أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - حين يصل الجمال متأخرًا














المزيد.....

حين يصل الجمال متأخرًا


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8571 - 2025 / 12 / 29 - 21:48
المحور: الادب والفن
    


يقول أحمد خالد توفيق: «أخبروا الأشياء المتأخرة أن قدومها لم يعد مرحبًا به، فقد فات أوان اللهفة، وأن مجيئها الآن بعد انطفاء الشغف لن يجعلني ألتفت لها مهما بلغت من جمال». هذه العبارة لا تُقال من موقع الغضب ولا من منبر العتاب، بل من مساحة أكثر عمقًا وهدوءًا: مساحة الإنسان الذي أدرك متأخرًا أن التوقيت ليس تفصيلاً هامشيًا في الحياة، بل هو روح الأشياء وجوهرها الخفي. فالأشياء لا تُقاس بقيمتها المطلقة، بل باللحظة التي تصل فيها، وبالحالة الشعورية التي تستقبلها. ما يأتي في زمن اللهفة يُستقبل بالقلب قبل العقل، وما يأتي بعد انطفائها يُفحص ببرود، مهما كان براقًا ومكتملًا.
إن الشغف ليس حالة دائمة، بل طاقة قابلة للنفاد. حين ننتظر طويلًا، لا نخسر الوقت فقط، بل نخسر أجزاء من أنفسنا كانت مستعدة للحب والفرح والتسامح. في لحظة الانتظار الأولى نمنح الأعذار بسخاء، نبرر الغياب، ونراهن على العودة. لكن مع تكرار الخيبة، يبدأ القلب بتقليل توقعاته، لا وعيًا منه، إلى أن يصل إلى مرحلة الصمت الداخلي؛ لا غضب ولا احتجاج، بل إرهاق عاطفي خالص. وعندما تصل الأشياء أخيرًا، تصل إلى إنسان آخر، نسخة مختلفة، أقل حماسة وأكثر حذرًا، وربما أكثر تعبًا.
ليست المشكلة في الشيء المتأخر ذاته، بل في المسافة التي خلقها التأخير داخل الروح. فالجمال الذي يأتي بعد طول انتظار يفقد قدرته على الإدهاش، لأنه لم يعد يلامس حاجة ملحّة. وكأن توفيق يقول إن بعض الفرص لا تموت لأنها ضاعت، بل لأنها استُهلكت بالانتظار. فالقلب الذي ظل واقفًا طويلًا على عتبة الأمل، يتعلم في النهاية الجلوس، ثم يتعلم الانصراف. وحينها، لا يعود الوصول حدثًا استثنائيًا، بل خبرًا عابرًا لا يوقظ شيئًا في الداخل.
الزمن هنا لا يمارس الظلم، لكنه يفرض قوانينه بصرامة. لا يعيد اللهفة، ولا يعيد ترتيب المشاعر كما كانت. لأن المشاعر كائنات حيّة، تولد وتنمو وتمرض وتموت، وإذا طال إهمالها تفقد قابليتها للحياة. ولهذا فإن الأشياء المتأخرة، مهما بلغت من كمال، تصطدم بحقيقة قاسية: أنها جاءت إلى قلب لم يعد ينتظر. ليس لأن القلب قاسٍ، بل لأنه تعلّم، بثمن باهظ، أن يحمي نفسه من خيبات إضافية.
هذه العبارة ليست إعلان قطيعة، بل شهادة نضج مؤلم. نضج يدرك فيه الإنسان أن بعض الأبواب إذا أُغلقت لا تُفتح ثانية، لا عنادًا، بل لأن الداخل تغيّر. فاللامبالاة التي يصل إليها ليست ضعفًا، بل آلية دفاع أخيرة تحافظ على ما تبقى من الروح. وهكذا تصبح الأشياء المتأخرة ضحايا توقيت فاسد، لا ضحايا قسوة إنسان.
في النهاية، يقول أحمد خالد توفيق ما لا يُقال عادة: إن أخطر أشكال الفقد ليس أن لا تأتي الأشياء، بل أن تأتي بعد أن نفقد القدرة على الفرح بها. فليس كل وصول نجاة، وليس كل جمال كافيًا، حين يكون القلب قد سبق الأشياء إلى الرحيل.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يصبح الحب وزنًا لا جناحًا
- بين النار والثلج : سيرة انسان
- الذئب بوصفه شماعة الخطيئة: قراءة في قلب الحكاية
- هكذا تُربّى الأجيال: حين يقف التلميذ لأن الفساد جلس مكانه
- تشريح خطاب السلطة ولغة الجسد
- القيادة الحقيقية : عندما يتفوق الوعي على السلطة
- عن اي شيء سيسجل التاريخ ؟
- تأملات في معنى الطبخة السياسية
- كيف خنتُ ضميري لأرفع وهماً ؟
- حضور باهت
- حين يصبح الهيام قدَرًا لا يُقاوَم
- كن صديقي
- تأملات في بؤس المشهد الثقافي
- كل الطرق تؤدي اليك
- قربكِ يؤذيني
- الوعي كألمٍ ناعم
- بين الطيبة والانفعال: سقوط الصورة الجميلة
- تعلموا النسيان .. وتركوا لنا الذنب كاملاً
- عدتِ متأخرة… فوجدتِ الخراب منظّماً
- عودة الشخص الآخر… عودة الحياة بطعم العتاب


المزيد.....




- أحدثت بجمالها ثورة جنسية في عالم السينما.. وفاة بريجيت باردو ...
- عودة هيفاء وهبي للغناء في مصر بحكم قضائي.. والفنانة اللبناني ...
- الأمثال الشعبية بميزان العصر: لماذا تَخلُد -حكمة الأجداد- وت ...
- بريجيت باردو .. فرنسا تفقد أيقونة سينمائية متفردة رغم الجدل ...
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو، فماذا نعرف عنها؟ ...
- الجزيرة 360 تفوز بجائزة أفضل فيلم وثائقي قصير بمهرجان في الس ...
- التعليم فوق الجميع.. خط الدفاع في مواجهة النزاعات وأزمة التم ...
- -ناشئة الشوق- للشاعر فتح الله.. كلاسيكية الإيقاع وحداثة التع ...
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية بريجيت باردو عن 91 عاما
- وفاة أيقونة السينما الفرنسية.. بريجيت باردو


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الطيب - حين يصل الجمال متأخرًا