عيد الفصح الإسلامي


نادر قريط
الحوار المتمدن - العدد: 2849 - 2009 / 12 / 5 - 15:48
المحور: كتابات ساخرة     


قبل أيام مرّ عيد الأضحى، وتنعّم عباد الله بالراحة (ومشاهدة ما تغصّ به التلفزة من سذاجة) وفرح الأطفال بالملابس والأحذية الجديدة (والأكثر بالعطلة المدرسية) وهنأ الناس بعضهم، فالأعياد فرصة للقاء أو سماع صوت الأحباب، وهي تتشابه في كل العالم، يشارك فيها الناس كجزء من تقاليد فولوكلورية، وقلما تعنيهم دلالاتها الدينية، ناهيك عن كونها فرصة ذهبية لنبش الجيوب، فرأس المال لا ينام الليل مادامت الدراهم هائمة على وجهها وبعيدة عن قبضته. والظريف أن الأعياد باتت تحتفظ بألقاب محددة، فالأضحى "مبارك" وعيد الفصح "مجيد" وعيد الفطر "سعيد" (السعادة بالفطر لا تخطئها عين، ونعرفها من أعرابي قال لرمضان: والله لأقطّعنك بالحلّ والترحال)
الأعياد ليست موضوعي، إلا أنها مادة لفهم إشكاليات الدوغما وكيف يعيش الديني تناقضات عقيدته دون أن يرف له جفن. والموضوع بدأ بتعقيب على سؤال أحد الأعاجم، أراد معرفة الدلالة الدينية لمفهوم "بيرم" (عيد الأضحى) فأخبرته بأنه عيد إسلامي ينتمي لفصيلة أعياد الفصح الدموية، ويُحتفل به بعد حج "البيت المعمور" وهو موروث قديم يضرب جذوره في تقاليد الشعوب، وتقربها للآلهة وتقديم القرابين، لإسترضائها وكف شرها عن البشر، ويبدو أن صاحب اللوح المحفوظ حوّله إلى طقس وفريضة إلهية وتجارة ومنافع (لبعض) الناس، وإبادة جماعية للخراف المسكينة.

وهذا التقليد بدأه كهنة المعابد لإشباع بطونهم من كدّ وعرق غيرهم، ويمكن ملاحظته في التوراة جيداً، فالقرابين كانت ضماناً لحياة طبقة اللاويين الكهنة، الذين حرمتهم التوراة من ملكية الأرض.. أما الفصح (يعني: عبور، تجاوز ) فيعود إلى أسطورة الخروج. التي بدأت عندما شن الربّ ضرباته العشرة المدمرة على المصريين: إبتداءً بتحويل الماء لدم، أعقبها إغراق مصر بالضفادع، البعوض، الذباب، إبادة المواشي، القروح، البرد، الجراد، الظلام. وأثناء تحضيره للضربة القاضية، وإبادة كل بكر في مصر، وبينما كان اليهود يشدّون للرحيل عنها، قال الربّ لموسى وهارون (خروج: 12)
أخبر جميع بني إسرائيل أن يأخذ كل واحد منهم في العاشر من هذا الشهرخروفاً.. تحفظونه لليوم الرابع عشر من الشهر (المقصود شهر نيسان بداية السنة اليهودية) وتذبحونه في العشيّة وترشون دمه على جانبي الباب وعتبة المنازل، وتأكلون لحمه مشوياً.. وأنتم متأهبين للرحيل وأوساطكم مشدودة وأخذيتكم بأرجلكم وعصيّكم بأيديكم، كلّوه بعجلة فهو فصح الرب، وأنا أعبر أرض مصر في تلك الليلة وأقتل كل بكر فيها من الناس والبهائم... يكون الدم على البيوت علامة لكم فأراه وأعبر عنكم ولا أفتك بكم ..)

ولو تجاوزنا صفات هذا الرب ورحمته الواسعة وحنانه الغامر وحبه (للمصريين)، لابد تستوقفنا أيضا قدرته الفذة (وذكاؤه المذهل) خصوصاً بعدما أمر برش دم الذبائح على أبواب وعتبات منازل بني إسرائيل، كي لا يطالها بسوء، أثناء حملة القصف السماوي على مصر. ولا عجب، فإله ذلك الزمن لم يكن يملك قنابل ذكية ولا نظام GBS؟
وهو نفسه الذي قرر فيما بعد إرسال إبنه (المساوي له في الجوهر) ليموت على الصليب، في يوم الفصح اليهودي؟ فداءً لذنوب البشرية، لهذا أصبح الخروف رمز المسيح، وكان يُنقش على الأيقونات إلى أن منعت الكنيسة ذلك. وهذا الترميز لموت الإله الإبن، ما كان ليُسمح به، لولا فكرة القيامة، التي ساهمت بدحرجة أحجار القبر، ورُفع الإبن إلى السماء ليعود ويجلس على يمين الآب (حسب البروتوكول السماوي!)

ولو توقفنا قليلا عند نفس التأريخ التوراتي الذي حدد اليوم العاشر من نيسان (مطلع السنة اليهودية) إشعاراً ببدء موسم الفصح والقرابين، فلا بد أن نستحضر القربان الحسيني، الذي حدث أيضا (ويا للصدفة) في اليوم العاشر من محرم (مطلع السنة الهجرية) فدُعي يوم عاشوراء (ذكرى مقتل الحسين في طف كربلاء) وهذا التطابق التام مع القربان المسيحي، أمر مستفز، ويعني بكثير من الثقة أن مصادر هذه الروايات واحدة، وهي تكرار ومتوازيات ومضغ لنفس القصص والأحداث (كما تذهب نظرية الروسي فومنكو ) وكاتب السطور يميل إلى أن الحدث الكربلائي ينتمي بجلّه للأدب القصصي. لإنعدام الآثار الحسية والأركيولوجية التي تؤكد تاريخية الحسين أو يزيد بن معاوية، وأغلب الظن أن هذه السردية تعود لقصص البطولة أو إشارة لموت أحد الثوار بيد السلطة الغاشمة، وتشبه لحد بعيد مقتل تشي غيفارا في بوليفيا.

والغريب أن الصابئة المندائية تحتفل أيضاً بيوم يُدعى "عاشورية" تخليدا لذكرى يوم صابئي حزين، يذكره موروثهم، وهو يوم غرق الصابئة (ضمنا تعني المصريين) بعد معركة وقعت بين "موسى" قائد اليهود و"فروخ ملكا" قائد الصابئة، وتذكر الأسطورة أن موسى هرب من المعركة وشق البحر (بعصاه) وعبر بجيشه إلى اليابسة، ولما تبعه جيش فروخ ملكا أطبق البحر بطودي أمواجه عليهم وأغرقهم.. وشخصياً أرى قصة الصابئة أكثر إنسانية وفيها إنصاف ومودة للمصريين، الذين عاملهم الكتاب المقدس بوحشية ودموية، ولعل هذا التعاطف والحزن المندائي يكون عزاءً لهم (خصوصا بعد غرقهم بدموع ملعب أم درمان) *

إن قصص الفصح الدموي عديدة، إحداها وصلتنا من العصر الأموي، وتنتمي أيضاً لتراث قصصي، يخبر عن نحر الجعد بن درهم يوم الأضحى عام 118 هـ. على يد خالد القسري أمير العراقين في عهد هشام بن عبدالملك، ويقول الذهبي في "الميزان" بأن الجعد قال بخلق القرآن ونفى الصفات عن الله وإدعى أنه لم يكلم موسى تكليما ولم يكن لإبراهيم خليلا، ويضيف بأنه كان رجل سوء، بنى لأمه كنيسة؟ وينقل إبن خلقان عن الفرزدق قوله:

وكيف يؤم الناس من كان أمه ـــــــــــــــ تدين بأن الله ليس بواحد
بنى بيعة فيها الصليب لأمه ـــــــــــــــ ويهدم من بعض منار المساجد

وحتى لو إنتمت هذه القصص لنسيج الأسطورة، فإن إعدام صدام حسين، يوم الفصح الإسلامي أمر مؤكد وحدث مشحون بالرمزية، ورغم أن فترة حكمه ، غصّت بآلاف الضحايا والقرابين، إلا أن تحوّيله لقربان، يعتبر ذروة رمزية تم إخراجها بخبث جهنمي، وكأن المخرج أراد إستبدال الصورة الشعثة للحفرة، بصورة بطل سنيّ، تقتله الشيعة، فتُرك للميليشيات الشيعية تلعب دور "اليهود" التي قالت: أصلبه أصلبه، بينما غسل بيلاطس (الأمريكي) يده.. لقد تجسد الدهاء في إختيار عيد الأضحى، لحفر الحدث في الذاكرة، ولتعميق الشرخ المذهبي بين السنّة والشيعة. وقارئ التاريخ يعرف أن إدارة لعبة الرموز لا يجيدها المسلمون، فهم أقل دهاءً وذكاءً. والمهم في هذا السياق، هو دخول "يهوا" مسرح الحادثة، مقترناً بآريل شارون الذي عبّر عن غبطته وسروره بحفلة إعدام صدام، والأنكى أن إدارة الإحتلال كلفت أحد جنود المارينز بصناعة حبل المشنقة له (ويا لها من صدفة، فقد كان الجندي يهوديا؟!)
وحتى لو كانت هذه الأخبار مكذوبة، ومقصودة لكنها تناسب ديكورات المسرح الفصحي، فهي
رموز مهمة للإيحاء بأن موسى وربه (وراءكم وراءكم والزمن طويل)
وكل عام والجميع بخير


*يمكن الإطلاع على هذا النص الشيق، لتاريخ الصابئة، نقولا السيوفي ( قنصل فرنسا في الموصل) ترجمة محمد الحاج سالم
http://nkraitt16.blogspot.com/2009/10/blog-post_28.html