة ، لانها بالفعل ذاكره متمرده، ليس فقط على تاريخ صراعها مع الصهيونية والامبريالية ، بل متمردة أيضاً على تاريخ خيانة النظام العربي منذ قبل النكبة وبعدها، بمثل ما هي حانقة ومتمردة على المصالح الفئوية والانقسام والصراع على المصالح بين حكومتي فتح وحماس غير الشرعيتين.
فبالرغم من مرور 65 عاماً على النكبة ظلت –وستظل- الذاكرة الفلسطينية الشعبية حافظة للهوية الوطنية وللوعي الوطني في كل محطات النضال، منذ ما قبل النكبة إلى يومنا هذا، وهي أيضاً ذاكرة التشرد والغربة والمعاناة التي تعرَّض لها أبناء شعبنا داخل الوطن المحتل كما في الشتات، وعززت لديهم روح الآمال الكبيرة في المستقبل الذي ستتحقق فيه الحرية والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية عبر الممارسة الثورية لكافة أشكال النضال من أجل تحقيق أهدافنا في التحرر الوطني والديمقراطي في إطار النضال التحرري القومي الديمقراطي ، لذلك لم يكن غريباً أن تنصهر فينا، نحن الفلسطينيون، الذاكرتين معاً، ذاكرة الوطن المحتل، وذاكرة الغربة والشتات واللجوء، فلكل منها آلامها وآمالها الكبيرة.