أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - الحرية لا تُنتزع بالخطب، بل بالسلطة الطبقية الواعية















المزيد.....

الحرية لا تُنتزع بالخطب، بل بالسلطة الطبقية الواعية


علي طبله
مهندس معماري، بروفيسور في الهندسة المعمارية، باحث، كاتب وأديب

(Ali Tabla)


الحوار المتمدن-العدد: 8341 - 2025 / 5 / 13 - 14:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رد ماركسي-لينيني تجديدي على “الاشتراكية لا تولد من رحم السلطة” لأحمد الجوهري



مقدمة: من يَخَف من السلطة… يسلّمها للعدو الطبقي

ما زال الأستاذ الجوهري، في رده الأخير، يَسْلكُ مسارًا نقديًا قائمًا على نفي الدولة والحزب والانضباط، انطلاقًا من رؤية تحررية لاسلطوية ترى أن الاشتراكية لا تُبنى إلا من الأسفل دون أدوات تمثيل أو تنظيم مركزي. هذا الطرح، الذي يبدو جذريًا في ظاهره، يعاني في العمق من فقر تحليلي للتاريخ، وتناقض مع أبسط قوانين الصراع الطبقي.

لن يكون الرد مجرد دفاع عن الدولة أو الحزب كما يزعم الجوهري، بل هو محاولة لتوضيح لماذا نحتاج إلى أدوات السلطة الثورية لبلوغ اللاسلطة الحقيقية، ولماذا لا تتحقق الحرية إلا عبر انتزاع جهاز السيطرة من البرجوازية، لا بإلغائه وهميًا وتركه لها.



1. الدولة: أداة صراع طبقي لا استعارة لغوية

ينطلق الجوهري من اعتبار السلطة والدولة علاقات قهر لا يمكن تفكيكها بل يجب نفيها. لكن هذا التصور ينفي جوهر الدولة الماركسي: أداة للطبقة المنتصرة، لا بنية جوهرانية ثابتة.
• حين تحتكر البرجوازية الدولة، فهي تسخّرها لصالح رأس المال.
• حين تَنتزعها البروليتاريا، تُصبح أداة لتحطيم البرجوازية، لا تكرارًا لها.

يقول الجوهري إن السلطة “لا تُطوّع”. لكن هل نتركها إذًا للبرجوازية؟ هل نجعلها “تابو” لا يُمسّ؟ منطق اللاسلطوية لا يقدّم إجابة سوى: “فلنبدأ ببنائها من الصفر”، وهو ما لم يحدث في أي تجربة ناجحة في التاريخ.

كومونة باريس نفسها – التي يحتفي بها – كانت دولة عمّالية بكل المقاييس: سلطة مُنتخبة، قابلة للعزل، تحطّم الجهاز البيروقراطي، وتؤسس لسلطة طبقية جديدة. لم تكن “لا دولة”، بل كانت “نقيض الدولة البرجوازية”.



2. الحزب: من الوعي الطبقي إلى الأسطورة اللاسلطوية

الجوهري يكرر أن الحزب الطليعي “وصاية”، وأن “البنية تنتج الوظيفة”، أي أن أي تنظيم مركزي سيُنتج الاستبداد. هذه حجة بنيوية ميتافيزيقية لا تستند إلى تحليل مادي.

في الماركسية التجديدية، الحزب ليس وصيًا بل:
• جهاز توحيد طبقي.
• حامل للوعي التاريخي.
• منصة تأطير وتنظيم لا سلطة دائمة.

المشكلة ليست في وجود حزب، بل في غياب الرقابة القاعدية عليه، وانفصاله عن الطبقة. الحل ليس إلغاءه، بل إعادة ابتكاره – كأداة لا كبديل، وكأداة تحت رقابة لا فوقها.

كما أن المقارنة مع ستالين وتروتسكي سطحية ومجتزأة. تروتسكي نفسه طالب بثورة سياسية لتحطيم البيروقراطية، لا بحل الحزب. أما روزا، فقد انتقدت ديكتاتورية الحزب الواحد لكنها دعت لوجود الحزب، شرط أن يخضع للمجالس. اللاسلطويون يقتطفون منها ما يناسبهم، ويتناسون هذا التوازن.



3. التجارب التاريخية: هل نقرأ التاريخ أم نُعلّقه؟

يتّهمنا الجوهري بتبرير الدولة، ويستشهد بتشومسكي وتروتسكي وغيرهما ليقول إن كل التجارب الاشتراكية “أنتجت قمعًا”. لكن هنا يُقارب التاريخ كقائمة أخطاء أخلاقية لا كتحليل طبقي للتناقضات.
• نعم، التجربة السوفييتية انحرفت، لكن انحرافها سببه الحصار، العزلة، الحرب، والتخلف البنيوي، وليس فقط “وجود الدولة”.
• نعم، هناك استبداد حصل، لكن هناك أيضًا:
• محو أمية شامل.
• قضاء على الرأسمالية الإقطاعية.
• حق العمل، التعليم، السكن، والصحة.

منهج الجوهري يغفل هذه التناقضات، ويريد صورة اشتراكية نقية، بلا جهاز، ولا سلطة، ولا أخطاء. لكن التاريخ لا ينتج أوهامًا، بل وقائع متناقضة.



4. التنسيق والتنظيم: من الحُلم الفوضوي إلى الحاجة العملية

حين نطرح سؤالًا بسيطًا: “من ينسّق؟ من يقرر؟ كيف تتم الرقابة؟” يجيب الجوهري بسلسلة من الحالات الرومانسية: إسبانيا، روج آفا، الأرجنتين… دون تحليل فعلي لما جرى فيها:
• إسبانيا 1936: هُزمت بسبب غياب قيادة موحّدة واستراتيجية ثورية شاملة.
• روج آفا: تعتمد على حزب مركزي، وعلى أشكال حكم وانتخابات مجالس وهيكل واضح – لكن اللاسلطويين لا يذكرون ذلك.
• الأرجنتين: تجربة احتجاجية اقتصادية شعبية، لا مشروع اشتراكي كامل.

الأفقيّة وحدها لا تكفي. يجب أن يُرافقها تنظيم قادر على:
• الدفاع المسلح.
• إدارة الإنتاج.
• وضع خطة انتقالية واضحة.

التنسيق لا يعني الهيمنة، لكنه شرط الاستمرار.



5. عن التفكيك والسلطة: ما لا يُنظّم يُسحق

أهم مغالطة يكرّرها الجوهري أن “السلطة لا تفكك إلا بهدمها”. لكن في الواقع، لا يمكن تحطيم الدولة البرجوازية من الخارج فقط. لا بد من استبدالها بمؤسسات طبقية جديدة، تذيب بنيتها، وتحكم باسم الطبقة العاملة.

هذا ما فعله البلاشفة، رغم كل التناقضات والانحرافات. وهذا ما لم يفعله اللاسلطويون، لأنهم كانوا دائمًا يرفضون بناء السلطة، فكانت السلطة تُبنى ضدهم.

التاريخ لا يمنح الحالمين فرصة ثانية. إما أن تنظّم الطبقة العاملة سلطتها، أو تُهزم أمام سلطة أخرى.



الخاتمة: الاشتراكية لا تنشأ في الفراغ

نحن لا نقدّس الدولة، ولا نُمجّد الحزب. بل نحذر من البيروقراطية، ونطرح البدائل التنظيمية. لكننا نقول:
• لا تُبنى الثورة ضد أدواتها، بل بها.
• لا تتحقق الحرية بغياب السلطة، بل بتملّكها الطبقي.
• لا تُصنع الاشتراكية بالشعارات بل بالسلطة المنظمة.

تحيا سلطة العمال، لا وهم اللاسلطة.
تحيا الاشتراكية الواعية، لا الحرية المجرّدة.
ولتسقط البيروقراطية… لا التنظيم الطبقي نفسه.
———
ملاحظة ختامية

إن الكتابة مسؤولية فكرية وأخلاقية تتطلب من الكاتب أن يتحرى الصدق، والموضوعية، والالتزام بقضايا العدالة والحرية. كما أن النقد الموجه لأي نص ينبغي أن يلتزم بضوابط الحوار الفكري المسؤول، فيُناقش الأفكار لا الأشخاص، ويبتعد عن الشخصنة والمناكفات التي تفسد الحوار وتضعف قيمته العلمية.

كل نص يُكتب، وكل نقد يُقدّم، يعكس مستوى وعي صاحبه، وأخلاقيته، وانحيازه.
لذلك، نهيب بالقراء الكرام الالتزام بثقافة الحوار الهادئ والبناء، لما فيه خدمة الحقيقة، وإنضاج النقاش، وإثراء الفضاء الفكري بقيم التعددية، والاحترام المتبادل، والسعي المشترك نحو مستقبل أفضل.



#علي_طبله (هاشتاغ)       Ali_Tabla#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاشتراكية والثورة: هل يمكن التحرر دون سلطة؟ رد على أحمد الج ...
- نحو الأممية الشبكية والتنظيم الافقي في الحزب الشيوعي: منهجية ...
- من الدولة إلى التنظيم الطبقي: في الرد على أطروحات أحمد الجوه ...
- نحو تجديد ماركسي-لينيني يتجاوز المأزق اللاسلطوي - رد على أحم ...
- النهج التجديدي في الماركسية واللينينية: قراءة جدلية نقدية في ...
- نظام المكونات في العراق: الهيمنة الإمبريالية وإعادة إنتاج ال ...
- عقود النفط بعد 2003: هل خسر العراق معركته الاقتصادية الكبرى؟
- القمع: قراءة ماركسية معمقة في سياق الدولة البرجوازية والدولة ...
- يا نساء العراق، توحدنَّ!
- حول الدولة المدنية والديمقراطية: clarifications ماركسية ضرور ...
- العراق في قبضة الاحتلال المالي: كيف تُنهب ثروات بلد نفطي بأد ...
- الدولة المدنية والتغيير الشامل: قراءة ماركسية نقدية لشعار ال ...
- الدولة المدنية والاشتراكية: جدلية الضرورة والإمكان في الواقع ...
- العشائرية، الدين، والدولة المدنية: قراءة ماركسية في عوائق ال ...
- نشيد الأممية - محاولة ترجمة شعرية عربية
- -بين المدنية والطبقية- حوارات مهمة، اطروحات ر. د. حسين علوان ...
- بين المدنية والطبقية: قراءة ماركسية-لينينية في طروحات الحزب ...
- هل انتهى اليسار الماركسي؟ ج5: خاتمة، ج6: الملخص
- هل انتهى اليسار الماركسي؟، ج3: البعد النظري: الماركسية بين ا ...
- هل انتهى اليسار الماركسي؟ - ج1- جذور فكرة نهاية اليسار, ج2- ...


المزيد.....




- من أكبر الرابحين والخاسرين بزيارة ترامب للخليج؟.. فواز جرجس ...
- وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مطار الملك خالد في الر ...
- القضاء الفرنسي يدين جيرار ديبارديو بتهمة الاعتداء الجنسي خلا ...
- الصين: أزمة الفنتانيل في الولايات المتحدة مسؤولية واشنطن وحد ...
- البرلمان الأوروبي يحقق في زيارة وفد من نوابه موسكو لحضور احت ...
- مراسلتنا: مقتل شخص باستهداف مسيرة إسرائيلية دراجة نارية في ج ...
- مقتطفات من كتاب -الخطيئة الأصلية-: الرئيس الأمريكي على كرسي ...
- ترامب يقدم لولي عهد السعودية ثلة من عمالقة الأعمال الأمريكيي ...
- روسيا تحقق جوائز ضخمة في السعودية
- ترامب يمتنع عن شرب فنجان القهوة العربية خلال اجتماعه مع محمد ...


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - الحرية لا تُنتزع بالخطب، بل بالسلطة الطبقية الواعية