أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - الاختلاف بوصفه جرحًا في الأنا














المزيد.....

الاختلاف بوصفه جرحًا في الأنا


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8572 - 2025 / 12 / 30 - 21:26
المحور: الادب والفن
    


في العلاقات الطويلة الأمد، وخصوصًا تلك التي تمتد لأربعة عقود، لا تكون المشكلة في الخلاف بحدّ ذاته، بل في طريقة إدارة الخلاف. ما تصفه ليس حالة عابرة ولا سوء مزاج مؤقت، بل نمط سلوكي متكرر يستحق الوقوف عنده تحليليًا، لا انفعاليًا.
الصديق الذي يصرخ عند الاختلاف، ويتفوه بكلمات جارحة، ثم ينسحب لأشهر أو سنوات، قبل أن يعود وكأن شيئًا لم يحدث، هو شخص يعيش صراعًا داخليًا مع الرأي المخالف أكثر مما يعيش صراعًا معك. فالعقل المثقف لا يُقاس بكمّ المعرفة، بل بقدرة صاحبه على احتمال الاختلاف دون أن يشعر بالتهديد. كثيرون يحملون شهادات، ويقرؤون كتبًا، لكنهم لم يتعلموا بعدُ أبجديات الحوار.
من منظور نفسي، هذا السلوك يندرج غالبًا تحت ما يسميه علماء النفس العجز عن تنظيم الانفعال. حين يختلف معه الآخر، لا يسمع الفكرة بل يسمع طعنًا في ذاته، فيتحول النقاش إلى معركة دفاع عن الأنا. هنا يرتفع الصوت، وتخرج الكلمات غير المناسبة، لأن الغضب يصبح لغة بديلة عن الحجة. سقراط، حين قال: «تحدث كي أراك»، كان يقصد أن الإنسان يُعرَف في لحظة الاختلاف لا في لحظة الاتفاق.
أما الانسحاب الطويل، فهو شكل من أشكال العقاب الصامت. الصديق لا ينسحب ليهدأ فقط، بل ليقول: “إما أن تتفق معي، أو أفقدك”. وهذا سلوك طفولي في جوهره، مهما غُلّف بثقافة أو مكانة علمية.
العودة المتكررة “كأن لم يكن شيء” ليست تسامحًا، بل إنكارًا للمشكلة. وكأن العلاقة تُعاد إلى نقطة الصفر دون مراجعة، لتبدأ الدورة ذاتها من جديد: اتفاق، اختلاف، صراخ، قطيعة، عودة. هذه الدائرة المغلقة هي استنزاف نفسي مرهق للطرف الأكثر هدوءًا.
الخطر الحقيقي في هذا النوع من الصداقات ليس في الكلمات الجارحة وحدها، بل في تآكل الاحترام ببطء. فالصداقة التي لا تسمح لك بأن تختلف بأمان، ليست صداقة متكافئة. أرسطو ميّز بين صداقة المنفعة، وصداقة اللذة، وصداقة الفضيلة، والأخيرة وحدها تقوم على قبول الآخر كما هو، لا كما نريده أن يكون.
الشاهد الواقعي الأهم هو نفسك: أربعون عامًا من التكرار تعني أن الأمر ليس حادثًا طارئًا، بل بنية ثابتة في شخصيته. والسؤال التحليلي الجوهري ليس: لماذا يفعل هو ذلك؟ بل: إلى أي حد يمكنني أنا أن أقبل هذا النمط دون أن أخسر اتزاني وكرامتي؟
أن الثقافة لا تمنح صاحبها تلقائيًا أخلاق الحوار، وأن طول العِشرة لا يبرر الإيذاء المتكرر. الصداقة الحقيقية لا تُقاس بعدد السنوات، بل بقدرتها على النجاة من الخلاف دون صراخ، ودون قطيعة، ودون إذلال. وكل علاقة لا تتطور في طريقة خلافها، محكوم عليها أن تعيد أخطاءها إلى ما لا نهاية، مهما طال الزمن، ومهما كثرت الذكريات.
أقول له : اذهب ما شئت، واغضب ما شئت، واصنع من القطيعة مسافتك الآمنة كلما ضاق صدرك برأي لا يشبهك. لكن اعلم أنني لم أعد ذلك الذي ينتظر عودتك وكأن شيئًا لم يحدث، ولم أعد مستعدًا لأن أدفع ثمن صراخك من عمري وهدوئي. الصداقة التي لا تحتمل الاختلاف لا تستحق أن تُستأنف، والعِشرة التي تُدار بالصوت العالي والانسحاب الطويل ليست فضيلة بل إنهاك. إن عدتَ دون وعي، فبقاؤك غياب آخر، وإن اقتربتَ دون احترام، فالمسافة بيننا أولى. اذهب ما شئت، ولا تقترب لي، فقد تعبتُ من إعادة ترميم ما تهدمه نوبات الغضب، وتعبتُ أكثر من صداقات لا تنضج مهما طال بها الزمن.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيدة المطر
- حين يصل الجمال متأخرًا
- حين يصبح الحب وزنًا لا جناحًا
- بين النار والثلج : سيرة انسان
- الذئب بوصفه شماعة الخطيئة: قراءة في قلب الحكاية
- هكذا تُربّى الأجيال: حين يقف التلميذ لأن الفساد جلس مكانه
- تشريح خطاب السلطة ولغة الجسد
- القيادة الحقيقية : عندما يتفوق الوعي على السلطة
- عن اي شيء سيسجل التاريخ ؟
- تأملات في معنى الطبخة السياسية
- كيف خنتُ ضميري لأرفع وهماً ؟
- حضور باهت
- حين يصبح الهيام قدَرًا لا يُقاوَم
- كن صديقي
- تأملات في بؤس المشهد الثقافي
- كل الطرق تؤدي اليك
- قربكِ يؤذيني
- الوعي كألمٍ ناعم
- بين الطيبة والانفعال: سقوط الصورة الجميلة
- تعلموا النسيان .. وتركوا لنا الذنب كاملاً


المزيد.....




- -خريطة رأس السنة-.. فيلم مصري بهوية أوروبية وجمهور غائب
- الجزيرة تضع -جيميناي- في سجال مع الشاعر الموريتاني -بن إدوم- ...
- سيمفونية-إيرانمرد-.. حين تعزف الموسيقى سيرة الشهيد قاسم سليم ...
- الممثل الأمريكي جورج كلوني وزوجته وطفلاهما يصبحون فرنسيين
- فن الترمة.. عندما يلتقي الابداع بالتراث
- طنين الأذن.. العلاج بالموسيقى والعلاج السلوكي المعرفي
- الممثل الأمريكي جورج كلوني أصبح فرنسياً
- العلاج بالموسيقى سلاح فعال لمواجهة طنين الأذن
- -ذكي بشكل مخيف-.. وصفة مو جودت لأنسنة الذكاء الاصطناعي
- أسطورة السينما الفرنسية بريجيت باردو ستدفن على شاطئ البحر في ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - الاختلاف بوصفه جرحًا في الأنا