حول الدين والدنيا (العلمانية)


نادر قريط
الحوار المتمدن - العدد: 2744 - 2009 / 8 / 20 - 09:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

حول الدين والدنيا (العلمانية)
تروي إحدى قصص عاشوراء، أن مُلاّية (مؤنث مُلاّ) كانت تسرد على سيدات توشحن بالسواد، تفاصيل المأثرة الكربلائية وتقول: ثمّ ضربه بالسيف ثمّ طعنه بالرمح ثمّ أطلق سهما (فقتل سبعين رجلا) ثمّ ثمّ ..فتأججت مشاعر إحداهن، ولطمت وجهها وهوت بقبضتها على صدرها وشهقت وقالت: يا بعد عيني يا ثم شكد (كم) قتّلت أوادم (بشر)؟ فالسيدة البسيطة إعتقدت أن "ثم" هو صاحب تلك المآثر البطولية.
الواقع العربي يحمل كثيرا من تلك القصة، فالكتابة أصبحت تندب حال العرب فيرجع صداها قرعا على الصدور وصيحات: يا بعد عيني يا ثمّ . حوارات تدور في اللاجدوى والعبث، زاد طينها بلّة، وجود آلاف المواقع الإلكترونية، التي تديرها أجهزة إستخبارات، تنطق أحيانا بإسم جماعات إسلامية وهمية، وتُصدر فتاوي بإسمها، وكلّه أتى في سياق حرب الحضارات (والهيمنة) التي ساندها البترودولار وخياطو مقالات "الليبرالية".
بعد غزو العراق مباشرة أصبح جورج بوش أشبه بدمّية بلاستيكية تكرر كلمة: "ديموكراسي" فذاق الجميع عسل "الديمقراطية" وأخرجت القواميس، وإنهال الوعاظ على القارئ المسكين لشرح عظمة "ديمقراطية الدبابة والأصابع البنفسجية"
لكن أحد عجائز الفلوجة، فهم القواميس بمقاييس فطرته، عندما أُخرِج من تحت ركام بيته، وتطلع إلى السماء مذعورا ثم إلى بقايا بيته المهدم، ثم بصق التراب من فمه وقال: ألف لعنة على الديمغراطية (بالغين)
ومع ذورة الموت والقتل والجثث (المعلومة) وجرائم الإبادة والتهجير، نضبت بطارية الدمية (بوش)، ولم يبق إلا وجه ربك ذي الإجلال (يظلل خرابة إسمها جمهورية العراق سابقا)
وهكذا بدأ الدهاقنة بالبحث فوجودا أن الديمقراطية لاتتحقق بالإصابع البنفسجية، لأنها سوف تصل بالإسلاميين للسلطة، ولابد أنها بحاجة لأرض علّمانية، وهذا غير متوفر حاليا، ولا بد من مباركة أنظمة الإستبداد البولسية، فأهل حمص أدرى بشعيبياتها ؟؟ [ الشعيبيات هي حلويات شامية، وهي ألذ من شعاب مكة]
وأخيرا وصل ابن الحاج حسين أوباما، وأعلن نهاية حتوتة الإرهاب الإسلامي، وبدأ يسحب كراديسه من العراق، وإنتهت عاصفة الديمقراطية تاركة وراءها عاصفة من اليورانيوم المنضب (2300طن ) وملايين من الآرامل واليتامى.
ومع قدوم اوباما إنفرطت أيضا المسبحة وتدحرجت حباتها، ونزل ركاب الباص الليبرالي وتوزعوا على بعض سيارات الأجرة، ليسير كلّ على رسله، فمنهم من رفع لثامه مبكرا وبدأ يكيل المدائح لولي النعمة الوهابي جهارا نهارا، ومنهم من بدأ يُنظّر لضرورة تسويق الليبرالية بواسطة شركات الإعلان (وبائعي الخيار الإستراتيجي)، وبعضهم قضى نحبه أو يحتضر، وبإختصار تعددت الأسباب والموت واحد. فمضمون اللبرلة العربية، كان إحتقار الشعوب المستضعفة، ودعم الإستبداد المحلي وتسليم مصيرها لأخطبوط الإقتصاد والمال اللصوصي.
أما أخر العنقود فإستمر بعزف إسطوانته المملّة عن الإسلام بإعتباره أصل العلل، ولابد من علاجه بالكيّ، بدءا من إلغاء سورة التوبة، ونبش قبر عمرو بن العاص، وإعلان براءة المسلمين من محمد ، وبالمرة الخروج من الإسلام أفواجا ( وهؤلاء يلتقون مع الأصولية الإسلامية المتشبثة بكل سذاجات التاريخ الأسطوري وترهاته، ويرفعون شعار: وا بني قريظتاه، مع أن المصادر اليهودية لم تسمع بوجود يهود في جزيرة العرب)
وللأسف فإن هذه المجموعة تتجاهل أن الإسلام ليس قصة بني قريظة وبن لادن والوهابية فحسب، بل موروثا وهوية وتاريخا ولغة (وقصر الحمراء وقرطبة وأصفهان وسمرقند..والزهراوي والبيروني وإبن رشد وألف واو أخرى) ومركبات تتجاوز مداها حدود النصوص المقدسة بألف مرة . فالدين عموما هو تراكم سوسيو تاريخي وإنعكاس لبنى إقتصادية وإجتماعية، ولا ينجزه شخص أو نبي بل أجيال التقديس والطقوس، وبنفس الوقت هو رأسمال رمزي يؤثر ويتأثر بتلك البنى، فالعبودية والجواري والسبايا وإمتهان المرأة، صور لكل المجتمعات الأبوية القديمة، وما كان لثائر إجتماعي أن يُبطلها بالخطب والأشعار. ولولا إختراع الآلة، لما تفكك نظام الرق، ولولا حرمان المرأة تاريخيا من الثروة وملكية وسائل الإنتاج، لما أمكن إمتهانها..إلخ
والغريب أن اولئك يكثفون سهامهم على شخص نبي الإسلام دون غيره.
وهذا يعكس برأيي لا وعيا مكبوتا للأقليات في المشرق، يتميّز ببغضاء شديدة لمحمد ، بعكس شخصيات أخرى كعمر أو عليّ مثلا . علما أن الأخيرين كانا ذراعه الأيمن وأصهاره وحملة سيوفه ، وأشد محاربيه ضراوة، كما أن التاريخ (الأسطوري) يخبرنا أن عليّ عدّد أيضا في زيجاته وملك اليمين، وحرق الأحياء في معاركه ضد الخوارج،.. وهذه نظرة موتورة تعكس العمى الدوغمائي وعدم القدرة على فهم علاقات المنطق والعقلانية.

العلّمانية والمهلبية:
كنت أروم كتابة مادة ساخرة حول هذه القضايا، لكن وجدت أن أصوم عن المزاح، وأفرد هذه الصفحات لمحاولة تفسير العلاقات المختبئة وراء الدلالات والمفاهيم، والتي تضيع معانيها في سوق الهرج والمرج. وتذليلا لهذه المهمة ولغرض تمثّل ما يتلطى خلف العلمانية، أرجو قبول هذا المساهمة وإعتبارها إشارات مختصرة ، تتناسب مع طبيعة هذا المقال.
أولا: من حيث المبدأ لا معنى لأية دلالة دون بيئة فكرية حاضنة لها، كما لا معنى لمنتجات لوريل أو موسيقى باخ، وسط قبيلة من عراة الأمازون. وهذا ينطبق على العرب إذ لامعنى لمفهوم العلمانية في واقع، لازال يعيش (نسبيا) ماقبل الدولة الحديثة، فالفصل بين الدين والدولة حدث في فرنسا من خلال القانون اللائيكي لعام 1905. وهو فصل بين دولة عقد إجتماعي (للمواطنة) وبين الكنيسة، بعد مخاض طويل من الصراع الذي قادته البرجوازية ضد الإقطاع الكنسي، رافقه نمو أفكار التنوير، وخلق مرجعيات قانوية وتشريعية وضعية بديلة (ذات أبعاد كونية نسبية) وبالتالي تم إنزال المرجعيات الإلهية القديمة إلى الأرض، ليصبح الإنسان هدف ووسيلة الحياة، وليس أداة لتحقيق رغبات الآلهة (الإكليروس) وليصبح الخلاص عبر النعم الأرضية والنمو الإقتصادي، بديلا عن الخلاص بواسطة القربان المسيحي وملكوت السماوات.
ثانيا: وبالنقيض فإن المشرق لم تنشأ فيه حركة تنوير وإصلاح ديني طاحنة، لغياب الطبقة الحاضنة لمشروع النهضة (البرجوازية) أو إقتصارها على مثقفي الصالونات، فإستمر الله حاضرا بزخم في كل تفاصيل الحياة والنقافة، كمركز لنظام رؤية الكون، تحضنه اللغة العليا كحصن منيع تحميه من (لغات) الحداثة.
ثالثا: إستمرت الدولة على صياغتها الأولى، التي نشأت على الغلبة والإستبداد الأبوي، بسبب طبيعة "قانون الدم" المشرقي الذي يعكس شبكة العصبيات القبلية والعائلية والمذهبية والدينية، وهي المشكّل والمنبع الرئيسي لبنية المجتمعات العربية، وتتحكم بمعادلة الصراع الحقيقي على السلطة والثروة.
رابعا: إمتاز الإسلام عن غيره من الديانات، بأنه ليس "ديانة" حسب وصف شباير Speyer ؟! بل دين إبراهيم؟! فكلمة "دين" في القرآن يجب أن تُفهم وفق معنى ودلالة القرن السابع م.. وهي تختلف عن المصطلح الحديث"ديانة". ودين إبراهيم يقترن بموقفه من أسئلة الإيمان، وعدم إنحنائه للشك، وهو نوع من الإستسلام والتسليم المطلق لإله إبراهيم. ويرى البعض أنها رؤى تطورت في بيئة مسيحية ساسانية، وذات طابع فارسي للعقيدة النقية كما تجلّت في الأدب الديني الزرادشتي المتأخر، أو حسب توصيفات لولينغ Lüling التي تعتبر عودة النبي محمد إلى الجذر الإبراهيمي، عبارة عن عصيان أمام مسيحية روم هيلينية ذات مشروع كوني ( باولوسي ) لخلق إمبراطورية رعاع، وهي بمثابة عودة إلى إله إبراهيم ال Pagan "البدئي، الأصلي" الأقرب إلى حبل الوريد، والذي يسمع مناجاته ويحدد له تخوم أرضه، بدون وساطة طبقة الإكليروس
وفي كلا الرؤيتين، نعثر على حجر الزاوية الذي أسس لزواج مطلق بين الدولة والدين، ويرمز له بزواج كاهن المعبد "ساسان"، من أميرة فارسية، أي بإتحاد المعبد والقصر. لهذا نشأ الإسلام دينا ودولة بآن معا، على ديدن الدولة الساسانية، بعكس المسيحية الرومانية التي توزعت سلطتها بين القصر الإمبراطوري ودولة الإكليروس "الفاتيكان" .
خامسا: الإسلام بعكس المسيحية لم يعرف مفهوم sacrum "المقدس" ، بل الحرام والحلال، وهما مفهومان علمانيان بمعنى Profan (دنيوي) وهذه نقطة بالغة الأهمية فالمقدس (ترجمة سيئة ل ساكروم) وهو جوهر المسيحية ويعني نقيض (الدنيوي) وفضاء تأليهي محض. وينطبق على الأشياء والأماكن (مثلا: المذبح في الكنيسة هو مكان لل Sacral وكذلك أماكن رفاة القديسين، أو شخص البابا إلخ ،وربما نجد جزئيا بعض ملامح هذا "الساكروم" عند الشيعة، حيث مبدا الإمامة وتقديس الأضرحة)
أما الحلال والحرام الإسلامي، فبعيدان نسبيا عن "تابو الساكروم" [المسجد مثلا لا يتحوي على مكان للمقدس "ساكرال" لذا يتجول بداخله الطلبة والمتسولون، ويقضي بعضهم في ظلاله قيلولة الظهيرة، وأبو حنيفة مثلا أسقط حد سرقة، المال السائب (من مكان غير مقفول) حتى ولو كان في الكعبة نفسها؟ والشخصيات الإسلامية المؤسسة ليست [مُسكرلة: مقدسة] وكانت تخطئ وتصيب، وتعيش دنياها بالطول والعرض، وكانت الفتوى تصدر أحيانا مقابل باقة كراث (حسب وصف واصل بن عطاء) وبإختصار فإن الطبقة الدينية في الإسلام كانت منغمسة بالفقه التشريعي الدنيوي وصياغة علوم كلام، تقوم على مساحة ضيقة من الميتافيزيقية (إزدراء الفلسفة) وتفتح أبواب الشريعة لسد الذرائع وأيضا لإتاحة وتبرير المتع المادية للنظام الأبوي (العبيدـ والجواري والمال والتجارة) حتى الجنة نفسها تم علمنتها أيضا لتصبح ملاذا لأنواع اللذائذ الحسّية. إضافة لطقوس يومية برغماتية تعد المؤمن بغفران ذنوبه ومضاعفة ثوابه.
وهذا يعاكس ويناقض جوهر المسيحية، فرغم دعوة المحبة (الميتافيزيقية) تظل المسيحية دعوة لإنكار وإحتقار الدنيا والجسد بإعتبارهما مركز الدنس والخطيئة، وقارئ الأناجيل يعرف أن كتّابه كانوا يدعون لترك وعثاء الدنيا وكنوزها، وإنتظار قيام الساعة (الأبوكالوبسا) التي كانت قاب قوسين، وتدق على الأبواب، لذا كانت المسيحية إنتظارا لملكوت السماوات (فليترك الأبن أباه وأمه وليتبعني) ودعوة للزهد، والكسل (انظروا طيور السماء لا تحصد ولا تزرع ولا تخزن في الأهراء فأبوكم السماوي يطعمها؟؟ ولو عاش كتبة الأناجيل حتى اليوم لقالوا: أنظروا مشيخات النفط لا تزرع ولا تحصد فأبوكم البترودلاري يطعمها !!)
سادسا: يمكننا من النقاط أعلاه القول أن العلمانية في الواقع العرب ـ إسلامي شيئ موجود بالقوة، ولو بشكل هلامي، وقبل أن يأتي المرء بمقصّ فصل الدين عن الدولة: عليه أن يسأل عن المرجعيات التشريعية والقانونية التي ستحل مكان هذا الهلام المكون من سلطة أبوية مستحدثة وقوانين وضعية وتقاليد ودين؟ ومن هو المخوّل أخلاقيا نيابة أغلبية، لم تنتج بعد دولة العقد الإجتماعي، فالقانون يلزمه "قاعدة قانونية " وقد إستمدتها أوروبا من صيرورة تاريخية خاصة بها، ومن مبادئ الفلسفة وقيم الضمير الجمعي، وورثت ضمنا مبادئ ومنظومة قيم دينية سابقة لها (كتحريم القتل والسرقة وسفاك القربى..إلخ) من هنا فلا بد لأية أطروحة علمانية من مراعاة هذه القاعدة القانونية، التي تعرّف تحديدا بضمير الأمة وترتكز على مكوّناتها الثقافية (أيا كانت) .
ومن يتوقع أن النموذج الغربي للعلمنة قدر لامهرب منه، فإنه يضع العربة قبل الحصان، ويعرقل الصيرورة الطبيعية للحياة، وهنا سأضرب مثلا أرجو أن لا يسبب قلقا لبعض المتشدقين بالعلمانية:
إن عزل الدنيوي عن المقدس، والقبول التام بالمرجعيات الكونية الوضعية، يعني أيضا تشريع " قوانين للمرأة والأمومة والزواج والإرث والأحوال الشخصية" وضمنا يعني تعميم الزواج المدني بإعتباره شكلا نموذجيا لتأسيس نواة المجتمع، إذ لا دولة علمانية حقيقية تنأى عن دورها في بناء مداميك الوعي الجمعي (الثقافة) ويعني ضمنا شيوع الزواج بين الأديان والملل، إضافة لتبعات قانونية تضمن الحرية الدينية وتبديل العقيدة (أو التبرع بها لوزارة الأوقاف).
ومن يتابع سياق العلمنة الأوروبية، يعرف أنها ظفرت جدائلها مع حركة التنوير، وللصدفة كان سؤال التنوير للفيلسوف كانت Was ist die Aufklärung إجابة على راهب إسمه يوهان تسولنر، كان يدافع في مجلة برلينية عام 1783 عن الزواج الكنسي، ويحارب بمرارة شيوع أفكار الزواج المدني، التي ستحرم الكنيسة من هيمنتها على العائلة (نواة المجتمع)؟
وبإسقاط النموذج الكانتي للتنوير (يعني بالجوهر: بلوغ العقل سن الرشد دون وصاية الدين أو اللاهوت) على عالمنا الشرق إسلامي وقبول مفاهيم بهذا المستوى الكوني من العلمنة فإننا سنصطدم بالدرجة الأولى ليس بالمسلمين فقط. بل بالطوائف الصغيرة التي تعتاش من فتات الغيتو الديني والخصوصية الأقلوية.
أخيرا
على العموم فإن الحديث عن الإسلام بغوغائية وإسقاط أحقاد دوغمائية، يسد منافذ الرؤية النقدية، ويعرقل ويهدد أسس السلم الأهلي، والتعايش، فكلنا نعرف أن الظاهرة الإسلاموية السياسية حديثة العهد، وإرتبطت ونمت بدعم حلف البترودولار للقضاء على الناصرية والمد التقدمي ووقف حركات التحرر، والحرب ضد السوفيت في أفغانستان، ففي ستينيات القرن الماضي تمكنت المرأة العربية في كثير من المدن والحواضر أن تذهب للجامعات وترتدي الميني جوب، وإنتسب ملايين (أو ملايون: فاعل مرفوع بالواو) لأحزاب شيوعية عربية، من مراكش حتى ظفار، وهؤلاء جميعهم أنكر معلوما من الدين بالضرورة، عندما إعتنقوا مبادئ المادية التاريخية لماركس، لكننا لم نسمع عن تكفيرهم بالجملة أو قتلهم (بإستثناء حالات فردية ولأسباب سياسة محضة) ولم نسمع بإقامة الحد عليهم أو إستتابتهم ثلاثة أيام لينكصوا عن شيوعيتهم، في حين أن المكارثية الأمريكية قامت بالقضاء على الشيوعيين الأمريكان بطرق عنيفة ونازية (أيضا لأسباب سياسية) لذا فإن التذرع ببعض الأحاديث القروسطية مثل: حديث ابن عباس ( من بدل دينه فاقتلوه) أو حديث ابن مسعود (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) ليس ذا قيمة فعلية، فهذه تشبه أحاديث وفقه الأنفال والإماء والعبيد، التي نسخها التطور الإنساني بالضرورة. وهذا لا يمنعنا أن نعترف بوجود أزمة حقيقة ومنغصات كثيرة وزحف لإسلام أصولي متصحر على المدينة العربية، لكنه زحف لايحمل بعمقه كينونة وجودية أصيلة، بل تداعيات ظرفية، فرضها الصراع الجيو سياسي، ودور البترودولار والنكبات والهزائم المريرة وإحباط مشروع النهضة.