أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - قراءة نقدية–منهجية في بلاغ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حول الانتخابات















المزيد.....

قراءة نقدية–منهجية في بلاغ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حول الانتخابات


علي طبله
مهندس معماري، بروفيسور، كاتب وأديب

(Ali Tabla)


الحوار المتمدن-العدد: 8570 - 2025 / 12 / 28 - 04:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الدولة الريعية والتبعية وإعادة إنتاج السلطة:


د. علي عبد الرضا طبله
28 كانون الأول/ ديسمبر 2025

ملخص

تسعى هذه الدراسة إلى تقديم قراءة نقدية–منهجية لبلاغ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي بشأن الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وتجادل بأن البلاغ يمثّل انتقالًا جزئيًا في خطاب الحزب من القراءة الإصلاحية لمآلات ما بعد 2003 إلى قراءةٍ أكثر جذرية لطبيعة الدولة والسلطة. إلا أن هذا الانتقال، بينما بلغ مستوىً متقدمًا في التحليل، لم يُستكمل بعد بمراجعةٍ موازية للخيارات السياسية العملية، خصوصًا في ما يتعلق بالتعويل على العملية الانتخابية كرافعة للتغيير. وتستند الدراسة إلى مفاهيم الدولة الريعية، والتبعية البنيوية، والزبائنية السياسية، وأزمة التمثيل الديمقراطي، ضمن إطار الاقتصاد السياسي الماركسي.

أولًا: مقدمة

يشكّل بلاغ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حول الانتخابات البرلمانية الأخيرة وثيقةً سياسيةً مهمة، ليس فقط من حيث التوصيف السياسي للحظة العراقية الراهنة، بل من حيث تطوّر اللغة التحليلية المستخدمة في مقاربة طبيعة الدولة والسلطة والانتخابات.

ففي مقابل الأدبيات التي قرأت ما بعد 2003 بوصفه مسارًا متعثرًا لـ«انتقال ديمقراطي»، يتجه البلاغ إلى توصيفٍ أكثر جذرية للمنظومة السياسية بوصفها نظامًا أقلويًا–زبائنيًا يرتكز إلى ريع النفط والتبعية للإملاءات الخارجية والمالية الدولية. كما يذهب البلاغ إلى أن العملية الانتخابية — بصيغتها الحالية — لم تعد أداة تغيير، بل تحوّلت إلى آلية لإعادة إنتاج السلطة.

تأتي هذه الدراسة لتقرأ هذا التحول الخطابي في ضوء منهج الاقتصاد السياسي الماركسي، مع التركيز على الفجوة القائمة بين التشخيص البنيوي الجريء والتردد في مراجعة الخيارات السياسية المرتبطة به.

ثانيًا: الإطار النظري

1. الدولة الريعية والسلطة السياسية

تعرّف الدولة الريعية — كما في الأدبيات الكلاسيكية حول الاقتصاد الريعي — بوصفها الدولة التي تعتمد في إيراداتها الأساسية على ريعٍ خارجي، لا على الإنتاج الداخلي (Beblawi & Luciani). وفي هذه الحالة، يتجه العقد الاجتماعي إلى التحلل، إذ لا تُموّل الدولة عبر الضرائب، ولا تُحاسَب عبر التمثيل — وهو ما يلخّصه الشعار الغربي التاريخي: لا ضرائب بلا تمثيل، ولكن بصورة معكوسة.

وعندما يقترن الريع بـعلاقات تبعية اقتصادية وسياسية للمراكز الرأسمالية العالمية، فإن الدولة تتحول إلى وسيطٍ داخلي في بنية السيطرة الإمبريالية (خليل النعماني، سمير أمين، وغيرهما). وهنا تتراجع السياسة إلى إدارة الريع وتوزيع المنافع عبر شبكات الزبائنية بدل تنظيم الصراع الاجتماعي الطبقي.

2. الزبائنية السياسية وإعادة إنتاج السلطة

تصف أدبيات الدولة الزبائنية العلاقة التي تربط المواطن بالسلطة بوصفها علاقة منفعة مقابل ولاء، حيث تُستبدل الحقوق الاجتماعية والقانونية بامتيازاتٍ آنية، ويتحول الفرد إلى تابعٍ سياسي–اقتصادي ضمن شبكة رعاية (Clientelism).

في هذا السياق، تصبح الانتخابات طقسًا دوريًا لإعادة إنتاج الولاءات وتثبيت موازين القوة، لا آليةً للتداول الحر الفعلي للسلطة (Poulantzas؛ Jessop).

3. أزمة التمثيل الديمقراطي

ترى الأدبيات النقدية المعاصرة للديمقراطية الليبرالية أن اتساع العزوف الانتخابي ليس ظاهرة نفسية أو أخلاقية، بل هو حكم سياسي على فقدان الثقة بجدوى المؤسسات. وهذا ما نشهده في العراق بوضوح.

ثالثًا: قراءة في بلاغ اللجنة المركزية — قوة التحليل

يمكن رصد عدد من التطورات المهمة في خطاب البلاغ:
الانتقال من تفسيرٍ أخلاقي للأزمة (فساد، سوء إدارة…) إلى تفسيرٍ بنيوي يربط بين الريع، التبعية، الزبائنية، والسلاح.
توصيف العملية الانتخابية بوصفها آلية لإعادة إنتاج السلطة لا لتداولها.
قراءة العزوف الشعبي كـموقف سياسي واعٍ لا ككسل أو لا مبالاة.
الربط بين الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وبين بنية الدولة نفسها، لا بين «الأداء» فقط.

وهذه التطورات تلتقي مع المنظور الماركسي الذي يرى أن شكل الدولة يتحدد من خلال طبيعة نمط الإنتاج والعلاقات الطبقية المهيمنة (Marx؛ Engels؛ Lenin في الدولة والثورة).

رابعًا: المفارقة المنهجية — حين يتأخر الموقف عن التحليل

ومع ذلك، يتوقف البلاغ عند عتبة حاسمة. فعندما ينتقل من التحليل إلى السياسة العملية، يستمر في اعتبار الانتخابات “ساحةً رئيسية للصراع”، ويدافع — بقدرٍ ما — عن منطق المشاركة رغم الاختلال البنيوي في شروط العملية الانتخابية.

وهنا تظهر الفجوة المنهجية:
إن كانت الانتخابات آلية إعادة إنتاج سلطة،
وتُدار داخل دولة ريعية–تابعة–زبائنية–مُسلّحة،
فكيف يمكن أن تبقى — سياسيًا — أداةً للتغيير الديمقراطي؟

وفق منطق الاقتصاد السياسي، لا يمكن لأداةٍ صُمّمت بنيويًا للاستقرار أن تتحول إلى قناة تغيير إلا إذا تغيرت البنية نفسها. وإلا فإن تكتيك المشاركة يتحول تدريجيًا إلى تكيّف موضوعي مع قواعد اللعبة، حتى إن ظل الخطاب ثوريًا.

خامسًا: حدود النقد الذاتي — من نقد الأداء إلى نقد المنهج

ينبّه البلاغ — وبشكل محمود — إلى ضرورة النقد الذاتي. لكنه يركّز أساسًا على ضعف التعبئة، هشاشة التحالفات، قصور الخطاب، انقسام القوى الديمقراطية… إلخ. وهذه كلها عوامل صحيحة، لكنها تبقى من مستوى الوسائل لا من مستوى الفرضيات.

أما السؤال المركزي — الذي يظل البلاغ مترددًا في مواجهته — فهو:

هل كانت فرضية «التأثير من داخل العملية الانتخابية» صحيحة بنيويًا في الأصل؟

الإجابة، كما تكشف تجربة العقدين الماضيين، هي — بكل وضوح — لا.

سادسًا: الجبهة الشعبية — البعد الطبقي الغائب/الناقص

الدعوة إلى جبهة شعبية واسعة تحمل في جوهرها بعدًا تقدمياً. لكنها — لكي لا تتحول إلى جبهة «أخلاقية» فحسب — يجب أن تقوم على أساسٍ طبقي واضح:
أي أن تُبنى على تحالف الطبقات الشعبية الكادحة والهشّة، لا على تحالف نخب متنافرة يجمعها شعار عام.

فـالديمقراطية دون مضمون اجتماعي–اقتصادي تتحول إلى واجهة — وهو ما نشاهده يوميًا.

سابعًا: ما الذي يقتضيه الاتساق المنهجي؟

إذا قبلنا التشخيص القائل بأننا أمام نظام ريعي–تابع–زبائني، فإن الاتساق المنهجي يقتضي:
إعادة توزيع مركز الثقل السياسي من البرلمان إلى المجتمع الحيّ،
إعادة بناء التنظيمات الشعبية والنقابية والمهنية،
ربط الخطاب السياسي مباشرةً بالاحتياجات المعيشية للفئات المهمشة،
وإعادة الاعتبار للصراع الطبقي كجوهر للصراع السياسي.

وهذا ليس انسحابًا من السياسة، بل انتقالٌ من سياسة المؤسسات المغلقة إلى سياسة المجتمع المنفتح.

خاتمة

يسجّل لبلاغ اللجنة المركزية أنه خطا خطوةً مهمة في تشخيص طبيعة السلطة. غير أن اللحظة التاريخية تفرض خطوةً أخرى مكافئة في السياسة العملية: خطوة تراجع الفرضيات التي حكمت السلوك السياسي منذ 2003، لا مجرد أدوات التنفيذ.

إن بقاء القراءة التحليلية متقدمة على خيارات الفعل سيُبقي الحزب في موقع الناقد الأخلاقي أكثر منه قوةً تاريخية فاعلة. أما إذا تحلّى الحزب بالشجاعة لتجديد منهجه — لا لغته فقط — فإنه سيكون قادرًا على استعادة دوره التاريخي بوصفه معبّرًا عن المصالح العميقة لشغيلة اليد والفكر.

المراجع العامة
Marx, K. & Engels, F. Selected Works (in various editions).
Lenin, V. I. State and Revolution.
Nicos Poulantzas, State, Power, Socialism.
Bob Jessop, The Capitalist State.
Hazem Beblawi & Giacomo Luciani (eds.), The Rentier State.
سمير أمين، التراكم على الصعيد العالمي.
مهدي عامل، أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية؟
فالح عبد الجبار، الدولة والعمامة والقبعة.



#علي_طبله (هاشتاغ)       Ali_Tabla#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من وهم التمثيل إلى ضرورة القطيعة
- الهوية بين الأصالة والدونية
- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ...
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ...
- إعادة قراءة تشكيكية نقدية تجديدية للوثائق التأسيسية الثلاث ف ...
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ...
- الوثيقة الثالثة: تشخيصُ السيادة والدين والطبقة في عراق ما بع ...
- الوثيقة الثانية: تشخيصُ الأزمة ومساراتُ العمل
- تشخيصُ الأزمة ومساراتُ العمل
- ماذا يريد الشيوعيون؟
- الوثيقة المركزية لإعادة التأسيس الشيوعي في العراق - يا شيوعي ...
- لماذا خسر الحزب؟ وما الذي يجب فعله الآن؟
- العودة إلى الطبقة: في إعادة تأسيس الحركة الشيوعية العراقية د ...
- أوقفوا الإبادة فورًا: الشعب الفلسطيني يقرر
- الاعتراف الغربي بدولة فلسطين و”مشروع ترامب للسلام”: تحليل ما ...
- التراث في الفكر العربي الحديث: قراءة ماركسية نقدية
- من هو عدونا؟ سؤال طبقي لا طائفي
- قراءة ماركسية تجديدية في صناعة الكراهية وتغييب الوطنية
- الطبقة العاملة العراقية – تحديات الوجود وأفق التغيير
- هيمنة الرأسمالية المالية في العراق


المزيد.....




- اجتماع أممي لبحث اعتراف إسرائيل بجمهورية أرض الصومال
- رياح قوية وأمطار غزيرة تقتلع وتغرق خيام نازحين بغزة
- بيان مشترك لمجموعة دول يدين اعتراف إسرائيل بـ-أرض الصومال-
- سوريا..الأمن يكشف ملابسات جريمة قتل أودت بحياة عائلة في حماة ...
- سعي إسرائيلي لنيل -ضوء أخضر- أميركي لضرب إيران و-حزب الله-
- تنسيق غربي ودعم أوروبي وكندي لزيلينسكي قبل لقائه ترامب
- ترامب يؤجّج الجدل بملف جيفري إبستين ويدعو إلى -فضح- الديموقر ...
- ثلاث دول توافق على إرسال قوات إلى غزة.. هل تنضم روسيا إلى ال ...
- أمم إفريقيا: تونس تنهزم بصعوبة أمام نيجيريا
- النيجر تعلن التعبئة العامة ضد الجماعات المسلحة


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - قراءة نقدية–منهجية في بلاغ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حول الانتخابات