أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - التحولات الطبقية في العراق المعاصر: قراءة ماركسية نقدية في ضوء الانقسام الاجتماعي ما بعد 2003















المزيد.....

التحولات الطبقية في العراق المعاصر: قراءة ماركسية نقدية في ضوء الانقسام الاجتماعي ما بعد 2003


علي طبله
مهندس معماري، بروفيسور في الهندسة المعمارية، باحث، كاتب وأديب

(Ali Tabla)


الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 07:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة
تُعدّ مسألة الطبقات الاجتماعية أحد أعمدة التحليل الماركسي الكلاسيكي، وتغدو أكثر تعقيدًا وإلحاحًا حين تُدرَس في سياق مجتمعات غير مكتملة البنية الرأسمالية، كما هو الحال في العراق. في هذه الورقة، نتناول مقال الزميل المهندس رعد موسى الجبوري المنشور في صحيفة "طريق الشعب العدد 114الذي يسعى إلى مساءلة تحولات مفهوم “الطبقة” في العراق، ونتفاعل معه نقديًا في ضوء النظرية الماركسية وتطبيقاتها المعاصرة، محاولين التمييز بين القشرة الأيديولوجية للخطابات السياسية وبين البنية التحتية للصراع الطبقي.

أولًا: في مفهوم الطبقة – الماركسية وما بعدها
يشكّل مفهوم “الطبقة” في الماركسية نتاج علاقة إنتاج محددة، لا مجرد موقع اقتصادي أو ثقافي. فبحسب ماركس وإنجلز في “البيان الشيوعي”، فإن “تاريخ المجتمع البشري حتى يومنا هذا هو تاريخ صراع الطبقات”¹. هذا الصراع لا يُفهم بوصفه اختلافًا في الدخل فحسب، بل في السيطرة على وسائل الإنتاج، وبالتالي على تحديد شروط العمل والعيش والثقافة.
رعد الجبوري يشير إلى نقطة مهمة، مفادها أن مفردة “طبقة” لم تكن مألوفة في العراق العثماني، وأن الفوارق الاقتصادية كانت أفقية إلى حد بعيد. لكن هذا التشخيص يغفل عن أن الماركسية لا تفترض بالضرورة وجود صراع طبقي مكشوف حتى في المجتمعات ما قبل الرأسمالية، بل ترى أن الأشكال المختلفة للهيمنة الإقطاعية أو العشائرية تُمارس بدورها شكلاً من أشكال الاستغلال الطبقي².

ثانيًا: عراق ما قبل الدولة – طبقات ما قبل الرأسمالية؟
تاريخ العراق قبل الاحتلال البريطاني يهيمن عليه الطابع الإقطاعي الريفي، وشبه الإقطاع العشائري، ولم تكن الدولة العثمانية تُعنى بتحديث البنى الإنتاجية. غير أن هذا لا يعني غياب علاقات استغلال، بل أنها كانت مقنّعة بمفردات الشرف والمكانة الدينية والعشيرة، كما أشار مهدي عامل³. ومع تشكّل الدولة العراقية الحديثة بعد 1921، بدأ يتكوّن جهاز بيروقراطي ونخب مدينية استأثرت بامتيازات التوظيف والتعليم والعقار، فظهرت طلائع طبقات وسطى ذات ارتباط بالسلطة الملكية من جهة وبالملاك العقاريين من جهة أخرى⁴.

ثالثًا: ماركسية الخمسينات وصعود الوعي الطبقي
يلفت الجبوري إلى دور الحزب الشيوعي العراقي وجماعة الأهالي في نشر مفهوم الطبقة، لا سيما بعد ثورة 14 تموز 1958، حيث أصبح الانتماء الطبقي مرتبطًا قانونيًا بملكية الأرض من خلال قانون الإصلاح الزراعي. بالفعل، شهدت تلك المرحلة نموًا في الوعي الطبقي، لا سيما في أوساط العمال والفلاحين، تجلّى في قوة النقابات، وحضور خطاب العدالة الاجتماعية، بل وحتى في الأدب والفن⁵.
لكن ما لم يُناقش بعمق هو كيف أن هذا الوعي لم يتحوّل إلى قاعدة لتغيير جذري في بنية السلطة، حيث بقيت البيروقراطية والمؤسسة العسكرية متحكّمة بمفاصل القرار، مما يفسّر تراجع المشروع التقدمي بعد اغتيال قاسم، ثم الانقلاب البعثي.

رابعًا: ما بعد 2003 – طبقة الطغمة الطائفية وأوليغارشية المحاصصة
هنا يصل الجبوري إلى النقطة الأهم في تحليله: نشوء طبقة حاكمة هجينة بعد الاحتلال الأمريكي، تتميز بتداخل السلطة السياسية مع الريع النفطي، وبتغليف نهبها للثروة الوطنية بغلاف ديني أو طائفي أو قومي. هذه الطبقة لا تنتمي إلى برجوازية وطنية منتجة، بل إلى ما يمكن تسميته بـ”البرجوازية الكومبرادورية الطائفية”، أي فئة مرتبطة بنظام عالمي ريعي-مالي، وتعيش على الوساطة بين السوق المحلية والمصالح الأجنبية⁶.
من هذا المنظور، لا يكون الانقسام الحقيقي في العراق بين الطوائف والإثنيات، بل بين أغلبية مسحوقة ومهمّشة (عمال، عاطلون، شباب، نساء، فلاحون دون أرض، موظفون بلا امتيازات) وطبقة طائفية أوليغارشية تهيمن على الدولة وتُعيد إنتاج الفقر والتبعية.

خامسًا: إشكاليات تحديد الطبقة في زمن ما بعد الحداثة
يرصد الجبوري بذكاء تحوّلات معاصرة تعقّد عملية التصنيف الطبقي، مثل امتلاك العامل سيارة أو بيت، أو دخول الريع والمضاربة المالية والاقتصاد غير الرسمي في تشكيل مصادر الدخل. لكن الماركسية لا تقف عند الأشكال الظاهرة للثروة، بل تركز على موقع الفرد من عملية الإنتاج وتحديدًا على علاقة العمل برأس المال⁷.
الموظف الثري الذي لا يملك وسيلة إنتاج، أو الفنان الذي يعيش على بيع منتجه، ليس “برجوازيًا” حتى لو بدا غنيًا. في حين أن مدير شركة يملك القرار في استغلال قوة العمل، هو جزء من الطبقة الرأسمالية حتى لو لم يظهر ببدلة فاخرة. المعيار إذن هو: من يملك؟ ومن يُنتج؟ ومن يُقرّر في شروط العمل؟

سادسًا: كومبرادور العراق – طبقة التحالف مع الخارج
يُحسن الجبوري في استخدام مصطلح “الكومبرادور”، الذي طوّره لينين ثم سمير أمين، للدلالة على فئات محلية ترتبط عضوياً بالرأسمال الأجنبي. لكن في العراق، اكتسب هذا المفهوم طابعًا خاصًا: فالكومبرادور العراقي لا يكتفي بالوساطة الاقتصادية، بل يلبس عباءة الدين والقومية والطائفة، ويحتكر تمثيل “مكونه” ليضمن حصته من السلطة والثروة⁸.
هذا التحالف غير المقدّس بين الريع، والطائفية، والتبعية، هو ما يجعل المهمة التاريخية للماركسية في العراق مضاعفة الصعوبة، لأنها مطالبة بتحطيم ثلاثة أنواع من الهيمنة: الرأسمالية الريعية، الطائفية الأيديولوجية، والاحتلال المالي-السياسي.

سابعًا: نحو تحليل طبقي جديد – المهمات العاجلة لليسار
في خاتمة مقاله، يدعو الجبوري إلى تحديث أدوات التحليل الطبقي بما يسمح بتوسيع قاعدة التحالفات، وتحديد الأعداء الطبقيين الحقيقيين. هذه دعوة جوهرية لا يمكن أن تُرفض، ولكن بشرط ألّا تؤدي إلى تميع الحدود الطبقية أو خلط الحلفاء بالأعداء.
المطلوب من اليسار العراقي اليوم:
1. إعادة إنتاج مفهوم “الطبقة” بوصفه بنية علاقات إنتاج لا مجرّد هوية ثقافية أو استهلاكية.
2. تشخيص من هي الطبقة المسيطرة: أي الطغمة الحزبية الطائفية النيوليبرالية المرتبطة بالرأسمال الأجنبي.
3. توسيع مفهوم التحالف الطبقي ليشمل كل المتضررين من هذه الطغمة: عمال، عاطلين، طلبة، فلاحين، نساء، متقاعدين، ومهمّشين في كل الطوائف.
4. إحياء النقاش حول العدالة التوزيعية – لا عبر تحسينات جزئية، بل من خلال تفكيك بنية الريع السياسي.

خاتمة
تُشكّل ورقة رعد الجبوري مساهمة مهمة في إعادة طرح سؤال الطبقات في العراق، لكنها تبقى مدخلًا أوليًا يتطلب تعميقًا نظريًا وميدانيًا. المهمة أمام اليسار ليست فقط في استعادة مفهوم الطبقة، بل في جعله أساسًا عمليًا للتحريض والتنظيم والعمل السياسي الجماهيري ضد طبقة هجينة لا تُمثّل أي مكوّن اجتماعي بل تحكم باسمه.

المراجع :
1. كارل ماركس وفريدريك إنجلز، البيان الشيوعي، ترجمة فالح عبد الجبار (بيروت: دار الفارابي، 2008).
2. مهدي عامل، في التناقض، (بيروت: دار الفارابي، 1980).
3. سمير أمين، التراكم على الصعيد العالمي، ترجمة حسن قبيسي (بيروت: دار ابن خلدون، 1973).
4. حنا بطاطو، العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية، (بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1992).
5. فالح عبد الجبار، الدولة والمجتمع المدني في العراق، (بيروت: المركز العربي للأبحاث، 2012).
6. إريك هوبسباوم، عصر الثورة، ترجمة فالح عبد الجبار (بيروت: دار الساقي، 1999).
7. إلين ميكسينز وود، الديمقراطية ضد الرأسمالية، ترجمة مازن كم الماز (بيروت: دار التنوير، 2019).
8. عبد الأمير المجر، “الطبقة الكومبرادورية في العراق”، مجلة قضايا استراتيجية، العدد 12، 2015.

ملاحظة ختامية

إن الكتابة مسؤولية فكرية وأخلاقية تتطلب من الكاتب أن يتحرى الصدق، والموضوعية، والالتزام بقضايا العدالة والحرية. كما أن النقد الموجه لأي نص ينبغي أن يلتزم بضوابط الحوار الفكري المسؤول، فيُناقش الأفكار لا الأشخاص، ويبتعد عن الشخصنة والمناكفات التي تفسد الحوار وتضعف قيمته العلمية.

كل نص يُكتب، وكل نقد يُقدّم، يعكس مستوى وعي صاحبه، وأخلاقيته، وانحيازه.
لذلك، نهيب بالقراء الكرام الالتزام بثقافة الحوار الهادئ والبناء، لما فيه خدمة الحقيقة، وإنضاج النقاش، وإثراء الفضاء الفكري بقيم التعددية، والاحترام المتبادل، والسعي المشترك نحو مستقبل أفضل.



#علي_طبله (هاشتاغ)       Ali_Tabla#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحرير المفاهيم: من الاشتراكية المشوّهة إلى العدالة الجماعية ...
- الحرية لا تُنتزع بالخطب، بل بالسلطة الطبقية الواعية
- الاشتراكية والثورة: هل يمكن التحرر دون سلطة؟ رد على أحمد الج ...
- نحو الأممية الشبكية والتنظيم الافقي في الحزب الشيوعي: منهجية ...
- من الدولة إلى التنظيم الطبقي: في الرد على أطروحات أحمد الجوه ...
- نحو تجديد ماركسي-لينيني يتجاوز المأزق اللاسلطوي - رد على أحم ...
- النهج التجديدي في الماركسية واللينينية: قراءة جدلية نقدية في ...
- نظام المكونات في العراق: الهيمنة الإمبريالية وإعادة إنتاج ال ...
- عقود النفط بعد 2003: هل خسر العراق معركته الاقتصادية الكبرى؟
- القمع: قراءة ماركسية معمقة في سياق الدولة البرجوازية والدولة ...
- يا نساء العراق، توحدنَّ!
- حول الدولة المدنية والديمقراطية: clarifications ماركسية ضرور ...
- العراق في قبضة الاحتلال المالي: كيف تُنهب ثروات بلد نفطي بأد ...
- الدولة المدنية والتغيير الشامل: قراءة ماركسية نقدية لشعار ال ...
- الدولة المدنية والاشتراكية: جدلية الضرورة والإمكان في الواقع ...
- العشائرية، الدين، والدولة المدنية: قراءة ماركسية في عوائق ال ...
- نشيد الأممية - محاولة ترجمة شعرية عربية
- -بين المدنية والطبقية- حوارات مهمة، اطروحات ر. د. حسين علوان ...
- بين المدنية والطبقية: قراءة ماركسية-لينينية في طروحات الحزب ...
- هل انتهى اليسار الماركسي؟ ج5: خاتمة، ج6: الملخص


المزيد.....




- تحليل: غياب بوتن يكشف عن هوية من يتخذ القرارات
- ترامب بطريقه إلى الإمارات من قاعدة العديد في قطر
- بيسكوف: وفدنا ينتظر نظيره الأوكراني في إسطنبول منذ الصباح
- أطفال غزة يتضورون جواً تحت الحصار الإسرائيلي
- أنشطة يومية تقلل من فرص الإصابة بالخرف
- هيغسيث: سنحقق السلام عبر القوة تحت قيادة ترامب 
- لافروف: المفاوضات في إسطنبول مفعمة بالغموض
- تصعيد عسكري وانهيار خدماتي في السودان.. قوات الدعم السريع تج ...
- ترامب يعلن توقيع اتفاقية عسكرية بـ42 مليار دولار مع قطر
- رئيس وزراء ماليزيا يعرب عن إعجابه بجمال موسكو


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طبله - التحولات الطبقية في العراق المعاصر: قراءة ماركسية نقدية في ضوء الانقسام الاجتماعي ما بعد 2003