أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - الاشتراكية والثورة: هل يمكن التحرر دون سلطة؟ رد على أحمد الجوهري















المزيد.....

الاشتراكية والثورة: هل يمكن التحرر دون سلطة؟ رد على أحمد الجوهري


علي طبله
مهندس معماري، بروفيسور في الهندسة المعمارية، باحث، كاتب وأديب

(Ali Tabla)


الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 18:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رد ماركسي-لينيني تجديدي على “الاشتراكية لا تمر عبر الدولة” لأحمد الجوهري


تمهيد: لا حرية دون أدوات، ولا ثورة بلا تنظيم

في مقاله الأخير، يطرح الأستاذ أحمد الجوهري قطيعة شاملة مع مفهومي الدولة والحزب، باعتبارهما أداتي قمع لا يمكن إعادة ابتكارهما في سياق تحرري. تنبع هذه الرؤية من تقليد لاسلطوي طويل، يتقاطع أحيانًا مع نقد ماركسي أصيل للبيروقراطية والانحرافات. غير أن ما يقدمه الجوهري، رغم حيويته، لا يتجاوز في جوهره منطق الرفض الأخلاقي، ويقع في نزعة إنكارية لطبيعة الصراع الطبقي المادي. سنبيّن هنا، من خلال أدوات المادية الجدلية، أن الاشتراكية لا تتأتى بنفي السلطة بل ببنائها من أسفل لأعلى، عبر أدوات واعية، مرحلية، وديمقراطية طبقية.



1. الدولة الثورية: من التفكيك إلى الذوبان لا الحذف

يرى الجوهري أن “كل دولة تسعى لتكريس نفسها”، وبالتالي يجب نفيها جذريًا، لكنه بذلك يتغاضى عن الفارق الجوهري بين الدولة كجهاز طبقي برجوازي والدولة كأداة مؤقتة بيد الطبقة العاملة في مرحلة انتقالية. الدولة ليست كيانًا ميتافيزيقيًا يفرض نفسه على التاريخ، بل انعكاس لتوازنات القوى. حين تنتزع البروليتاريا السلطة، لا يمكنها أن تترك فراغًا في السلطة، وإلا استعادتها الطبقات القديمة.

ماركس وإنجلز لم يكتفيا بالإشادة بكومونة باريس، بل أكدا على ضرورة تحويل الدولة إلى جهاز ديمقراطي “يُنتخب، ويُحاسب، ويُعزل” من قبل الجماهير – لا إلغائه دفعة واحدة. هذه الدولة الجديدة هي نقيض جذري للدولة البرجوازية، لا استمرار لها.

أما القول إن الدولة البروليتارية هي “قيد أبدي”، فهو خلط بين المهمة التاريخية للدولة الانتقالية – والتي تذوب تدريجيًا – وبين الدولة البيروقراطية السوفييتية التي انحرفت بفعل ظروف موضوعية (الحصار، التخلف، الحرب الأهلية)، لا بمجرد وجود الدولة.



2. الحزب الثوري: من القيادة السلطوية إلى التنظيم الطبقي الواعي

يكرر الجوهري حجة أن الحزب الطليعي بالضرورة ينتج نخبة تتحكم، ويقارن أي دور تنظيمي بالوصاية. لكن هذه قراءة ساكنة، لا مادية، للتاريخ. الحزب الثوري ليس جهاز وصاية، بل أداة تنظيم الوعي والنضال. الانحراف البيروقراطي ليس حتميًا، بل يحدث حين ينفصل الحزب عن طبقته، ويتحول من أداة إلى غاية.

يريد الجوهري “تنظيمًا من دون منظّمين، وقيادة من دون قيادة، وانضباطًا بلا مركز”. هذا وهم. حتى أكثر التنظيمات أفقيةً تحتاج إلى تنسيق، وتوزيع مهام، واتخاذ قرارات. الفرق بين الحزب الثوري والانحراف الستاليني هو فرق في الشكل والمضمون، في الرقابة القاعدية، والديمقراطية الداخلية، والمشروعية الطبقية.

الحديث عن “تنظيم ذاتي أفقي” جميل من الناحية الخطابية، لكنه على الأرض إما أن يتحول إلى بيروقراطية غير مُعلنة، أو يُسحق أمام مؤسسات الطبقات المسيطرة.



3. في دلالة التجربة: من بانيكوك إلى تشومسكي، هل تكفي الإدانة؟

يستشهد الجوهري بتروتسكي وروزا وبانيكوك وتشومسكي لرفض الدولة والحزب. لكن هذه الاقتباسات، مع أهميتها، تخضع لتأويل انتقائي.
• تروتسكي لم يرفض الحزب، بل حذّر من تحلّله وتحوله إلى جهاز بيروقراطي. في الثورة المغدورة، دعا إلى ثورة سياسية تحرر الحزب من البيروقراطية، لا إلى تفكيكه.
• روزا لوكسمبورغ انتقدت ديكتاتورية الحزب الواحد، لكنها أيدت ضرورة الحزب الثوري والمجالس العمالية المنظمة.
• بانيكوك كان رمزيًا في المجالسية، لكنه عجز عن تقديم بديل عملي شامل في وجه الفاشية والصعود الإمبريالي.
• تشومسكي، المنظّر البارز في اليسار التحرري، لم يطرح أبدًا بديلًا ثوريًا ناجزًا، بل ظل في أغلب أطروحاته ناقدًا ثقافيًا للنظام الأمريكي.

التحليل العلمي لا يكتفي بالاقتباس، بل يُخضع كل رأي للسياق التاريخي. وهذه الشخصيات، رغم اختلافاتها، لم تطرح تصورًا ملموسًا عن كيفية تحطيم الدولة الرأسمالية وتنظيم مجتمع بديل متماسك.



4. في التناقض المنهجي: من الدعوة إلى التنظيم إلى رفضه

يدعو الجوهري إلى “مجالس، تعاونيات، شبكات أممية”، ثم يرفض أي شكل تنسيقي عام يخضع لها. كيف تُنسّق نضالات دون مركز؟ كيف تُنظّم قرارات دون آلية؟ من يختار، ويفوض، ويحاسب؟ ما يُطرَح هنا هو نفي للتنظيم باسم الخوف من السلطة، لا مشروع لبنائها من أسفل.

الاشتراكية ليست رفضًا رمزيًا للسلطة، بل تفكيكًا لبنيتها الطبقية وبناء نقيضها على أسس ديمقراطية طبقية: انتخاب، مساءلة، انضباط، شراكة. هذه ليست مركزية بيروقراطية، بل وحدة طبقية.



5. عن التجديد الحقيقي: لا إصلاح للكارثة بل تجاوز جدلي

يتهم الجوهري أطروحتنا بأنها “تجميل لقلعة الدولة”، بينما نحن نطرح تفكيكًا جدليًا لبنية الدولة البرجوازية، من خلال أدوات بديلة لا تحذف السلطة بل تعيد توزيعها طبقيًا. التجديد لا يكون بالقطيعة المجردة بل بالفهم الجدلي: الحفاظ على الجوهر الطبقي، وتجاوز الشكل البيروقراطي.

نحن لا نُجمّل الماضي، بل نفككه كي لا يتكرر. نطرح حزبًا خاضعًا للطبقة لا حاكمًا باسمها، دولة تذوب لا تتكرس، أممية تفاعلية لا بيروقراطية. هذه ليست إعادة إنتاج، بل قطيعة جدلية من داخل التاريخ، لا خارجه.



الخاتمة: الاشتراكية تمر عبر أدوات التحرر، لا بإنكارها

الاشتراكية لا تتحقق بنفي السلطة بل بامتلاكها وتحويلها. لا تُبنى باللاسلطة، بل بسلطة العمال المنظمة ديمقراطيًا. الحزب والدولة أدوات، لا غايات. إذا حذفتها باسم الطهرانية، ستجد الدولة القديمة واقفة في الباب، مستعدة للعودة.

نحن لا ندعو إلى استنساخ الماضي، بل إلى تجاوزه من خلال التجربة، التنظيم، والممارسة الواعية. من دون أدوات، لا تُصنع ثورة. ومن دون سلطة طبقية واعية، لا تُهزم الرأسمالية.

تحيا الاشتراكية كتحرر واعٍ ومنظَّم، لا كحلم طوباوي مبهم.
ولتسقط البيروقراطية كما تسقط الفردانية اللاسلطوية.
ولتنهض الطبقة العاملة، بأدواتها الخاصة، تبني مجتمعها لا تهرب منه.
—-
ملاحظة ختامية

إن الكتابة مسؤولية فكرية وأخلاقية تتطلب من الكاتب أن يتحرى الصدق، والموضوعية، والالتزام بقضايا العدالة والحرية. كما أن النقد الموجه لأي نص ينبغي أن يلتزم بضوابط الحوار الفكري المسؤول، فيُناقش الأفكار لا الأشخاص، ويبتعد عن الشخصنة والمناكفات التي تفسد الحوار وتضعف قيمته العلمية.

كل نص يُكتب، وكل نقد يُقدّم، يعكس مستوى وعي صاحبه، وأخلاقيته، وانحيازه.
لذلك، نهيب بالقراء الكرام الالتزام بثقافة الحوار الهادئ والبناء، لما فيه خدمة الحقيقة، وإنضاج النقاش، وإثراء الفضاء الفكري بقيم التعددية، والاحترام المتبادل، والسعي المشترك نحو مستقبل أفضل.



#علي_طبله (هاشتاغ)       Ali_Tabla#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو الأممية الشبكية والتنظيم الافقي في الحزب الشيوعي: منهجية ...
- من الدولة إلى التنظيم الطبقي: في الرد على أطروحات أحمد الجوه ...
- نحو تجديد ماركسي-لينيني يتجاوز المأزق اللاسلطوي - رد على أحم ...
- النهج التجديدي في الماركسية واللينينية: قراءة جدلية نقدية في ...
- نظام المكونات في العراق: الهيمنة الإمبريالية وإعادة إنتاج ال ...
- عقود النفط بعد 2003: هل خسر العراق معركته الاقتصادية الكبرى؟
- القمع: قراءة ماركسية معمقة في سياق الدولة البرجوازية والدولة ...
- يا نساء العراق، توحدنَّ!
- حول الدولة المدنية والديمقراطية: clarifications ماركسية ضرور ...
- العراق في قبضة الاحتلال المالي: كيف تُنهب ثروات بلد نفطي بأد ...
- الدولة المدنية والتغيير الشامل: قراءة ماركسية نقدية لشعار ال ...
- الدولة المدنية والاشتراكية: جدلية الضرورة والإمكان في الواقع ...
- العشائرية، الدين، والدولة المدنية: قراءة ماركسية في عوائق ال ...
- نشيد الأممية - محاولة ترجمة شعرية عربية
- -بين المدنية والطبقية- حوارات مهمة، اطروحات ر. د. حسين علوان ...
- بين المدنية والطبقية: قراءة ماركسية-لينينية في طروحات الحزب ...
- هل انتهى اليسار الماركسي؟ ج5: خاتمة، ج6: الملخص
- هل انتهى اليسار الماركسي؟، ج3: البعد النظري: الماركسية بين ا ...
- هل انتهى اليسار الماركسي؟ - ج1- جذور فكرة نهاية اليسار, ج2- ...
- حول جدوى النقاش السياسي الاقتصادي مقابل الانزلاق إلى المجازا ...


المزيد.....




- ارتفاع أسعار الفواكه الصيفية في مصر.. وتجار يكشفون الأسباب
- ما المفاجآت التي يحضرها الحوثي لإسرائيل؟
- مصر.. تحرك واسع للسلطات يمنع كارثة طبية بالبلاد
- مؤشر الديمقراطية 2025: تراجع شعبية أمريكا عالميًا وإسرائيل ف ...
- أوكسفام: غزة على شفا مجاعة وأطفال ينهكهم الجوع حتى البكاء
- اجتماع سوري-تركي-أردني: دعم للاستقرار الإقليمي وقلق مشترك بش ...
- ترامب يحتاج إلى زنزانات إضافية... فهل أوروبا على استعداد للم ...
- طائرة قطرية لترامب بـ400 مليون دولار.. كيف ردت الإدارة الأمر ...
- ماكرون و-المنديل الأبيض-.. ما حقيقة فيديو -الكوكايين- في اجت ...
- ساويرس يطالب بإزاحة الجيش عن مزاحمة القطاع الخاص في مصر


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - الاشتراكية والثورة: هل يمكن التحرر دون سلطة؟ رد على أحمد الجوهري