اليسار الإفتراضي


نادر قريط
الحوار المتمدن - العدد: 3573 - 2011 / 12 / 11 - 13:57
المحور: ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011     

1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟

أعترف بأننا إزاء مشكلة لغوية مع مفاهيم مألوفة مثل: قوى يسارية أو دينية، نقابات، اتحادات، أحزاب، قبائل، شعب، أمة. فالربيع العربي أثبت أنها مجازات غامضة وضبابية ومخاتلة، تحتاج إلى صقل وتنظيف مما علق بها من شوائب وأحكام وقسر لغوي. لذا فإن الإجابة على السؤال هي الإيجاب بشرط أن نتذكّر بأن اليسار في جوهره هو إنتصار للإنسان المظلوم والمغلوب ولقيم الحق والعدل. هذه حقيقة لا مراء فيها. إن الأجدى هنا أن نقلب السؤال ونقول: هل يمكن إعتبار "القوى اليسارية" التقليدية يسارا؟ هل يمكن تسمية النقابات والاتحادات التي دجّنتها أجهزة الأستبداد نقابات وإتحادات؟

أظن أن اليسار الحقيقي هو ذلك الذي يستطيع مدّ أفكاره وشبكته الإجتماعية إلى أحزمة البؤس، في المدن والأرياف المحرومة. إنه يسار بدون تعريف ويتجاوز حدود اللغة المتعجرفة.

2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟



الإستبداد الطغياني في بلاد العرب كان موجها ضد كل من يرفع رأسه، ضد كل من يشكك بعصمة الحاكم. وبشكل عام كانت قيم المواطنة والجمهورية أهم ضحاياه.. لكن خطورة هذا الإستبداد تجلت أخيرا في زواج نيوليبرالي بين السلطة والثروة وتهميش المجتمع وتحويله إلى أكوام من العاطلين والمتسولين والحالمين بالهجرة

3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟



بالأحرى أعطت جيل الشباب والفاعلين الإجتماعيين فرصة رائعة لإستعادة الدولة من أنظمة عضت عليها بالنواجذ.. وفرصة لإعادة صياغة العقد الإجتماعي وفرض قيم الجمهورية ثانية، هذا يبدو جليا في تونس حيث التجانس الإثني والديني والتعليم الجيد والإرث البورقيبي الحداثي، والذي ساعد على تمكين النخب من وضع البلاد على بوابة الحداثة السياسية

4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟



للأسف لا توجد وصفة عملية لقوى اليسار إلا بتفعيل مفهوم اليسار نفسه عبر الدفاع عن القيم الكونية للإنسان وحقه في الحياة الكريمة والإنخراط في بناء شبكة إجتماعية تتمثل آلام وآمال المظلومين.. وأن تبتعد عن الجدل العقيم والخطب الجوفاء والمعارك الدونكيشوتية التي ما قتلت ذبابة.

5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟

يبدو لي أن اليسار والديمقراطية خطان متوازيان لا يلتقيان ..فالأول يحمل في موروثه أدلوجة الثورة والتمرد وهموم البسطاء، أما الديمقراطية بتجلياتها الليبرالية الغربية فهي قبض أصحاب الثروة ورأس المال والميديا على عنق المجتمع والتحكم بمصيره من خلال وهم الحرية والفردية ..هذا النوع من الديمقراطية الغربية جاء ثمرة للثراء وتراكم رأس المال والقدرة على إسكات البطون الجائعة..أما في بلادنا التي ترزح تحت كابوس الإنفجار السكاني والتصحر وفقر الموارد فإن محاكاة هكذا ديمقراطية وتقليدها قبض للريح



6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟

كما أسلفت على القوى اليسارية إعادة تعريف نفسها داخل نسيج المجتمع وصياغة خطاب مفهوم وأن تقترب من هموم الناس ولا تتعالى عليهم وتصمهم بالجهل والضحالة.. لا شك فإن البحث عن قيادات كارزمية شابة هو أحد سبل النجاح، وحبذا لو يبادر اليسار ويُسلّم القيادة للمرأة، فذكور النحل لا تنتج العسل.

7- قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟

شر البلية ما يضحك؟ فحركة النهضة التونسية الإسلامية ضمت في صفوفها عديدا من النساء، فاق ما ضمته الحركات الليبرالية واليسارية؟ أظن أن الأمر يعكس ثقافة ومدنية المجتمع قبل أن يختص بأيديولوجية مكوناته

8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟



أعتقد بأن النسيج الإجتماعي المكوّن للأحزاب سواء كانت إسلامية أو علمانية رهين بموقف أفراده وإختلاف ثقافتهم.. فهناك علمانية تتشدق بقيم الحداثة والتنوير وتتستر على مكبوت طائفي أو شوفيني، وعمليا تتحالف مع الإستبداد وتنغمس في الفساد وتحتقر سواد المجتمع. هذا الموقف اللأخلاقي من حرية الآخر وحقوقه وكرامته لا يقل بؤسا وظلامية من موقف الإسلاميين التكفيريين.

9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟

لا شك بأن تقنية المعلومات وفرت لليسار واليمين فرصة صناعة الإعلام البديل والقفز فوق أسوار الرقابة والتعتيم، وقدرة على التواصل والتنظيم. وهي إمكانيات متاحة للجميع إستثمرها الإسلام السياسي بصورة ناجعة بسبب مؤهلاته ووصايته التاريخية على اللغة والعقل الجمعي.

10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟

من خلال متابعتي المديدة أعتقد أن الحوار المتمدن فتح بوابة واسعة لكل التعبيرات والرؤى اليسارية والليبرالية والنقدية وحفرعلامات مؤثرة لتكريس فكرة الإعلام البديل والمتمرد، وإختراق حجب المنع والإحتكار. ولا غرابة أن يصبح واحة لكثير من الأقلام الخصبة والمؤثرة.

وبمناسبة الذكرى العاشرة أتقدم لأسرة التحرير والكتاب بالتهنئة آملا أن تكون القيم الإنسانية وقوة الضمير هي المحرك والفيصل فيما نكتب وشكرا





http://www.nkraitt.blogspot.com/