مبروك وكل ثورة وأنتم بخير


نادر قريط
الحوار المتمدن - العدد: 3275 - 2011 / 2 / 12 - 13:20
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

1ـ شكرا لأهل مصر أصحاب هذه الثورة المدنية الشعبية السلمية التي أصبحت درسا إنسانيا شديد البلاغة، وبغض النظر عن حصادها وما ستؤول إليه. إلا أنها ستكون بلا شك مدماكا لتشييد مصرأخرى غير التي نعرفها..
فلله دركم يا شباب مصر، لقد أيقظتم أمة نامت نواطيرها، وأعدتم لنا شبابا أضعناه تحت جزمة الذل والنفاق والمعارك التافهة فكنتم أكثرحكمة ممن غزا الشيب مفرقهم.. وتحية لقوارض الفيس البوك الذين أعادوا لنا أسطورة الفأر الذي سبب إنهيار سد مأرب. فهؤلاء أتاحوا لنا مشاهدة ملحمة كوبري قصر النيل وسط القاهرة يوم 28 يناير. والتي كانت إنعطافة في التاريخ المعاصر، هناك سقط خط (بارليف) الأمن المركزي. وبدأ نظام القهر البوليسي بالتقهقر والترنح، فلتنحنِ الهامات لتلك الإرادة الفولاذية والشجاعة النادرة التي سطرها شباب مصر. شباب أتى من الدقي والزمالك والمهندسين ومصر الجديدة وغيرها من قلاع الطبقة الوسطى، فالثورات عبر التاريخ صنو الوعي، والعبيد قلما يشعرون بالعبودية

2ـ تذكرت عام 2004 حين طُردت الجزيرة من بغداد، وحين مُنعت المحطات من دخول وتغطية معركة الفلوجة (بحجة إعادة الإعمار في المدينة كما صرح ضابط أمريكي) تذكرت مصرع مئات الصحفيين في العراق، وعرفت معنى وأد الحقيقة .. ومعنى هذا العصر الذي ترصده الكاميرات .. فلولاها لما كان لثورة سلمية أن تحقق أهدافها ولاستطاع متوحشو السلطة من سحقها برمشة عين.
ومع معرفتي الجيدة بمصر لم أشأ أن أكتب أثناء تدافع الأحداث، فعندما يحضر الماء يبطل التيمم وعندما أرى شبابا رائعا أمثال وائل غنيم وأمهات ملهمات كنوال السعداوي. وعندما أسمع دوي نشيد "بلادي بلادي" لم يكن بوسعي إلا الخرس والذهول وكسر القلم.. لم أقدر على الكتابة، فقد كنت أرقب "بث الجزيرة نت" لاصطياد آخر الأخبار، كنت متوجسا من البلطجية (وكذلك من الجيش والأزهر والكنيسة) وكنت أصحو في الثانية والثلاثة فجرا لأتفقد النائمين في "ميدان التحرير" وأطمئن عليهم، وفي بعض الليالي المكفهرة لم أقو على النوم .. خصوصا عندما إستطاعت مباحث أمن الدولة من إعتقال معظم الصحفيين ومصادرة كلّ الكاميرات التي تحرس ميدان التحرير. حينها سمعت صوت نوّارة (إبنة الشاعر أحمد فؤاد نجم) منكسرا حزينا، سمعتها تناشد الجزيرة بحرقة وترجوها أن تنصب لهم كاميرا تحميهم من ذئاب الليل البهيم.. فشكرا لقناة الجزيرة .. وشكرا لمرشد الثورة المصرية (حجة العرب) عزمي بشارة

3ـ يا لها من صدفة عمياء. ففي يوم 11 فبراير تنحى حسني مبارك وفي نفس اليوم من عام 1979 سقطت آخر قلعة للحرس الشاهنشاهي أمام شباب إيران الثائر، وفي اليوم التالي أتحفنا المبّدع ناجي العلي بكاريكاتير رائع، صوّر فيه صفحة مليئة بالوجوه الظافرة، وفي أسفل الكاركاتير كتب "حنظلته" عبارة مجازية تقول: "شوفو العجم يا بجم" وبعد عقود من تلك الواقعة رد العرب في تونس ومصر وقالوا له: لا "بجم" بعد اليوم فقد
آن الآوان للخروج من عصر الرعية (والرعاع) وطاعة من غلب، ودخول عصر المواطنة الحقيقية، وإعلان نهاية دولة "العزبة" والقطيع الذي تفترسه ذئاب السلطة المتوحشة وبداية دولة العقد الإجتماعي .. فشكرا لشعبنا في تونس ومصر الذي تمرد لإلغاء الوصاية عن ناطقي حرف الضاد. وصاية تبدّلت أثوابها من إستعمارية أو أيديولوجية إلى نخبوية نهبوية. وها نحن اليوم شهود على ولادة كومونات حرة تنبض بالحرية وتوق للعدالة وتحقيق مبدأ إرادة الشعب.

4 ـ قل ما شئت "إحتجاج، إعتصام، إنتفاضة، ثورة شباب، خبز، مظلومين، مقهورين، قل ثورة ضد الفساد والتبعية والنيوليبرالية، أو ثورة من أجل الحرية والعدالة والكرامة. قل ما شئت، وإنس "اللوتس"، فمصر أكبر من حفريات فرعونية وذكريات آركيولوجية. مصر مصرية قبطية مسلمة، مصر حيث كنائس الفسطاط والمساجد الفاطمية والمملوكية والمولد وشم النسيم وعبد الناصر وأم كلثوم وأم الغلابة "السيدة زينب" والملايين في ميدان التحرير والغيطان وملايين من زوارالسيد البدوي في طنطا، والأكثر من ذلك فإن مصرعربية حتى النخاع، وروح للثقافة والوجدان العربي وقطارللمشرق العربي، الذي إن توقف توقفت عرباته وأكلها الصدأ .. ومتى ترجل سائقه ضاع العرب وأصبحوا مللا ونحلا. فألف مبروك لمصر وللعرب وللإنسانية وكل ثورة وأنتم بخير