|
|
ومضات من حياة حنّة آرنت: رحلة نجاة من النازيه حتى انقاذ التفكير الإنساني من عبث النسيان
أوزجان يشار
كاتب وباحث وروائي
(Ozjan Yeshar)
الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 21:27
المحور:
الادب والفن
كانت حياة حنّة آرنت أشبه بقرن كامل ينهض داخل جسد امرأة واحدة؛ قرن مضطرب يتكسّر ويعاد تشكيله كما يُعاد تشكيل الحديد في النار، محمولًا على ظهر الحروب والمنافي والنهضات الفكرية، ومكثّفًا في مرآة مكسورة تعكس تشظّي العصر بكل دمويّته وعنفه وأسئلته الحارقة. لم تكن كل محطة في رحلتها انتقالًا جغرافيًا فحسب، بل صدامًا مع عالم يتهاوى ويُبنى من جديد، وطبقة أخرى تترسّب في وعيها لتمنحها زاوية أكثر توغّلًا في فهم الإنسان والسلطة والشرّ.
بدأت الرحلة في هانوفر، في حضن أسرة يهودية ألمانية علمانية من الطبقة الوسطى ذات جذور روسية بعيدة. كان الأب، بول آرنت، مهندسًا كهربائيًا ذا صرامة وذكاء هندسي بارد، يدير عمله بدقة تكاد تكون أشبه بمعادلات الجبر الدقيقة، بينما كانت الأم، مارتا كون، موسيقية رقيقة الطاقة، خيّاطة بارعة تحمل في ملامحها روح وقيم الجمعيات الاشتراكية التي شاركت فيها منذ شبابها. أما الجدّ، ماكس آرنت، فكان رجل أعمال مؤثرًا في كونيغسبرغ وقائدًا بارزًا في الجالية اليهودية، يشغل موقعًا اقتصاديًا واجتماعيًا فارقًا في المدينة.
كان هذا الخليط الغني – تقاليد يهودية إصلاحية تميل للتحديث، انخراط سياسي في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، وطموح طبقة وسطى تسعى للصعود – هو التربة الأولى التي تشكّلت فيها آرنت. ومنذ طفولتها المبكرة، بدأ الإحساس بالهوية المزدوجة يتخلل آرائها: ألمانية ويهودية في آن، داخل المجتمع وخارجه في الوقت نفسه. تلك الازدواجية ستتحول لاحقًا إلى محور مركزي في أعمالها، خاصة في تأملها لطبيعة «اليهودي كمنبوذ» (pariah)، وهو ليس توصيفًا ميلودراميًا للحزن، بل مقاربة فلسفية لمعنى أن يعيش الإنسان على هامش البنية الكبرى، خارج السرد الرسمي للتاريخ، ليرى العالم بحدة أكثر ووضوح أكثر إيلامًا.
في كونيغسبرغ، مدينة كانط حيث ولدت فكرة المواطنة العقلانية والفكر النقدي، فتحت آرنت ذاتها على عالم الفلسفة والبحث العقلي كما يُفتح كتاب ضخم لأول مرة. بين شوارع المدينة المرصوفة وحدائقها الهادئة، كانت تقرأ وتفكر وتمرد صامت على كل سلطة تحاول تقييد الحرية، لتكتشف منذ الصغر أن التفكير ليس رفاهية بل أداة وجودية لإنقاذ الذات من الانجراف في تيار الأحداث المتلاطم. هنا، تشكلت طبقات هويتها الأولى؛ مدينة الغربة والتمرد كانت بمثابة مرآة تكشف لها حدود الذات، ومسرحًا لصقل وعيها بالمسؤولية الأخلاقية للفكر، قبل أن تواجه العالم بكل قوته المدمرة، قبل أن تتحول التجربة الفردية إلى فهم عميق لمعنى الحرية والشرّ والإنسانية. كونيغسبرغ لم تكن مجرد مدينة، بل كانت معملًا للفكر والروح، حيث رسمت آرنت ملامح امرأة ستقف لاحقًا وسط أعاصير التاريخ، صلبة في رؤيتها، حرة في تفكيرها، واعية بأن العقل هو سلاح البقاء الحقيقي.
لكن ماربورغ كانت الحدّ الفاصل. هناك، دخلت باب الفلسفة لا بوصفها تخصّصًا أكاديميًا، بل بوصفها حادثة وجودية. في تلك المدينة الجامعية، وجدت نفسها أمام عالم يحاول تنظيم الفوضى عبر المفاهيم. وهناك أيضًا اكتشفت الحبّ، واكتشفت معه سؤالها الكبير: كيف يمكن للعقل أن يبقى حرًا وسط عالم يتّجه إلى الانغلاق، وكيف يمكن للفرد أن يحافظ على استقلاله الفكري في وجه جماعات تتداعى نحو الشمولية؟
ثم باريس، المدينة التي تذوقت فيها مرارة المنفى لأول مرة؛ منفى بأناقة حزينة، حيث تعلمت اللغة ببطء، وبدأت بإعادة بناء هويتها خارج الحدود الألمانية. وفي «غور» تذوقت الاعتقال، التجربة التي ستضع حجر الأساس لقراءتها الشهيرة لطبيعة الشرّ، ذلك الشرّ الذي ستسميه لاحقًا «التفاهة» لا البطولة، بوصفه فعلًا لا يحتاج إلى عبقرية شيطانية بل إلى غياب التفكير.
أما نيويورك، فكانت الورشة الكبرى. المدينة التي احتضنت انهياراتها وصاغت من رمادها فكرًا جديدًا. هناك أعادت كتابة العالم من منظورها الخاص، وشيّدت أهم أفكار القرن العشرين، حتى أصبحت الكتابة بالنسبة لها ليست عملًا فكريًا فحسب، بل ساحة مقاومة تُجابه بها كل أشكال القسر والسلطة الغاشمة.
وهكذا، تصبح سيرة آرنت ليست مجرد قصة حياة فردية، بل خريطة فكرية لعبور القرن العشرين بأزماته وتحولاته الكبرى. امرأة تعبر الأمكنة لا كمواقع على الخريطة، بل كتجارب وجودية حادة تعيد عبرها اكتشاف معنى الإنسان في عالم يتمزق.
وقد لخّصت آرنت هذا العبور كله في جملة واحدة، في مقابلة أجرتها مع New York Review of Books عام 1974، حين قالت: «التفكير الحقيقي هو أن تبحث عن المعنى داخل الوقائع، لا أن تجمع الوقائع كما تُجمع الطوابع.»
كانت تلك وصيّتها الفكرية. أن الحياة ليست سلسلة أحداث، بل الطريقة التي نفكر بها داخل هذه الأحداث، نبحث عن معناها وسط الدمار، ونحملها معنا لا كذكريات، بل كخرائط تفتح طرقًا جديدة للوعي.
⸻
المرحلة الأولى: البدايات – مدينتان تصنعان السؤال (1906–1924)
كانت ولادة حنّة آرنت في 14 أكتوبر 1906 في هانوفر مجرد بداية قصيرة لم تطل؛ إذ سرعان ما انتقلت العائلة إلى كونيغسبرغ، المدينة التي ستصبح رحمها الفكري الأول. هانوفر كانت مجرد عتبة، أما كونيغسبرغ – مدينة إيمانويل كانط، المدينة الحدودية المفتوحة على المزج الألماني–الروسي–اليهودي – فكانت العالم الذي تشكّلت فيه نبرتها العقلية الأولى، والمدينة التي ستهمس لها بأن «التفكير فعل أخلاقي قبل أن يكون نشاطًا فلسفيًا».
في كونيغسبرغ، حيث كانت اللغات والثقافات تتداخل كالأمواج، بدأ يتشكل داخل آرنت ذلك الإحساس المبكر بما سمّته لاحقًا «الانتماء إلى لا مكان»، شعور الغريب المقيم في قلب المكان. كان والدها بول آرنت يصارع الزهري ببطء قاتل، يتحول تدريجيًا إلى ظلّ يذبل أمام عيني ابنته، حتى انتهت رحلته عام 1913 في مصحّة نفسية. هذا الفقدان المبكر – القاسي والصامت – صار أول درس وجودي تتلقّاه: أن العالم هشّ، وأن السلطة قد تكون وجهًا آخر للألم.
بعد رحيله بقيت الأم، مارتا كون، التقدّمية، الموسيقية المرهفة والناشطة الاشتراكية، تتحمّل مسؤولية تربية الصغيرة. ومع زواجها الثاني عام 1920 من مارتن بيروالد ودخول أخوات غير شقيقات إلى حياتها، شعرت آرنت دائمًا بأنها «الواحدة التي ترى أكثر مما يجب». كانت تلك النواة الأولى لحدسها الوجودي: رؤية ما وراء الواجهة.
في وسط هذا الاضطراب، كانت القراءة الملاذ الوحيد. قالت لاحقًا في سيرتها: «الطفولة كانت مليئة بالفقدان، لكنها أيضًا بالقراءة التي أنقذتني من اليأس». كانت تقرأ هوميروس في الثانية عشرة، تستظهر ريلكه وغوته، وتجادل أساتذتها بأسئلة أكبر من عمرها بكثير. وفي المدرسة الثانوية للبنات، طُردت مرة لأنها قادت احتجاجًا ضد معلمة معادية للسامية؛ تمرد مبكر سيصبح لاحقًا أحد توقيعاتها الفكرية.
شاركت في تكوين نادٍ فلسفي سري، درست اليونانية القديمة بنفسها، وقرأت كيركغارد وكانط في سن الرابعة عشرة، لا بحثًا عن المعرفة بقدر ما كانت تبحث عن الحرية الداخلية. لقد أدركت مبكرًا أن المعرفة ليست زينة، بل دفاع داخلي ضد السقوط في القطيع. وهو ما ستكتبه لاحقًا في حياة العقل: «التفكير هو الحوار الصامت مع الذات؛ الحوار الذي يمنعنا من الوقوع في الشر».
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، اضطرت العائلة للهجرة المؤقتة إلى برلين، لتتذوق آرنت أول تجربة للاضطراب السياسي الواسع. ذلك الشعور بالاهتزاز الوجودي دفعها إلى كتابة قصيدة مراهقة بعنوان «الظلال»، موجّهة لاحقًا إلى هايدغر، جاء فيها: «في هذا العالم الذي نأتي إليه من لا شيء ونختفي في لا شيء، الوجود والظهور يتطابقان».
كانت تلك السنوات الأولى – بين هانوفر وكونيغسبرغ، بين الفقدان والكتب، بين التمرد والصمت – هي المرحلة التي انبثقت فيها الأسئلة التي سترافقها مدى الحياة. ولم تكن أسئلة طفلة، بل أسئلة قرن كامل كان يستعدّ للاشتعال.
⸻
المرحلة الثانية: سنوات التكوين – بين ياسبرز وهايدغر (1924–1929)
في عام 1924، دخلت حنّة آرنت جامعة ماربورغ لدراسة الفلسفة، محمّلة بشغف المعرفة وحيرة المراهقة، لكنها جاءت وكأنها مستعدة لمواجهة العالم بأسره من خلال الفكر. هنا التقت مارتن هايدغر، الفيلسوف الغامض، صاحب الحضور القوي، والقدرة على فتح أبواب الوجود أمام طلابه. لكن العلاقة معه لم تكن مجرد تعليم أكاديمي، بل تجربة عاطفية وفكرية معقدة. بدأت بينهما علاقة رومانسية سرية عام 1925، استمرت حتى 1928، وكانت مليئة بالرسائل التي جمعت بين الغرام والفلسفة، حيث كتب لها: «في هذه السنوات، صداقتنا صمدت أمام الاختبار».
كانت آرنت تبلغ 18 عامًا وهو في الخامسة والثلاثين، متزوجًا، مما أضفى على العلاقة بعدًا أخلاقيًا وفكريًا مضاعفًا، وجعلها تجربة محورية في فهمها لمفهوم Dasein أو الوجود كما صاغه هايدغر في كتابه الكينونة والزمن. كانت العلاقة معقدة، غنية بالأسئلة، مليئة بالمعرفة والجرح معًا، إذ علّمتها أن الحرية الفكرية ليست مجرد استقلال داخلي، بل اختبار مستمر أمام الملتزمين بالتقاليد والأعراف.
لكن ماربورغ لم تمنحها كل ما تحتاج. في عام 1928 انتقلت آرنت إلى جامعة هايدلبرغ لدراسة الفلسفة تحت إشراف كارل ياسبرز، الذي أعطاها ما لم تستطع العثور عليه عند هايدغر: صفاء الأخلاق، رحابة الإنسانية، وإيمانًا بأن العقل قادر على فهم العالم دون الوقوع في حبائل السلطة أو الانصياع للتقاليد العمياء. أصبح ياسبرز صديقًا ومعلّمًا مدى الحياة، يكتب لها لاحقًا: «أنتِ تمثلين الإنسانية في أبهى صورها». مع ياسبرز لم تعد تلميذة فقط، بل شريكة فكرية، وتكوّنت شخصيتها الفلسفية المستقلة، القادرة على نقد السلطة ومساءلة المفاهيم السائدة.
عام 1929، قدمت آرنت أطروحة الدكتوراه بعنوان «مفهوم الحب عند أوغسطينوس» تحت إشراف ياسبرز، ونُشرت في فرانكفورت، لتعلن أول ظهورها في المشهد الألماني الفلسفي. عالجت الأطروحة الحب كأساس للحياة الاجتماعية، مقسمًا إلى حب الجار، والحب الإلهي، والحب الشهواني، وكتبت: «الحب هو الذي يجعل الإنسان يتجاوز نفسه نحو الآخر، لكنه يمكن أن يؤدي إلى العزلة إذا غاب الوعي». كانت هذه الدراسة بمثابة التجربة الفكرية الأولى التي جمعت بين الفلسفة والأخلاق والبحث عن معنى الوجود.
في هذه السنوات نفسها، تزوجت آرنت من غونتر شتيرن، الفيلسوف اليهودي، الذي سيغيّر لاحقًا اسمه إلى غونتر أندرس. الزواج لم يكن مجرد حياة مشتركة، بل تجربة فكرية وسياسية، إذ جمعتهما مناقشات عن الفلسفة والسياسة، لكن الاختلافات الفكرية والمنفى اللاحق أدت إلى الانفصال عام 1936. هذا الزواج، بكل تعقيداته، كان جزءًا من نسيج آرنت الفكري والعاطفي، ومهد الطريق أمام تفكيرها المستقل حول الحرية والعلاقات الإنسانية.
وخلال هذه المرحلة أيضًا بدأت آرنت كتابة دراسة عن راحيل فارنهاغن، اليهودية الألمانية في القرن الثامن عشر، التي جسّدت مأزق الاندماج اليهودي: «المنبوذ الواعي» مقابل «المنبوذ المتكيّف». لم تُنشر الدراسة إلا عام 1957، لكنها كانت مختبرها الفكري السري في عشرينيات القرن الماضي: المكان الذي اختبرت فيه قضايا الهوية، الانتماء، والتمرد، وهي قضايا ستصنع لاحقًا أساس تفكيرها حول الفرد والمجتمع والسياسة والتوتاليتارية.
هكذا كانت هذه السنوات، بين ماربورغ وهايدلبرغ، بين هايدغر وياسبرز، بين الحب والجرح والزواج والدراسة، مرحلة التكوين التي صاغت قلب وعقل آرنت: عقل يحلل، وقلب يفهم، وروح تسعى للحقيقة وسط عالم مضطرب.
⸻
المرحلة الثالثة: النار تقترب – هروب من ألمانيا إلى فرنسا (1933–1940)
في 30 يناير 1933، وصل أدولف هتلر إلى السلطة، وتحوّلت ألمانيا بسرعة إلى مكان يطارد كل من يفكر أو يعترض، خاصة المفكرين اليهود. في تلك اللحظة، كانت حنّة آرنت تعمل كباحثة في مكتبة برلين الوطنية، تجمع موادًا عن المعاداة للسامية لصالح المنظمة الصهيونية الألمانية، محاولة فهم الآلية التي أدت إلى صعود الفكر النازي. وفي ذلك العام، اعتُقلت لساعات بعد أن ساعدت مجموعة من اليهود على توثيق الدعاية النازية، وخرجت بفضل محقق متعاطف سرًّا معها. لكنها فهمت الرسالة بوضوح: لا مكان للمفكرين اليهود في ألمانيا النازية. لاحقًا قالت: “كنت أشعر بالذنب لأنني لم أكن أفعل شيئًا، فبدأت في العمل السياسي”.
لم تمضِ وقت طويل قبل أن تغادر ألمانيا، هاربةً إلى باريس عبر تشيكوسلوفاكيا ومرتفعات جبال أوري، لتدخل أول منفى لها كلاجئة بلا جنسية، تحمل معها الألم والاغتراب والحاجة إلى إعادة بناء الذات. هناك، وجدت آرنت نفسها في قلب شبكة إنسانية وفكرية: عملت في جمعيات مساعدة الأطفال اليهود، أبرزها Oeuvre de Secours aux Enfants (OSE)، وكانت أمينة عامة لفرع Youth Aliyah بين 1935 و1938، مساهمة في إنقاذ آلاف الأطفال اليهود إلى فلسطين، تجربة شكّلت وعيها العميق حول المسؤولية الفردية والمصير الجماعي.
في باريس تعرفت على ريمون آرون، وانخرطت في دوائر المثقفين الفرنسيين، مثل والتر بنيامين وجان بول سارتر، الذين ساهموا في توسيع أفقها الفكري. هنا كتبت آرنت للمرة الأولى عن موضوعات ستصبح لاحقًا صلب كتابها أصول التوتاليتارية: اللاجئون، الهوية، انكسار الدولة، تفكّك المواطنة، ومسؤولية الإنسان أمام الآلة السياسية.
خلال هذه السنوات، انفصلت عن زوجها الأول غونتر شتيرن/أندرس، وتعرفت على هنريخ بلوخر، الفيلسوف الماركسي السابق في حزب سبارتاكوس، الذي تزوجته عام 1940 في باريس. كان بلوخر شريكًا فكريًا حيويًا، يشجع آرنت على دراسة الشيوعية كنموذج للتوتاليتارية، لكن القدر لم يتركها تستريح طويلًا، فمع اجتياح النازيين لفرنسا، وجدت نفسها أمام تجربة أشد قسوة: مواجهة الاعتقال، فقدان الحرية، والتحدي البشري الأقصى، الذي سيشكل لاحقًا وعيها الحاد بفقدان الحقوق، وبالشرّ الذي لا يُولد من الكراهية وحدها، بل من الانصياع والخوف.
⸻
المرحلة الرابعة: الاعتقال والهروب الثاني – معسكر غور (1940)
مع إعلان فرنسا الحرب على ألمانيا في سبتمبر 1939، أصبحت آرنت – التي فقدت جنسيتها الألمانية عام 1937 وأصبحت عديمة الجنسية – “عدو أجنبي” محتمل. في مايو 1940، مع اجتياح النازيين فرنسا، اعتقلت في ملعب فيلودروم ديفير في باريس مع آلاف النساء اليهوديات، ثم نقلت إلى معسكر غور في جنوب فرنسا، الذي كان مصمماً أصلاً للاجئين الإسبان من الحرب الأهلية، وأصبح سجناً لنحو 7000 امرأة يعانين الجوع، المرض، والإذلال اليومي، حيث يتحول الإنسان إلى رقم بلا كرامة. في هذا الجحيم، حافظت آرنت على روحها المقاومة: رتبت قوائم، جمعت النساء، وخططت للهروب، مؤمنة بأن “لا شيء يجعل الإنسان بلا قيمة أكثر من أن يفقد قدرته على التفكير”. بعد أسابيع قليلة، مع هزيمة فرنسا وانهيار الاتصالات، استغلت الفوضى للحصول على أوراق تحرير، وهربت مع حوالي 200 امرأة أخرى، تاركين كل شيء خلفهم سوى فرشاة أسنان، محذرين اللواتي بقين من تسليم المعسكر للألمان (الذي حدث لاحقاً تحت نظام فيشي، مما أدى إلى نقل العديدات إلى أوشفيتز). قطعت طريقاً محفوفاً بالمخاطر عبر مونتوبان، ثم إسبانيا والبرتغال إلى لشبونة، حيث حصلت على تأشيرة أمريكية بدعم منظمات إغاثية مثل الكواكرز وبدعم من الصحفي الأمريكي فاريان فراي، الذي ساعد آلاف الهاربين. في يونيو 1941، صعدت السفينة Serpa Pinto إلى نيويورك مع زوجها هنريخ بلوخر ووالدتها، حاملة تجربة ألمتها وانتصارها على الخوف. هذه الرحلة لم تكن هروباً جغرافياً فحسب، بل اختباراً لفقدان الحقوق والكرامة، كما عبرت في مقالها “نحن اللاجئون” عام 1943، مؤسسة فهماً عميقاً لعلاقة الإنسان بالحرية والتفكير أمام الطغيان، حيث قالت: “بضعة أسابيع بعد وصولنا إلى المعسكر… هُزمت فرنسا وانهارت كل الاتصالات. في الفوضى الناتجة، نجحنا في الحصول على أوراق تحرير سمحت لنا بمغادرة المعسكر”.
⸻
المرحلة الخامسة: نيويورك – المنفى الذي أصبح وطنًا (1941–1951)
وصلت آرنت إلى الولايات المتحدة بلا أوراق، بلا لغة، بلا عمل. لكن نيويورك كانت عالمًا مفتوحًا، وكانت آرنت جاهزة لبدء فصل جديد. بدأت في تعلم الإنجليزية بسرعة، وعاشت أولاً في وينشستر، ماساتشوستس، كجزء من برنامج للاجئين، ثم انتقلت إلى نيويورك حيث سكنت في 370 ريفرسايد درايف. عملت في مجلة Partisan Review ككاتبة مقالات، وفي جريدة Aufbau اليهودية الألمانية من 1941 إلى 1945، حيث كتبت عن ضرورة تشكيل جيش يهودي لمواجهة النازية. ثم في منظمة Commission on European Jewish Cultural Reconstruction لإعادة جمع التراث اليهودي المنهوب، حيث سافرت إلى أوروبا بعد الحرب لتقييم الأضرار الثقافية، وأدارت البحث من 1944 إلى 1946. خلال هذه السنوات، كتبت نصوصها الأولى عن أزمة الحداثة وسقوط الفرد أمام سلطة الدولة، مثل مقال “اليهود كمنبوذين” عام 1944، الذي طورته إلى كتاب لاحقًا. في 1951، وبعد 18 عامًا بلا جنسية، حصلت على الجنسية الأمريكية في 10 ديسمبر، ووصفت ذلك بأنه “عودة إلى العالم”، حيث قالت: “المواطنة ليست مجرد ورقة، بل حق في المشاركة”. وفي العام ذاته نشرت عملها الأكبر، بعد سنوات من العمل عليه في المنفى.
⸻
المرحلة السادسة: «أصول التوتاليتارية» – تشريح الوحش (1951)
حين صدر الكتاب في نيويورك عام 1951، كان العالم قد بدأ ينسى أهوال النازية. لكن آرنت أعادت فتح الجرح من جديد. حللت في كتابها كيف دمجت أنظمة القرن العشرين بين: البيروقراطية الحديثة، الدعاية الجماهيرية، الشمولية الأمنية، إلغاء الفرد لصالح آلة الدولة. قسمت الكتاب إلى ثلاثة أجزاء: المعاداة للسامية، الإمبريالية، والتوتاليتارية، موضحة كيف أن النازية والستالينية ليستا مجرد ديكتاتوريات، بل أنظمة جديدة تجعل الإنسان “زائدًا” (superfluous). قدّمت فيه فكرة أن الإنسان يصبح بلا قيمة حين تُسحق خصوصيته، وحين يُختزل إلى رقم داخل بنية سياسية بلا روح، قائلة: “الموضوع المثالي للحكم التوتاليتاري ليس النازي المقتنع أو الشيوعي المقتنع، بل الأشخاص الذين لم يعد يوجد لديهم تمييز بين الحقيقة والكذب”. أصبح الكتاب مرجعًا عالميًا، ودخلت آرنت من خلاله تاريخ الفكر السياسي، خاصة مع ترجمته إلى عدة لغات وتأثيره على فهم الحرب الباردة.
⸻
المرحلة السابعة: محاكمة آيخمان – ولادة مفهوم «تفاهة الشرّ» (1961–1963)
في 1961، أرسلت مجلة «نيويوركر» آرنت إلى القدس لتغطية محاكمة أدولف آيخمان، الضابط النازي المسؤول عن تنظيم ترحيل اليهود إلى معسكرات الموت. هناك اكتشفت شيئًا صادمًا: لم ترَ أمامها وحشًا، بل موظفًا عاديًا. رجلاً بلا ملامح استثنائية، يبرّر جرائمه بعبارة واحدة: “كنت أنفّذ الأوامر.” من هنا صاغت أخطر فكرة في القرن العشرين: الشرّ يمكن أن يكون «تافهًا». ليس دائمًا وليد الكراهية، بل وليد الامتثال المطلق. وليد الفراغ الأخلاقي. وليد الصمت الداخلي الذي يحدث عندما يتوقف الإنسان عن التفكير. قالت في الكتاب: “الشر التافه هو الشر الذي يرتكبه أناس عاديون، غير منحرفين ولا ساديين، بل مرعبون في عاديتهم”. في 1963، نشرت كتابها الشهير «آيخمان في القدس: تقرير عن تفاهة الشرّ». تعرضت لهجوم شرس، واتُّهمت بأنها تقلّل من فظائع النازية، خاصة لانتقادها المجالس اليهودية (Judenräte) على تعاونها، لكنها كانت تكرر جملتها الشهيرة: “لا أكتب دفاعًا عن أحد. أكتب دفاعًا عن التفكير.” أثار الكتاب جدلاً هائلاً، مما أدى إلى قطيعة مع بعض الأصدقاء اليهود، لكنه أصبح أيقونة في دراسات الهولوكوست.
⸻
المرحلة الثامنة: حروب الحرية والفضاء العام – «عن الثورة» و«بين الماضي والمستقبل» (1968–1970)
في أواخر الستينيات، ومع تصاعد الاحتجاجات الطلابية في أوروبا وأمريكا، بدأت آرنت تحلل معنى الحرية داخل المجال العام. نشرت: «عن الثورة» (1963)، الذي قارن الثورة الأمريكية (ناجحة في بناء الحرية) بالفرنسية (فاشلة بسبب الرحمة الاجتماعية)، قائلة: “الثورات لا يصنعها الثوار، بل هم الذين يلتقطون السلطة عندما تسقط في الشارع”. ثم «بين الماضي والمستقبل» (1968)، مجموعة مقالات عن التفكير والتقليد، و«بشأن العنف» (1970)، الذي ميز بين العنف (قوة مدمرة) والسلطة (قوة مشاركة). ركزت في هذه المرحلة على فكرة أن الحرية ليست حدثًا تاريخيًا، بل ممارسة يومية في النقاش، والاختلاف، والمسؤولية. وأن العنف ليس امتدادًا للسياسة، بل علامة على فشلها، كما قالت: “العنف يدمر السلطة، لكنه غير قادر على خلقها”. تأثرت آرنت هنا بالحركات الطلابية ضد حرب فيتنام، التي اعتبرتها مثالاً على “الكذب في السياسة”.
⸻
المرحلة التاسعة: حكمة السنوات الأخيرة – «حياة العقل» (1975)
في العقد الأخير من حياتها، انصرفت آرنت إلى مشروعها الأكثر طموحًا: «حياة العقل – The Life of the Mind»، الذي أرادت أن تجيب فيه على سؤال: كيف يفكّر الإنسان؟ وكيف يحكم؟ وكيف يريد؟ قسمت الكتاب إلى ثلاثة أجزاء: التفكير (حل الروتين للقرار الأخلاقي)، الإرادة (الحرية الذاتية)، والحكم (غير مكتمل، مستوحى من كانط). قالت فيه: “التفكير هو النشاط الذي يمنع الشر، لأنه يجعلنا نفكر من منظور الآخر”. لم تكمله؛ فقد توقّف قلبها في 4 ديسمبر 1975 في شقتها في نيويورك، بسبب نوبة قلبية. عثروا على مخطوط الكتاب على مكتبها، وقلمها مفتوح على الصفحة الأخيرة، كأنها كانت في منتصف جملة لم تُكتب بعد. نُشر الكتاب بعد وفاتها عام 1978، وأكملته صديقتها ماري مكارثي.
⸻
المراحل الفكرية المكثّفة في مشروع حنّة آرنت
أولاً – التفكير كفعل أخلاقي: التفكير عند آرنت ليس بحثًا عن الحقيقة، بل بحثًا عن الذات. إنه الحوار الداخلي الذي يجعل الإنسان يسأل: “هل أستطيع العيش بما فعلت؟” غياب هذا السؤال هو بداية الشر، كما قالت: “من الأسهل الفعل تحت الطغيان من التفكير”. ثانيًا – الشرّ كتفاهة… لا عمق له: لم تكن آرنت ترى الشرّ قوة خارقة، بل آلية. الشر بالنسبة لها يحدث حين يتخلى الإنسان عن استقلاله، ويتحوّل إلى «ترس» في منظومة، قائلة: “الشر الأكبر يرتكبه الناس الذين لم يقرروا أن يكونوا خيرًا أو شرًا”. ثالثًا – الحرية كقدرة على البدء: الحرية عندها ليست غياب القيود، بل القدرة على البدء. على خلق فعل جديد لم يكن موجودًا من قبل. الإنسان حر لأنه قادر على المفاجأة، كما في: “الإنسان قادر على الفعل، مما يعني أن المتوقع منه هو غير المتوقع”. رابعًا – الفضاء العام: مكان الحقيقة المشتركة: ترى آرنت أن السياسة ليست صراعًا على السلطة، بل تنظيم للظهور المشترك. مكان يلتقي فيه البشر ليكشف كل واحد منهم عن ذاته أمام الآخرين، قائلة: “السلطة هي ما يحافظ على الفضاء العام”. خامسًا – خطر التقنية والبيروقراطية الحديثة: خافت آرنت من: تفكّك الفرد أمام التكنولوجيا، انهيار القرار الأخلاقي أمام الخوارزميات، ذوبان الإنسان في شبكات التحكم. كان تحذيرها مبكرًا… وكان صادقًا، كما في: “البيروقراطية تحول الرجال إلى وظائف، وبالتالي تهينهم”.
⸻
لماذا نحتاج أمثال آرنت اليوم أكثر من أي وقت مضى؟
لأن عالم اليوم يشبه عالمها: ازدحام، خضوع، ضجيج، عنف، امتثال جماعي، شاشات تُفكّر نيابة عن البشر. تقول آرنت إن أكبر جريمة يمكن للإنسان أن يرتكبها هي أن يعيش دون أن يفكّر. وإن الديمقراطية تموت حين يتحول الأفراد إلى أتباع. وإن الشرّ يعود كلما تخلّى الناس عن مسؤولية السؤال. في عصر الذكاء الاصطناعي والمراقبة الرقمية، يتردد صدى تحذيرها من “الإنسان الزائد”، حيث قالت: “التوتاليتارية تبدأ بالازدراء لما لديك”. لم تكن حنّة آرنت تريد إنقاذ العالم، بل إنقاذ التفكير. لأن العالم لا يسقط حين يخطئ، بل حين يتوقف عن التفكير. اليوم، مع انتشار الدعاية الرقمية والانقسامات الاجتماعية، تظل أفكارها دليلاً للمقاومة، كما في مقابلتها الأخيرة: “الأمل يكمن في القدرة على البدء من جديد”.
⸻
المصادر:
• Hannah Arendt – The Origins of Totalitarianism (1951) • Hannah Arendt – Eichmann in Jerusalem (1963) • Hannah Arendt – The Human Condition (1958) • Hannah Arendt – On Revolution (1963) • Hannah Arendt – Between Past and Future (1968) • Hannah Arendt – The Life of the Mind (1978, posthumous) • Karl Jaspers – Philosophical Faith and Revelation • Elisabeth Young-Bruehl – Hannah Arendt: For Love of the World • Hannah Arendt – Love and Saint Augustine (1929/1996) • Hannah Arendt – Rahel Varnhagen: The Life of a Jewess (1957) • Hannah Arendt – Crises of the Republic (1972) • Hannah Arendt and Martin Heidegger – Letters (1925–1975, published 2004)
#أوزجان_يشار (هاشتاغ)
Ozjan_Yeshar#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجتمع الغربان: بين شريعة الكل وإخفاق الفرد
-
الحياة ضمن القطيع: ضرورة اجتماعية أم شعور زائف بالأمان؟
-
الخلل في التفكير: بين ضرورة الأولويات ورفاهية الكماليات
-
نبوخذنصر الثاني: -الفصل التاسع والأخير- سيرة ملك بين الطين ا
...
-
نبوخذنصر الثاني: -الفصل الثامن- سيرة ملك بين الطين البابلي و
...
-
نبوخذنصر الثاني: -الفصل السابع- سيرة ملك بين الطين البابلي و
...
-
نبوخذنصر الثاني: -الفصل الخامس- سيرة ملك بين الطين البابلي و
...
-
نبوخذنصر الثاني: -الفصل السادس- سيرة ملك بين الطين البابلي و
...
-
نبوخذنصر الثاني: -الفصل الثالث- سيرة ملك بين الطين البابلي و
...
-
نبوخذنصر الثاني: -الفصل الرابع- سيرة ملك بين الطين البابلي و
...
-
نبوخذنصر الثاني: -الفصل الأول- سيرة ملك بين الطين البابلي وا
...
-
نبوخذنصر الثاني: -الفصل الثاني- سيرة ملك بين الطين البابلي و
...
-
رايان الذي روى عطش مليون إنسان
-
ومضات من بريق ضوء في ماريلاند: رحلة باميلا واتسون عبر سكون ا
...
-
الهندسة الأخلاقية للكون: قراءة في فلسفة براين لويس ومشروعه ف
...
-
الوجه الخفي لليابان: من صليل سيوف فرسان الساموراي إلى رقة تل
...
-
ليوبولد الثاني: الملك الذي امتلك قارّة وأباد شعباً
-
ومضات من فن الرسام الإيراني -محمود فرشجيان- رائد المدرسة الر
...
-
هيباتيا: شمس الأسكندرية المشرقة في عتمة التطرف والإرهاب
-
أصدقاء الله: مأساة -الأنقياء- النور المقموع في جنوب فرنسا
المزيد.....
-
-خريطة رأس السنة-.. فيلم مصري بهوية أوروبية وجمهور غائب
-
الجزيرة تضع -جيميناي- في سجال مع الشاعر الموريتاني -بن إدوم-
...
-
سيمفونية-إيرانمرد-.. حين تعزف الموسيقى سيرة الشهيد قاسم سليم
...
-
الممثل الأمريكي جورج كلوني وزوجته وطفلاهما يصبحون فرنسيين
-
فن الترمة.. عندما يلتقي الابداع بالتراث
-
طنين الأذن.. العلاج بالموسيقى والعلاج السلوكي المعرفي
-
الممثل الأمريكي جورج كلوني أصبح فرنسياً
-
العلاج بالموسيقى سلاح فعال لمواجهة طنين الأذن
-
-ذكي بشكل مخيف-.. وصفة مو جودت لأنسنة الذكاء الاصطناعي
-
أسطورة السينما الفرنسية بريجيت باردو ستدفن على شاطئ البحر في
...
المزيد.....
-
دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس
/ السيد حافظ
-
مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
زعموا أن
/ كمال التاغوتي
-
خرائط العراقيين الغريبة
/ ملهم الملائكة
-
مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال
...
/ السيد حافظ
-
ركن هادئ للبنفسج
/ د. خالد زغريت
-
حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني
/ السيد حافظ
-
رواية "سفر الأمهات الثلاث"
/ رانية مرجية
المزيد.....
|