أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - قراءة ماركسية تجديدية في صناعة الكراهية وتغييب الوطنية















المزيد.....


قراءة ماركسية تجديدية في صناعة الكراهية وتغييب الوطنية


علي طبله
مهندس معماري، بروفيسور، كاتب وأديب

(Ali Tabla)


الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 08:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هندسة العداء وسقوط الوعي الطبقي: قراءة ماركسية تجديدية في صناعة الكراهية وتغييب الوطنية
د. علي طبله
مقدمة: في معنى العداء المُصنَّع
ليس المقصود بهذه المقالة الدفاع عن أي نظام سياسي أو دولة بعينها، بل الانطلاق من رؤية ماركسية–تحررية تجديدية لفهم كيف يتم صناعة العداءات في المجتمعات التابعة، بهدف تشتيت الصراع الطبقي الحقيقي، وتحويل الجماهير عن خصومها الحقيقيين: الاستغلال، التبعية، الفساد، والاحتلال.
ما نواجهه في العراق اليوم هو ليس مجرد اختلاف سياسي أو تباين في الآراء، بل حرب وعي حقيقية، تُستخدم فيها الأدوات الطائفية، العرقية، الإعلامية، والثقافية لإعادة تشكيل العدو في عيون الناس. تُغيب قوى الاستغلال والاحتلال، ويُسلّط الضوء على “الجار المختلف”، أو “المكون الآخر”، أو “الطائفة المنافسة”، أو “الإقليم القريب”.
في هذه المقالة نعيد ترتيب المفاهيم:
• من هو العدو؟
• من هو الحليف؟
• ما هو الصراع الحقيقي؟
• ولماذا يتم حرف بوصلة الناس؟
وذلك دون مجاملة لأي طرف، ودون شيطنة لأي مكوّن، بل بتحليل يأخذ بالاعتبار البنية الطبقية، والتحالفات، والمصالح، والسياق التاريخي، لا المشاعر أو المواقف الانفعالية أو التموضع الجغرافي أو الطائفي.
من العدو الحقيقي إلى العدو البديل: كيف أُعيد تشكيل الوعي بعد 2003؟
قبل 2003، ورغم كل مآسي الديكتاتورية والحروب والحصار، كان العدو واضحًا في وعي أغلب العراقيين:
• السلطة الاستبدادية،
• الإمبريالية الأميركية،
• الحصار الاقتصادي،
• واستغلال رأس المال المحلي والدولي.
لكن بعد الاحتلال الأميركي، بدأ تفكيك هذا الوعي عبر عملية مقصودة لهندسة الإدراك الجمعي، باستخدام أدوات سياسية وإعلامية وثقافية، جعلت المواطن العراقي لا يعود يسأل: “من يسرق نفطي؟ من يُفقرني؟ من يُقسّمني؟” بل يسأل: “من أي طائفة أنت؟ من تمثّل؟ لأي محور تنتمي؟”
أصبح “العدو” ليس من يفرض عليك سياسات التقشف ونهب القطاع العام وفتح الأسواق أمام الشركات الأجنبية، بل من يختلف عنك في الهوية.
وبات يُنظر إلى الصراع السياسي والاجتماعي ليس من خلال موقع الطبقات، بل من خلال مواقع “المكونات”.
فاستُبدل العدو الطبقي ببدائل مصنَّعة:
• الشيعي بدل الإمبريالي،
• السني بدل الفاسد،
• الكردي بدل المافيوي،
• الجنوبي بدل السياسي،
• المقاوم بدل المحتل.
وتم توظيف الإعلام والأحزاب والمليشيات ومنظمات “المجتمع المدني” لإعادة إنتاج هذا التشوّه، بتمويل خارجي، وبآليات ذكية تُظهر الكذب على أنه “تحليل”، والتحريض الطائفي على أنه “رأي”، والعمالة على أنها “سيادة”.
بهذا، أُعيد تعريف الوطنية والعدو والصراع بطرق ناعمة، تسحق الوعي الطبقي وتحرق الجسور بين أبناء الشعب الواحد، وتُنتج خريطة ولاءات جديدة لا علاقة لها بمصالح الفقراء والكادحين.
الجنوب والوسط والغربية وكردستان: تحطيم الخريطة الطبقية الموحدة
لقد شكّل العراق، لعقود طويلة، وحدة طبقية مترابطة رغم كل تبايناته الثقافية والدينية واللغوية. فالعامل في البصرة، والمعلّم في الفلوجة، والفلاح في العمارة، والموظف في أربيل، كانوا جميعًا يشتركون في معركة واحدة ضد الدولة الريعية التسلطية والرأسمال الكومبرادوري. لكن ما حدث بعد الاحتلال الأميركي في 2003، وبدعم منه، كان تفكيكًا ممنهجًا لهذه الوحدة الطبقية واستبدالها بخريطة جديدة: خريطة الهويات المجزّأة.
تم استبدال السؤال الطبقي:
“لماذا لا أملك منزلًا رغم عملي؟”
بسؤال هوياتي:
“لماذا يُحكم البلد من قِبل مكوّن غيري؟”
هكذا، سقطت فكرة “الشعب العراقي” كمفهوم نضالي جامع، وصعدت بدلًا عنها “مكونات العراق” ككيانات سياسية قائمة على المحاصصة.
وتم تقسيم العراق سياسيًا وإعلاميًا على النحو الآتي:
• الجنوب والوسط: اختُزلت في الطائفة، وتم تقديمها إعلاميًا على أنها مصدر الفوضى والولاء الأعمى لإيران. تم تهميش مطالبها بالخدمات، وتشويه احتجاجاتها، وإفقارها المتعمّد، وتجريم مقاومتها.
• الغربية (الأنبار، الموصل، صلاح الدين): عولجت أمنيًا لا اقتصاديًا، وسُجنت مجتمعاتها داخل خطاب المظلومية المذهبية، ثم اختُرقت بتيارات وهابية–جهادية، جُعلت لاحقًا ذريعة للتدمير الكامل.
• إقليم كردستان: قُدّم على أنه “النموذج المدني”، لكنه في الحقيقة كان مختبرًا للخصخصة، والتطبيع، وتحالف البرجوازية الريعية–القبلية مع الاحتلال.
• بغداد: حوّلتها السلطة إلى عاصمة للتمثيل الرمزي لكل المكونات، بينما فشلت في تقديم هوية وطنية حقيقية. أصبحت مدينة منقسمة طبقيًا وهوياتيًا، معزولة عن ضواحيها.
هكذا سقطت الخريطة الطبقية التي كانت تجمع بين فقراء الشرق والغرب، العمال والفلاحين، الشيوعيين والمؤمنين، لتحل محلها خريطة تُقسّم المعاناة وتُجزّئ الوعي، وتُنتج عداوات أفقية بين الضحايا، بدلًا من الصراع العمودي مع الجلاد.
الحشد الشعبي والمقاومة: من الدفاع المشروع إلى ازدواجية الأدوار
حين اجتاحت “داعش” ثلث العراق في 2014، في لحظة انهيار شبه تام للمؤسسة العسكرية، لم يكن أمام آلاف الشباب من أبناء الفقراء في الوسط والجنوب – بل ومن أقضية غربية وشمالية وتركمانية – إلا أن يُشكّلوا ما عُرف لاحقًا بـ”الحشد الشعبي”، في حالة دفاع ذاتي شعبية لم تكن بقرار حكومي أو أيديولوجي خالص، بل بقرار وجودي.
في ذلك السياق، مثّل الحشد الشعبي امتدادًا للمفهوم الكلاسيكي للمقاومة الشعبية المسلحة، حيث توجّه الطبقات الدنيا والمتضررة من الإرهاب والتهميش سلاحها نحو التهديد الفعلي لحياتها ومجتمعها. وتكوّن الحشد – على عكس ما يُروّج – من عشرات الفصائل المتباينة مذهبيًا وقوميًا ومناطقيًا، شملت:
• مقاتلين شيعة من الجنوب والوسط،
• مقاتلين سنة من الأنبار ونينوى،
• وحدات تركمانية وإيزيدية ومسيحية وشبكية،
• وتنسيقًا ميدانيًا مع البيشمركة في بعض المحاور.
لكن هذا المشروع، الذي نشأ كردّ فعل دفاعي طبقي-مجتمعي، بدأ يتحوّل تدريجيًا إلى منظومة سلطوية موازية، حين:
• دخلت بعض فصائله في لعبة المحاصصة السياسية.
• تورطت فصائل بعينها في اقتصاد الظل، والاستيلاء على المنافذ والموارد.
• أصبحت التبعية لبعض المحاور الإقليمية، بما فيها إيران، تتغلّب على القرار الوطني.
• وتحوّلت بنية المقاومة أحيانًا إلى شبكة مصالح أكثر منها مشروع تحرر.
المعضلة هنا ليست في وجود الحشد بوصفه قوة مقاومة، بل في تحوّله داخل النظام الذي كان يفترض أن يقاومه. وقد ساهم في هذا التحوّل:
• غياب استراتيجية تنظيمية ثورية تضمن بقاءه خارج النظام الريعي،
• الصمت السياسي للقيادات اليسارية والتقدمية تجاه انتهاكاته،
• والاستثمار الإعلامي للطرفين الأميركي والخليجي في تشويه كل أشكال المقاومة ودمجها بالفساد والطائفية.
إن المقاربة الماركسية لا ترفض المقاومة ولا تؤلّهها، بل تُخضعها لتحليل واقعي طبقي.
فالمطلوب اليوم هو نقد جريء من داخل خندق التحرر، يفرّق بين البندقية التي تواجه الاحتلال، وتلك التي تحرس بوابة الوزير.

إيران، تركيا، الخليج، إسرائيل، والغرب: التدخلات المتنافسة على دم العراق
لا يمكن لأي تحليل جاد للواقع العراقي أن يتجاهل شبكة التدخلات الخارجية المعقدة والمتقاطعة التي حولت العراق إلى ساحة تصارع إقليمي ودولي منذ 2003. لكن الخطأ المنهجي يقع حين يُركَّز على طرف واحد فقط – غالبًا إيران – ويُغفل الآخرون، أو يُبرَّأ دورهم التدميري بفعل الاصطفاف السياسي أو المذهبي أو الإعلامي.
أولًا: إيران – من الجغرافيا إلى السياسة
بفعل الجوار التاريخي والحدود الطويلة والتشابك الديموغرافي والديني، دخلت إيران إلى المشهد العراقي بقوة بعد 2003، عبر:
• دعم بعض الفصائل المسلحة ذات الخطاب المقاوم،
• النفوذ السياسي عبر قوى “التحالف الوطني”،
• الهيمنة على الأسواق، وخاصة في الغذاء والطاقة والصناعات الخفيفة،
• تبادل أمني معلن وغير معلن مع حكومات ما بعد الاحتلال.
لكن هذا الحضور الإيراني لا يمكن فهمه دون التمييز بين:
• سلطة إيرانية تسعى إلى تعزيز نفوذها الإقليمي،
• وشعوب إيرانية تعاني القمع والتفاوت الطبقي،
• وقوى مقاومة عراقية استفادت من الدعم الإيراني ولكنها ليست مرتهنة له،
• وأخرى وظّفت هذا الدعم لبناء امبراطوريات اقتصادية مافيوية داخل العراق.
الماركسية ترفض التبعية مهما كان مصدرها، وتنتقد السياسات الإيرانية التي حوّلت الدعم التحرري إلى أداة تأثير جيوسياسي مشروط، كما ترفض الخطاب الطائفي الذي يُشيطن إيران كشعب وثقافة.
ثانيًا: تركيا – العثمانية الجديدة في ثوب النفط والأمن
تدخلت تركيا عبر:
• بناء قواعد عسكرية في بعشيقة ومناطق أخرى،
• قصف شبه يومي لمناطق كردية وعراقية حدودية،
• السيطرة شبه الكاملة على ملف المياه،
• دعم سياسي واقتصادي لتيارات سنية ورجال أعمال عراقيين،
• علاقات وثيقة مع الإقليم الكردي – خاصة حزب البارزاني – في ملف النفط والتهريب.
تركيا تمثل نموذجًا للرأسمالية القومية المتحالفة مع الناتو، والتي تتدخل في العراق لا لحماية السنة أو الأكراد، بل لحماية نفوذها في اقتصاد الإقليم ومياه دجلة والفرات.
ثالثًا: الخليج – الإعلام والمال والمذهب
السعودية، الإمارات، وقطر ساهمت في:
• تمويل قنوات تحريضية طائفية،
• دعم فصائل مسلحة سابقًا (في 2005–2014)،
• إعادة التغلغل بعد 2017 تحت عنوان “الاستثمار”،
• رعاية بعض الفعاليات المدنية والانتخابية عبر تمويل غامض.
ما يُراد هنا هو إبقاء العراق في موقع التابع الضعيف، الممزق بين طوائفه، والخائف من جاره الشرقي، والمُحتاج للدعم الخليجي المشروط سياسيًا.
رابعًا:
إسرائيل والولايات المتحدة – الضربات والبرامج والمشاريع
• اغتيال قادة المقاومة على الأرض العراقية،
• تصفية علماء نوويين عراقيين وإيرانيين،
• تجنيد إعلام وصحف ونشطاء لمعاداة الحشد وإيران وسوريا وحزب الله،
• مشاريع تطبيع غير مباشرة عبر منظمات، وواجهات مجتمع مدني، ومراكز دراسات،
• دعم خفي لفصائل عميلة داخل العملية السياسية العراقية.
الهدف: تصفية البيئة الشعبية للمقاومة، وتحويل شيعة العراق إلى أدوات ضد إيران، وسنة العراق إلى خصوم لإيران وسوريا، والأكراد إلى بوابة أمنية واقتصادية مفتوحة نحو تل أبيب.

المطلوب اليوم ليس الصمت عن إيران ولا التحريض ضدها،
بل إدانة كل تدخل – شرقي أو غربي – يسعى لإدامة التبعية وتقسيم العراق واستغلال شعبه،
وتحديد المعيار الوحيد للرفض أو القبول: هل يخدم مصالح الكادحين؟ هل يُحرر العراق من التبعية؟ أم يعمّقها؟
الإعلام والكراهية: من التثقيف الطبقي إلى التسقيط الهوياتي
منذ 2003، لم يعد الإعلام في العراق مجرد وسيلة لتبادل الأخبار أو عرض الآراء، بل تحوّل إلى سلاح شامل للهندسة الذهنية وتفكيك الوعي الجمعي، بإشراف مباشر من أجهزة مخابرات دولية، وتمويل خليجي وغربي، وتواطؤ نخب محلية.
لقد تمّ التخلّي عن وظيفة التثقيف الجماهيري، وتحول الإعلام إلى أداة لتكريس الهويات الفرعية، وتوجيه الكراهية بعيدًا عن الطبقة الحاكمة والمحتل، نحو الجماهير نفسها.
أدوات الحرب الناعمة:
1. التركيز على الطائفة لا على الجريمة:
إذا ارتكب مسؤول من الجنوب فسادًا، أُبرزت طائفته.
وإذا كان من الشمال، سُمِّي “سياسيًا”، لا “كرديًا”.
وإذا كان من الغربية، قيل عنه “مدعوم من التحالف”.
أما إذا كان مقاومًا، فسرعان ما يُقدَّم كعميل للخارج.
2. شيطنة المقاومة ومحو بطولاتها:
o تم تجاهل تضحيات الحشد والمقاومة العراقية ضد داعش،
o وتصوير الفصائل كلها كعصابات طائفية،
o مع تغييب ممنهج للمعارك التي أنقذت الموصل وديالى وسامراء.
3. إعادة تعريف الشرف الوطني:
o من يرفض التطبيع متخلف،
o من يعادي أميركا عميل،
o من يرفض التمويل الخليجي معقّد،
o من يتحدث عن الطبقة يعاني من “عقدة أيديولوجية”،
o ومن يهاجم الحشد يتحدث بـ”العقل”،
o ومن يدافع عن المقاومة “تابع لطهران”.
في الإعلام المموَّل:
• لا يُذكر الاحتلال، بل تُعاد صناعته كـ”شريك”،
• لا يُذكر الفقر البنيوي، بل يُختزل في سلوك الفرد،
• لا يُنتقد الاقتصاد الريعي، بل يُحمَّل المواطن الكسول المسؤولية،
• لا يُعرّف الصراع الطبقي، بل يُقدَّم كصراع بين “حضارة وهمجية”، “مدنية وتخلف”، “تحرر وعمامة”.
والأدهى أن شريحة من اليسار العراقي التحقت بهذه السردية، وأصبحت جزءًا من شبكات الإعلام المموّل، تُردّد نفس مفرداته، وتُحرّض الجماهير ضد الجماهير، لا ضد النهابين الحقيقيين.

لقد فقد الإعلام دوره التنويري، لأنه لم يُقم على قاعدة الطبقة والمجتمع، بل على قاعدة التمويل والاصطفاف.
ولن يُستعاد هذا الدور إلا حين يُفكك اليسار علاقته بالمنصات المصنوعة، ويُنتج إعلامًا مقاومًا من الأرض، من الحي، من المصنع، من الشارع.
تفكيك العداء المصنّع: نحو خطاب طبقي وطني تحرري
إذا كانت الماكينات الإعلامية والسياسية والمالية قد نجحت في إعادة تعريف العدو وفقًا لمعايير الهوية والانتماء المذهبي والقومي، فإن أولى مهام القوى التقدمية واليسار الحقيقي اليوم هي تفكيك هذه المعادلة الزائفة، واستعادة جوهر الصراع الاجتماعي والوطني.
العداء المصنّع لا يسقط وحده، بل يحتاج إلى أدوات نقيضة:
1.
الوضوح الطبقي
على اليسار أن يُعيد تعريف المواقف انطلاقًا من المواقع الطبقية، لا الانتماءات الأيديولوجية أو الجغرافية.
• من يُشرّع الخصخصة ويُبرر التجويع هو العدو،
• ومن يناضل من أجل الخبز والكرامة هو الحليف،
بغض النظر عن مذهبه أو لغته أو صورته في الإعلام.
2.
الخطاب الوطني التحرري الجذري
لا مجال للتقدم دون تحرير الوعي من الاستعمار الداخلي والخارجي معًا:
• لا سيادة مع الاحتلال الأميركي،
• لا استقلال مع نفوذ السفارات،
• لا عدالة مع قضاءٍ طائفي ومحاكم مسيّسة،
• لا أمل مع اقتصاد ريعي يربط العراق بالأسواق الدولية كمنتِج للنفط فقط.
3.
إعادة بناء أدوات التثقيف الجماهيري
لا يكفي فضح الممول، بل يجب إنتاج خطاب شعبي بسيط وعميق، يُعرّف العامل والفلاح والطالب والمواطنة الكادحة بعدوّهم الحقيقي:
من يسرقهم، من يقسّمهم، من يُلهيهم بالفتنة، من ينهب طاقاتهم باسم الطائفة أو التحرر أو السوق.
4.
نقد الذات الثوري
ليس من التحرر أن نتجاهل أمراض “فصائل المقاومة”،
ولا أن نسكت عن استغلال الدين في خدمة السلطة،
ولا أن نبرّئ قوى إسلامية أو مدنية أفسدت المجتمع.
المقاومة ليست فوق النقد، واليسار ليس معصومًا، والخطاب المدني ليس دائمًا تقدميًا.

لقد حان وقت بناء مشروع طبقي تحرري عراقي جديد:
• يرى في الجنوب والغرب والشمال والوسط وحدة مجتمعية طبقية،
• ويربط بين شهداء الحشد وضحايا داعش وأمهات الانتفاضة،
• ويؤمن أن الوعي الطبقي وحده قادر على مقاومة كل استبداد واحتلال وخداع إعلامي.
الخاتمة: من العداء إلى الوعي – من التمزق إلى التحالف الطبقي التحرري
لا يُكتب لهذا الوطن نهوض، ما لم نكسر دوّامة العداءات المُفبركة ونستعيد جوهر الصراع الحقيقي: الطبقة في مواجهة رأس المال، التحرر في مواجهة الاحتلال، الوعي في مواجهة التضليل.
لقد تم جرّنا، نحن أبناء هذا الشعب، إلى متاريس ليست متاريسنا، وإلى أحقاد لا نعرف من زرعها، وإلى معارك لا علاقة لها لا بخبزنا، ولا بمستقبل أولادنا، ولا بكرامتنا.
وعلينا أن نسأل أنفسنا بصدق:
• لماذا يُقتل المقاوم ويُبرأ الفاسد؟
• لماذا يُحاصر الجنوب ويُغدق على أربيل؟
• لماذا تُشن الحروب الإعلامية على من يرفض الاحتلال، بينما يسرح المطبّعون والمأجورون؟
• لماذا يُعاد تصوير الحشد كأداة لقمع الناس، بينما تُنسى تضحياته في وجه داعش؟
• لماذا تُشيطن إيران فقط، بينما تُنسى إسرائيل وتركيا وأميركا وبريطانيا وكل أدوات النهب؟
الجواب واضح:
لأن الوعي إذا نهض، يسقط النظام، وإذا استيقظ الشعب، لا يعود قابلاً للاستعباد.
نحن لا ندافع عن إيران ولا عن أي نظام، بل ندافع عن العقل، عن الطبقة، عن النضال ضد الإمبريالية، عن كرامة الإنسان.
نحن لا نمنح غفرانًا للمليشيات أو الفساد، لكننا نرفض أن تكون معركة تحريرنا مجرد أداة لتصفية حسابات إقليمية تقودها غرف مظلمة في تل أبيب والرياض وواشنطن.
ونحن لا نُعادي أي مكون، ولا نُقدّس أي جهة، بل نعرف فقط أن من يُفقّرنا، من يُقسّمنا، من يُحارب وعينا، هو عدوّنا.

وهكذا، يصبح المطلوب اليوم:
• خطابًا ماركسيًا تحرريًا جديدًا،
• يعيد الاعتبار للوطنية بلا شوفينية،
• وللديناميكيات الطبقية بلا تزييف،
• ويعيد بناء تحالف واسع بين الكادحين من كل المكونات،
• من الجنوب المهمّش، والغرب المحاصر، والشمال المنهوب، والوسط المنكوب.
تحالف وطني طبقي تحرري، هو وحده القادر على كنس الاحتلال والتبعية والتفاهة، وبناء عراق لا تحكمه طائفة ولا محور، بل تحكمه العدالة.
هذا هو الختام، وهذا هو البدء.
المصادر والهوامش
1. حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، ترجمة عفيف الرزاز (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1992).
2. فالح عبد الجبار، العمامة والأفندية: سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الديني (بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2010).
3. كاظم حبيب، “الطبقات الاجتماعية في العراق المعاصر”، الحوار المتمدن، العدد 1105، 2005.
4. ياسين الحاج صالح، “صناعة الطائفية في العراق وسوريا: قراءة في البنية السياسية”، مجلة الآداب، بيروت، 2017.
5. زياد ماجد، داعش: الخلافة الثانية والنكوص العربي (بيروت: دار رياض الريس، 2015).
6. سمير أمين، في مواجهة أزمة عصرنا (بيروت: دار الفارابي، 2007).
7. هشام داود، “المجتمع العراقي بعد 2003: التحولات والقطائع”، مجلة سياسات عربية، العدد 9، 2014.
8. تقارير الأمم المتحدة حول التنمية البشرية في العراق، UNDP Iraq Reports 2003–2022، https://www.undp.org/iraq
9. مقتطفات من بيانات الحشد الشعبي ومقابلات قادة ميدانيين، متوفرة عبر أرشيف الإعلام العراقي الرسمي، وقنوات على يوتيوب (كالحشد، العهد، الاتجاه).
10. مقابلات ميدانية لمراسلي وكالة الصحافة الفرنسية و”ميدل إيست آي” من الناصرية والبصرة حول انتفاضة تشرين (2019–2020).
11. لؤي الخطيب، “الاقتصاد السياسي للطاقة والنفط في العراق”، معهد بروكنجز، 2018.
12. تقارير رسمية عراقية (ديوان الرقابة المالية، وزارة التخطيط)، حول مؤشرات التنمية والخدمات والبطالة (2010–2023).
13. نصوص اتفاقيات أمنية علنية بين العراق والولايات المتحدة (2008، 2011، 2022)، منشورة على موقع وزارة الخارجية العراقية.
14. مسودة قانون النفط والغاز العراقي (نسخة 2007، ونسخة معدلة 2019)، منشورة على موقع وزارة النفط.
15. مقتطفات من خطب ومداخلات قادة سياسيين عراقيين (من بينهم نوري المالكي، إياد علاوي، مسعود بارزاني، مقتدى الصدر، أسامة النجيفي، هوشيار زيباري)، منشورة في أرشيف قناة “الحرة عراق” و”العربية” و”السومرية”.
16. وثائق ويكيليكس المسربة عن العراق (2004–2010)، خاصة المتعلقة بالعلاقات الأميركية–الخليجية، منشورة على: https://www.wikileaks.org
17. تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية حول الوضع الحقوقي في كردستان والأنبار والجنوب العراقي.
18. مقابلات مع ناشطين ونقابيين في العراق منشورة على مواقع: المدى، طريق الشعب، ناس، كلكامش برس.
19. منشورات حركة “السترات الصفراء” الفرنسية، و”بوديموس” الإسباني، و”جمهورية تشيلي الجديدة” كمصادر مقارنة.

—-
ملاحظة ختامية

إن الكتابة مسؤولية فكرية وأخلاقية تتطلب من الكاتب أن يتحرى الصدق، والموضوعية، والالتزام بقضايا العدالة والحرية. كما أن النقد الموجه لأي نص ينبغي أن يلتزم بضوابط الحوار الفكري المسؤول، فيُناقش الأفكار لا الأشخاص، ويبتعد عن الشخصنة والمناكفات التي تفسد الحوار وتضعف قيمته العلمية.

كل نص يُكتب، وكل نقد يُقدّم، يعكس مستوى وعي صاحبه، وأخلاقيته، وانحيازه.
لذلك، نهيب بالقراء الكرام الالتزام بثقافة الحوار الهادئ والبناء، لما فيه خدمة الحقيقة، وإنضاج النقاش، وإثراء الفضاء الفكري بقيم التعددية، والاحترام المتبادل، والسعي المشترك نحو مستقبل أفضل.



#علي_طبله (هاشتاغ)       Ali_Tabla#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطبقة العاملة العراقية – تحديات الوجود وأفق التغيير
- هيمنة الرأسمالية المالية في العراق
- الانتخابات والتحالفات في العراق – من الاحتلال إلى اللا-دولة
- التحولات الطبقية في العراق المعاصر: قراءة ماركسية نقدية في ض ...
- تحرير المفاهيم: من الاشتراكية المشوّهة إلى العدالة الجماعية ...
- الحرية لا تُنتزع بالخطب، بل بالسلطة الطبقية الواعية
- الاشتراكية والثورة: هل يمكن التحرر دون سلطة؟ رد على أحمد الج ...
- نحو الأممية الشبكية والتنظيم الافقي في الحزب الشيوعي: منهجية ...
- من الدولة إلى التنظيم الطبقي: في الرد على أطروحات أحمد الجوه ...
- نحو تجديد ماركسي-لينيني يتجاوز المأزق اللاسلطوي - رد على أحم ...
- النهج التجديدي في الماركسية واللينينية: قراءة جدلية نقدية في ...
- نظام المكونات في العراق: الهيمنة الإمبريالية وإعادة إنتاج ال ...
- عقود النفط بعد 2003: هل خسر العراق معركته الاقتصادية الكبرى؟
- القمع: قراءة ماركسية معمقة في سياق الدولة البرجوازية والدولة ...
- يا نساء العراق، توحدنَّ!
- حول الدولة المدنية والديمقراطية: clarifications ماركسية ضرور ...
- العراق في قبضة الاحتلال المالي: كيف تُنهب ثروات بلد نفطي بأد ...
- الدولة المدنية والتغيير الشامل: قراءة ماركسية نقدية لشعار ال ...
- الدولة المدنية والاشتراكية: جدلية الضرورة والإمكان في الواقع ...
- العشائرية، الدين، والدولة المدنية: قراءة ماركسية في عوائق ال ...


المزيد.....




- قصة -مانغا- تثير الهلع.. تحذير من كارثة طبيعية يدفع السياح ل ...
- بوتين في زيارة لمحطة طاقة نووية بمنطقة كورسك.. هل هي استعراض ...
- كسب مليار دولار يوميا.. أرقام خيالية يكشفها تقرير -أوكسفام- ...
- مدى قوة الضغوط الدولية على إسرائيل حول غزة واحتمال استجابة ن ...
- الإمارات تتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل بشأن -مساعدات عاجلة- لغز ...
- يحمل اسم شخصية توراتية.. ماذا نعرف عن مشروع -استير- الذي تبن ...
- وكيل كلوب يرد على أنباء ارتباطه بتدريب روما!
- سي إن إن: معلومات أمريكية بشأن استعداد إسرائيل مهاجمة نووي إ ...
- 5 Lucky Lions 789club – Slot game dành cho ng??i b?n l?nh
- جريمة -حب- بشعة وجنونية.. -معا إلى الأبد-!


المزيد.....

- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - قراءة ماركسية تجديدية في صناعة الكراهية وتغييب الوطنية