أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - الوعي والديمقراطية بين القراءة الليبرالية والتحليل الماركسي















المزيد.....


الوعي والديمقراطية بين القراءة الليبرالية والتحليل الماركسي


علي طبله
مهندس معماري، بروفيسور، كاتب وأديب

(Ali Tabla)


الحوار المتمدن-العدد: 8573 - 2025 / 12 / 31 - 01:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دراسة نقدية في خطاب الأزمة داخل اليسار العراقي بعد الانتخابات


(وثيقة ملحقة بمشروع «إعادة التأسيس الشيوعي في العراق»)

مقدمة عامة: حين تكشف الانتخابات طبيعة الأزمة

جاءت الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة لتضع الحركة الشيوعية واليسار عمومًا أمام سؤالٍ تاريخي لا يمكن تجاوزه. فالإعلان الرسمي عن النتائج — التي خلت من أي تمثيل برلماني للحزب الشيوعي العراقي — لم يكن حدثًا عابرًا، بل كان لحظةَ انكشافٍ مؤلمة لعمق الأزمة البنيوية التي يمر بها المشروع اليساري في العراق. وما رافق هذه النتائج من ردود فعلٍ حزبية وإعلامية ونقاشاتٍ داخلية يكشف أن ما نواجهه اليوم ليس مجرد إخفاقٍ انتخابي، بل تعرٍّ نظري وسياسي وتنظيمي يفرض إعادة تفكيرٍ جذرية في المنهج والرؤية وأدوات العمل.

في هذا المناخ، جاءت مقالة الرفيق رعد موسى الجبوري بعنوان «الوعي وأهميته في الانتخابات والديمقراطية» المنشورة في صحيفة طريق الشعب. وهي مقالة ترى أن الانتخابات، بوصفها فعلًا ديمقراطيًا، تظل خطوة صحيحة في البناء السياسي للمجتمع، مهما شابها من خروقات ونواقص. وتُرجع المقالة ضعف نتائج القوى المدنية إلى عوامل من أبرزها ضعف وعي المواطنين بالديمقراطية وبمصالحهم الطبقية والوطنية، وتأثرهم بالدعاية الشعبوية والهوياتية. كما تؤكد على الحاجة إلى رفع مستوى هذا الوعي، وإعادة الاعتبار للانتخابات باعتبارها الطريق الحضاري للتغيير.

هذه القراءة — على الرغم من حرصها الرفاقي الصادق — تنتمي إلى اتجاه فكري داخل اليسار العراقي يميل إلى تفسير الأزمة من خلال حقل “الوعي”، أي من خلال الثقافة والتنشئة السياسية والسلوك الانتخابي الفردي. وهي — من حيث الجوهر — قراءة تقترب كثيرًا من المقاربة الليبرالية التي ترى أن الديمقراطية هي قبل كل شيء ثقافة، وأن الجماهير حين تمتلك الوعي الصحيح ستنتج خياراتٍ سياسية صحيحة.

أما نحن، في هذا النص، فننطلق من قاعدةٍ ماركسية أساسية تقول إن الوعي ليس نقطة البدء في التحليل، وإنما هو النتيجة التاريخية لعلاقات الإنتاج وشروط الحياة المادية¹. ومن دون هذه القاعدة، تُختزل الماركسية إلى مجرد مفرداتٍ لغوية تُضاف إلى خطابٍ ليبرالي في الجوهر. ولهذا فإن نقدنا هنا ليس موجّهًا إلى شخص الرفيق رعد، بل إلى الاتجاه النظري الذي تمثله مقالته، وإلى الخطر الذي يتهدد اليسار حين يتحول إلى خطابٍ أخلاقي–وعظي، بدل أن يبقى مشروعًا طبقيًا ماديًا ثوريًا.

إنّ هذه الوثيقة هي محاولة للعودة إلى الجذر المادي للأزمة:
إلى الدولة الريعية، وإلى التحولات العميقة في البنية الطبقية للمجتمع العراقي، وإلى أزمة التنظيم، وإلى تراجع الدور القيادي للحزب داخل عالم العمل الحقيقي. وهي — في الوقت نفسه — وثيقة تحترم كل رفاقنا المختلفين معنا، لكنها لا تجامل الحقيقة.

فمن دون نقدٍ جذري،
لا حزب.
ومن دون حزبٍ حي،
لا يسار.

ومن هنا يبدأ النقاش.

الفصل الأول: الوعي بين جوهره الليبرالي ومنهجه الماركسي

الافتراض المركزي الذي يقوم عليه خطاب الرفيق رعد هو أن نتائج الانتخابات تعكس مستوى الوعي الديمقراطي لدى المواطنين. فحيثما يقوى الوعي، تتحسن النتائج لصالح القوى الوطنية والمدنية، وحيثما يضعف، يسهل تضليل الناس بالدعاية الطائفية والمال السياسي والقمع.

من حيث الظاهر، تبدو الفكرة معقولة، بل بديهية. غير أن خطورتها تكمن في المنهج الذي تقف عليه. فهي تنتمي إلى فلسفةٍ سياسية تجعل من “الفرد الواعي” نقطة البدء في فهم السياسة. هذه هي الفلسفة الليبرالية الكلاسيكية التي ترى أن المجتمع يتكوّن من أفرادٍ أحرارٍ متساوين، وأن الديمقراطية تتحقق حين يمتلك هؤلاء الأفراد المعرفة الكافية لاتخاذ القرار الصائب. وبذلك يصبح العلاج هو دائمًا: مزيد من التربية، مزيد من التوعية، مزيد من نشر قيم الديمقراطية.

أما المنهج الماركسي فقد قام أصلًا على قلب هذا التصور رأسًا على عقب. فالإنسان — في المادية التاريخية — لا يصوغ وعيه من فراغ، بل يتشكّل وعيه داخل شروط الحياة المادية التي يعيشها، أي داخل علاقات الإنتاج، ومواقع الطبقات، وأنماط السيطرة، وأشكال التنظيم الاجتماعي. وقد حدد ماركس هذه الحقيقة بعبارته الشهيرة:

«ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم الاجتماعي، بل وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم.»¹

وبذلك يصبح الوعي نتاجًا لا سببًا.
وتصبح الديمقراطية ذاتها ساحةً للصراع الطبقي، لا امتحانًا أخلاقيًا لمدى نضج الجماهير.

وعندما يُختزل إخفاق اليسار في “ضعف الوعي”، فإن الخطاب يتحول — بوعيٍ أو دون وعي — إلى محاكمة أخلاقية للجماهير. فبدل أن يُسائل الحزب ذاته عن موقعه داخل الطبقات الشعبية، وعن دوره التنظيمي، وعن قدرته على بناء أدوات القوة الاجتماعية، يُلقى اللوم على الناس لأنهم “لم يفهموا ما يكفي”، أو لأنهم “رضخوا للدعاية”.

وهذا انحرافٌ خطير عن جوهر الماركسية، لأنه ينقل مركز الأزمة من الحزب إلى الشعب، ومن الاقتصاد إلى الثقافة، ومن المادية إلى الأخلاق. وهكذا يُفلت النقد الذاتي من بين أيدينا، ويصبح الحزب — دون أن يشعر — معفيًا من مسؤولية إعادة بناء ذاته طبقيًا وتنظيميًا.

ومن هنا تبدأ ملاحظتنا المنهجية الأولى:
إن الخطاب الذي يجعل “الوعي” محور الأزمة، من دون ربطه الصارم بالبنية الطبقية–الاقتصادية، هو خطابٌ ليبرالي في الجوهر، حتى إن جاء بلسانٍ يساري.

وهذا ما يجب أن نتصدى له بهدوءٍ وعمق.

الفصل الثاني: الدولة الريعية وإنتاج الوعي السياسي — الاقتصاد بوصفه القدر الموضوعي

لا يمكن الحديث عن الوعي السياسي في العراق بمعزلٍ عن طبيعة الاقتصاد الريعي الذي يتحكم في تشكيل الدولة والمجتمع معًا. فالعراق يعتمد على النفط اعتمادًا شبه مطلق، إذ تشكّل الإيرادات النفطية ما بين 85 و90 في المئة من إجمالي إيرادات الدولة²، بينما يشكل النفط أكثر من 92 في المئة من الصادرات³. وهذه النسب ليست مجرد أرقام اقتصادية جامدة، بل هي معادلة للحياة اليومية لملايين العراقيين.

فالاقتصاد الريعي يعني أن الدولة هي المصدر الأساسي للدخل. إذ تعتمد غالبية الأسر — بشكلٍ مباشر أو غير مباشر — على الرواتب الحكومية، أو على الإنفاق العام، أو على التحويلات المرتبطة بعوائد النفط. وقد توسع حجم التوظيف الحكومي بصورةٍ غير مسبوقة بعد 2003، حتى أصبحت الوظيفة العامة — رغم انخفاض الأجور الحقيقية — ملاذًا شبه وحيد لمئات الآلاف من الخريجين والعاطلين عن العمل⁴.

وفي المقابل، بقي القطاع الخاص الإنتاجي ضعيفًا ومتخلّفًا، عاجزًا عن خلق فرص عملٍ مستقرة أو بيئة نقابية صلبة. ومع كل هزة نفطية أو أزمة سياسية، ترتفع معدلات الفقر إلى مستوياتٍ مقلقة بلغت في بعض السنوات أكثر من 25 في المئة من السكان⁵، مع تفاوتٍ كبير بين المحافظات، وارتفاع ملموس في البطالة بين الشباب والنساء.

في ظل هذه الشروط، لا يمكن للوعي السياسي أن يكون “حرًا” بالمعنى الليبرالي. فالناخب يدخل صندوق الاقتراع وهو محاصرٌ بمعيشته اليومية، يخشى فقدان راتبه أو مصدر رزقه أو حماية الطرف السياسي الذي وفر له وظيفة، أو خدمة، أو بطاقة تموينية، أو ضمانًا اجتماعيًا. وهكذا يتحوّل الولاء السياسي إلى علاقة معيشية، وتصبح الزبائنية نمطًا طبيعيًا للعلاقة بين المواطن والدولة.

ولذلك، فإن الحديث عن “وعي ديمقراطي” مجرد من هذه الحقائق حديث مبتور. فالاقتصاد الريعي ينتج وعيًا تابعًا، لا وعيًا حرًا. وأي حزبٍ يساري لا يبدأ من هذه الحقيقة، إنما يغادر الماركسية — من حيث لا يدري — إلى حقلٍ أخلاقي قائم على اللوم والوعظ بدل التحليل الطبقي والتنظيم الثوري.

وهنا نصل إلى الفكرة المركزية:
الوعي — في العراق — ليس أزمة ثقافية، بل نتيجة بنيوية لاقتصادٍ ريعي يهمّش العمل المنتج وينفّر التنظيم الطبقي.

ومن هنا يجب أن يبدأ كل نقاش.


الفصل الثالث: الشعب ليس متَّهَمًا — الحزب هو من يُسائِل نفسه

حين تصبح “أزمة الوعي” هي التفسير الجاهز لنتائج الانتخابات، فإن مركز النقد ينزاح من الحزب إلى الجماهير. وكأن دور الحزب يقتصر على إعلان الموقف الصحيح، ثم انتظار أن ترتقي الجماهير إلى مستوى هذا الموقف. هذا التصور يحمّل الناس مسؤولية الفشل السياسي، بدل أن يسائل أدوات الحزب وقدرته على بناء قاعدة اجتماعية منظّمة. وهو تصورٌ غريبٌ عن الجوهر الماركسي الذي يرى أن الحزب ليس واعظًا أخلاقيًا، بل منظّمًا للصراع الطبقي ومعبّرًا عن المصالح التاريخية للفئات المنتجة، قادرًا على تحويل الوعي العفوي إلى وعيٍ منظّم عبر العمل اليومي³.

هنا تظهر الفكرة المحورية: إذا كان وعي الجماهير قد ابتعد عن خطاب الحزب، فالسؤال لا يكون: لماذا لم يفهم الناس خطابنا؟ بل يصبح: لماذا عجزنا عن إنتاج خطابٍ منغرس في الحياة الواقعية للناس، ومعبّرٍ عن مصالحهم المباشرة، ومسنودٍ بتنظيمٍ قادر على حماية هذا الخطاب في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي؟

إن الوعي لا يُبنى خارج شروط القوة. فالجماهير لا تتحول إلى قوةٍ مؤثرة لأنها استمعت إلى خطابٍ صحيح، بل لأنها تمتلك أدوات التنظيم التي تجعلها طرفًا في موازين القوى. وهذا ما شدّد عليه لينين حين قال إن الوعي الاشتراكي لا ينشأ تلقائيًا من داخل الصراع الاقتصادي، بل يُدخل إلى الطبقة العاملة عبر التنظيم الثوري الواعي³. وهذا يعني أن أزمة الوعي هي — في الجوهر — أزمة تنظيم وأزمة موقع طبقي.

ولذلك فإن التركيز على “ضعف الوعي” يخفي حقيقة أكثر مرارة: تراجع النفوذ الاجتماعي المنظّم لليسار داخل عالم العمل والمعيشة، وتحوّل جزء من نشاطه إلى الخطاب السياسي العام أكثر من الانغماس اليومي في حياة الفئات المسحوقة. من هنا يصبح الحديث عن “وعي الجماهير” ستارًا نفسيًا لتخفيف وطأة السؤال المؤلم: أين نحن اليوم من عالم العمل الحي؟ وأين نحن من النقابات المستقلة، ومن الروابط الاجتماعية اليومية، ومن الدفاع العملي عن أبسط حقوق الناس الاقتصادية والاجتماعية؟

لا يمكن للحزب الشيوعي أن يعيش كضميرٍ أخلاقي فقط. الضمائر تُحترم، لكنها لا تغيّر التاريخ. الذي يغيّر التاريخ هو تنظيم المصالح الاجتماعية وصوغها في مشروع سياسي متكامل. وحين يضعف هذا التنظيم، يضعف الوعي تبعًا له، لا العكس. ولهذا فإن الخطاب الذي يلوم الجماهير لأنه لم تصوّت “كما ينبغي” ليس فقط غير ماركسي، بل هو — في جوهره — خطاب يعفي الذات الحزبية من النقد الذاتي الصارم الذي بدونه لا تجديد ولا بقاء.

الفصل الرابع: الديمقراطية بين تعريفين — الليبرالي والماركسي

تُقدّم الليبرالية الديمقراطية باعتبارها منظومة إجراءاتٍ قانونية تقوم على الانتخابات والتعددية وتداول السلطة. وهي ترى أن المشاركة في الانتخابات، مهما شابها من عيوب، تبقى خطوة صحيحة في اتجاه الدولة الحديثة. وهذا هو المنطق الذي تعكسه مقالة رعد موسى الجبوري حين تجعل من “الانتخابات بذاتها” مكسبًا ثقافيًا وسلوكيًا ينبغي تثبيته والدفاع عنه، حتى إن لم ينتج عنه تغيير حقيقي.

أما المنهج الماركسي فيرى الديمقراطية خارج هذا التصور الإجرائي. فالديمقراطية — أيًّا كان شكلها القانوني — هي في جوهرها انعكاسٌ لموازين القوى الطبقية⁴. السؤال المركزي ليس: هل تُجرى الانتخابات أم لا؟ بل: من يملك وسائل الإنتاج؟ ومن يتحكم بجهاز الدولة؟ ومن يملك الإعلام والسلاح والثروة؟ ومن يحدد شروط الحياة؟ وإذا كانت السلطة الاقتصادية متركزة في يد طبقةٍ اجتماعية محددة، فإن الانتخابات — مهما بدت حرة — ستدور داخل حدود المسموح به من تلك الطبقة.

في العراق، حيث الدولة الريعية، والسلاح، والنفوذ المالي، والإعلام المسيطر عليه، والاقتصاد غير المنتج، تصبح الانتخابات جزءًا من آلية إعادة إنتاج السلطة، لا مجالًا مفتوحًا للصراع المتكافئ. ليس هذا إنكارًا لوجود مساحات نضال داخل النظام الانتخابي، لكنه ينفي قدرة هذا النظام — بحد ذاته — على إحداث التحولات العميقة ما لم يكن مسنودًا بقوةٍ اجتماعية منظمة تمتلك أدوات الصراع في المجتمع.

وحين تُختزل الديمقراطية إلى “سلوك انتخابي”، وتُختزل أزمة اليسار إلى ضعف الوعي، فإننا نجد أنفسنا — ببطء، ولكن بثبات — نغادر الحقل الماركسي إلى الحقل الليبرالي. لأن الديمقراطية في الماركسية ليست غايةً أخلاقية، بل ساحة صراعٍ تاريخي يُعاد فيها توزيع القوة، لا ساحة اختبارٍ لمدى نضج الجماهير.

الفصل الخامس: الاقتصاد الريعي وتحولات البنية الطبقية في العراق

تُظهر البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية ووزارة التخطيط والبنك الدولي أن الاقتصاد العراقي بقي طوال العقدين الماضيين معتمدًا بصورةٍ شبه مطلقة على النفط. ففي معظم السنوات، تتراوح نسبة الإيرادات النفطية من الموازنة العامة بين خمسة وثمانين وتسعين في المئة²، بينما يشكل النفط أكثر من اثنين وتسعين في المئة من إجمالي الصادرات³. وهذا يجعل الاقتصاد العراقي واحدًا من أكثر الاقتصادات الريعية في العالم.

وقد أدى هذا الاعتماد إلى تضخمٍ واضح في القطاع العام. فعدد العاملين في الدولة ازداد خلال السنوات الأخيرة بنسبٍ كبيرة، حتى أصبح القطاع الحكومي أكبر ربّ عملٍ في البلاد⁴، في حين بقي القطاع الخاص الإنتاجي ضعيف النمو، قليل القدرة على خلق وظائف مستقرة. ومع كل أزمة نفطية، تضطر الدولة إلى تخفيض إنفاقها أو تقليل قدرتها على التوظيف، فتزداد البطالة بين الشباب، التي بقيت في كثير من السنوات ضمن مستوياتٍ مقلقة.

وبالتوازي مع ذلك، ارتفعت نسب الفقر إلى أكثر من ربع السكان في بعض السنوات، وفق تقارير وزارة التخطيط وبرنامج الأمم المتحدة⁵. وهذه الأرقام لا تعبّر فقط عن أوضاعٍ معيشية صعبة، بل تعني أن نسبةً واسعة من السكان تعيش في حالة هشاشةٍ اقتصادية تجعلها عرضةً للابتزاز السياسي المباشر وغير المباشر.

في ظل هذه البنية، تتعرض الطبقة العاملة لتحولاتٍ عميقة. فقد تقلصت الطبقة العاملة الصناعية المنظمة التي كانت ترتبط تاريخيًا بالمصانع والورش والقطاع العام الإنتاجي. وحلّ محلها عالم واسع من العمل الهش يشمل وظائف خدمية منخفضة الأجر، وعمالة مؤقتة، وعملًا غير منظم، وتوظيفًا حكوميًا واهن الضمانات، فضلًا عن عمالة موسمية وانتشار الاقتصاد غير الرسمي.

هذه الفئات، على الرغم من كونها جزءًا حيويًا من القوى المنتجة، ضعيفة التنظيم النقابي، وتفتقر إلى شروط الاستقرار التي تسمح ببلورة وعيٍ طبقي متين. ومن هنا تتولد أزمة اليسار: فالقوة الاجتماعية التي كان يعوّل عليها في الماضي قد تغيّرت بنيتها وطرائق عيشها وأشكال عملها، بينما بقيت أدوات التنظيم النقابية والحزبية أبطأ من أن تلحق بهذه التحولات.

ولا يمكن تجاهل أن جزءًا من العمل النقابي نفسه تعرض للاختراق، أو الضعف، أو التضييق، كما أن الشروط القانونية والمؤسسية لم تسمح غالبًا ببناء نقاباتٍ عمالية مستقلة وقادرة على الفعل الجماعي. وهنا تصبح مسألة “الوعي” مرتبطة موضوعيًا بمسألة “التنظيم”. إذ إن الوعي الطبقي ليس فكرةً ذهنية تُكتسب بالقراءة وحدها، بل هو نتاج تجربةٍ جماعية في الصراع والتنظيم. ومن دون هذا التنظيم، يبقى الوعي هشًّا، فرديًا، قابلًا للتلاشي أمام ضغوط الحياة اليومية.

إن الدولة الريعية، بما تنتجه من هشاشةٍ اقتصادية وتبعيةٍ معيشية، تعمل على تفكيك الروابط الطبقية لصالح روابط زبائنية وشبكات حماية تُدار سياسيًا. وبالتالي تصبح الجماهير أسيرةَ علاقاتٍ غير متكافئة مع القوى الحاكمة، ليس بدافع الاقتناع السياسي، بل بدافع البقاء الاقتصادي. وهذا هو السياق الذي يُنتج وعيًا سياسيًا مشروطًا، لا جهلاً عرضيًا.

ولذلك فإن توصيف الأزمة بوصفها “أزمة وعي” يمثّل تبسيطًا مخلًا يتجاهل هذا التعقيد البنيوي، وينقل النقاش من مستوى الاقتصاد السياسي إلى مستوى الأخلاق الثقافية.

الفصل السادس: قراءة جدلية مباشرة لمقالة رعد موسى الجبوري

تقول المقالة في مفتتحها إن “القيام والمشاركة بالانتخابات يمثل نقلة نوعية صحيحة في الحياة الاجتماعية والسلوك السياسي في البلاد.”
هذه العبارة تُسقط — من البداية — حكمًا معياريًا عامًا على العملية الانتخابية، بمعزلٍ عن طبيعتها الطبقية وموازين القوى التي تتحكم فيها. فهي ترى في الانتخابات قيمةً بذاتها، حتى لو كانت النتائج محسومة سلفًا لصالح قوى النفوذ. هذه الرؤية تتماشى مع الفهم الليبرالي للديمقراطية الذي يرى أن الإجراءات الشكلية كافية لتكريس سلوكٍ مدني متقدم، بينما يرى المنهج الماركسي أن الديمقراطية لا تُقاس بإجراءاتها، بل بمدى قدرتها على تفكيك الاحتكار الطبقي للسلطة أو ـ على الأقل ـ فتح ثغراتٍ في بنيتها⁴.

وتقول المقالة إن القوى المدنية “شاركت بكل صدقٍ ونزاهة وطنية”. وهذه حقيقة لا نشكّك فيها من حيث النية. لكن السؤال ليس في صدق المشاركين، بل في فاعلية التكتيك السياسي نفسه. فالتاريخ لم يحاكم الأحزاب على نواياها، بل على قدرتها على قراءة الواقع وتغييره. وإذا كانت بنية النظام الانتخابي والاقتصاد الريعي وعلاقات القوة لا تسمح بتحقيق نتائج ملموسة، فإن الإصرار على المشاركة من دون مراجعة قد يتحول إلى شرعنةٍ موضوعية لنظامٍ مغلق أكثر مما هو اختراق له.

ثم تمضي المقالة لتؤكد أن سبب ضعف نتائج القوى المدنية يكمن في “ضعف وعي المواطنين” وتأثرهم بالدعاية، والمال السياسي، والسلاح، والخوف، والفقر. وهذه العوامل صحيحة جزئيًا، لكنها لا تُفهم إلا إذا وُضعت داخل إطار الاقتصاد الريعي الذي يجعل المواطن معتمدًا على الدولة أو القوى النافذة في معيشته اليومية. فهنا لا يكون المواطن جاهلًا أو متخاذلًا، بل واعياً لشروط بقائه، حتى لو كان هذا الوعي محافظًا أو عاجزًا عن التحوّل إلى طاقةٍ احتجاجية.

وتُضيف المقالة أن المشاركة الانتخابية بحد ذاتها مكسبٌ ينبغي أن نحافظ عليه، لأنها تكرّس سلوكًا ديمقراطيًا. لكن هذا القول يغفل عن حقيقة أن الديمقراطية — إذا انفصلت عن قوةٍ اجتماعية منظّمة — تتحول إلى طقسٍ شكلي لا يغيّر في الجوهر شيئًا. وما لم يكن للحزب حضورٌ طبقي حقيقي، فإن صندوق الاقتراع سيبقى أداةً يستخدمها الأقوى، لا الذين يرفعون الشعارات الأصدق.

هكذا، وبمحبة رفاقية خالصة، نقول إن مقالة الرفيق رعد — رغم صدقها النضالي — تنتمي إلى منطقٍ ليبرالي يُحمّل الجماهير مسؤولية الإخفاق، ويجعل من الانتخابات قيمةً بذاتها، ويهمّش الاقتصاد السياسي والتحليل الطبقي. وهذا الاتجاه، إذا لم يُراجع، يبعد اليسار خطوةً بعد خطوة عن جوهره التاريخي.

الفصل السابع: النقد الذاتي في التجربة الشيوعية — مقارنات تاريخية

لم تكن ممارسة النقد الذاتي غريبة عن الأحزاب الشيوعية. ففي تجارب أوروبا الشرقية، حين انهارت الأنظمة الاشتراكية بين أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، وجدت الأحزاب الشيوعية نفسها أمام مساءلةٍ تاريخية. بعضها لجأ إلى تبرير الذات وإلقاء اللوم على “تآمر الإمبريالية” فحسب، وبعضها انغمس في نقدٍ ذاتي عميق، راجع طبيعة الدولة البيروقراطية، وعلاقة الحزب بالمجتمع، وتجمد الفكر، وغياب الديمقراطية الداخلية. الأحزاب التي اختارت النقد العميق استطاعت — بدرجاتٍ متفاوتة — أن تعيد بناء نفسها كقوىٍ يسارية ديمقراطية، بينما ذاب كثير من الأحزاب الأخرى أو تحول إلى كياناتٍ هامشية.

وفي أميركا اللاتينية، حين واجهت الأحزاب الشيوعية صعود اليسار الجماهيري الجديد في التسعينيات وما بعدها، اضطرت أيضًا إلى مراجعاتٍ كبرى. بعض هذه الأحزاب أدرك أن التمسك الحرفي بالنصوص القديمة دون قراءة الواقع الطبقي المحلي لن يقوده إلا إلى العزلة. فدخلت في نقدٍ ذاتي بنيوي أعاد صياغة علاقتها بالحركات الاجتماعية والنقابية والشعبية، وربط الديمقراطية بالنضال الاجتماعي لا بالإجراءات الشكلية فقط.

هذه التجارب تؤكد حقيقةً واحدة:
الحزب الذي يرفض النقد الذاتي يتحوّل إلى طائفة لغوية تعيش على الماضي.
أما الحزب الذي يواجه ذاته بجرأة، فيستطيع — حتى إن تألم — أن يفتح لنفسه طريقًا جديدًا في التاريخ.

وهنا تكمن أهمية فرزٍ نظري واضح بين خطٍّ يبرر ويعزو الأزمة إلى “وعي الجماهير”، وخطٍّ نقدي–ثوري يعيد بناء الحزب على أساس صلته الطبقية الحيّة، لا على أساس رضاه عن ذاته.

خاتمة كبرى: بين خطّ التبرير وخطّ النقد الثوري

لقد حاولت هذه الوثيقة أن تعيد الأزمة إلى جذورها المادية. فالوعي ليس سببًا أوليًا، بل نتيجة لعلاقات الإنتاج وشروط الحياة¹. والديمقراطية ليست طقسًا انتخابيًا محايدًا، بل ساحة صراعٍ طبقي⁴. والاقتصاد الريعي العراقي، الذي تعتمد فيه الدولة بنسبة تتراوح بين خمسة وثمانين وتسعين في المئة على النفط²، والذي يمثل فيه النفط أكثر من اثنين وتسعين في المئة من الصادرات³، قد أنتج وعيًا سياسيًا مشروطًا بالعيش، لا حرًّا بمعناه الليبرالي. وتراجع الطبقة العاملة الصناعية المنظمة، وتوسع العمل الهش والوظيفة الحكومية الضعيفة الضمان⁴، وارتفاع نسب الفقر إلى أكثر من ربع السكان في سنواتٍ عديدة⁵، كلها عوامل أعادت تشكيل الخريطة الطبقية بطريقةٍ لا يمكن مواجهتها بخطابٍ ثقافي–وعظي.

إن مسؤولية الحزب التاريخية ليست في إلقاء الدروس الأخلاقية على الجماهير، بل في إعادة بناء أدوات التنظيم الطبقي داخل عالم العمل الحقيقي، وفي ربط الديمقراطية بالنضال الاجتماعي، وفي ممارسة نقدٍ ذاتي صارم لا يساوم على الحقيقة. فإما أن نختار طريق النقد الثوري، وإما أن ننزلق — ببطء ـ إلى ليبراليةٍ بوجهٍ أحمر، كما قلنا في وثائقنا السابقة.

وعند هذه النقطة يظهر السؤال الذي لا مهرب منه:
هل نبقى… أم نزول؟
ونحن نجيب بثقةٍ منشؤها الصدق:
نبقى… بالنقد.

الحقيقة أولًا… ثم الحزب.
والنقد ليس خصومة — بل شرط بقاء.

أن الحزب لا يُعبد، بل يُراجع.
وأن المبدأ لا يُضحّى به من أجل التنظيم، بل التنظيم يُصحَّح ليظلّ أمينًا للمبدأ.
وأن الصداقة الرفاقية لا تُقاس بجرعات المديح، بل بقدرتنا على قول ما نراه حقًا — بضميرٍ واضح وعقلٍ مفتوح.

بهذه الروح، يصبح النقد واجبًا أخلاقيًا وسياسيًا، لا سلاحًا شخصيًا.
ويصبح الحوار ساحة بناءٍ مشترك، لا ساحة كسر عظام.
ومن دون هذه الروح، يموت الحزب — حتى إن بقي قائمًا شكليًا.


فلا خطوة إلى الوراء




الهوامش والمصادر

¹ Karl Marx, A Contribution to the Critique of Political Economy, Preface (1859).

² World Bank, Iraq Economic Monitor (2018–2024)، تقارير دورية عن هيكل الإيرادات العامة.

³ OPEC, Annual Statistical Bulletin، الإصدارات الأخيرة الخاصة بإنتاج وصادرات العراق.

⁴ V. I. Lenin, What Is to Be Done? (1902)، وخاصة الفصول المتعلقة بالوعي والتنظيم.

⁵ وزارة التخطيط العراقية، تقارير الفقر والتنمية البشرية في العراق (2018–2024).

UNDP Iraq, Human Development Reports.
وزارة المالية العراقية، جداول الموازنة العامة الاتحادية.
الجهاز المركزي للإحصاء، مسوح القوى العاملة والبطالة.
فالح عبد الجبار، الدولة والمجتمع المدني في العراق.
حازم الببلاوي، الدولة الريعية — دراسة في الاقتصاد السياسي.
صحيفة طريق الشعب، مقالات رعد موسى الجبوري، “الوعي وأهميته في الانتخابات والديمقراطية”، عدد 29 كانون الأول/ديسمبر 2025.



#علي_طبله (هاشتاغ)       Ali_Tabla#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من النقد الثوري إلى خطاب التبرير
- النقد والنقد الذاتي - الوثيقة السادسة
- قراءة نقدية–منهجية في بلاغ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الع ...
- من وهم التمثيل إلى ضرورة القطيعة
- الهوية بين الأصالة والدونية
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ...
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ...
- إعادة قراءة تشكيكية نقدية تجديدية للوثائق التأسيسية الثلاث ف ...
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ...
- الوثيقة الثالثة: تشخيصُ السيادة والدين والطبقة في عراق ما بع ...
- الوثيقة الثانية: تشخيصُ الأزمة ومساراتُ العمل
- تشخيصُ الأزمة ومساراتُ العمل
- ماذا يريد الشيوعيون؟
- الوثيقة المركزية لإعادة التأسيس الشيوعي في العراق - يا شيوعي ...
- لماذا خسر الحزب؟ وما الذي يجب فعله الآن؟
- العودة إلى الطبقة: في إعادة تأسيس الحركة الشيوعية العراقية د ...
- أوقفوا الإبادة فورًا: الشعب الفلسطيني يقرر
- الاعتراف الغربي بدولة فلسطين و”مشروع ترامب للسلام”: تحليل ما ...
- التراث في الفكر العربي الحديث: قراءة ماركسية نقدية
- من هو عدونا؟ سؤال طبقي لا طائفي


المزيد.....




- أول اتصال بين وزير خارجية أمريكا مع نظيريه السعودي والإمارات ...
- وزير الدفاع الألماني يندد بسلوكيات -صادمة- في إحدى الوحدات ا ...
- الخط الأصفر في غزة.. اتفاق يُنفَّذ أم حدود تُفرض بالقوة؟
- ثمن نهائي كأس الأمم الأفريقية: تونس-مالي، المغرب-تنزانيا، مص ...
- برلين قد تدخل على خط التحقيق في حادث تحطم طائرة رئيس أركان ا ...
- أردوغان يدعم وحدة الصومال ويعتبر اعتراف إسرائيل بـ-أرض الصوم ...
- بعد إعلان أبوظبي.. هل غادرت الإمارات اليمن وما الذي تغيّر فع ...
- ابتكار صيني ثوري لشحن المقاتلات من رادارات العدو
- هل تتحرك الصين لإنقاذ فنزويلا؟
- رئيس الصومال للجزيرة: إسرائيل تسعى لتهجير الفلسطينيين لـ-أرض ...


المزيد.....

- صفحاتٌ لا تُطوى: أفكار حُرة في السياسة والحياة / محمد حسين النجفي
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - الوعي والديمقراطية بين القراءة الليبرالية والتحليل الماركسي